30-مارس-2023
الجفاف في تونس

(صورة أرشيفية قرب سد الهوارب خلال موسم جفاف/فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

مختص في مجال المياه يدعو لـ"إعلان حالة الجفاف" في تونس، مسؤول في وزارة الفلاحة يقول إن "مخزون السدود تراجع بحوالي 390 مليون متر مكعب، مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2022، وإن مخزون سد سيدي سالم وهو مزود رئيسي لمياه الشرب انخفض إلى‭‭‭16 ‬‬‬ % فقط من سعته، وإن إيرادات السدود سجلت نقصًا بـ1 مليار متر مكعب وانخفض معدّلها الوطني بنسبة 50%، من سبتمبر 2022 إلى منتصف مارس 2023.. وغير ذلك الكثير"، أرقام وإحصائيات عديدة والمذكور جزء منها، تؤكد خطر "العطش" الذي يهدد ملايين التونسيين.

مختص في مجال المياه يدعو لـ"إعلان حالة الجفاف" في تونس وعدة أرقام وإحصائيات تؤكد خطر "العطش" الذي يهدد ملايين التونسيين

لا سر فيما أقوله لكن عدة عوامل ساهمت في استهانة عموم التونسيين بهذا الخطر، ربما من بينها غياب سياسة اتصالية من السلطات في تونس للتنبيه إلى هذا التهديد إلى حدود وقت قريب، لكن الأيام الأخيرة في تونس سارعت بالجديد.

  • مفاجأة الانطلاق في "تقسيط" المياه وغياب سياسة اتصالية من السلطات

صرّح مسؤول حكومي هو مدير عام مكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة والصيد البحري، حمادي الحبيّب، منتصف مارس/آذار الجاري، خلال ندوة، بأن وزارة الفلاحة قد تتجه إلى قطع مياه الشرب ليلًا خلال فصل الصيف، في إطار ترشيد استهلاك الماء في ظل شح المخزون المائي لتونس.

لكن بالتزامن مع هذا التصريح، شهدت عدة مناطق من ولايات تونس الكبرى وكذلك مناطق في الحمامات وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس وولايات أخرى، ولمدة أيام متتالية، انقطاعات في توزيع المياه طيلة الفترات الليلية خاصة، وقد رافقتها تساؤلات ما إذا كانت السلطات قد انطلقت بالفعل في تطبيق برنامجها المتعلق بتقسيط توزيع مياه الشرب.

شهدت عدة مناطق من ولايات تونس الكبرى وكذلك مناطق في الحمامات وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس وولايات أخرى، ولمدة أيام متتالية، انقطاعات في توزيع المياه طيلة الفترات الليلية خاصة

أما الشركة الحكومية المكلفة بتوزيع المياه في تونس (الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه) فقد انطلقت منذ حوالي أسبوعين في بعث إرساليات قصيرة إلى المواطنين تدعوهم فيها إلى ترشيد استهلاك المياه، ومن بين هذه الإرساليات التالية "‏‏‏الجفاف تهديد لبلادنا.. الاقتصاد في الماء ضمان لاستمرار حياة أولادنا".

 

الصوناد تونس

 

والتزمت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه الصمت وامتنعت عن تقديم تصريحات صحفية لتوضيح المسألة. لكن نائبًا بالبرلمان الجديد وهو ياسين مامي علق، في تدوينات على صفحته بفيسبوك، وفي تصريحات للإعلام المحلي، مؤكدًا أن مسؤولاً في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أخبره أن سبب الانقطاع المتكرر للمياه في مناطق مدينة الحمامات ليس بسبب أعمال صيانة، وإنما يعود إلى انطلاق تطبيق سياسة تقسيط المياه.

 

 

هكذا توجهت السلطات التونسية إلى سياسة تقسيط المياه لفترات محددة في اليوم، كخطة لخفض الاستهلاك، حتى قبل فصل الصيف، ودون إعلام وتوضيح مسبق للمواطنين، وخاصة في غياب أي استراتيجية معلنة للدولة في هذا الملف المهم.

توجهت السلطات التونسية إلى سياسة تقسيط المياه لفترات محددة في اليوم، كخطة لخفض الاستهلاك، حتى قبل فصل الصيف، ودون إعلام وتوضيح مسبق للمواطنين

ومع تواصل انقطاع المياه لفترات مختلفة في عدة مناطق، تكررت احتجاجات المواطنين من بينهم متساكني منطقة طريق منزل شاكر التابعة لولاية صفاقس الذين احتجوا، الاثنين 27 مارس/آذار 2023، تنديدًا بعدم تزويدهم بالماء منذ ما يناهز 12 يومًا، وفقهم. وندد نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي بالانقطاع المتواصل للمياه في عدد من المناطق بولاية صفاقس، وكذلك بقطعه انطلاقًا من الساعة الخامسة مساءً في مناطق أخرى، وفق ما تم تناقله.

وبخصوص هذا الاحتجاج تحديدًا، صرح المدير الجهوي للجنوب للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أن "الأمر يتعلق بعطب طارئ"، لكن المسؤولين بالشركة العمومية يتجنبون تقديم أي توضيح بخصوص الحالة العامة في ولايات متعددة من انقطاع ليلي للمياه.

 

 

  • انعكاسات حادة على محصول الحبوب والزراعات السقوية ومجالات أخرى

من الأطراف الفاعلة في هذا الملف، نذكر الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، الذي سبق أن دعا في ندوة إلى "إعلان حالة الطوارئ المائية ووضع خطة عاجلة لإنقاذ الزراعات الاستراتيجية"، لكن لم يصدر عن السلطات للعلن أي استراتيجية واضحة لتفادي هذه المخاطر.

يتوقع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري موسم حبوب "كارثي" بتراجع نحو 75 % في المحصول مقارنة بالسنة الماضية

وينتظر أن يكون لأزمة الجفاف انعكاسات حادة على الفلاحة التونسية. في هذا السياق، صرح مسؤولون في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنهم يتوقعون موسم حبوب "كارثي" بتراجع نحو 75 بالمئة في المحصول مقارنة بالسنة الماضية وذلك بسبب الجفاف الحاد.

بالإضافة إلى الحبوب، يبقى مصير الزراعات السقوية ضبابيًا ويُنتظر تضرر محاصيل عديد الخضروات والغلال من الجفاف وهو ما سيؤثر على مداخيل آلاف الفلاحين وأسعار هذه المنتجات في الأسواق في قادم الأشهر.

تتعالى الدعوات من عديد المواطنين وحتى المختصين للتخلي عن عدد من الزراعات السقوية خلال هذه الفترة، خاصة تلك المعروفة بـ"المجهدة مائيًا"

وفعلًا، تتعالى الدعوات من عديد المواطنين وحتى المختصين للتخلي عن عدد من الزراعات السقوية خلال هذه الفترة، خاصة تلك المعروفة بـ"المجهدة مائيًا"، والاستفادة من تلك المياه لاستهلاك المواطنين المباشر. في سياق متصل، يواجه مربو الأغنام والأبقار إشكالًا بسبب نقص المياه لمواشيهم، ولذلك انعكاسات على توفّر الأعلاف، مما يهدّد بنقص ممكن في إنتاج اللحوم لاحقًا.

يواجه مربو الأغنام والأبقار إشكالًا بسبب نقص المياه لمواشيهم، ولذلك انعكاسات على توفّر الأعلاف، مما يهدّد بنقص ممكن في إنتاج اللحوم لاحقًا

وإضافة إلى العامل المناخي، يفسر بعض المختصين في الشأن المائي والفلاحي الوضع الذي وصلته تونس من شح مائي بعدة أسباب أخرى من بينها عدم تهيئة السدود وصيانتها بشكل كاف مما يساهم في خسائر من المياه الثمينة والتي لا تٌجمع.

 

 

مما يلام أيضًا من المختصين على السلطات هو توزيع التصرف في المياه في تونس والذي يؤكدون بخصوصه أن أكثر من 80 في المائة من المياه تٌوجه للفلاحة، وهو أمر غير منطقي وفقهم خاصة في سنوات الجفاف.

من المشاكل الأخرى والتي ساهمت في بلوغ هذا الوضع، نقص أو غياب الصيانة في شبكات المياه الصالحة للشرب إضافة إلى مشكل عدم مراقبة حفر الآبار العشوائية الذي يعرّض المائدة المائية للإجهاد

من المشاكل الأخرى والتي ساهمت في بلوغ هذا الوضع، نقص أو غياب الصيانة في شبكات المياه الصالحة للشرب والتي تتسبّب في إضاعة نسب مهمّة من المياه، إضافة إلى مشكل عدم مراقبة حفر الآبار العشوائية الذي يعرّض المائدة المائية للإجهاد.

من المعلوم أن تونس تصنّف تحت خط الفقر المائي والذي يقدر بألف متر مكعب/سنة وتحت خط الشح المائي 500 متر مكعب/ سنة، بنصيب انخفض إلى حوالي 350 مترًا مكعبًا في السنة. ويزيد شح الموارد المائية من تعميق الصعوبات المالية والاجتماعية للبلاد في ظل تواصل غياب استراتيجية معلنة من السلطات لمأزق الشح المائي وانعكاساته.