17-ديسمبر-2018

بات الحصول على مسكن حلمًا صعب المنال لعديد التونسيين (أسامة دهماشي)

"منذ أكثر من أربع سنوات أسعى للحصول على قرض سكني، لكن لا أمل لي طالما دخلي الشهري لا يتجاوز 600 دينار. ويفوق ثمن أغلب المساكن 100 ألف دينار مع ضرورة توفير دفعة أولى من ثمنه"، هكذا حدّثنا المواطن محمد فهمي اللطيفي، مضيفًا أنّه لم يعد يأمل في الحصول على أي تسهيلات بنكية، في ظلّ عجزه عن دفع أي أقساط والحال أنّ أجره الشهري بسيط، مع ارتفاع نسبة الفوائض التي تفرضها البنوك.

محمد هو واحد من بين آلاف المواطنين الراغبين في الحصول على سكن، ولكن يواجهون صعوبات في الحصول على قرض أو أي تسهيلات للحصول على السكن الأوّل، لتبقى أزمة السكن عنوان فشل توارثته كلّ الحكومات التي عجزت عن حلّه. أزمة جعلت شريحة من التونسيين تقدر نسبتها بـ 23 في المائة غير قادرة على تحصيل مسكن رغم وجود ما يفوق 400 ألف مسكنا شاغرًا، وفق أرقام رسمية.

يرى الكثير من التونسيين أنّ امتلاك مسكن هو مجرّد حلم جراء ارتفاع أسعار الشقق الجاهزة أو ارتفاع كلفة مواد البناء لتشييد مسكن

وقد ارتفع سعر المتر المربع الواحد بل وتضاعف خلال الخمس سنوات الأخيرة بخمس مرات أو أكثر، إذ بلغ سعر المتر المربع الواحد في بعض المناطق حتى وإن كانت شعبية إلى حدود 800 دينار، بعد أن كان لا يتجاوز 200 دينار. فيما لا يقل سعر المتر مربع عن 2000 دينار حاليًا في بعض المناطق بعد أن كان في حدود 400 دينار سنة 2010، وفق دراسة أصدرتها وزارة التجهيز سنة 2014.

وقد فاقت الأسعار 3000 دينار في بعض المناطق بالعاصمة، وتتباين أسعار العقارات من منطقة سكنية إلى أخرى، وهي إجمالًا أسعار صعّبت على شريحة كبيرة من التونسيين الحصول على مسكن.

اقرأ/ي أيضًا: صدور الأمر المتعلق بالقروض السكنية للفئات محدودة الدخل.. تعرّف على شروطه

لحلّ أزمة السكن وتوفير تسهيلات للحصول على مسكن، صدر أمر حكومي عدد 161 لسنة 2017 مؤرخ في 31 يناير/تشرين الثاني 2017 متعلق بضبط شروط الانتفاع ببرنامج المسكن الأول وصيغ وشروط الانتفاع بالقرض الميسر لتغطية التمويل الذاتي وإجراءات إسناده.

نص الفصل 4 من هذا الأمر على توفير المساكن من قبل المنتوج العقاري للباعثين العقاريين العموميين أو الخواص المرخص لهم من المساكن الجاهزة أو التي هي في طور الإنجاز أو المبرمجة للإنجاز، أو المساكن الجاهزة التي على ملك الخواص من غير الباعثين العقاريين.

فيما نصّ الفصل 9 على أنّه يتعين على كل راغب في اقتناء مسكن من باعث عقاري في إطار البرنامج الحصول على وثيقة منه حسب أنموذج معد للغرض، تثبت حجز مسكن لفائدته وتتضمن بيانات حول الإقامة ورقم المسكن والمساحة المغطاة باعتبار الأجزاء المشتركة وسعر المتر المربع المغطى وثمن المسكن.

مشكل السكن ليس مشكلًا يواجه المواطن فقط إذ عمّق بدوره أزمة الباعثين العقاريين والمستثمرين في قطاع العقارات 

ويعد مسكنًا أولًا على معنى هذا الأمر الحكومي، المسكن المتكون على الأقل من غرفتين وقاعة استقبال والذي لا يتجاوز ثمن التفويت فيه 200 ألف دينارًا، ومنجز من الباعثين العقاريين المرخص لهم.

مع ذلك يرى الكثير من التونسيين أنّ امتلاك مسكن مجرّد حلم صعب جراء ارتفاع أسعار الشقق الجاهزة أو ارتفاع كلفة مواد البناء لتشييد مسكن. إذ فشل برنامج السكن الأول في حلّ أزمة السكن خاصة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود. فشل تؤكده إحصائيات العقاريين وغرفة الباعثين العقاريين، فقد بلغ عدد الشقق التي تمّ بيعها خلال الربع الأول من السنة الحالية 24 شقة فقط، فيما بلغ عدد الشقق التي تمّ خلال الربع الاول من 2017 حوالي 70 شقة مقابل 400 شقة سنة 2016.

اقرأ/ي أيضًا: آخر سكّان "الوكايل"... انتظار الموت تحت سقف متداعي؟!

وقد ساهمت عدّة أسباب في أزمة السكن من غلاء معيشة وارتفاع أسعار مواد البناء ما أدى بالتتابع لارتفاع أسعار الشقق الجاهزة وتضاعف أسعارها سنويًا بمعدّل 20 في المائة.

وإن مشكل السكن ليس مشكلًا يواجه المواطن فقط، فقد عمّق بدوره أزمة الباعثين العقاريين والمستثمرين في قطاع العقارات الذين تراجع عددهم خلال السنوات الأخيرة جراء تراجع بيع المساكن والشقق. وبات قطاع البعث العقاري يمثل 14 في المائة فقط من مجموع الاستثمارات السنوية.

وقد سبق وإن أشار فهمي شعبان، رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقاريين، أنّ أسعار العقارات ارتفعت بشكل كبير ليس جراء انتهاز العقاريين وتعمّدهم الترفيع في أسعار الشقق، لكن بسبب غلاء أسعار مواد البناء واليد العاملة وتراجع سعر الدينار التونسي واستيراد بعض المواد اللازمة من الخارج بأسعار باهضة، وهو ما يتسبب ضرورة في ارتفاع أسعار الشقق التي بات المواطن غير قادر على تكبد أسعارها.

 أعلن المعهد الوطني للإحصاء أنّ أسعار الشقق تراجعت بنسبة 5.2 في المائة خلال الثلاثية الثالثة من 2018

ورغم تذمر المواطن والباعث العقاري على حد السواء، أعلن المعهد الوطني للإحصاء مؤخرًا إلى أنّ أسعار الشقق تراجعت بنسبة 5.2 في المائة خلال الثلاثية الثالثة من 2018، وذلك مقارنة بالثلاثية الثانية رغم ارتفاع أسعار الأراضي المعدة للبناء بحوالي 1.4 في المائة. فيما تقلص حجم المعاملات العقارية بنسبة 9.1 في المائة خلال الثلاثي الثالث لـ 2018 مقارنة بالفترة ذاتها من 2017.

في المقابل، كان قد نشر المعهد خلال الشهر الماضي إحصائيات عن أسعار الشقق في تونس أشار فيها إلى ارتفاعها بنسبة 10.8 في المائة وذلك كمعدل سنوي خلال السنوات الخمس الأخيرة من 2013 إلى 2017. كما ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 10.6 في المائة، والأراضي الصالحة للبناء بنسبة 7.4 في المائة، وذلك وفق مؤشر أسعار العقارات للثلاثية الثانية لعام 2018.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ارتفاع الديون العمومية في تونس.. أزمة تتعمق وتهدد السيادة الوطنية

كم تكلّف امتيازات ومنح موظفي المؤسسات العمومية ميزانية الدولة؟