20-أكتوبر-2020

هل أن "تطوير" حكومة المشيشي عبر زرع موالين للتحالف "ائتلاف-نهضة-قلب تونس" للتموقع يمثل هدفًا من أهداف الثورة؟ (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

مقال رأي

 

"الحق لا يعرف بالرجال... وإنما يعرف الرجال بالحق... فاعرف الحق تعرف أهله"، هو قول منسوب للإمام علي بن أبي طالب.

من يمثل "الثورة المضادة" في تونس؟ لا شك أن عبير موسي والداعين لاستعادة زمن ما قبل الثورة هم طرف طليعي في الثورة المضادة. لا يحتاج الأمر إلى تفصيل كبير، فهي تصرح علنًا برفضها للثورة ودستورها، وهي طرف محلي مرتبط بوضوح بأطراف إقليمية تعمل منذ سنوات على تهيئة الظروف للثورة المضادة.

لكن من المفارقات الحقيقية أن من يمكن أن يلهج بلفظ الثورة ويرددها أكثر من غيره هو المعني أساسًا بخدمة الثورة المضادة. هل التحالف نهضة-قلب تونس-ائتلاف الكرامة تعبير عن "خط الثورة"؟ أو كما عبر عنهم أحد النواب المنضمين إليهم بـ"أهل الثورة"؟

هل أن توفير الحماية السياسية للقروي وأدوات الضغط السياسي الممكن على القضاء بهدف التخفيف من مسار الملاحقة القضائية ضده في قضايا غسيل الأموال وتهديد الأمن القومي من أهداف الثورة؟

لا تُعرف الثورة بالرجال لكن يُعرف الرجال بالثورة، بمعنى آخر اذا أردنا تحديد خط الفرز بين مسار الثورة والثورة المضادة فليست البوصلة في هوية جماعات أو أشخاص يمكن أن تدعي ملكية "باتيندة" الثورة، لكن يكمن خط الفرز في الممارسات والأفعال والمواقف، لهذا يجب علينا أن نحدد مضامين ومعاني الثورة وفي المقابل ما يخدم مضادتها.

يمكن أن نحدد بشكل عام عنوان مضمون الثورة في السياق التونسي الراهني في التصور الآتي: الحفاظ على المكسب الديمقراطي عبر مسار إصلاحي يشمل إصلاحًا اقتصاديًا واجتماعيًا يرسخ العدالة في الفرص وتفكيك وسائل سيطرة نخبة الهيمنة التي عطلت التنمية لعقود طيلة عهود الاستبداد. بمعنى آخر، لا يوجد أي معنى للثورة إن لم يتم ترسيخ الديمقراطية السياسية وتحصينها وتعميقها بدمقرطة اجتماعية واقتصادية.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة المشيشي بأرجل من طين

ما هي هوية التحالف "نهضة-قلب تونس-ائتلاف الكرامة"؟ هل هو خط سياسي يخدم الثورة وبالتحديد معاني الإصلاح المذكورة أعلاه أم تموقع في الدولة بهدف التموقع للتموقع في الحد الأدنى وبهدف خدمة تموقع لوبيات محددة فيه؟

كل التحالف مبني أساسًا على ركن محدد، وهو أيضًا مصدر انبعاثه الأصلي: انتخاب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وتم تعزيزه في "مكتب المجلس" من خلال ترويكا برلمانية كانت الأمتن بالنسبة للنهضة مقارنة بدرجة التزامها بالتحالف الحكومي زمن حكومة الفخفاخ. وبقي هذا التحالف البرلماني الضامن لحصانة رئاسة البرلمان. هل من أهداف الثورة أن يكون السيد راشد الغنوشي رئيسًا للبرلمان أم من أهدافها تطويع كل شيء من أجل تحالف حكومي إصلاحي جدي بمنأى عن أي شبهات فساد؟ وهذا يهيء لسؤال لاحق لا يهمّ حركة النهضة وحدها بل المسار العام: هل من أهداف الثورة استمرار السيد الغنوشي في رئاسة النهضة لكي يمكن له الترشح لرئاسة الجمهورية سنة 2024؟

هل أن، في المقابل، دعم النهضة لمطالب نبيل القروي في تغيير القوانين ليستطيع شرعنة وضع قناته نسمة، التي كانت وسيلته الضاربة في مشروعه السياسي-الانتخابي، وحتى يصبح بإمكان مالكي الأحزاب امتلاك قنوات تلفزية، و"تسريح" مسالك التمويل من الخارج إلى الداخل، عبر إلغاء الرخص المسبقة (المعتمدة في معظم ديمقراطيات العالم)، هل أن ذلك من أهداف الثورة؟ هل أن تحويل المشهد الإعلامي السمعي البصري من سيء إلى أسوأ، مقابل تجاهل مشروع إصلاح الإعلام الذي يؤسس لهيئة الاتصال السمعي البصري وفق الدستور ويرسخ قواعد الإعلام الديمقراطي، من أهداف الثورة؟

خلف ستار الصراع اليومي المحموم مع عبير موسي، يتحول خصومها المعلنين إلى مجرد وسائل مساعدة لها موضوعيًا

هل توفير الحماية السياسية للقروي وأدوات الضغط السياسي الممكن على القضاء بهدف التخفيف من مسار الملاحقة القضائية في قضايا غسيل الأموال وتهديد الأمن القومي عبر التآمر مع ضابط استخبارات عسكرية إسرائيلي سابق للتأثير على الانتخابات عبر ضغوط أجنبية، هل أن ذلك من أهداف الثورة؟ هل أن "تطوير" حكومة المشيشي عبر زرع موالين للتحالف "ائتلاف-نهضة-قلب تونس" للتموقع يمثل هدفًا من أهداف الثورة؟

هل أن تحالفًا يخدم هذه الأهداف ويتم تطويع كل شيء لصالحه سيخدم الإصلاح وسيحمي الديمقراطية؟  أليس التموقع للتموقع أو الأسوأ التموقع من أجل زرع مشبوهين من أمثال موالين لنبيل القروي، ألا يضرب في الصميم الثقة ذاتها في الدولة، وألا يمثل الانقلاب في المواقف من معاداة القروي "الفاسد" إلى دعمه المطلق تحت شعار "غلطونا"، ألا يضرب ذلك في الصميم الثقة في الديمقراطية ذاتها؟ ألا يخدم ذلك في نهاية الأمر الثورة المضادة؟ ماذا بقي عن الثورة المضادة إذًا؟

في السياق الراهن المفارقة واضحة: تحت وابل كثيف من الشعارات الثورية يتم تعبيد الطريق للثورة المضادة. وخلف ستار الصراع اليومي المحموم مع عبير موسي، يتحول خصومها المعلنين إلى مجرد وسائل مساعدة لها موضوعيًا.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

النهضة بين ترتيب المؤتمر 11 وانفلاتاته

"الشعبية" و"الشعبوية"