22-ديسمبر-2023
هيومن رايتس ووتش التضييق على حرية التعبير المعارضة التونسية

هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية تستخدم المرسوم 54 لخنق حرية التعبير في تونس (حسن مراد/ Defodi images)

الترا تونس - فريق التحرير

 

قالت "هيومن رايتس ووتش" إن السلطات التونسية حكمت بموجب المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات على ناشطَيْن معارضَيْن بالسَّجن لانتقادهما الحكومة، كما استخدمته لاعتقال ما لا يقل عن 20 صحفيا، ومحاميا، وطلبة وغيرهم من المنتقدين أو اتهامهم أو التحقيق معهم، بسبب تصريحاتهم العلنية على الإنترنت أو في وسائل الإعلام، بدل استخدامه للتصدي للجرائم الإلكترونية.

 

  • حكمان بالسجن على معنى المرسوم 54

وذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في بيان لها،  أنّه قد حُكم على عضو حركة النهضة (معارضة) سفيان الزنايدي والقيادية بجبهة الخلاص الوطني (معارضة) شيماء عيسى في 11 و13 ديسمبر/كانون الأول على التوالي، مضيفة أنهما "على ما يبدو أول شخصين يُحكم عليهما بموجب القانون الصادر بمرسوم". 

وشددت المنظمة الدولية، في هذا الصدد، على أنه ينبغي للسلطات التونسية إلغاء هذا المرسوم الذي وصفته بـ"القمعي"، والإفراج عن المحتجزين بموجبه، وإسقاط جميع الملاحقات القضائية الناتجة عن التعبير السلمي، وفق ما ورد في نص البيان.

هيومن رايتس ووتش:  ينبغي على السلطات التونسية إلغاء المرسوم 54 القمعي والإفراج عن المحتجزين بموجبه وإسقاط جميع الملاحقات القضائية الناتجة عن التعبير السلمي

وفي هذا الإطار، قالت مديرة شؤون تونس في هيومن رايتس ووتش سلسبيل شلالي: "خلال العام الذي تلى إصدار الرئيس قيس سعيّد مرسوم جرائم أنظمة المعلومات والاتصال، استخدمت السلطات التونسية هذا المرسوم لخنق مجموعة واسعة من المنتقدين وترهيبهم، بينما استخدمت قوانين أخرى لاحتجاز بعض أقوى خصوم سعيّد السياسيين بتهم التآمر المشكوك فيها".

وأكدت شلالي أنه "ينبغي لتونس أن تفرج فورًا عن أي شخص محتجز بسبب تعبيره السلمي، وإسقاط جميع التهم ضده، وإلغاء المرسوم عدد 54".

وأشارت المنظمة الدولية إلى أنّ المرسوم عدد 54، الذي يهدف رسميًا إلى "ضبط الأحكام الرامية إلى التوقّي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات" ومنح السلطات نصوصًا قانونية تمكنها من "جمع الأدلة الإلكترونية"، يفرض عقوبات قاسية على جرائم التعبير المحددة بشكل فضفاض ومبهم، مثل "نشر بيانات كاذبة". 

ولفتت إلى أنه "منذ فيفري/شباط، كثّفت السلطات التونسية قمعها بحق المنتقدين من مختلف الانتماءات السياسية. واحتُجز أكثر من 40 شخصًا تعسفًا بسبب نشاطهم أو تعبيرهم السلمي، معظمهم بتهم "التآمر على أمن الدولة" أو بتهم مشكوك فيها تتعلق بالإرهاب. وظل جميعهم تقريبًا محتجزين لعدة أشهر، وبعضهم لأكثر من عام، رهن الإيقاف التحفظي".

مديرة شؤون تونس في هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية استخدمت المرسوم 54 لخنق منتقديها وترهيبهم، بينما استخدمت قوانين أخرى لاحتجاز بعض أقوى خصوم قيس سعيّد السياسيين بتهم التآمر المشكوك فيه

وذكرت هيومن رايتس ووتش أنّ المحكمة الابتدائية في جندوبة حكمت في 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري على سفيان الزنايدي (63 عامًا) بالسَّجن لمدة 8 أشهر وغرامة 5 آلاف دينار بموجب الفصل 24 من المرسوم عدد 54، مذكرة بأنه موقوف منذ 18 أفريل/نيسان 2023 في سجن بلاريجيا في ولاية جندوبة. 

وأشارت إلى أنه "في ذلك اليوم، اعتقله الحرس الوطني من منزله في مدينة طبرقة بسبب منشوراته في "فيسبوك" الداعمة لرئيس النهضة راشد الغنوشي، بعد اعتقال الغنوشي في 17 أفريل/نيسان، حسبما نقلته المنظمة الدولية عن زينب براهمي، الممثلة القانونية للحزب.

وذكرت أنّ "القاضي اتهم الزنايدي في البداية أيضًا بـ "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة" بموجب الفصل 67 من المجلة الجزائية قانون العقوبات، رغم عدم ذكر اسم الرئيس أو تحديده بشكل واضح في منشورات الزنايدي".

هيومن رايتس ووتش:  محاكمة المعارضة التونسية شيماء عيسى، وهي مدنية، أمام محكمة عسكرية تتعارض مع المعايير الدولية للحق في محاكمة عادلة، والتي تحظر بشدة على الحكومات استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين

كما تحدثت المنظمة الدولية عن الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية في 13 ديسمبر/كانون الأول، في حق شيماء عيسى بالسَّجن عامًا واحدًا مع وقف التنفيذ، منها شهران بموجب الفصل 24 من المرسوم عدد 54، وستة أشهر بتهمة "تحريض العسكريين على العصيان" بموجب الفصل 81 من قانون المرافعات والعقوبات العسكرية وأربعة أشهر بتهمة "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة"، بحسب محاميتها دليلة مصدق.

وأشارت إلى أن الحكم العسكري الصادر في حق شيماء عيسى جاء "بسبب تعليقات عيسى خلال مقابلة إذاعية في ديسمبر/كانون الأول 2022 حول دور الجيش منذ استيلاء سعيّد على السلطة"، لافتة إلى أنّ الإجراءات القضائية بدأت في جانفي/يناير بعد شكوى قدمها وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين.

وشددت "هيومن رايتس ووتش" على أنّ محاكمة شيماء عيسى، وهي مدنية، أمام محكمة عسكرية "تتعارض مع المعايير الدولية للحق في محاكمة عادلة، والتي تحظر بشدة على الحكومات استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين عندما تكون المحاكم المدنية ما تزال قادرة على العمل". 

 

  • اعتقالات عديدة على معنى المرسوم 54

كما أشارت المنظمة الدولية إلى أنه "بالإضافة إلى الزنايدي، اعتِقل شخصان آخران على الأقل بموجب الفصل 24، وهما كل من محمد زنطور (26 عامًا)، أحد أنصار "حركة النهضة"، من 26 أفريل/نيسان إلى 21 جويلية/تموز بسبب منشورات على فيسبوك، منها منشورات حذفها لاحقًا، تنتقد سعيّد وتؤيد الغنوشي وتدين وحشية الشرطة، بحسب ما قال محاميه زهير بلحاج عمر لـ هيومن رايتس ووتش.

في 21 جويلية/يوليو، حكمت المحكمة الابتدائية في سوسة على زنطور بالسَّجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة "الإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات" بموجب الفصل 86 من مجلة الاتصالات، وأمرت بالإفراج عنه، وأسقطت التهم المتعلقة بالمرسوم عدد 54، بحسب ما نقلته المنظمة عن المحامي بلحاج عمر.

هيومن رايتس ووتش: المرسوم عدد 54 وسّع تعريف الجرائم الجنائية وشدد العقوبات لتقييد التعبير النقدي على الإنترنت، بما ينتهك المعايير الدولية لحرية التعبير

كما سلطت المنظمة الضوء على "اعتقال الصحفي ياسين رمضاني من 3 أكتوبر/تشرين الأول إلى 1 ديسمبر/كانون الأول، ووجه إليه قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في القيروان اتهامًا بسبب منشور على فيسبوك في أوت/أغسطس انتقد فيه وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين، بناء على شكوى من الأخير، مستطردة القول إنّ "رمضاني حر مؤقتًا في انتظار محاكمته"، حسبما قالت محاميته ماجدة مستور لـ هيومن رايتس ووتش.

كما يُحاكَم ستة أشخاص آخرين على الأقل بموجب التشريع نفسه، وفق هيومن رايتس ووتش، منهم المحامون غازي الشواشي، والعياشي الهمامي، وإسلام حمزة، ودليلة مصدق؛ والصحفي برهان بسيس؛ وعضو هيئة الانتخابات السابق سامي بن سلامة، وفق المنظمة الدولية.

كما أشارت رايتس ووتش إلى أنه يخضع 11 آخرون على الأقل لتحقيقات الشرطة في قضايا منفصلة، وهم المحامي مهدي زقروبة؛ والقيادي في "جبهة الخلاص الوطني" جوهر بن مبارك؛ والصحفيين نزار بهلول، ومنية العرفاوي، وأمين الضبايبي، وهيثم المكي، وإلياس الغربي، ومحمد بوغلاب؛ والطالبان أحمد حمادة ويحيى السهيلي؛ والمحامية والإعلامية سنية الدهماني؛ وعضو هيئة الانتخابات السابق زكي الرحموني.

هيومن رايتس ووتش: كان بإمكان قيس سعيّد وحكومته إصدار هذا التشريع لجعل الفضاء الإلكتروني ومستخدميه أكثر أمانًا، لكنهم بدل ذلك استخدموا المرسوم عدد 54 لتقييد حقوق التونسيين

وذكرت المنظمة أنّ معظم الحالات الـ 22 التي وثقتها بدأت بناءً على شكاوى قدمها مسؤولون أو هيئات حكومية. كما لفتت إلى أنّ وزيرة العدل ليلى جفال قدمت خمسة شكاوى على الأقل، وقدم وزير الشؤون الدينية إبراهيم الشايبي ثلاثة شكاوى، وتوفيق شرف الدين اثنتين، والهيئة العامة للسجون اثنتين، ونقابة الشرطة اثنتين.

وترى منظمة هيومن رايتس ووتش أن المرسوم عدد 54 بالدرجة الأولى "وسّع تعريف الجرائم الجنائية وشدد العقوبات لتقييد التعبير النقدي على الإنترنت، بما ينتهك المعايير الدولية لحرية التعبير"، مضيفة أنّ السلطات تواصل الاعتماد على المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات القمعيَّيْن لتجريم التعبير السلمي.

وقالت شلالي في هذا الصدد: "كان بإمكان سعيّد وحكومته إصدار هذا التشريع لجعل الفضاء الإلكتروني ومستخدميه أكثر أمانًا، لكنهم بدل ذلك استخدموا المرسوم عدد 54 لتقييد حقوق التونسيين"، معتبرة أنه "بمثل مرسوم كهذا، لا يمكن لأي منتقد للسلطات أن يشعر بالأمان"، حسب رأيها.

 

 

يذكر أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد كان قد أصدر المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال في 13 سبتمبر/أيلول 2022، وقد أثار جدلًا واسعًا في تونس واعتبرته منظمات حقوقية أداة جديدة لمزيد التضييق على حرية التعبير في تونس.

وقد اعتمدت السلطات، في تتبعاتها، على الفصل 24 من المرسوم عدد 54، الذي ينص على غرامة تصل إلى 50 ألف دينار والسَّجن خمس سنوات لاستخدام شبكات الاتصال "لإنتاج، أو ترويج، أو نشر... أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة "، أو "التشهير بالغير"، أو "تشويه سمعته"، أو "الاعتداء على حقوق الغير"، أو "الإضرار به ماديًا أو معنويًا"، أو "التحريض على الاعتداء عليه"، أو "الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني"، أو "بثّ الرعب" أو "الحث على خطاب الكراهية". وتُضاعَف عقوبة السجن إذا اعتُبرت أنها تستهدف "موظفًا عموميًا" أو "شبهه".