بدت شوارع العاصمة تونس مكتظّة كعادتها، يرتاد التونسيون محلاتها يقلّبون هذه ويسألون عن سعر هذه، غير مكترثين بتوصيات الحيطة وتجنّب الأماكن العامة في ظلّ انتشار فيروس كرونا المستجد، الذي عصف بأكثر من 100 دولة وأودى بحياة ما يزيد عن 5 آلاف مصاب. أزمة صحية كانت لها آثارها الاقتصادية عالميًّا ومحليًّا، لكنّها فرصة بحسب خبراء ولها إيجابيات لابد من الاستفادة منها في اقتصادنا.
جولة بين مغازات كبرى في تونس العاصمة تكشف نقصًا في توفر مواد السميد والدقيق الأبيض والكسكس والمقرونة، ففي عدد كبير من الأرفف المخصصة لهذه المواد، لم يبق غير حبات دقيقة متناثرة توحي أنها كانت هنا. أما الزبائن فلم يخف أي منهم تذمّره من لهفة من سبقهم، ولا استيائهم من فشلهم في الحصول على طلبهم.
اقرأ/ي أيضًا: السياحة في مهب رياح "الكورونا"..
لهفة واحتكار
أرجع رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، الإقبال المتزايد على اقتناء المواد الغذائية بما أسماه "أزمة ثقة بين المستهلك وأصحاب القرار السياسي"، بسبب عدم توفر المعلومة وتأخر وصولها، مضيفًا أن ذلك يعود لأزمة ثقة تترجمها اللهفة على المنتوج وتحول خزنه من المحلات التجارية إلى المنازل تحسّبًا لأي طارئ، حسب قوله.
رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ"ألترا تونس": الإقبال المتزايد على اقتناء المواد الغذائية يعود إلى أزمة ثقة بين المستهلك وأصحاب القرار السياسي
وأوضح محدثنا أن المضارب هو الذي صنع هذه المغالطة للتحكم في الأسعار التي تشهد نسقًا تصاعديًّا، وجعلته يستثمر فيها مستفيدًا من كون التجارة حرة ومن عدم تحديد أعلى هامش للرّبح.
منذ حوالي أسبوع، لم يتمكّن أنيس، صاحب محلّ للمواد الغذائية في ولاية بن عروس، من التزود من مادتي الدقيق والدقيق الأبيض لفائدة حرفائه. يرفع ورقة دوّنت عليها طلبيات لحاجيات كل زبون من مادة الدقيق، يطلبون كلهم أضعاف ما يحتاجونه تحسّبًا لانقطاعها من السوق، وفي المقابل لا يتم التزويد من المصنع، بحسب محدّثنا.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على المواد الغذائية الأساسية فحسب، الثوم هو الآخر ارتفع سعره بين يوم وليلة من سبعة دنانير للكلغ الواحد إلى 18 دينارًا للكلغ كسعر أدنى. واستفاد كبار تجار هذه المادة من إشاعة حول دور مادة الثوم في مقاومة فيروس كرونا، غير أن لا دراسات تؤكد فعالية هذه المادة في القضاء على الفيروس. وتقول منظمة الصحة العالمية في هذا السياق "إنه على الرغم من أنّ الثوم طعام صحي وقد يساعد في مواجهة الميكروبات، لا يوجد دليل على أنّ تناول الثوم قد يحمي من الإصابة بفيروس كورونا المستجد".
دعت المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك التونسيين إلى التريّث وعدم اللهفة
وفي سياق متّصل، كان مدير عام المنافسة والأبحاث التجارية، ياسر بن خليفة، قد أكّد في تصريح إعلامي أنه لا وجود لأزمة حقيقة في مادة السميد لكن هذا النقص يعود أساسًا لازدياد الطلب بعد ظهور فيروس كورونا.
كما دعت المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك التونسيين إلى التريّث وعدم اللهفة في الإقبال على الشّراءات للعديد من المواد الاستهلاكية والأدوية بصفة مسبقة، مؤكدة أنه "يشجّع عديد من التجار على الاحتكار والمضاربة ويؤدي إلى الترفيع في الأسعار وفرض البيع المشروط مما ينعكس سلبًا على المقدرة الشرائية للمواطن".
إجراءات وقائية وتأثير مباشر
أدت الإجراءات الوقائية لمواجهة فيروس كرونا المستجد (كوفيد 19) في تونس وفي عدد من دول العالم إلى فرض قيود على السفر وهو ما كان له انعكاساتها المباشرة على شركات الطيران والسياحة والسفر ومنها التونسية.
إذ تكبّدت شركة الخطوط التونسية خسارة بـ36 مليون دينار إلى حدّ يوم الخميس 12 مارس/ آذار 2020، بسبب إلغاء رحلات العمرة، فيما تسبب انتشار فيروس كورنا وتعليق بعض الرحلات في اتجاه أوروبا، بحسب ما جاء على لسان الرئيس مدير عام الشركة في تصريح إذاعي.
من جهتها، تتحدّث الجامعة التونسية لوكالات الأسفار عن تسجيل خسائر بالمليارات بعد إلغاء سفر 30 ألف معتمر خلال شهر مارس/ آذار الجاري. وأوضح الكاتب العام للجامعة ظافر لطيف، في تصريح لـ"الترا تونس"، أنه تم إلغاء كل رحلات العمرة وكل الرحلات السياحية الوافدة والصادرة وانعكاساتها السلبية على الوضعية الاقتصادية للمؤسسات العاملة في هذا المجال والتي تتأتى عائداتها من بيع التذاكر.
وكشف محدّثنا عن مراسلة السلطات كلّ في مجاله لتأجيل الدفوعات سواء للقروض أو غيرها من الالتزامات المالية وتأخير الأداءات لشهر مارس/ آذار، نظرًا لأن هذا القطاع مرتبط بالسفر وبالعالم وليس كالقطاعات الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا: أمام تحديات الموسم الفلاحي.. اختبار صندوق التعويض عن الجوائح الطبيعية
ظافر لطيف (كاتب عام جامعة وكالات الأسفار) لـ"ألترا تونس": إلغاء كل رحلات العمرة وكل الرحلات السياحية الوافدة والصادرة
عالميًا، كشفت دراسة تحليلية لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن الصدمة التي تتسبب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول وستخفّض النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5 في المائة، ودعت إلى وضع سياسات منسقة لتجنب الانهيار في الاقتصاد العالمي.
وأعلن خبراء اقتصاد تابعون للأمم المتحدة أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي الناجم عن فيروس كورونا الجديد قد تصل إلى "انخفاض قدره 50 مليار دولار" في صادرات الصناعات التحويلية في جميع أنحاء العالم، خلال شهر فيفري/شباط وحده.
فرضيات الاستفادة من أزمة عالمية
أمّا النصف الآخر من" الكأس"، تبدو الأزمة فرصة على تونس اقتناصها والاستفادة منها خاصة إذا تعلّق الأمر بانخفاض سعر النفط إلى حوالي 35 دولار بعد أن كان 65 دولار في أدنى هبوط له منذ عشرين عامًا.
وعن فرضيات الاستفادة من الوضع الحالي، قال الخبير الاقتصادي ومدير مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية، رضا الشكندالي، لـ"ألترا تونس"، إن الدولة افترضت في ميزانيتها أن سعر النفط هو 65 دولار للبرميل، مبينًا أن كل دولار ينخفض يعود بالفائدة على ميزانية الدولة بـ140 مليون دينار وبالتالي هي موارد كبيرة.
من ناحية أخرى، ذكر محدّثنا أن صندوق النقد الدولي علّق القسط السادس والسابق بقيمة 1.2 مليار دولار، أي 40 في المائة من احتياجات تونس من الموارد الخارجية بأريحية، وبالتالي فإن الحكومة التونسية تستطيع الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي دون أن يشترط الزيادة في أسعار المحروقات لأن الأسعار العالمية في المستويات الدنيا لها.
وأضاف أن إمضاء عقود لشراء النفط إلى أجل تمثّل فرصة أخرى لشراء احتياجات تونس كاملة لسنة 2020 والحصول عليها عند الحاجة، أو تشغيل الدبلوماسية الاقتصادية مع الجزائر التي تعتبر منتجًا ومصدّرًا للنفط توفره لتونس عند الطلب نظرًا لعدم إمكانية التخزين.
رضا الشكندالي لـ"ألترا تونس": نسبة النمو الاقتصادي في تونس في أقصى الحالات ستتراجع بـ 0.3
وبخصوص انعكاس الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد التونسي، أوضح الخبير التونسي أن نسبة النمو الاقتصادي في تونس في أقصى الحالات ستتراجع بـ 0.3، موضحًا أن الحكومة التونسية إن اتخذت سياسات جريئة ستحقق نسبة نمو بـ2.7 في المائة كما هو مقدر في الميزانية وفي أسوأ حالاتها 2.4 في المائة.
وكان وزير المالية محمد نزار يعيش صرّح أن تونس ستستفيد من تراجع سعر النفط خام برنت، مرجحًا أن تكون هناك مداخيل إضافية بفضل انخفاض الدعم الموجه للمحروقات". وكشف أنه يتم التباحث مع وزارة الصناعة للقيام بعملية تحوّط "هادجينغ" للتأمين من ارتفاع الأسعار في السنوات القادمة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يستنزف الاستثمار الفلاحي الأجنبي الثروة المائية في تونس؟
غلق المؤسسات الخاصة في تونس.. عمال مطرودون في مواجهة التشرد والبطالة