31-أكتوبر-2023
بنيامين نتنياهو التهجير من غزة

يبقى الطموح الأقوى والأبرز للاحتلال هو "التهجير" وهو جوهر المقاربة الإسرائيلية الراهنة (صورة بتاريخ 22 سبتمبر لنتنياهو في المجلس العام للأمم المتحدة Pacific Press/ Getty)

مقال رأي 

 

لم يعد خافيًا الآن، وخاصة بناء على مصادر قريبة من غرفة التنسيق "الأمريكية الإسرائيلية"، أنّ المشكل الرئيسي الآن هو عدم وضوح أو عدم قابلية تطبيق "مخرجات الحرب" أو endgame. العنوان الأساسي "القضاء على حماس" يقع استبداله بشكل متواتر بأهداف من نوع مخاتل مثل "القضاء على البنية التحتية لحماس"، "القضاء على قيادات حماس"، "إنهاء حكم حماس وإيجاد وضع أمني بديل". من يشكك في هذا التوجه هو الإدارة الأمريكية  حسب تقارير جدية لرويترز والنيويورك تايمز وآخرين.

 سقف الطموحات الإسرائيلية، بسبب صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول، يبدو أعلى من الممكن. يبقى أنّ الطموح الأقوى والأبرز هو "التهجير" وهو جوهر المقاربة الإسرائيلية الراهنة، سنعرض هنا مؤشرات ذلك وخاصة مواصلة الضغط الإسرائيلي وحتى الأمريكي رغم الاعتراض المصري المتكرر، وكيف يمكن أن يكون الإصرار الإسرائيلي مقدمة لحرب إقليمية تتجاوز كل الاحتمالات الراهنة. 

أصبح من الواضح مع دخول الأسبوع الثالث للحرب أنّ الخطة العسكرية الإسرائيلية تطمح فعلًا لما تم الإعلان عنه من قيادات إسرائيلية: "تغيير الخرائط". وعلى ما يبدو يعتقد الإسرائيليون أنّ "أزمة 7 أكتوبر" هي "فرصة" لتفعيل خطة موجودة أصلًا في الرفوف الإسرائيلية

إذ أصبح من الواضح مع دخول الأسبوع الثالث للحرب أنّ الخطة العسكرية الإسرائيلية تطمح فعلًا لما تم الإعلان عنه من قيادات إسرائيلية: "تغيير الخرائط". هذا الشعار كان قبل الحرب بما فيها أيامًا قليلة قبل اندلاعها، عندما مسك نتنياهو في كلمته آخر سبتمبر/أيلول 2023 في الأمم المتحدة بخريطة عليها بالأزرق "إسرائيل" بما في ذلك في قطاع غزة ورسم طريقًا بالخط الأحمر تشق شبه الجزيرة العربية عبر فلسطين المحتلة نحو المتوسط، في إشارة على الأرجح لمشروع "’Mediterranean-corridor" الهندي -المتوسطي. 

على ما يبدو يعتقد الإسرائيليون أنّ "أزمة 7 أكتوبر" بمعنى آخر "فرصة" لتفعيل خطة موجودة أصلًا في الرفوف الإسرائيلية. 

 

 

يفهم الكيان أنّ "القضاء على حماس" بما هي حركة سياسية أمر مستحيل. ويفهم أيضًا أنّ "حماس"، أو الأهمّ المقاومة، هي فكرة وتستمد جديتها و فاعليتها من وجود الشعب الفلسطيني ذاته. وبالتالي ليس جديدًا أن تكون الخطة الإسرائيلية إلغاء وجود الفلسطيني سواء عبر الترويض أو القتل أو الإبعاد أو السجن أو التهجير. يبقى أنّ هذه الأدوات المختلفة يتم استبدالها حسب السياق. وهنا يبدو أنّ السياق الحالي خاصة الدعم الغربي "غير المحدود" وعبر المساواة بين المقاومة و"داعش" أوحى للكيان أنّ هناك فرصة لاستجلاب الخطة الأكثر راديكالية أي التهجير. 

القاهرة المعنية أولًا بأيّ تهجير من قطاع غزة أعلنت اعتراضها على ذلك مرارًا لكن تقاريرًا صحفية متقاطعة تؤكد أنّ الإسرائيلي مصرّ على الضغط خاصة على الطرف الأوروبي للمساعدة على دفع مصر لتفعيل خطة التهجير

طبعًا القاهرة المعنية أولًا بأيّ تهجير من قطاع غزة أعلنت اعتراضها مرارًا وحتى عبر تنظيم قمة "القاهرة للسلام" وعبر الاستعراضات العسكرية للفرقة المدرعة الرابعة وعبر الخطابات المشفرة وعمومًا غير الحاسمة للرئيس السيسي. لكن تقاريرًا متقاطعة لصحف مثل  يديعوت أحرنوت والفايننشل تايمز يومي 30 و31 أكتوبر/تشرين الأول تؤكد أنّ الإسرائيلي مصرّ تمامًا على الضغط خاصة على الطرف الأوروبي للمساعدة على الضغط على مصر لتفعيل خطة التهجير. 

ورغم التمنع الأوروبي عن المساعدة على الضغط حسب هذه التقارير بسبب الإصرار المصري على الرفض، فإنّ نتنياهو يفكر على الأرجح أنّ القاهرة تتمنّع لأنّها تفكر في ثمن مناسب، ولهذا ستتواصل العروض وسيقع ربطها بمساعدات مالية تحتاجها القاهرة بشكل ملحّ بسبب الوضع المالي الراهن. 

 

 

تزامن الحديث عن تواصل الضغط الإسرائيلي عبر بروكسل مع تسريب موقع "والا" الإسرائيلي خطّة أعدّها وزير الحرب السابق ليبرمان سنة 2017 تعرض بالتفصيل خطة تهجير سكان غزة نحو سيناء لحل مشكل المقاومة. تزامن أيضًا مع تسريب وثيقة عبر موقع ويكيليكس (نقلًا عن موقع Mekomit الإسرائيلي) يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول منسوبة لوزارة الاستخبارات تعرض خطة من أربع نقاط: أولًا، إبلاغ الفلسطينيين بالانتقال من الشمال إلى جنوب القطاع. ثانيًا، عمليات برية متصاعدة من الشمال إلى القطاع. ثالثًا، الطرقات نحو رفح يتم تركها خالية ومتاحة. رابعًا، إقامة مخيمات في شمال سيناء ثم بناء مدن لإعادة توطين الفلسطينيين. 

رغم أنّ وزارة الاستخبارات أكدت صحة الوثيقة فإنها علقت بأنّها "استشارية"، لكن تزامنها مع تقارير لضغط نتنياهو على المصريين يؤكد أنّها الخطة وليست مجرد سيناريو متروك في الدرج. 

تزامن الحديث عن تواصل الضغط الإسرائيلي على مصر، مع تسريب موقع "والا" الإسرائيلي خطّة أعدّها وزير الحرب السابق ليبرمان سنة 2017 تعرض بالتفصيل خطة تهجير سكان غزة نحو سيناء لحل مشكل المقاومة

طبعًا الطموح الإسرائيلي كثير التفاؤل، وعوض الإقرار بأنّ نرجسيته المبالغ فيها هي التي أوصلته إلى وضع "الفريسة" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، يواصل في ذات التقوقع النرجسي، بل يقويه. ويتجاهل جدية المقاومة في الحرب البرية، ويهون من احتمالات فتح الجبهة الشمالية، وهو موضوعيًا مقدمة حرب إقليمية منفلتة. 

لكن أيضًا النقاش حول أن الحرب الإقليمية معني بها فقط "حزب الله" ومن ثمة "محور المقاومة" بما في ذلك إيران، يصبح نقاشًا غير ملم بكل الاحتمالات إذا أضفنا الإصرار الإسرائيلي على أولوية خطة التهجير. 


صورة

بالمناسبة في الأيام الأخيرة تحديدًا في 30 أكتوبر/تشرين الأول في النقطة الصحفية لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون كيربي أشار في آخر كلمته إلى أنّ واشنطن إذ لا تدعم "وقف إطلاق النار" فهي تدعم "هدنة إنسانية محددة المكان"، وأضاف "لكي يخرج الناس". إذًا ربما ترى واشنطن أيضًا أنّ التهجير هو الحل الراديكالي الشامل. 

 

 

هذا يعني أنّ الضغوط على القاهرة ستتواصل بشدة من أكثر من مكان. وهذا يعني أنّ على القاهرة أن تختار الآن اختيارًا مصيريًا، إمّا قبول التهجير والتموقع بشكل حاسم مع خطة المحور الإسرائيلي-الأمريكي بمقابل واضح مادي أو رفض ذلك، وهو ما سيعني إمكانية التصادم العملي مع الخطة الإسرائيلية خاصة إذا جرت محاولات لفرضها عبر رفح بالقوة. 

الضغوط على القاهرة ستتواصل بشدة وهذا يعني أنّ عليها أن تختار الآن اختيارًا مصيريًا، إمّا قبول التهجير والتموقع بشكل حاسم مع خطة المحور الإسرائيلي-الأمريكي بمقابل واضح مادي أو رفض ذلك، وهو ما سيعني إمكانية التصادم العملي مع الخطة الإسرائيلية

في الحالة الأولى، أي القبول، فإنّ النظام المصري تحديدًا الحكم السياسي سيواجه مشكلَ مشروعيةٍ عميقًا، ويمكن أن يهدد النظام ذاته. مصر بالمناسبة هي أصلًا في مرمى النيران الفعلي بسبب المسيرات القادمة من البحر الأحمر إذ سيواصل جيش الاحتلال التدخل في المجال المصري لإسقاطها. 

لا أدري كم سيتحمل قادة الجيش المصري هذا الضغط المزدوج والعنيف، الذي يمسّ بالعمود الفقري للدولة ذاتها، أي الثقة في المؤسسة العسكرية في أعين عموم المصريين. الخطة الإسرائيلية، بمنطق تصدير الأزمة نحو الجار عوض حلها، بمعنى آخر ليست معنية فقط بالتهجير بل إن أحد مخرجاتها العملية وضع النظام المصري أمام اختيارات تمنع عنه وضع الحياد المريح الذي اعتقد أنّه يستطيع تأمينه باتفاقية كامب ديفيد. 

مصر التاريخية لا يمكن أن تدير ظهرها للجغرافية العميقة، وإذ أدارت ظهرها للجغرافيا فإنّ الجغرافيا ستتلقفها من ظهرها وستفرض عليها الاختيار. حينها سيصبح لسيناريو الحرب الإقليمية معنى آخر تمامًا. 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"