هم شباب في عمق الجنوب التونسي وعلى بعد أكثر من 500 كلم عن العاصمة تونس، لا ينشطون في "الأنستغرام" ولم يستضفهم رئيس الحكومة ضمن قائمة الشباب الذين اجتمع به ليستأنس بتجاربهم. هم شباب لا يخوضون التحدي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بل على الأرض بتحويل الصحراء القاحلة الجرداء إلى واحات نخيل واستخراج عيون المياه منها بجهود ذاتية.
إنهم شباب المنشية من معتمدية سوق الأحد التابعة لولاية قبلي الذين استطاعوا بصبرهم وسواعدهم أن يحولوا منطقة يسمونها "فرعون" من شدّة قسوتها إلى جنة خضراء، ولازال التحدي مستمرًا.
محمد (28 سنة): اخترنا أن نقضي أوقات فراغنا في غراسة النخيل في الصحراء خارج الواحة القديمة
يتحدث محمد، 28 سنة، وهو موظف من شباب المنطقة لـ"ألترا تونس": "لا توجد قاعات سينما ولا مراكز ترفيه. نحن منطقة منسية تفتقد حتى للأساسيات. لكن اخترنا أن نقضي أوقات فراغنا في غراسة النخيل في الصحراء خارج الواحة القديمة. نحن نتحدى الموت ونزرع الحياة".
يؤكد أن شباب الجهة هو مثال للتحدي الذي لا يُسمع صوته ولا تُصدّر تجربته، مشددًا أنهم متمسكون بأرضهم على قساوتها وصعوبة مناخها وخطورة الأفاعي والعقارب ومصرّون على تطويعها وتحويلها لجنة نخيل.
اقرأ/ي أيضًا: أنيس السحباني مخترع "روبوت" الداخلية يتحدث لـ"ألترا تونس" عن مشاريعه (صور)
"فرعون"، الطريق إليها غير معبدة، وتبعد عشرات الكيلومترات عن المناطق السكنية، ورغم ذلك يأتيها البعض حتى مشيًا على الأقدام بل يحمل الشباب على ظهورهم محرك البئر في درجات حرارة قياسية. إذ حفروا آبار المياه على حسابهم الخاص في ظل غياب أي دور للدولة وهي ترى الشباب يعمّر الصحراء بمفرده.
"نحن نفضل أن نقضي الصيف في سقي النخيل اليافع على أن نتوجه للاستمتاع بالشواطئ"، يضيف محمد مواصلًا: "أنا كموظف حكومي باستطاعتي التنقل إلى العاصمة أو قضاء الصيف في التجوال في المناطق الساحلية لكنني ومع شباب آخرين في الجهة نرفض ذلك لأننا متمسكون بأرضنا ومصرّون على تعميرها".
النخيل في منطقة "فرعون" في قبلي
اقرأ/ي أيضًا: الموهبة حسام خالد: خلقني الله رسامًا من وراء "البلايك"
حمد، 24 سنة، هو أحد الشباب ممن خاضوا تجربة الهجرة غير النظامية ونجا من الموت بعد غرق مركبهم، يتحدث لـ"ألترا تونس" أن التجربة التي خاضها في مواجهة الموت جعلته يتخذ قرارًا بالبقاء في الجنوب وحيازة أرض في "فرعون" وغراستها.
"الأرض قاسية لكنها ليست أقسى من الموت، وهي تعلمك الصبر فأجمل ما يمكن أن يحدث لك هو أن ترى النخيل يرمي عروقه في هذه الأرض ويتحداها، وأن تبصر دقلة (تمر) كالذهب تلمع في هذه الصحراء رغم الحاجة للانتظار لمدة 10 سنوات حتى تثمر وتبدأ في حصد ما زرعت".
"لسنا مشهورين، ولا أعتقد أن رئيس الحكومة سمع عنا أو عن فرعون الجحيم الذي نحوله إلى جنة لكن نحلم أن نكون مؤثرين ونستعرض تجربتنا حتى يقتدي بنا كل شباب المناطق الداخلية، وكل الذين يهربون إلى العاصمة بحثًا عن عمل ويهجرون أراضيهم في الشمال والوسط".
التجربة التي خاضها حمد (24 سنة) في مواجهة الموت بعد غرق مركب الهجرة غير النظامية جعلته يتخذ قرارًا بالبقاء في الجنوب وحيازة أرض في "فرعون" وغراستها
شباب هذه الجهة خاض بعضهم أيضا تجربة العمل الجمعياتي بتكوين جمعية "أحباء البيئة بسوق الأحد" يرأسها معز حامد الذي أكد أن الوضع البيئي في الجهة هو ما دفعهم لتكوين هذه الجمعية. وقد نجح مجموعة من الشباب المتطوع في تزيين المعتمدية وتنظيفها وتزويق مدارسها. ويصر معز، في حديثه، على ذكر أسماء كل المتطوعين وهم عصام خالد، ورؤوف عمار، وعلي العرصة، وكمال البكوش، وليث الصويعي، وصابرين بن جمعة، وعائشة بوكوشة وصابر السوداني.
"نحن نبحث عن تمويل للجمعية من قبل منظمات دولية نحاول التواصل معها في حين نعجز عن التواصل مع السلط الجهوية والمركزية" يضيف محدثنا "طرقنا الأبواب، لكن لا أحد يسمع صوتنا ويدعم تجربتنا التي نحاول أن ننوع في أشكالها من خلال القيام بروبرتاجات مصورة بشكل ذاتي".
ويختم حديثه معنا أن الجمعية حذرت من مخاطر تلوث المياه في منطقة "القطعاية" ما يمكن أن يسبب أمراضًا تهدد صحة الإنسان إلا أن السلط سخرت منهم وفق تعبيره، فيما تم مؤخرًا اكتشاف الحمى التيفية في الجهة "وهو ما نبهنا له" وفق تأكيد رئيس الجمعية.
اقرأ/ي أيضًا: