هو الحوار والمخلول وابن اللبون والحق والجدع والقعود والجامع والثلب وهي البكرة واللقحة والشايلة والخلفة والفروق والحايل والعزيلة... إنها أسماء الإبل بذكرها وأنثاها، تختلف الأسماء بحسب عمرها ولقاحها وحملها.
الإبل سفينة الصحراء لها أسرارها وهي الرفيق الذي يقطع المسافات ويصبر على الظمأ لها طقوسها وخصوصياتها وهي ليست مجرد دابة في الصحراء، بل هي أيضًا رمز الأصالة والصبر يعتز بها راعوها ويرون فيها أصولهم وعزتهم.
"لم أتخلَّ عن الإبل فهي لا تمثل بالنسبة لي محرد مهنة بصفتي راعِ لها، بل هي أيضًا جزء مني ومن تاريخي فنحن قبيلة الربايع في الجنوب الشرقي، وتحديدًا في بن قردان، عُرفنا بتربية الإبل على مدى مئات السنين"، يقول مصباح قناقن لـ"ألترا تونس".
الإبل سفينة الصحراء وهي الرفيق الذي يقطع المسافات لها طقوسها وخصوصياتها وهي ليست مجرد دابة في الصحراء، بل هي أيضًا رمز الأصالة والصبر يعتز بها راعوها ويرون فيها أصولهم وعزتهم
ويضيف: أصولنا تعود إلى الحجاز في الجزيرة العربية ونحن أحفاد الشاعر العربي عمر ابن أبي ربيعة منتشرون في المغرب العربي كله بعد أن هاجرنا من الجزيرة العربية فنحن رُحّل رافقتنا الجمال وهي جزء منًا".
تطوف بهم الصحراء ويطوفون بها، إذ تغريهم الأرض الذهبية برمالها وشساعتها وصفاء هوائها، فهي تعيدهم إلى البدايات إلى جذورهم الأصلية كونهم أناسًا لايزالون يتشبثون بالبادية ويرون في الجمل والناقة هوية وتاريخًا، يضيف راعي الإبل مصباح قناقن، الذي يعرف الصحراء وأوكارها والإبل وأسرارها وهو فصيح عصامي التكوين.
اقرأ/ي أيضًا: شباب المنشية من ولاية قبلي.. عزيمة تحوّل جحيم "فرعون" إلى جنة خضراء
يردف محدث "ألترا تونس": الإبل عزيزة وهي رمز الخير نفرح للقاحها وولادتها ولنا طقوس في محطات حياتها وأولها حفل "الوسيمة" وفيه يتم وسم الجمال بشعار القبيلة الذي يعده الحداد وتكوى به فتصبح لها هوية مالكيها وفي هذا اليوم "نفزع" (الفرحة وإطلاق النار في الهواء) ونذبح ونطعم ونفرح.
الجمل صبور في حياته حمال أثقال يجوب بك الصحراء بأكملها، ويعود بك إلى بيتك دون أن يضيع الطريق، وهو الرفيق الحنون، ووبره غطاء وملبس ولبنه دواء لكل داء ووجبة متكاملة لا تحتاج خبزًا ولا قمحًا وشعيرًا، نشربه في رحلتنا ونقدمه مجانًا لكل طالب له، أما لحمه فمعروف بخلوه من "الكوليسترول"، وفق مصباح قناين.
ويرافق قناين، ابن قبيلة الربايع وصاحب الصوت العذب، الإبل ويغني لها ويسمى الغناء للإبل بـ"المهاجاه".
مصباح قناقن (راعي إبل) لـ"ألترا تونس": الإبل عزيزة وهي رمز الخير نفرح للقاحها وولادتها ولنا طقوس في محطات حياتها وأولها حفل "الوسيمة" وفيه يتم وسم الجمال بشعار القبيلة الذي يعده الحداد وتكوى به فتصبح لها هوية مالكيها
وهو ما أكده أستاذ الموسيقى والباحث في تراث الجنوب محمد مرابط لـ"ألترا تونس"، إذ قال إن "الحادي هو مُغنٍّ يرافق كل قافلة ويدفع له المال من أجل ذلك وهو ضروري لأن الإبل تحب الغناء على مقام راست والحادي يغني لها فتطرب وتتحمل مشاق الطريق".
اقرأ/ي أيضًا: الموروث الشعبي المنسي.. الشعر الغزلي الإباحي في التراث التونسي
ولفت أستاذ الموسيقى، في هذا الإطار، إلى أن رعاة الإبل إلى اليوم يغنون لها في الصحراء حتى ترعى وتنتعش ويسمى ذلك "المهاجاه".
"تربينا على الإبل وكانت ولاتزال جزءًا من حياتنا، والإبل كائن غريب ساحر وله أحاسيس" يقول الإعلامي المختص في التراث محمد مرابط متحدثًا في هذا السياق عن قصة والده مع الجمل وكيف أن الجمل يحمل الغيظ ويأخذ بثأره ممّن يغضبه حتى إن كان صاحبه، وينتظر أن يكون غريمه لوحده حتى ينتقم وهو لا ينسى أبدًا ولا يخطئ حتى وإن تنكر غريمه يحدده.
وتابع القول: "إن الناقة تضع صغيرها بعد 12 شهرًا، وحين يبعدونه عنها -تسمى هذه المرحلة "الفروق"-، إنها تنوح على فراقه وتصدر صوتًا حزينًا، لهذا يقال في الذاكرة الشعبية: "وشدي الثنية وغردي يا ناقة و ريتيش ما حر الضني وفراقه".
محمد مرابط (باحث في تراث الجنوب) لـ"ألترا تونس": من المؤسف أن الدولة لا تعمل على دعم مربّي الإبل وإيلائها الأهمية التي تستحقها، فالجمال من الدواب غير المتطلبة ولحمها ولبنها دواء وهي أيضًا مصدر إلهام شعري وغنائي
ومن عجائب الإبل أن رائحة العطر تقتل "الحوار" (صغير الإبل) ولهذا فإن رعاتها لا يضعون عطرًا، وينبهون كل قادم إليهم بعدم التعطر حفاظًا على سلامة القطيع.
كما أن الجمل يخلق بلا مرارة، وبإمكانه أن يظلّ صابرًا لأشهر دون أن يشرب، والعطش لا يقتله.
ويضيف الأستاذ مرابط: "ينتج الجمل موجات حرارة في البرد في قلب الصحراء، لذلك ينام الراعي لصيقًا به بحثًا عن الدفء، كما أن وبره كان يستعمل في حياكة البرنوس ويلبس في الشتاء فلا تبلله الأمطار ويلبس في الصيف لأنه يوفّر برودة للأبسه".
ويتابع محدث "ألترا تونس" القول: "من لا يملك جملًا لا يملك شيئًا وهو معدم، فالجمل أساس الحياة عند البدو، وهو سفينتهم في تنقلاتهم، وهو الذي يحرث الأرض ويدرس القمح، وهو الذي يحمل المؤونة في الطريق الوعرة لوضعها في القصور الجبلية وهو ركيزة كل عرس، فعلى هودجه تزف العروس إلى زوجها" يقول محمد مرابط لـ"ألترا تونس".
هناك في البادية في الصحراء التونسية تكتشف أسرار يأسف الموسيقي محمد مرابط أن الباحثين والسينمائيين والروائيين لا يبحثون في هذه الحياة الطريفة المليئة بالأسرار.
ويأسف مرابط أيضًا لدولة لا تعمل على دعم مربّي الإبل وإيلائها الأهمية التي تستحقها، فالجمال من الدواب غير المتطلبة ولحمها ولبنها دواء وهي أيضًا مصدر إلهام شعري وغنائي، والموروث الثقافي المتعلق بها ثري جدًا، على حد قوله.
اقرأ/ي أيضًا: