10-نوفمبر-2020

انطلقت المبادرات التي تهدد حكومة المشيشي من مصادر مختلفة وبنوايا وآفاق متباينة (ناصر طلال/ الأناضول)

 

مقال رأي

 

تشتغل في الكواليس السياسية في تونس مسارات مختلفة لكن متقاطعة تستهدف إعادة تشكيل الإحداثيات السياسية للوضع المتنافر القائم. يجب التذكير أن الوضع الراهن غريب الأطوار وغير سليم بالمرة: مرشح الرئيس لرئاسة الحكومة انقلب عليه وينسق الآن مع معارضيه، حلف "الترويكا البرلمانية" (ائتلاف الكرامة - حركة النهضة - قلب تونس). القروي، خصم قيس سعيّد ونقيضه السياسي والقيمي، ينسق مع المشيشي وأصبح عرابه. هذا سينعكس على التنسيق في كبرى المسائل في تسيير دفة الدولة، ليس فقط للترابط بين صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بل لأن شطر الحكومة تدين بالولاء لقيس سعيّد، خاصة أهم وزاراتها السيادية الخارجية والدفاع والعدل والداخلية. 

انطلقت المبادرات من مصادر مختلفة وبنوايا وآفاق متباينة. لنبدأ بالمبادرة السياسية لحوار وطني أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل وأعلن بعض سماتها أمينه العام وتستهدف أساساً المصالحة بين الرئيس ورئيس البرلمان، ولكن يمكن أن تصل حتى لاقتراح مشهد حكومي جديد.

ينسق القروي مع المشيشي وأصبح عرابه وهذا سينعكس على التنسيق في تسيير دفة الدولة، ليس فقط للترابط بين صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة بل لأن شطر الحكومة تدين بالولاء لقيس سعيّد

الفكرة تقوم على أن المشيشي في موقع أكبر منه وتحت تهديد ائتلاف برلماني متناقض مع الرئيس وأن هذا المشهد المركب المتنافر لا يستقيم مع صعوبة المرحلة، ويضع الجميع أمام وضع معقد، حيث يمكن لهم التأثير لكن بحدود. لا أحد يمكن أن يمد ساقيه بالكامل والجميع تحت تهديد ما في الجهة المقابلة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تحوّلت "حكومة الرئيس" إلى حكومة تدعمها النهضة وقلب تونس؟

ما يقترحه الاتحاد وقف نزيف الثقة الحاد بين قيس سعيّد وراشد الغنوشي، ودفعهما لاختيار رئيس حكومة جديد واقتراح حكومة سياسية مع تكنوقراط بداية العام القادم. ويبدو الظهور المتواتر مرة أخرى للمرشح المفضل للنهضة - قلب تونس فاضل عبد الكافي خاصة بعد انضمامه للحزب "المنسي" آفاق تونس، الذي يمكن أن "يشتري باتندته مع قياديي منظمة الأعراف" للتصدر كمرشح غير محسوب على قلب تونس، وهو ما يعتقد البعض أنه أحد دواعي رفض قيس سعيّد لترشحه.

يبدو أن أفق هذه المبادرة، في السياق الحالي، لا يمكن أن تحظى بالنجاح لسبب أساسي: تمسك قيس سعيّد بقراءة ترى في نبيل القروي جزءًا من "محور شر" لا يمكن مد الأيدي له، خاصة أن تقرير محكمة المحاسبات الأخير يثبت كل الشبهات المعلومة ويقويها، تعاقد مع أطراف أجنبية وتمويل أجنبي للقيام بضغط والتأثير على مسار الانتخابات، "تضليل الناخبين"، واستعمال غير قانوني لجمعية "خليل تونس". في المقابل يتمسك رئيس حركة النهضة والبرلمان بحليفه الذي يمسك بإحدى سيقان كرسي رئاسة البرلمان.

تلقى مبادرة الحوار الوطني الاقتصادي للتيار وحركة الشعب آذانًا صاغية من الرئيس، الذي انفتح بشكل غير مسبوق على الحزبين في لقاءين متتاليين

في المقابل، انطلقت مبادرة أخرى يقودها التيار الديمقراطي ويسندها نسبيًا حليفه البرلماني حركة الشعب، وهي مبادرة "الحوار الوطني الاقتصادي". ميزة المبادرة أنها تلقى آذانًا صاغية من الرئيس، الذي انفتح بشكل غير مسبوق على الحزبين في لقاءين متتاليين، ولو أنه اختار عدم نشر صوره للقاءين على الصفحة الرسمية للرئاسة، لكنه سمح للحزبين بتداول الخبر.

يبدو هذا التوجه منفتحاً على أمرين: أولاً، حزام سياسي رئاسي لمواجهة "الترويكا البرلمانية" وهو الوضع الذي ترسخ مع حكومة الفخفاخ وخاصة توثق مع "هروب المشيشي عن طاعة الرئيس". ثانيًا، إمكانية أن يكون الموضوع الاقتصادي منصة لا سياسية في الظاهر لترتيبات عامة تلتقي مع مبادرة الاتحاد دون الوصول إلى ترتيبات سياسية تحرج الرئيس، فلا يشتكي الذئب ولا يشتكي الراعي.

اقرأ/ي أيضًا: مقترح حوار وطني.. محاولة افتكاك المبادرة من جديد في تونس

يقف المشيشي أمام كل ذلك في وضع صعب، إذ يبحث على أغطية مختلفة لتحصين موقعه في القصبة "تحت رحمة ترويكا برلمانية" لن تجد حرجًا في النهاية في التخلي عنه، ويبدو مصيره مرتهنًا أساسًا برئيس قلب تونس نبيل القروي الذي يزوره، حسب مصادري، تقريبًا يوميًا.

يبحث المشيشي عن انتصارات وإعلانات مؤثرة، مثلاً يبدو اتفاق الكامور سعيًا للحصول على هذه المزايا يبقى أن هذا الاتفاق قد يتم التشكيك في إمكانية تطبيقه

كما يبحث المشيشي عن انتصارات وإعلانات مؤثرة، مثلاً يبدو اتفاق الكامور سعيًا للحصول على هذه المزايا، يبقى أن هذا الاتفاق قد يتم التشكيك في إمكانية تطبيقه العملي خاصة فيما يتجاوز ميزانية 2020 وأيضًا سيفتح شاهية إغلاق "فانات" في جهات أخرى من البلاد.

يضاف الى ذلك ميزانية مضطربة يتم إعادتها لأول مرة في التاريخ من البرلمان إلى الحكومة، وصراع مفتوح مع محافظ البنك المركزي من أجل إصدار سندات مالية توفر لحكومة المشيشي "إنفاقًا بلا حساب" لكي يرضي كل الطلبات ويعزز موقعه في القصبة، هذا إذا استطاع تجاوز أزمات الشتاء الاجتماعية، والآن "الكورونية" خاصة مع زيادة نسب الإصابات والوفيات. في المحصلة كل "حلول" المشيشي لا تحصنه، لكن في المقابل تزيد في وضع البلاد صعوبة.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. حمى السياسة وفوضى الحواس (حصيلة التفكيك)

في رحاب "مجلس الصبيان".. فرجة وامتعاض