10-نوفمبر-2019

يقول الفلاح حسن الشتيمي إنه يهدف لتحرير الزراعات الكبرى من البذور الهجينة (صورة توضيحية/فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

في الوقت الذي تورّد فيه تونس أصنافًا من البذور والحبوب، لا يزال بعض الفلاحين يتشبثون بالبذور التونسية الأصيلة بل ويسعون إلى تطويرها بهدف "تحرير" الزراعات الكبرى من البذور المهجّنة والمسرطنة أحيانًا. ومن بين الفلاحين المؤمنين بأن أرض تونس خصبة معطاء، الفلّاح العصامي حسن الشتيوي الذي ما انفك يبحث ويجرّب بغية ابتكار حبوب جديدة أصلها ضارب في "مطمورة روما"، وكان أن توصّل إلى حبّة "الشتيوي" وحبة "البركة".

وإلى جانب المحاولات المتواصلة لحسن الشتيوي بهدف إعادة إنتاج البذور التونسية التي تلاشت أمام البذور المورّدة، يسعى ومجموعة من الفلاحين إلى بعث الاتحاد التونسي للزراعة.

حبة "الشتيوي" المُطوّرة

 

شاهد/ي أيضًا: البذور البيولوجية.. نحو تجنب الاستعمار الغذائي

لماذا الاتحاد التونسي للزراعة؟

عن أسباب التفكير في بعث اتحاد للزراعة في الوقت الذي يوجد فيه الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري ونقابة الفلاحين، يقول حسن الشتيوي لـ"ألترا تونس" إن الأمر نابع من السعي إلى حماية الشتلات التونسية من الاندثار وسط تغوّل التوريد ومنها حماية الأمن الغذائي التونسي.

حسن الشتيوي: من المؤسف أن يأكل شعب تونس من وراء البحار رغم أنّ البلد منتج لأغلب المواد التي يورّدها ومنها الحبوب

ويضيف، في حديثه معنا، أنه من المنتظر أن يعلن مجموعة من الفلاحين خلال مؤتمر صحفي عن بعث "الاتحاد الزراعي التونسي" وذلك بعد استكمال إجراءات الحصول على التأشيرة، مؤكّدًا أن هدفه الدفاع عن القطاع الفلاحي وخاصة البذرة التونسية وتحرير الزراعات الكبرى من هيمنة اللوبيات، وفق قوله.

طوّر الفلاح حسن الشتيوي قمح "الشتيوي" وهو قمح تونسي يتكيّف مع المناخ المحلّي

 

ويتابع بالقول "رغم أننا منخرطون في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري ونقابة الفلاحين ولكن للأسف هما لا يوليان الأهمية اللازمة للزراعات الكبرى مقابل الاهتمام بالحليب واللحوم الحمراء واللحوم البيضاء وهو ما جعلنا نتوجه إلى تأسيس اتحاد زراعي".

ويعتبر، في سياق متّصل، أنّه من المؤسف أن يأكل شعب تونس من وراء البحار رغم أنّ البلد منتج لأغلب المواد التي يورّدها ومنها الحبوب، وهو ما يدفع إلى إعادة التفكير في مسألة تحقيق الاكتفاء الذاتي، على حدّ تعبيره.

البذرة التونسية في مواجهة البذور الموّردة

وفي الوقت الذي انطلقت فيه موسم الزراعات الكبرى في عدد من الولايات التونسية، يتحدّث الفلاح حسن الشتيوي عن مشروع ممنهج لزراعة حبوب لا تعمّر طويلًا، في ظل محاولة واضحة للاستغناء عن البذرة التونسية التي تحمل تاريخ تونس وماضيها، وفق قوله.

ويشير إلى أن البذور التونسية لم تعد موجودة مقابل انتشار بذور مورّدة بعضها مهجّن وبعضها الآخر مسرطن مضيفًا "نحن كفلاحين شعرنا بخطورة هذه البذور على الإنتاجية ومنها نما هاجس البحث عن البذور التونسية الأصيلة".

حسن الشتيوي: يوجد مشروع ممنهج لزراعة حبوب لا تعمّر طويلًا في ظل محاولة واضحة للاستغناء عن البذرة التونسية التي تحمل تاريخ البلاد

اقرأ/ي أيضًا: ما معنى أن تكون حبوب الكسكسي جزءًا من كرامة التونسي؟

وتابع حديثه لـ"ألترا تونس" قائلًا: "يمكن الحصول على بذور تونسية صرفة ولكنّ الأمر يتطلّب بحثًا وصبرًا وجهدًا ذلك أنّه يمكن أن تتحصّل في كثير من الأحيان على سنبلة واحدة من الصنف ولذلك كوّنت فريقًا للبحث عنها".

ويلفت إلى أنّه طوّر قمح "الشتيوي" وهو قمح تونسي يتكيّف مع المناخ المحلّي، إلى جانب "حبّة البركة" التي أنتجت 194 سنبلة دون استعمال أيّة أدوية، مؤكّدًا أنّ رحلة إحياء أصناف القمح التونسي على غرار "البيدي"، و"المحمودي"، و"الشيلي" و"البسكري" لازالت متواصلة.

حبة "البيدي" التي يسعى الفلاح حسن الشتيوي إلى تطويرها

ابتكارات فلاح عصامي

وعن رحلة ابتكار قمح "الشتيوي" و"حبة البركة"، يخبرنا حسن الشتيوي أنّه فلاح عصامي تملّكه هاجس البحث في الزراعات الكبرى منذ ما يزيد عن ربع قرن توصّل خلالها إلى تحقيق نتائج مبهرة في ظل ظروف صعبة اتسمت بالفوضى ونقص الأسمدة والمياه والجوائح، وفق تعبيره.

حسن الشتيوي: لا أتلقى أيّ دعم باستثناء زيارة من مدير عام بنك الجينات لضيعة الفجّة لكن لن أتوقّف عن البحث من أجل تطوير الحبوب التونسية

ويضيف الفلاح الذي يجري التجارب في ضيعته الفلاحية الواقعة في الفجة التابعة لمنطقة برج العامري من محافظة منوبة، أن حبّة "البركة" حبّة بريّة أدرّت في موسم الحصاد الفارط آلاف الحبات في انتظار أن تنتج المزيد في الموسم القادم، وفق قوله.

ويتابع بالقول "مازالت رحلة الابتكارات متواصلة بهدف الحفاظ على البذور التونسية الأصيلة، ورغم أن الأمر متعب وأنني لا أتلقى أيّ دعم باستثناء زيارة من مدير عام بنك الجينات لضيعة الفجّة فإنني لن أتوقّف عن البحث من أجل تطوير الحبوب التونسية".

الفلاح حسن الشتيوي بجانب سنابل من حبة "البركة" المُبتكرة

 

ويشر محدّثنا إلى أنّه كان عرضة للعراقيل والسخرية من المحيطين به إلى أن جاء الرد بقمح "الشتيوي" وحبّة "البركة" اللذين يقبل عليهما الفلاحون خلال موسم الزراعة وتمكّن من بيعهما بسعر محترم، وفق تأكيده.

ويلفت إلى أنّ كل مراحل إنتاج البذور تتم في ضيعة "الشتيوي" في الفجّة حيث يجري تجارب كثيرة يدوية تتطلّب الكثير من الجهد والتركيز لتطوير الحبّة، بعد أن اكتشف بحكم الخبرة أنه يمكن تطوير حبّة القمح عبر تطعيمها بحبيبات لقاح الشعير وذلك بعد تنشيط ذاكرتها، طبقًا لقوله.

حسن الشتيوي: تلقيت اتصالات من الجزائر والمغرب وكندا والولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة كيفية حصولي على الحبوب التي ابتكرتها

وعن التفاعل مع الحبوب التي ابتكرها، يقول إنّه تلقّى اتصالات من الخارج لمعرفة كيفية الحصول عليها من بينها اتصالات من الجزائر والمغرب وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أنّ هذه الأصناف من الحبوب لها مناعة قوية وذات إنتاجية كبرى.

ويضيف، في ختام حديثه لـ"ألترا تونس"، أنه نقل أسرار الزراعة في مختلف مراحلها وإنتاج البذور التونسية إلى امرأتين من منطقة الفجّة، لافتًا إلى أن البذور التونسية الأصيلة على غرار التي ابتكرها لديها مناعة عالية ويمكنها أن تقاوم الفطريات دون أدوية على عكس البذور المورّدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العاملات في القطاع الفلاحي.. عن نساء يضمنّ الأمن الغذائي بالعرق والدم

تونس.. أين تهدّد كلفة الإنتاج والاستيراد الأمن الغذائي