17-ديسمبر-2021

الزائر لسيدي بوزيد والمتجوّل في أعماقها يعلم جيدًا أنّ الأحوال لم تتغيّر بعد (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

السابع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010، في محافظة سيدي بوزيد. يقف الشاب التونسي محمد البوعزيزي جوار عربته، يبيع الخضار والفواكه ساعيًا لكسب رزقه. فجأة تقرّر عون التراتيب مصادرة عربته وفق تعليمات السلطة البلدية. حسب الروايات الشّائعة يحدث شجار فيحتدّ وينتهي بإضرام الشاب النار في جسده أمام مقر المحافظة. لتبدأ بعد ذلك قصة الثورة التونسية، حيث انتفض الشعب وانطلقت الشرارة الأولى للثورة من هذه المحافظة لتطيح بنظام دكتاتوري امتدّ حكمه منذ الاستقلال التّونسي.

بدأ الحراك الاحتجاجي ضدّ البطالة والفساد وسوء الظروف المعيشية من سيدي بوزيد وامتدّ نحو المدن والقرى المجاورة لها. تفاقمت موجة الغضب خاصّة مع سقوط قتلى في منزل بوزيّان التابعة للمحافظة برصاص قوات الأمن وتزايُد عدد المعتقلين والجرحى في صفوف المتظاهرين. اشتدّت المواجهات العنيفة بين المحتجّين وقوات الأمن التي حاولت قمع المسيرات الشعبية بعد أن عمّت المظاهرات أغلب المدن وتوسعت إلى باقي المحافظات الأخرى وأسفرت عن عديد القتلى والجرحى.

 ثورة الحرية والكرامة، التي قدّم لها أهالي سيدي بوزيد، كما في مختلف الولايات الأخرى، جرحى وشهداء تركوا لوعة في قلوب أهاليهم دون أن تحظى هذه المنطقة وشبيهاتها إلى حدّ اليوم بحقها التنموي

حاول بن علي حينها السيطرة على الوضع وتهدئة الشارع التونسي خلال ظهور إعلامي ذكر فيه أنه تمّت مغالطته وأنّه قد فهم الجميع لكنّه فشل. فلم يهدأ غضب التونسيّين واستمرّت حدّة المظاهرات حتى غادر البلاد إلى السعودية بشكل مفاجئ يوم 14 جانفي/يناير 2011 وفتحت الثّورة المجال لتأسيس مشهد سياسيّ جديد.


 ثورة الحريّة والكرامة والعدالة الاجتماعية، التي قدّم لها أهالي سيدي بوزيد، كما في مختلف المحافظات التونسية الأخرى، جرحى وشهداء تركوا لوعة وحسرة في قلوب أهاليهم دون أن تحظى هذه المنطقة وشبيهاتها إلى حدّ اليوم بحقّها التنموي.

تقع سيدي بوزيد في إقليم الوسط الغربي للبلاد. وتتميّز بثراء أنشطتها الزراعيّة ومواردها المائيّة وثرواتها الحيوانيّة، إلّا أنها رغم مساهمتها في الاقتصاد التونسي ما تزال تشكو من صعوبات ونقائص عديدة جعلت متساكنيها يتساءلون في كل ذكرى للثّورة عن المكاسب التي تحقّقت.    

أكثر من عَقد على اندلاع الثورة.. ماذا تغيّر في سيدي بوزيد؟

أكثر من 10 سنوات مرّت على انطلاق الثّورة التونسيّة. تحرّرت الأصوات لتسقط دكتاتوريّة جثمت على صدور التونسيّين لسنوات طويلة، على أمل أن تؤسّس لتونس جديدة تتّسع لكل التونسيين على حدٍّ سواء وتوحّد كل اختلافاتهم وتستجيب لمختلف انتظاراتهم.

ثورة جاءت بمناخ من الحريّة، ودستور جديد يقرّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي نادى بها الشعب. فالمتصفّح للدستور التونسي يستوقفه باب كامل خُصّص للحريّات الأساسيّة والحقوق، لكنه ظلّ حبرًا على ورق. فلئن عكس بدوره وعيًا بتطلّعات الشعب التونسي والأسباب الرئيسيّة التي ارتكزت عليها الثورة إلاّ أنه مازال رغم مرور كلّ هذه السنوات مجرّد أفكار شكليّة، حبيسة العقول أو دوائر النّقاشات السياسيّة نظرًا للتردّي الاقتصادي والاجتماعي الذي يتزايد في هذه المنطقة المهمّشة.

أكثر من عَقد مرّ على الثورة التي جاءت بمناخ من الحرية ودستور جديد عكس وعيًا بتطلعات الشعب إلاّ أنه مازال رغم مرور كل هذه السنوات مجرد أفكار شكلية حبيسة العقول أو دوائر النقاشات السياسية

 والزائر لسيدي بوزيد والمتجوّل في أعماقها يعلم جيّدًا أنّ الأحوال لم تتغيّر بعد. لم تزدد المقاهي إلاّ امتلاء بشبابها العاطل عن العمل. فاضت القلوب يأسًا وحزنًا، وظلّت البطون خاوية والعقول تحتجّ وتنادي في كل مرّة باحترام فكرها وضمان حقّها في العمل والمساهمة في البناء والإصلاح، فقد أكّدت بيانات المعهد الوطني للإحصاء، وهو مؤسّسة عموميّة مسؤولة عن إنتاج وتحليل الإحصاءات الرسميّة في تونس أنّ نسبة البطالة  قد ارتفعت إلى18.4%.مقابل 17.9% خلال الثلاثي الثاني من سنة 2021 وهو ما يبرهن استمرار فشل المشرفين على الاقتصاد التّونسي في تغيير المنوال الاقتصادي والدفع بالاستثمار.  

اقرأ/ي أيضًا: عقد على ثورة "الكرامة" بتونس: حلم ينتظر التحقيق

ويعود السبب الرئيسي إلى أنّ الحكومات المتعاقبة من بداية الثّورة أثبتت فشلها في الاستجابة لمطالب التونسيين وتحقيق أهدافهم التنمويّة وتحسين ظروف عيشهم ومكافحة البطالة والفقر عبر اعتمادها سياسة المماطلة والتّسويف.   

فرغم اجتماعات المجالس الوزاريّة وإقرارها في كل مرّة بحزمة من الإجراءات والقرارات لفائدة هذه المنطقة ومناداتها بدعم المشاريع الاستثمارية والأنشطة الثّقافيّة وتطوير النّقل والارتقاء بجودة الخدمات بالمرافق الحيويّة إلاّ أنّها لم تفعّل على أرض الواقع ولم تتمّ أيّ إصلاحات حقيقية.

مروان العرفاوي، رئيس مجلس بلدي وأصيل هذه المحافظة، يقول لـ"الترا تونس" إنّ "الأمل في غد أفضل بدأ يتآكل مع مرور السّنوات ليتحوّل إلى ألم ومرارة وصل عند البعض إلى الحسرة والنّدم على الماضي، لأنّ الثّورة لم تأت بطبقة حاكمة مؤمنة بشعاراتها بل تواصل حكم رموز النظام السابق وظهر جليًّا للتونسيين أنّ الحراك الشّعبي كان دون قيادات لها برنامج واضح فتواصل حكم الإدارة العميقة تحت غطاء الثّورة والديمقراطية".

مروان العرفاوي (رئيس مجلس بلدي بسيدي بوزيد) لـ"الترا تونس": الأمل في غد أفضل بدأ يتآكل مع مرور السنوات ليتحوّل إلى ألم ومرارة فالثورة لم تقطع مع سياسات التنمية القديمة وأفرزت لوبيات وسّعت شبكة الفساد

ويضيف أنّ "الثورة تحوّلت إلى نقمة، لم ير فيها الشعب التونسي سوى المديونية، البطالة، التبعية، الإرهاب وانتشار المرض. ففي سيدي بوزيد، مهد الثورة، لم يتغير الكثير باستثناء بعض الإنجازات البسيطة على مستوى الطرقات والمسالك الفلاحية"، مبرّرًا هذا الفشل بـ"أنّ  الثّورة لم تقطع مع سياسات التّنمية القديمة وأنّها قد أفرغت من مضامينها الاجتماعية وأفرزت لوبيات ومافيات وسّعت شبكة الفساد فاستشرى في كلّ البلاد تحت حماية أحزاب ومنظمات انهمكت في اقتسام الغنائم والمناصب ونسيت شعبها"، حسب رأيه.

وأشار العرفاوي إلى أنّه "قد غُيّب كلّ من الإصلاح التربوي والفعل الثقافي الهادف والجاد. فلا مسرح ولا سينما في هذه المناطق المهمّشة، حيث سكّان الداخل يشدّون السفر إلى السّاحل للعلاج، أين يتركز طب الاختصاص، لأنّ الجهات الداخلية تنعدم فيها أبسط المرافق الصحيّة".

اقرأ/ي أيضًا: بخطى حثيثة نحو إخصاء الثورة... وبالقانون!

من جهته، يقول الصحفي رياض عمايرة، أصيل محافظة سيدي بوزيد أيضًا إنّ "جهته لم تشهد إنجازات كبرى يُمكن أن تغيّر واقع النّاس نحو الأفضل. فبعد اقتلاع النّظام تراجع الثوريون الحقيقيّون إلى الخلف منتظرين تحقّق ما نادوا به، لتصعد بعد ذلك الانتهازيّة التي وظّفتها حكومة التّرويكا وحكومات التّوافق النّهضوي النّدائي لصالحها. وتبقى كلّ المشاريع والوعود مجرّد أوهام أو تصوّرات على مكاتب المسؤولين اللّاوطنيين"، وفق تعبيره.     

ويوضّح أنّ "الإنجازات النادرة التي تمّ تحقيقها كانت فئويّة وغير شاملة، وحتّى هذه الإنجازات كانت أغلبها بمبادرات فرديّة. فالدّولة كانت غائبة قبل الثّورة وبعدها. وسيدي بوزيد لم تنل حقّها كأغلب جهات البلاد بسبب السياسات العرجاء المتّبعة"، مؤكّدًا أنّ "الثّورة انطلقت من الهامش، وهذا الهامش بقيَ على حاله بل زاد اتّساعًا لأنّ الحكّام لم يدركوا حقيقة اللحظة التونسية ولم يستجيبوا إلّا لمصالحهم الضيّقة".

وتعليقًا على إعلان الرّئيس التّونسي قيس سعيّد عن تغيير تاريح الاحتفال بذكرى ثورة 2011 من 14 جانفي/يناير إلى 17 ديسمبر/كانون الأول، اعتبر رياض أنّ "الاعتراف بـ17 ديسمبر يومًا وطنيًّا للثورة لا يكفي، بل إنّ المطلوب هو إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية قبل أن تسوء الأمور أكثر. ويجب الذهاب إلى برامج وطنية واضحة وجادة لا الالتجاء إلى حلول مؤقّتة وترقيعيّة ومحدودة النّجاعة".

رياض عمايرة (صحفي من سيدي بوزيد) لـ"الترا تونس": سيدي بوزيد لم تنل حقّها كأغلب جهات البلاد بسبب السياسات العرجاء المتّبعة.. الثّورة انطلقت من الهامش، وهذا الهامش بقيَ على حاله بل زاد اتّساعًا 

وفيما يخصّ الحكومة التونسية الجديدة، أكد أنّها "يجب أن تتجه إلى عمق المشاكل والميدان من أجل حلّ الأزمة وتجاوزها نحو البناء الشّامل. ويجب أن تتعزّز بالإنجازات التي ستحقّقها وإلا فإنها ستتلاشى كليًّا"، حسب تصوّره.

شهادات لأهالي منطقة لم تنل بعد نصيبها من التنمية أكدت أنّ الوضع بقي على حاله طيلة هذه السّنوات دون أيّ تعامل جدّي مع المطالب الأساسيّة والأهداف الّتي نادت بها الثّورة. انسدّت الآفاق وارتفعت البطالة وتوقّفت عجلة الاقتصاد فزادت نسب الانتحار والتحرّكات الاحتجاجيّة.

  • سيدي بوزيد تتصدّر المراتب الأولى في نسب الانتحار والتحرّكات الاحتجاجيّة

رغم أنّ محافظة سيدي بوزيد كانت مهد الثّورة التونسية وعبّرت عن غضبها واحتجاجها على قسوة ظروفها إلا أنّ مؤشّر التنمية الجهوية المتدنّي بالمناطق الداخليّة، البيئة الريفية السائدة، ضعف البنية التحتيّة، ارتفاع معدّل البطالة والانقطاع المبكّر عن الدراسة  وضعف مؤشّرات جودة الحياة يعتبر دليلًا واضحًا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حسب تقرير أعده  المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2020، عرض فيه مؤشرات الفقر في مختلف الجهات التونسية.

وأثبت التقرير أن الفقر ينتشر بصفة كبيرة في وسط غرب تونس، حيث يُعدّ هذا الإقليم أحد أفقر الجهات ​بمعدّل ​29.3٪، فبينما تستقطب بعض المناطق في تونس الاستثمارات الكبرى وتتركّز بها مجمل الوحدات السياحيّة والصناعيّة، تتصدّر منطقة الوسط والشمال الغربي نسب الفقر والانتحار والأمية والاحتقان الاجتماعي نتيجة انتشار الفقر وغياب الخدمات الأساسية كالماء الصالح للشرب والغاز والكهرباء.

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: من ضمن 873 تحركًا احتجاجيًا خلال شهر نوفمبر 2021، سجّل إقليم الوسط الغربي الذي تقع فيه ولاية سيدي بوزيد، 333 تحركًا ليتصدّر بذلك المرتبة الأولى كقطب ذي ثقل احتجاجي

ووفق تقرير المرصد الاجتماعي التونسي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  وما تداولته أغلب الإذاعات التونسيّة فإنّه من ضمن 873 تحركًا احتجاجيًا للمواطنين والحركات الاجتماعية، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، سجّل إقليم الوسط الغربي، الذي تقع فيه محافظة سيدي بوزيد، 333 تحركًا احتجاجيًا ليتصدّر بذلك المرتبة الأولى كقطب ذي ثقل احتجاجي.

اقرأ/ي أيضًا: هل يمكن صناعة الثورة والحركات الاجتماعيّة مخابراتيًا؟

كما تفاقم أيضًا مشكل الانتحار طيلة شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بتسجيل 28 حالة انتحار، مثّلت الفئة العمريّة المتراوحة بين 26 و45 سنة الفئة الأكثر إقبالًا على هذه الظّاهرة. وتصدّرت محافظة سيدي بوزيد المراتب الأولى وفق تقرير المرصد. وهو ما يعكس يأس شباب المحافظة مع تزايد تأزّم الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة وضعف مختلف القطاعات وهشاشتها وحجم التّفاوتات الاجتماعيّة بين المناطق، والتي تسببت فيها الحكومات المتعاقبة منذ سنوات نتيجة غياب استراتيجيّة دقيقة، رؤية عميقة، برنامج واضح وخاصّة تطبيق فعليّ لمختلف المبادئ والحقوق التي ينصّ عليها الدستور التونسي.

كلّها مؤشّرات تدعو بصفة ملحّة الحكومة إلى إعادة بناء خارطة تنمويّة جديدة لمجابهة الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة المتفجّرة.

  • المرأة الريفيّة: حقوقها على رفوف الانتظار..

غالبًا ما تتباهى بعض النخب السياسية وتفتخر بتشريعاتها ونصوصها القانونية المتقدمة بخصوص المرأة، لكنّ أغلب النساء الريفيات في سيدي بوزيد وغيرها من المناطق المهمشة والنائية مازلن لم يستوعبن بعد ما تنادي به تلك النّصوص، لأنّ المرأة الريفيّة ما تزال غارقة في التهميش والإقصاء بسبب ظروفها المعيشيّة الصّعبة رغم دورها المحوري في الاقتصاد التونسي.

 النساء الريفيّات قد لا يواكبن حداثة ما يذاع في مختلف الوسائل المتقدّمة أو بالأحرى ليس لديهنّ الوقت. فهنّ منهمكات منذ الصباح الباكر في عملهن الشّاق لكسب لقمة العيش. يجتزن مسافات طويلة في طرقات وعرة ليصلن إلى مكان عملهنّ في شاحنات فلاحيّة دون حماية أو تأمينات صحيّة تضمن سلامتهنّ. وكلّ ذلك مقابل أجور زهيدة لا يمكنها أن تؤمّن مختلف احتياجاتهن.

هنّ ما يزلن لا يتمتّعن بالتغطية الصحية والاجتماعية اللازمة ويغامرن كلّ يوم بحياتهنّ. يركبن "شاحنات الموت" حتّى يضمنّ بقاءهنّ في هذه الحياة لعدم وجود عمل بديل آخر لهنّ.

غالبًا ما تتباهى بعض النخب السياسية وتفتخر بتشريعاتها ونصوصها القانونية المتقدمة بخصوص المرأة، لكنّ أغلب النساء الريفيات في سيدي بوزيد وغيرها من المناطق المهمشة مازلن لم يستوعبن بعد ما تنادي به تلك النصوص

وهو ما دفع بالجمعيّات ومنظّمات المجتمع المدني إلى التّفاعل مع مطالبهنّ ومحاولة إيصال أصواتهنّ والدفاع عن حقوقهنّ من بينها الجمعيّة النسائيّة الحقوقية المستقلة بسيدي بوزيد "صوت حوّاء" ضمن تحالف "سالمة تعيش"، وهو تحالف جمعيّاتي للتصدّي للعنف ضد المرأة واستغلالها ودعم حقوقها، والتي غالبًا ما تطالب الأطراف الفاعلة بتفعيل القوانين واتخاذ حلول جذريّة لتنظيم هذا القطاع.

 فرغم أهمية سنّ القانون عدد 51 المنظم للنقل البرّي ونشره في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية منذ 14 جوان/يونيو 2019، والذي ينادي ببعث صنف جديد لنقل العاملين والعاملات في القطاع الفلاحي إثر الحادث الأليم في منطقة "السبّالة" التّابعة لمحافظة سيدي بوزيد الذي جدّ منذ سنوات مخلّفًا موتى وجرحى من النساء العاملات، فإنّ سيل الدماء لم ينضب بعد تلك الحادثة ولم يطبّق هذا القانون، ولم يضع حدًّا لمأساة العاملات الفلاحيّات أمام تواصل صمت الهياكل المعنيّة في الدولة. ذلك أنّه وفي غضون 5 سنوات (2015-2021) توفّيت 47 امرأة جرّاء حوادث طرقات المسالك الفلاحية مقابل 637 جريحة".

اقرأ/ي أيضًا: تعرّف على أبرز الكتب حول الثورة التونسية

وما تزال الجمعيّات الفاعلة والمدافعة عن حقوق المرأة الرّيفيّة تقيم إلى حد اليوم ورشات النّقاش مع السّلطات المعنيّة لدراسة موضوع العاملات الفلاحيّات والتّأكيد على تطبيق القانون عدد 51 على أمل التوصّل إلى رؤية مشتركة ناجعة للتّوعية والارتقاء بوضعيّة المرأة الرّيفيّة لكن تخيب الآمال في كلّ مرّة ولا يتمّ التوصّل إلى  حلول فعليّة، ما يدقّ ناقوس الخطر ويدعو إلى ضرورة التطبيق الفعلي لهذا القانون عبر تسخير الإمكانيّات اللّوجستيّة والبشرية الضرورية، ووضعه في سلم أولويّات الحكومة الجديدة لضمان كرامة المرأة الريفيّة وحمايتها من العمل الموازي والنّقل غير الآمن.

  • وضع سياسي ضبابي في تونس... ماذا سيكون مآله؟

 لم يكشف قيس سعيّد عن استراتيجية أو برنامج واضح من أجل إصلاحات وتغييرات جذرية تستجيب للمطالب الاقتصادية والاجتماعية التي نصّت عليها الثّورة للشّروع في عملية بناء وإصلاح واضحة المعالم

بعد التدابير الاستثنائيّة التي أقدم عليها رئيس الجمهوريّة التونسيّة  قيس سعيّد منذ 25 جويلية/ يوليو 2021 لم يكشف إلى حدود كتابة هذا التّقرير عن استراتيجية أو برنامج واضح من أجل إصلاحات وتغييرات جذريّة تستجيب للمطالب الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي نصّت عليها الثّورة للشّروع في عمليّة بناء وإصلاح واضحة المعالم.

إلاّ أنّه خلال اجتماع وزاري انتظم  بتاريخ  13 ديسمبر/كانون الأول 2021 أفاد أنه سيتمّ الإعلان عن قرارات مهمّة تلبّي إرادة الشعب وانتظاراته. خطاب اعتبره بعض التونسيّين مألوفًا وغير واضح ودفع البعض الآخر إلى التّساؤل عمّا إذا كان مجرّد "تعبير شعبويّ" أم أنّه نابع عن إرادة حقيقيّة ومرتكز على رؤى وبرامج واضحة. 

ويبقى متساكنو سيدي بوزيد وغيرها من المناطق المهمّشة على أمل القطع مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية القديمة التي عمّقت التفاوت بين الجهات، كرّست الفساد وأدت إلى تعميق الأزمة. فهل يمكن أن تستجيب المراحل القادمة فعلًا لمطالبهم وتنتشلهم من واقع الإقصاء والتّهميش طيلة هذه السّنوات؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أفيون الثورة التونسية

بورتريه: لذّة الثورة التي لا تنتهي..