22-نوفمبر-2019

تتعدّد أشكال تحيّل السماسرة في القطاع العقاري (Getty)

 

يبقى امتلاك مسكن خاص حلمًا مؤجلًا أو مستحيل التحقيق لدى طيف واسع من التونسيين لاسيما مع ارتفاع أسعار العقارات والأراضي الصالحة للبناء مقابل تدهور المقدرة الشرائية خاصة لدى الطبقة المتوسطة ليبقى بعضهم رهين سماسرة مساكن الإيجار أو ضحية سماسرة بيع العقارات إذا ما فكر في امتلاك مسكن عبر الاقتراض من البنوك أو دفع ثمنه بالأقساط.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أنّ أكثر من 30 في المائة من التونسيين لا يملكون مساكن على الرغم من وجود شركات تشييد المساكن الشعبية ذات الأسعار المقبولة بالنسبة للبعض، إلاّ أنّ أغلب الشركات العقارية في تونس أقرت بتراجع مبيعاتهم بشكل كبير جدًا.

امتلاك مسكن خاص يبقى حلمًا مؤجلًا أو مستحيل التحقيق بالنسبة للعديد من التونسيين لاسيما مع ارتفاع أسعار العقارات والأراضي الصالحة للبناء 

فيما أكدت وزارة التجهيز، إضافة إلى أصحاب شركات بناء المساكن، ارتفاع ثمن الأراضي وبلوغ سعر المتر مربّع الجاهز الألفي دينار. كما تضاعفت أغلب أسعار الأراضي في العديد من المناطق خمس مرات لذا يضطر أصحاب العقارات الترفيع في السعر بسبب ارتفاع سعر الأرض وتكلفة البناء بعد الزيادات في أسعار جميع مواد البناء إضافة إلى ارتفاع تكلفة اليد العاملة المختصة التي باتت تتجاوز 80 دينارًا في اليوم للشخص الواحد.

اقرأ/ي أيضًا: السكن في تونس.. حلم المواطن ومشكل الباعث العقاري

كما أكدت وزارة التجهيز تفاقم أزمة السكن خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير بعد ارتفاع أسعار العقارات ما أدى إلى عدم قدرة التونسيين على شراء مسكن مقابل أزمة أصحاب الشركات التي باتت عاجزة عن بيع المساكن. وأكدت الوزارة أنّ منظومة توفير السكن تتركز على ثلاثة متدخلين بمعدل 50 ألف مسكن سنويًا، 77 في المائة من هذه المساكن يتم إنجازها في إطار البناء الذاتي عن طريق العائلات أنفسهم، و20 في المائة تُنجز عن طريق الباعثين العقاريين الخواص المرخص لهم و1.7 في المائة من بقية المساكن ينجزها الباعثون العقاريون العموميون.

وبالموازاة مع أزمة ارتفاع أسعار المساكن، توجد أزمة استغلال السماسرة العقارات، إذ تعتمد المعاملات التجارية في قطاع العقارات غالبًا على طرفين هما البائع والمشتري، إلاّ أنّ كثيرًا من تلك المعاملات تتمّ عبر وسيط بين البائع والمشتري، أو بين صاحب المسكن والباحث عن إيجار. ويعدّ القطاع العقاري من أكثر القطاعات التي ينتشر فيها السماسرة مقابل الحصول على عمولة من كلا الطرفين تتراوح نسبتها بين 2 و3 في المائة.

لا يحتاج سمسار العقارات أن يكون صاحب مؤهلات تعليمية أو يفقه في قانون العقارات والصفقات فكلّ ما يحتاجه هاتف وإجادة الحوار وتنميق الألفاظ والقدرة على التفاوض والإقناع

ولا يحتاج سمسار العقارات أن يكون صاحب مؤهلات تعليمية أو يفقه في قانون العقارات والصفقات، فكلّ ما يحتاجه هاتف وإجادة الحوار وتنميق الألفاظ والقدرة على التفاوض والإقناع، بل باتت تسمى في تونس "خدمة إلى ماعندوش خدمة"، أي مهنة من لا مهنة له وهم يكسبون أرباحًا كبيرة أحيانًا عبر التحيّل.

اقرأ/ي أيضًا: برنامج الأمان الاجتماعي: هل بات للمواطن الحق في مقاضاة الدولة؟

وينطلق السمسار بالبحث عن أصحاب المساكن المجهزة للبيع أو الأخرى الموجهة للإيجار، يعقد صفقة من صاحب المسكن ثم تنطلق رحلة بحثه عن الباحثين عن مساكن للإيجار أو البيع، ولا يملك أغلب السماسرة مكاتب أو شركات أو أي صيغة قانونية إذ تجدهم في المقاهي أو يتنقلون بين الأحياء السكنية وفي حوزتهم عشرات مفاتيح البيوت التي يعرضونها على المواطنين، بين من يبحث عن مسكن لشرائه وبين باحث عن مسكن للإيجار. 

ولا يخلو عملهم من النصب والاحتيال، تحدثنا رفيقة الدريدي، وهي طالبة، أنها تضطر إلى إيجار مسكن كل سنة دراسية في العاصمة، وقد تعرّضت عشرات المرات إلى التحيّل من سماسرة العقارات. إذ تلجأ بسبب بعدها عن العاصمة إلى سمسار يساعدها على إيجاد مسكن للإيجار، وتضطر أحيانًا إلى إرسال قرابة 100 دينار كعربون أو كعمولة للسمسار على أن تتفق معه على دفع قرابة 2 في المائة من مجموع الكلفة السنوية للإيجار أي تتراوح العمولة النهائية بين 400 أو 600 دينار، غير أنه بعد إرسال العمولة الأولى تكتشف أنّ البيت تمّ إيجاره إلى طلبة آخرين.

تحدثنا رفيقة الدريدي، وهي طالبة، أنها تضطر إلى إيجار مسكن كل سنة دراسية في العاصمة، وقد تعرّضت عشرات المرات إلى التحيّل من سماسرة العقارات

نفس الأمر تعرّض له الآلاف من الطلبة الباحثين عن مساكن للإيجار خلال الموسم الدراسي، وباتوا يحتلون المرتبة الأولى في ضحايا السماسرة الذين يستغلون فئة كبيرة منهم والحصول على عمولات تسبق حتى عملية البحث أو إيجاد عقار. فبسبب أزمة الحصول على مسكن قريب من الجامعة أو من محطات النقل، يضطر بعضهم إلى دفع عمولات كتسبقة لبعض السماسرة الذين يحصلون على عمولات من طرف أكثر من شخص للمسكن الواحد.

ويشير محمّد الفرحاني، وهو طالب أيضًا، لـ"ألترا تونس" إلى أنّه دفع عمولة إلى أحد السماسرة للحصول على مسكن للإيجار، ليكتشف بعد حصوله على المسكن أنّ السمسار حصل على عمولات من قبل أكثر من شخص على المسكن الواحد دون علم صاحب المسكن. وأضاف أن عديد الطلبة يقعون ضحايا لمثل هذه العمليات، مؤكدًا أن الإعلانات وعروض إيجار البيوت على الأنترنت بات يعرضها السماسرة أو أصحاب شركات الوساطة وليس أصحاب المساكن.

وإذا ما تعرّض البعض إلى تحيّل السماسرة للحصول على مسكن للإيجار، فإنّ العديد من التونسيين تعرّضوا إلى التحيّل أيضًا خلال البحث عن مسكن لشرائه، وتكون قيمة التحيّل أكثر كلفة.

حذّرت منظمة الدفاع عن المستهلك، مؤخرًا، من انتشار ظاهرة تحيّل سماسرة العقارات الذين يكسب بعضهم ما يفوق 500 دينار يوميًا عبر التحيل

حافظ (45 سنة) تعرّض إلى عملية تحيّل من قبل سمسار في العاصمة، يقول لـ"ألترا تونس" إنّه دفع 400 دينار إلى أحد السماسرة لشراء أحد المساكن في العاصمة بعد سماعه عن رغبة صاحبه في بيعه، على اعتبار وجود صاحب المسكن خارج تونس وعدم قدرته على التواصل معه، ما اضطره إلى التواصل مع سمسار في الجهة معروفة بوساطته في مجال بيع أو إيجار المساكن. ودفع له في المرة الأولى مبلغ 200 دينار، ليطلب منه دفعة ثانية ب200 دينار، ليكتشف بعد دفع هذه المبالغ أنّ صاحب المسكن لم يعرض بيته للبيع ولم يتواصل مع أي من السماسرة لمساعدته في بيع مسكنه.

وتبقى، عمومًا، عمليات التحيّل هذه بسيطة مقارنة بأشكال أخرى من التحيّل مادام بات اللجوء إلى السمسار ضرورة في عديد الأحيان من طرف أصحاب المساكن بحثًا عن مشتري أو أجير. وقد حذّر رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله، مؤخرًا، من انتشار ظاهرة تحيّل سماسرة العقارات الذين يكسب بعضهم ما يفوق 500 دينار يوميًا عبر التحيل، وذلك بعد أن ورود عدّة شكاوى على المنظمة داعيًا المواطنين إلى التعامل فقط مع الوكالات المختصة في هذا المجال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

آخر سكّان "الوكايل"... انتظار الموت تحت سقف متداعي؟!

حقيقة أزمة العقارات في تونس