22-ديسمبر-2019

يعد شراء الدولة التونسية لحصة الشريك الفرنسي في البنك التونسي الكويتي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

يمثل النظام البنكي التونسي، الذي يضم 24 مؤسسة بين بنوك خاصة وأخرى عمومية، ركيزة أساسية لقطاع الخدمات الذي يعاني من مشاكل تتعلق بهيكلة القطاع المالي كعدم القدرة على تطوير المعاملات الإلكترونية وتعدد المؤسسات البنكية بوجود بنوك برأسمال محدود غير قادرة على تمويل مشاريع كبرى مثل مشاريع البنية التحتية.

وكانت قد قررت الدولة التونسية سنة 2014 إعادة رسملة البنوك العمومية بسبب تضخم مشاكلها الهيكلية بعد عملية تدقيق مالي لاقت الكثير من الانتقادات، وتبيّن اليوم اللوائح المالية لهذه البنوك تحقيق أرباح من المتوقع حسب خبراء محاسبين أن تبلغ مستوى قياسيًا سنة 2019. وقد تبنت الدولة إستراتيجية المحافظة على البنوك العمومية مع التفويت في مساهمتها في البنوك الأخرى وهي مساهمات تتراوح بين 10 و30 في المائة.

تشير  توقعات الخبراء والمتابعين للشأن الاقتصادي أن عملية استحواذ الدولة على أسهم الشريك الفرنسي في البنك التونسي الكويتي تأتي في إطار خطة لإحداث بنك البريد التونسي

لكن تفاجئ المتابعون للشأن الاقتصادي في تونس، منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، بإعلان وزارة المالية شراء حصة الشريك الفرنسي، البنك الشعبي لصندوق الادخار (BPCE)، في البنك التونسي الكويتي الذي تبلغ حصة الدولة التونسية فيه حوالي 20 في المائة، لترتفع بموجب عملية الشراء الأخيرة إلى ما يقارب 80 بالمائة. لم تذكر وزارة المالية أي تفاصيل حول هذه العملية، ولم يستطع "ألترا تونس" الظفر بأي تفسير من منها رغم المحاولات العديد للاتصال خاصة بمسؤول من إدارة البنوك في الوزارة.

اقرأ/ي أيضًا: الجمعيات المالية.. حلول اجتماعية لدعم القدرة الشرائية في تونس

البنك التونسي الكويتي سجل خسائر بحوالي 7 مليون دينار لتبلغ مجموع الخسائر المتراكمة حوالي 121 مليون دينار، وهو ما جعل رأس ماله يتراجع من 200 إلى حوالي 134 مليون دينار في 31 ديسمبر/كانون الأول 2018. وتبلغ قيمة القروض في وضعية تأخير في الخلاص وتعطيلات في السداد حوالي 536 مليون دينار وهو رقم مرتفع جدًا. وتعطي إجمالًا هذه الأرقام صورة واضحة عن وضعية البنك الحالية وتطرح أسئلة حول جدوى شراء الحكومة التونسية، التي تعاني أزمة مالية عمومية، لحصة أغلبية في رأس مال بنك يعاني بدوره أزمة في موازناته المالية.

في حديثه لـ"ألترا تونس"، وصف الخبير المحاسب وجدي قرفالة شراء الحكومة لحصة الشريك الفرنسي في البنك التونسي الكويتي بأنها "عملية إيجابية جدًا لصالح الدولة التونسية" مرجحًا أن هذه العملية تندرج في إطار خطة الحكومة لإنشاء بنك البريد.

وجدي قرفالة (خبير محاسب): شراء الحكومة لحصة الشريك الفرنسي في البنك التونسي الكويتي عملية إيجابية جدًا لصالح الدولة التونسية

وأوضح، في هذا الإطار، أن مؤسسة البريد التونسي تضم حوالي مليون حريف وهي تحظى بثقة المواطنين خاصة في المناطق الداخلية متسائلًا "لماذا يضيف إلى خدماته إسداء القروض؟"، مؤكدًا أن الدولة ستدرّ أرباحًا كبيرة حال إنشاء بنك البريد. ويرى محدثنا أن النتائج السلبية للبنك التونسي الكويتي "ليست مهمة إذا ما قررت الدولة إعادة هيكلته" مشيرًا إلى ما يصفها بالتجارب الناجحة في إعادة الهيكلة.

وكان قد صادق مجلس إدارة البريد التونسي بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 على بعث مؤسسة خفية الاسم استعدادًا لبعث البنك البريدي وهو مقترح البنك الافريقي للتنمية.

في المقابل، يرى الخبير المالي والقيادي في حزب "قلب تونس" الصادق جبنون أن عملية شراء أسهم بالبنك التونسي الكويتي هي "عملية غير مدروسة وغير واضحة المعالم" مضيفًا، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن الدولة تمتلك 10 مساهمات في بنوك دون إعتبار البنوك العمومية إضافة لبنك آخر كان من المفترض بيعه إلى البنك الشعبي المغربي ليتحمل خسائره التي تتجاوز 300 مليون دينار وهو يثير عديد نقاط الاستفهام، وفق قوله.

الصادق جبنون (قلب تونس): عملية شراء الحكومة التونسية لأسهم بالبنك التونسي الكويتي غير مدروسة وغير واضحة المعالم

اقرأ/ي أيضًا: أزمة المؤسسات العمومية في تونس: التفويت أم الإصلاح؟

ويقدر محدثنا أن البريد التونسي لا يحتاج إلى بنك مشيرًا لإمكانية إحداث بنك افتراضي وهو صنف من البنوك المتطورة والحديثة التي لا تحتاج إلى فروع مادية ولديه من الكفاءة والأموال والأصول التي تصل إلى 4 مليار دينار.

ويقترح جبنون أيضًا ما وصفه بحل آخر وهو استحواذ البريد التونسي على أحد البنوك العمومية الثلاثة. ولكن الخبير المحاسب وجدي قرفالة يرد، على هذا الطرح، بأن البنوك العمومية تحقق أرباحًا جيدة ستكون قياسية سنة 2019 وبالتالي لا يمكن المخاطرة بتغيير صبغة أحد هذه البنوك وفق قوله.

من جهة أخرى، يرى الخبير في الاقتصاد محمد عمار أن التعليق على عملية الشراء تستوجب معرفة قيمة الأموال المدفوعة من الدولة التونسية للحصول على مساهمات الشريك الفرنسي، مشيرًا إلى وجود معلومات غير مؤكدة أن الشراء تمّ بالدينار الرمزي، إضافة لمعلومات أخرى تقول إن هدف العملية هو قطع الطريق أمام البنك الشعبي المغربي للحيلولة دون دخوله السوق المالية التونسية.

يتحسر عمار، بالنهاية في حديثه لـ"ألترا تونس"، على عدم نشر وزارة المالية أي معلومات عن عملية الشراء ما يحول دون إمكانية إبداء رأي معمّق حولها وفق قوله.

هشام العجبوني: معلومات تتحدث عن مخطط لتحويل البنك التونسي الكويتي إلى بنك البريد التونسي ومعلومات أخرى تتحدث عن دخول شركة "اتصالات تونس" على الخط من أجل إحداث بنك إفتراضي

في المقابل، أعلمنا الخبير المحاسب ونائب رئيس اللجنة المالية المؤقتة عن التيار الديمقراطي هشام العجبوني أنه "يفكر جديًا" في مراسلة وزارة المالية للحصول على أكثر معطيات حول عملية الشراء التي قال إنها جاءت مخالفة استراتيجية الحكومة بالتخلي عن مساهماتها في البنوك.

ويشير محدثنا إلى انتشار معلومات حول مخطط لتحويل البنك التونسي الكويتي إلى بنك البريد التونسي، ومعلومات أخرى تتحدث عن دخول شركة "اتصالات تونس" على الخط من أجل إحداث بنك إفتراضي.

في ظل غياب المعلومات والتوضيحات اللازمة من الحكومة التونسية، تشير إذًا أغلب توقعات الخبراء والمتابعين للشأن الاقتصادي أن عملية استحواذ الدولة على أسهم الشريك الفرنسي في البنك التونسي الكويتي تأتي في إطار خطة لإحداث بنك البريد التونسي. ورغم التأكيد على إيجابية هذه الخطة، يختلف الخبراء حول جدوى عملية الاستحواذ في ظل الدعوة لإحداث بنك بريد افتراضي مع الخشية من إثقال كتلة الأجور ببنك عمومي رابع.

 

اقرأ/ي أيضًَا:

بعد توقعات البنك الدولي وصندوق النقد.. الاقتصاد التونسي خطوة إلى الوراء؟

المؤسسة والدور الجديد للدولة.. أشواك في مسار الإصلاح