24-ديسمبر-2018

تراجع عدد الوحدات السكنية التي تم إنتاجها إلى ما يقارب 9 آلاف وحدة سكنية في 2017

تعاني العديد من القطاعات الاقتصادية في تونس من مشاكل كبيرة منها الهيكلي والذي يحتاج إلى إصلاحات عميقة وجذرية باستراتيجيات واضحة ومنها المشاكل التي لها علاقة بالوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه تونس منذ سنوات.

قطاع العقارات واحد من القطاعات المهمة في الاقتصاد التونسي والذي رغم ما عاشته وتعيشه تونس من تحولات اجتماعية وسياسية، إلا أنه ظل محافظًا على قيمته المضافة، لكن في السنوات الأخيرة بدأ قطاع العقارات يدخل نفق الأزمة. وتعمقت هذه الأزمة كثيرًا بعد الإجراءات المتخذة في قانون المالية لسنة 2018 والتي تضمنت الترفيع في الأداء على القيمة المضافة.

لاحت بوادر الأزمة في سنة 2014 عندما بدأت مبيعات الشقق تأخذ منحى تنازليًا وانتقل عدد الشقق التي تم بيعها من 400 شقة في الربع الأول من سنة 2016  إلى 70 شقة في نفس الفترة من سنة 2017 لتزيد الإجراءات الجديدة من تأزم الوضع أكثر. اليوم وفي قانون المالية الجديد تراجعت الدولة عن الزيادة في الأداء على القيمة المضافة فهل يمكن اعتبار هذا الإجراء حلًا لأزمة القطاع؟

اقرأ/ي أيضًا: السكن في تونس.. حلم المواطن ومشكل الباعث العقاري

فهمي شعبان لـ"الترا تونس": رفعنا قضية ضد الحكومة لمطالبتها بوقف الفصل الوارد في قانون المالية والذي يفرض 13 في المائة من الضرائب الإضافية على العقارات المقتناة سنة 2018

رغم ما يعيشه قطاع العقارات من ركود منذ 5 سنوات إلا أن الحكومة قررت في أواخر 2017 التقدم بمقترح في قانون المالية يشمل الزيادة في الأداء على القيمة المضافة بـ19 في المائة. لكن وبعد ماراطون من المشاوارات والضغط من قبل الباعثين تم تخفيض هذه النسبة إلى 13 في المائة على المحلات المعدة للسكنى.

وحسب الفصل التاسع من مجلة الأداء على القيمة المضافة على كل شخص خاضع لهذا الأداء يجب أن يقوم بعملية جرد لمخزونات الأداء حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول من السنة المنقضية وهذا الجرد هو عبارة عن الفرق بين القيمة المضافة المدفوعة والقيمة المضافة المقبوضة، فإذا كان الفرق إيجابي على الدولة القيام بدفع الفرق للخاضعين وإذا كان الفرق سلبيًا فعلى الشخص المعنوي الخاضع للأداء دفع هذا الفرق للدولة. لكن مذكرة 2 أفريل/ نيسان 2018 أتت لتعلن عدم أحقية الباعثين العقاريين في الحصول على رصيد الأداء على القيمة المضافة بعد عملية الجرد. 

وفي هذا السياق، أكد رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقاريين فهمي شعبان لـ"الترا تونس" لجوء العقاريين إلى القضاء، بعد رفع قضية ضد الحكومة لمطالبتها بوقف الفصل الوارد في قانون المالية والذي يفرض 13 في المائة من الضرائب الإضافية على العقارات المقتناة سنة 2018. وأدى تطبيق الإجراءات الجديدة على مشاريع عقارية أنجزت في السنوات السابقة إلى وقف سوق المبيعات.

بالإضافة هذا،كان قطاع العقارات قبل 2011 ينتج ما يقارب 15 ألف وحدة سكنية لكن في 2017 تراجع عدد الوحدات السكنية التي تم إنتاجها إلى ما يقارب 9 آلاف وحدة سكنية، تراجع الإنتاج يرجعه فهمي شعبان إلى الارتفاع المشط للاسعار.

سقوط قطاع العقارات في تونس سوف يتسبب بسقوط عدد من البنوك في شبح الأزمة المالية

أدى انزلاق الدينار الصاروخي إلى إرتفاع أسعار المواد الاساسية في البناء مثل الأليمنيوم والحديد ومواد المقاطع والآجر الأحمر، ولطالما طُرح السؤال في تونس حول سبب عدم تراجع أسعار الوحدات السكنية رغم أن القطاع يعيش أزمة. 

وفي هذا الإطار، يجيب فهمي شعبان يجيب قائلًا: "في ديسمبر/ كانون الأول هناك زيادة متوقعة في أسعار المحروقات، المحروقات التي يستعملها أصحاب المقاطع للتنقل بشاحناتهم ما يعني زيادة متوقعة في العام القادم لمواد المقاطع مثل الرمل وحجر البناء، شركات الأليمينيوم أعلنت أيضًا عن زيادة بداية من غرة جانفي/ كانون الثاني بـ8 في المائة، هناك زيادة أيضًا في الحديد بـ17 في المائة بداية من جانفي/ كانون الثاني 2019، زيادة في أسعار بيع السيراميك التونسي بـ10 في المائة، زيادة في أسعار الكهرباء، مما يعني أن الوحدة التي تكون مصاريف إنتاجها 200 ألف دينار سترتفع إلى ما يقارب 225 ألف دينار في 2019".  

واحد من الأسباب الأخرى التي تسببت في جمود قطاع العقارات هو تراجع المقدرة الشرائية للمواطن، عبد اللطيف، موظف في إحدى الدوائر الحكومية يبلغ من العمر 36 عامًا، يخطط منذ سنوات للحصول على قرض من أجل شراء شقة بأحد الأحياء شرق العاصمة لكن في كل سنة تزداد شكوك عبد اللطيف في القيام بهذه الخطوة.

يتحدث عبد اللطيف لـ"الترا تونس" قائلًا: "في تونس لا ترى انخفاضًا في الأسعار بعد ارتفاعها، بدأت بالتفكير في شراء شقة منذ سنة 2015 ولكن في كل مرة ترتفع نسبة الفائدة وفي كل مرة ترتفع أسعار الشقق أيضًا، أنا أخاطر بأكثر من 40 في المائة من راتبي، وسأكون رهينًا لهذا البرنامج لأكثر من 20 سنة، أفكر في التراجع عن هذه الخطوة".

اقرأ/ي أيضًا: قانون المالية 2019.. خنق جديد للمواطن أم الانفراج الموعود؟

فهمي شعبان لـ"الترا تونس": تقترح الغرفة الوطنية النقابية للباعثين العقاريين التخفيض في نسبة التمويل الذاتي من 20  إلى 10 %

يقول الخبراء في تونس أن انزلاق الدينار التونسي قد أفقد التونسيين أكثر من 25 في المائة من قدرتهم الشرائية ما يؤثر بشكل مباشر على هيكلة الطبقات في المجتمع وما يؤكد أيضًا تراجع نسبة الطبقة المتوسطة.

سيؤدي انهيار قطاع العقارات في تونس إلى سقوط عدد من البنوك في شبح الأزمة المالية، قطاع العقارات الذي يمثل أكثر من 14 في المائة من مجموع الاستثمارات الجملية في البلاد ويساهم بـ12.6 في المائة من القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني، و8 في المائة ‏من جملة القروض المصرفية الممنوحة للقطاعات الاقتصادية يواجه أزمة خانِقة بالنظر إلى حجم ديونه من القروض والتي تصل إلى 5.2 مليارات دينار حسب الخبير المحاسب معز كعنيش ، وبسقوط قطاع العقارات ستتضرّر عدّة قطاعات أخرى أهمّها البنوك والسياحة.

لتفادي مزيد تدهور الوضع، يقول فهمي شعبان لـ"الترا تونس" إن هناك العديد من الحلول التي ستمكن من الخروج من نفق هذه الأزمة، مبينًا أن قرضًا بنسبة فائدة تعادل 10 أو 11 في المائة سيثقل كاهل المواطن كثيرًا وأنه على الدولة أن تفتح خط تمويل بنسبة فائدة رمزية أو تساوي صفر حتى يتمكن المواطن من شراء شقق ويتمكن الباعث العقاري من سداد ضرائبه وديونه.

ويضيف شعبان "هناك إجراءات عمقت من الازمة أهمها رخصة الوالي لتمليك الأجانب، إجراءات طويلة تمتد لأكثر من سنتين للحصول على هذه الرخصة يجب إلغاء أمر 4 جوان/ حزيران 1957 المتعلق برخصة الوالي كما يجب الاقتداء بتجارب الدول الأخرى".

ويتابع قائلًا "الدولة التركية مثلًا تمكنك من الجنسية التركية في حال شرائك لمنزل يفوق سعره 250 ألف دولار. كما تقترح الغرفة الوطنية النقابية للباعثين العقاريين التخفيض في نسبة التمويل الذاتي من 20 في المائة إلى 10 في المائة والترفيع في سنوات الخلاص من 20 سنة إلى اعتماد معيار سن المقترض لاحتساب سنوات الخلاص وهنا تقترح الغرفة اعتماد سن 70 سنة لسن أقصى للخلاص.

رغم ما تضمنه قانون المالية الجديد من إجراءات بخصوص قطاع البعث العقاري إلا أن الخبراء في هذا المجال يرون أن هذه الإجراءات لن تمكن من حلحلة الوضع، مما يجعل أزمة العقارات تتعقد أكثر فأكثر خاصة بالنظر للعدد القليل للشقق التي تم بيعها في الربع الأول من سنة 2018 والتي وصلت إلى 24 شقة. أزمة تنفتح على أزمة أشد وهي أزمة البنوك في حال لم يتم سداد القروض.

 

اقرأ/ي أيضًا:

منح أراض فلاحية للمعطلين عن العمل.. برنامج جاذب في واقع صعب

تونس: أملاك الأجانب الآيلة للسقوط تنتظر قانونًا ينظم إجراءات التدخل