30-مارس-2020

بأيّ معنى يمكن اعتبار الأزمة فرصة لتجديد النّسيج الاقتصادي التونسي (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)

 

كنّا قد تطرّقنا في الجزء الأوّل من هذا المقال إلى الكلفة المُحتملة لأزمة الكورونا ولاستثنائيّتها فضلًا عن تقييم دور السلطة النقديّة ونستعرض في هذا المقال فرضيات أخرى حول سبُل مجابهة الأزمة وبأيّ معنى يمكن اعتبارها فرصة لتجديد النّسيج الاقتصادي التونسي.

اقرأ/ي أيضًا: الاقتصاد التونسي وجائحة الكورونا: الأزمة الفرصة (2/1)

عن فرصة الإنقاذ المشروط

فيما هو مُتداول تجريبيًا من حلول غير تقليديّة من خارج الاقتصار على التّخفيض من نسبة الفائدة المديريّة، تتراوح إمكانيات الدّولة حكومة وسلطة نقديّة (البنك المركزي) على وجه التّحديد في الإنقاذ بين جملة من الخيارات أو الإمكانيّات.  

الخيار الأوّل هو التّيسير الكمّي1 ويمكن أن نطلق عليه سيناريو 2008، أي تدخّل البنك المركزي بشراء سندات البنوك بما يسمح لها بتمويل الاقتصاد أفرادًا ومؤسّسات. والأرجح أنّ هذا الخيار وكما بيّنت تجربة العشرية الماضية لن يكون موفّقًا لكونه يؤدي إلى استفادة البنوك بطريقة غير متوازنة مع الاستفادة المنشودة للفاعلين في الاقتصاد الإنتاجي.

إذا كانت كلّ أزمة نافذة لفرصة غنائمها أكبر ممّا سبقها من مغارم، فإنّ اقتناص هذه الفرصة يعتمد أوّلًا على تقدير حاجيات موجة طلب عالميّة هائلة سنعرفها بعد أن تهدأ عاصفة الكورونا 

الخيار الثّاني الذي ينتمي لمدوّنة ما قبل أزمة 2008 هو تجاوز السّقف النّفسي لعجز الميزانية والمضي قدمًا في خطّة تاريخيّة للإنفاق العمومي تقودها الدّولة وقد ترافقها موجة تأميم لمؤسّسات كبرى حيويّة في قطاعات الصحّة أو البنية التحتيّة أو الصّناعة. والأرجح أنّ هكذا خيار لن يكون أيضًا موفّقًا لسبب رئيسي وهو محدودية القدرة التونسية في هذه الصّناعات أو الاستثمارات "الثقيلة"، وفي حال افترضنا أنّ طلب الدّولة سيكون كافيًا في مرحلة أولى فإنّه لن يكون كذلك على المدى القصير.

الأرجح أنّ أحد الحلول الممكنة يتمثّل في تمويل غير تقليدي أيضًا، أي من نوع التيسير الكمّي، ولكن بطريقة أكثر "مباشرتيّة" عبر غرار الإلغاء التام للضّرائب والمساهمات الاجتماعيّات بالنسبة لمؤسّسات في قطاعات واعدة موجودة أو بصدد النّشأة وفقًا لما نقدّره حول الطّلب العالميّ القادم، ويغدو تقدير الفرص المستقبليّة والمستقبل العالمي للطّلب على هذا الأساس السؤال الأهمّ.

اقرأ/ي أيضًا: في ظل تفاقم الدين العمومي.. هل أصبح الحزام الاقتصادي أولى من الحزام السياسي؟

فإذا كانت كلّ أزمة نافذة لفرصة غنائمها أكبر ممّا سبقها من مغارم، فإنّ اقتناص هذه الفرصة يعتمد أوّلًا على تقدير حاجيات موجة طلب عالميّة هائلة سنعرفها بعد أن تهدأ عاصفة الكورونا وبعضها بدأت معالمه تتّضح من الآن.

إحدى هذه الفرص وليست أهمّها تتمثّل في حاجة الصّناعات الأوروبية وهي الأقرب جغرافيًا لحلّ وسط بين الإنتاج في الصين أثبت محدوديّته وضرورة العودة للإنتاج داخل الدول الأوروبية، وتونس مرشّحة للعب هذا الدّور في حال أعدّت موانئها وبنيتها اللوجستية لمرحلة النمو القادمة لا محالة.

الفرص الأخرى تتعلّق بتطوير البنية الصحّية في بعدها البشري من أطبّاء وكوادر شبه طبّية بما في ذلك الانفتاح على القطاع الخاص في التّعليم العالي الطبي، وهي فرص تتعلّق أيضًا بالخدمات الطبّية عن بعد والصّناعات الدقيقة والتي بدأت إمكانيّاتها الهائلة تونسيًا تتوضّح في إطار مجابهة الأزمة القائمة والمبادرات المبدعة التي تطفو على السّطح.

ثمّة موجة هائلة من الاستثمارات ستنطلق في اللّحظة التي تسكن فيها نسبيًا عاصفة الكورونا منها أيضا ما يتعلّق بتغيير أنماط العمل وتسارع الرّقمنة واقتصاد الكفاف المُستدام لا على النّطاق الوطني أو في مستوى الدّولة القوميّة الكلاسيكيّة كما يسارع البعض بالاستنتاج، ولكن على مستوى القرب: العائلة والحيّ، الصناعة (الطّباعة) ثلاثيّة الأبعاد، اقتصاد الكفاف والمؤونة والحاجة الضروريّة من المياه والنّظافة.

ثمّة موجة هائلة من الاستثمارات ستنطلق في اللّحظة التي تسكن فيها نسبيًا عاصفة الكورونا منها أيضا ما يتعلّق بتغيير أنماط العمل وتسارع الرّقمنة واقتصاد الكفاف المُستدام 

تلكم هي القطاعات التي تتطلّب استثمارًا غير تقليدي، وهو استثمار يجب أن يتمّ بالتوازي مع التقشّف التام في قطاعات مكلفة بيئيّا ومائيّا على غرار السياحة أو العقار وما يرتبط به من مضاربات فضلًا عن الصناعات الاستهلاكيّة الغذائية المؤثّرة سلبًا على الصحّة (الصناعات التحويلية نموذجًا).

طبعا سيكون للاندثار المأمول لقطاعات بعينها (على غرار السياحة) آثار اجتماعيّة سلبيّة على أفراد وشرائح اجتماعيّة بعينها، ولا بدّ من استباق ذلك عبر وسائل نقدية غير تقليديّة أخرى: منها ما يمكن أن نسمّيه تيسيرًا كمّيًا شعبيًا2، أي ببساطة توزيع السيولة على الأفراد وهو يتقاطع مع فكرة الدخل الأساسي الكوني والذي يمكن تفصيله أكثر وتقييده بضرورات القيمة المضافة المجتمعيّة (التعليم البيتي، الاعتناء بالأطفال، الأمومة والأبوّة..)، وهذه الشّروط هي ما قد تكون موضوع مقال قادم حول فرص التّجديد المجتمعي لأزمة الكورونا.

 

1- Quantitative Easing

2-  https://braveneweurope.com/the-case-for-peoples-quantitative-easing-by-frances-coppola

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد توقعات البنك الدولي وصندوق النقد.. الاقتصاد التونسي خطوة إلى الوراء؟

هل يتحوّل البنك التونسي الكويتي إلى "بنك البريد التونسي"؟