12-نوفمبر-2022
تونس العاصمة

من منطلق حلقة نقاش نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي تحت عنوان "اتفاقية تونس مع صندوق النقد الدولي: إصلاحات مسقطة أم حتمية" (فاضل سنا/ أ.ف.ب)

الترا تونس - فريق التحرير

 

في انتظار ما سيقرره صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022 على مستوى مجلسه التنفيذي بخصوص الاتفاق النهائي البرنامج الإصلاحي لتونس للتمكن من الحصول على قرض، تتصدر النقاشات حول ما قد يتضمنه البرنامج المرتقب بناء على البلاغ الذي كان قد أصدره صندوق النقد بخصوص الاتفاق المبدئي في أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، أو بعض التصريحات عن المديرة العامة للصندوق ووزيرة المالية التونسية.

وكانت تونس قد توصلت، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء لتمكين تونس من قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، على 4 سنوات.

وقد أفصح صندوق النقد عن جملة من النقاط الرئيسية التي ارتكز عليها الاتفاق المبدئي، لعلّ من أبرزها مواضيع: الدعم والجباية والمؤسسات العمومية، وهي ما كانت منطلق حلقة نقاش نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي السبت 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 تحت عنوان "اتفاقية تونس مع صندوق النقد الدولي: إصلاحات مسقطة أم حتمية"، وبتأثيث ثلة من المختصين في الشأن الاقتصادي بتونس.

  • منظومة الدعم

بناء على ما جاء في البيان الذي نشره صندوق النقد الدولي، في 15 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، ورد من جملة النقاط التي ارتكز عليها الاتفاق بين الصندوق والحكومة التونسية: "احتواء النفقات وخلق حيز مالي للدعم الاجتماعي". وذكرت المؤسسة المالية الدولية في هذا الصدد أن "السلطات التونسية اتخذت بالفعل خطوات لاحتواء فاتورة رواتب القطاع العام وانطلقت في التخلص التدريجي من دعم الأسعار المهدر من خلال تعديلات للأسعار لربط الأسعار المحلية بالأسعار الدولية، مع توفير دعم للشرائح الضعيفة (بما في ذلك من خلال التحويلات الاجتماعية)".

وقد تعددت وجهات النظر من جهة تناول هذه النقطة، ففي الوقت الذي تصرّ فيه السلطات الرسمية على تأكيد أنها تنحو في اتجاه "توجيه الدعم لمستحقيه"، يرى مختصون في الشأن الاقتصادي وكذلك الاتحاد العام التونسي للشغل أن ذلك ليس إلا شعارًا منمقًا لتوجه الحكومة لرفع الدعم.

في هذا الإطار، تناول الأستاذ المختص في الاقتصاد وعضو قسم الدراسات في الاتحاد العام التونسي للشغل كريم الطرابلسي الحديث عن منظومة الدعم في تونس، مفيدًا بأن 15% من ميزانية الدولة تخصص للدعم (للمواد الأساسية والحروقات على حد سواء)، مشيرًا إلى أن 8 مليارات دينار تخصص للمحروقات و4 مليارات دينار تخصص للمواد الأساسية، وفقه.

كريم الطرابلسي (عضو قسم الدراسات باتحاد الشغل): فرضية "توجيه الدعم لمستحقيه" التي تتحدث عنها الحكومة غير ممكنة تقنيًا فيما يتعلق بالمواد الأساسية

ولفت الطرابلسي، في حلقة النقاش التي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية، إلى أن هناك تضاربين في هذا الشأن، الأول يتعلق بغياب المواد المدعمة من الأسواق رغم كلفتها الكبرى على ميزانية الدولة، والثاني يتعلق بالتعتيم التام على هذا الملف من قبل الحكومة ورئاسة الجمهورية، مشددًا على أن "ملفًا بهذه الأهمية يستوجب حدًا أدنى من الشفافية والتشاركية"، حسب رأيه.

وأكد الأستاذ المختص في الاقتصاد أن ميزانية الدولة لسنة 2023 ستتضمن دون شكّ جانبًا يخصّ الدعم، حسب توقعاته، معتبرًا أن منظومة الدعم اليوم باتت موجهة للمزودين وليست موجهة للعائلات، وفق تقديره.

وبخصوص موقف اتحاد الشغل، قال كريم الطرابلسي إن الاتحاد ضدّ ما سمته الحكومة "توجيه الدعم لمستحقيه" فيما يخصّ المواد الأساسية، وإنما هو مع شمولية الدعم من منطلق مبدئي مواطني، وكذلك من منطلق تقني إذ أنه من المستحيل تقنيًا تحديد من هم مستحقّو الدعم وتحيين قائمتهم سنويًا، حسب تصوره.

أما فيما يتعلق بدعم المحروقات، اعتبر الطرابلسي أنه من الممكن توجيه الدعم لمستحقيه على هذا المستوى، وذلك من خلال تحديد بطاقات للمواطنين حسب نوع السيارة التي يمتلكها كل فرد، ويتم تحديد حصتهم من الدعم بناء على نوع السيارة، وفق ما يقترحه.

جدير بالإشارة، في هذا الصدد، إلى أن اتحاد الشغل كان قد ندد، في بيان صدر عن مكتبه التنفيذي في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بـ"استمرار غموض سياسات الحكومة وتستّرها على اتفاقيّاتها مع صندوق النقد الدولي وتضارب التصريحات فيما بينها وخاصّة بعلاقة بملفّي الدعم والمؤسسات العمومية"، معبرًا عن "رفضه المطلق لأيّ قرار ارتجالي يمسّ من الدعم أو يفرّط في المؤسسات العمومية".

شهاب سلامة (رئيس جامعة الصناعات الغذائية/ منظمة الأعراف): لا يوجد حلّ بالنسبة لمنظومة الدعم سوى توظيف الأسعار الحقيقية للمواد المدعمة، مع القيام بتحويلات مباشرة لمستحقي الدعم

في المقابل، يرى رئيس الجامعة الوطنية للصناعات الغذائية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، شهاب سلامة، في كلمة له خلال حلقة النقاش الذي نظمه مركز الدراسات الاستراتيجية، أنه لا يوجد حلّ بالنسبة لمنظومة الدعم سوى توظيف الأسعار الحقيقية للمواد المدعمة، مع القيام بتحويلات مباشرة للمستهلكين الذين يستحقون الدعم، وفق تقديره.

وأضاف، في هذا الصدد، أنه من الضروري أن "تشمل التحويلات الجميع، لكن حسب الشرائح الاجتماعية"، مؤكدًا أن منظمة الأعراف مع دعم الإنتاج لا دعم الاستهلاك.

  • المؤسسات العمومية

ولعلّ من أبرز المواضيع التي شغلت الرأي العام طيلة الأسابيع الأخيرة، مسألة المؤسسات العمومية وفرضية التوجه نحو التفويت فيها من قبل الحكومة التونسية. وقد ضجّ الحديث عن ذلك منذ تصريح أدلت به المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا، في مقابلة أجرتها مع قناة "سكاي نيوز عربية" في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بقولها إن "مسؤولي الصندوق كانوا يتطلعون إلى أن تعمل تونس على خوصصة بعض المؤسسات لكن المبادرة جاءت من الجانب التونسي الذي أبدى رغبته في خوصصة عدد من المؤسسات العمومية"، وفقها، في إشارة إلى البرنامج الذي قدمته الحكومة التونسية لصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على اتفاق قرض.

عبد الجليل البدوي (مكلف بالدراسات بمنتدى الحقوق الاقتصادية): إصلاح المؤسسات العمومية دون مرجعية تنموية لن يوصل إلى أي نتيجة في أي قطاع كان، لذلك من الضروري القيام بتقييم موضوعي أولًا

في المقابل، تنفي السلطات الرسمية، كعادتها، توجهها للتفويت في المؤسسات العمومية، بدءًا بمؤسسة الرئاسة التونسية التي أوردت في بلاغ لها 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أن قيس سعيّد أكد خلال لقاء جمعه برئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن أنه "لن يكون هناك تفريط في المؤسسات والمنشآت العمومية، كما يدعي البعض"، وأن الإصلاح سيكون وفق "مقاربة جديدة" تقوم على "عدم تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي"، وفق نص البلاغ.

وفي تعليقه على مسألة "إصلاح" المؤسسات العمومية عمومًا، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية والمكلف بالدراسات في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الجليل البدوي، في كلمة له خلال حلقة النقاش التي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، إن "إصلاح المؤسسات العمومية دون مرجعية تنموية لن يوصل إلى أي نتيجة في أي قطاع كان".

وأكد البدوي، في هذا الصدد، أنه ليست هناك أي منهجية استراتيجية ترتكز عليها الحكومة التونسية من أجل الإصلاح، وهو تمشٍّ خاطئ، مشددًا على ضرورة "الرجوع إلى تمشٍ إرادي في المجال التنموي بناء على تقييم موضوعي وتحديد مواقع وأدوار جميع المتدخلين الاقتصاديين"، حسب رأيه.

فتحي النوري (عضو سابق بمجلس إدارة البنك المركزي): جانب من أزمة المؤسسات العمومية يعود إلى وجود مشاكل على مستوى التنظيم والتسيير وتعيين أشخاص لا علاقة لهم بالقطاعات التي تنشط فيها هذه المؤسسات

ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد والعضو السابق بمجلس إدارة البنك المركزي فتحي النوري، في كلمة له خلال حلقة النقاش ذاتها، إن المشكل بالنسبة للمؤسسات العمومية في تونس اليوم هو منظومة الأسعار، باعتبارها مطالبة بتوفير المنتجات والخدمات للمواطن مقابل أسعار مقبولة وتعوضها الدولة من خلال الدعم، وهو ما لم يعد ممكنًا اليوم، حسب رأيه.

ويرى النوري أن "الدولة اليوم عاجزة عن توفير مستحقات الدعم لهذه المؤسسات التي أصبحت بذلك تعاني من مشاكل كبرى ولم يعد بإمكانها بذلك توفير المنتجات والخدمات للمواطنين".

وأرجع أستاذ الاقتصاد جانبًا من الأزمة إلى كون هناك "مشاكل على مستوى التنظيم والتسيير وتعيين أشخاص لا علاقة لهم بالقطاعات التي تنشط فيها هذه المؤسسات"، حسب رأيه.

  • الجباية

من بين أبرز النقاط التي ارتكز عليها الاتفاق الأولي الذي توصلت إليه تونس مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء، ما ورد في أول نقطة في البيان الصادر عن صندوق النقد الدولي بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، والمتمثلة في: "تحسين العدالة الضريبية من خلال اتخاذ خطوات لإدخال القطاع غير الرسمي في شبكة الضرائب وتوسيع القاعدة الضريبية لضمان مساهمات عادلة من جميع المهن".

وفي تعليقه على ذلك، قال المختص في السياسات الجبائية ومدير مشروع مرصد الميزانية التابع لمنظمة بوصلة، أمين بوزيان، خلال حلقة النقاش، إن الحكومة التونسية شرعت أساسًا في توسيع قاعدة الأداءات، إذ صدر مؤخرًا أمر يتعلق بالنظام التقديري، والذي راجع الحكم الجبائي الصادر في قانون المالية لسنة 2014، مشيرًا إلى أن الأمر الجديد تضمن 27 نشاطًا جديدًا يستثنى من الانتفاع بالنظام التقديري المنصوص عليه بالفصل 44 مكرر من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين و الضريبة على الشركات.

أيمن بوزيان (مختص في السياسات الجبائية): من الضروري إعداد جدول ضريبي يتم فيه التخفيف من الضغط الجبائي على الشرائح الدنيا، والرفع في النسب الجبائية على أصحاب الدخل العالي

واعتبر بوزيان في هذا الصدد أنه من المفروض تطبيق القاعدة العامة وهي الجدول الضريبي للأداءات على الدخل، وبالنسبة للنظام التقديري فيما يخص التجار والصناعيين يتم تطبيق ضريبة نسبية غير تصاعدية، مستدركًا القول إن "المشكل في تونس أن من يستغلون النظام التقديري ليسوا جميعًا من صغار المستغلين، حسب رأيه.

وعلى صعيد آخر، تعليقًا على تصريح لوزيرة المالية بالتوجه نحو إرساء "العدالة الجبائية"، قال بوزيان "لا يجب الاكتفاء بالشعارات وإنما يجب التركيز على محتوى وأسس السياسات العمومية وما إذا كانت تتجه حقيقة نحو العدالة أم لا، مستدركًا القول إن "من مخرجات البرنامج مع صندوق النقد يبدو أنه لن يتم إضعاف تصاعدية الضريبة على الدخل، بل إنه سيقع إضافة شرائح جديدة لدفع الضريبة"، وفقه.

وأشار، في هذا الإطار، إلى أن "الشرائح التي ستضاف ستمسّ أصحاب الدخل الضعيف"، مستطردًا أن "هناك فوارق اجتماعية فظيعة على مستوى الدخل، وبالتالي من الضروري استرجاع جدول ضريبي يكون فيه عدد الشرائح وتدرج على مستوى الجباية بحيث يتم التخفيف من الضغط الجبائي على الشرائح الدنيا، والرفع في النسب الجبائية على أصحاب الدخل العالي"، حسب رأيه.

واعتبر أيمن بوزيان في هذا الصدد أنه "من الممكن على هذا النحو تحصيل موارد جبائية هامة من شأنها تحسين الوضع على مستوى المالية العمومية"، حسب تقديره.