22-نوفمبر-2019

الأطفال الذين يتعرّضون لتغيرات فجئية ومتواصلة في حياتهم عرضة للإصابة بالاكتئاب (صورة تقريبية/ getty)

 

"تشفى الروح بصحبة الأطفال".. هذا ما قاله الروسي فيودور دوستويفسكي طمعًا في عدوى الفرح والبهجة التي ترافق الطفل. فبمجرّد ملاعبة طفل قد يتغيّر مزاجك نحو الأفضل وقد يتحوّل حزنك لابتسامة ولو عابرة. ولأنّ الطفولة مرادفة للسعادة فإنّ رؤية طفل حزين أو مكتئب من الأشياء التي تطلق جرس إنذار عند المحيطين به، إذ أنّ الاكتئاب من المشاكل العميقة التي قد يعاني منها الأطفال حتى قبل سنّ الثالثة.

ويعتبر الاكتئاب من الاضطرابات النفسية الشائعة سواء في تونس أو العالم حسب المنظمة العالمية للصحة وغيرها من مصادر الإحصاء. وحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية حول الأمراض النفسية، فقد احتلّت تونس المرتبة الثالثة أفريقيًا، من حيث عدد المصابين بالاكتئاب إذ يعاني 518 ألف تونسي من الاكتئاب أي بنسبة 8,2 في المائة، وللأطفال من هذه النسبة نصيب.

مروان النويري (أخصائي نفسي) لـ"ألترا تونس": مصطلح مكتئب أو "مدبرم" يقع توظيفه أحيانًا بطريقة غير صحيحة 

فما هي أسبابه؟ وما هي أعراضه؟ وكيف يمكن التعامل مع الطفل المكتئب؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: أعوان الحراسة في الملاهي.. أعوان للحماية أم "باندية" دون حسيب أو رقيب؟

حذار من حزن طفلك المتواصل والغير مبرّر

يعتبر الاكتئاب من أهم قضايا الصحة النفسية التي تشغل الناس والمشتغلين في مجال الصحة النفسيّة. وحسب مراجع الطب النفسي فالاكتئاب هو اضطراب نفسي حاد يعاني منه الطفل أو الراشد يتعرّض خلاله لمشاعر حزن غير مبرّر لفترة طويلة دون سبب واضح. وهذا ما يوضحه الأخصائي في علم النفس مروان النويري لـ"ألترا تونس" حيث أكّد أنّ هذه الحالة تجعل الشخص غير مستمتع وتؤثر بشكل مباشر على سير حياته اليومية إذ لا يستطيع الفرح أو الضحك كما يشعر بخمول كبير وتعب وإرهاق يؤثر على صحته الجسدية، على حدّ تعبيره.

مروان النويري لـ"ألترا تونس": فقدان الطفل لشخص عزيز كالأب والأم أو الأخ يمكن أن يجعله يدخل حالة من الاكتئاب

ولأنّ استعمال مصطلح مكتئب أو "مدبرم" دارج بكثرة في حديثنا اليومي، يبيّن النويري أنّ هذا المصلح يقع توظيفه بطريقة غير صحيحة وأنّ الاخصائيين النفسانيين هم الوحيدون المخولون للكشف عنه ولتأكيد وجود هذا الاضطراب من عدمه عند أيّ شخص.

وتتعدّد أشكال وأنواع الاكتئاب، فنجد الاكتئاب الحاد والذي يأتي عادة بعد صدمة حياتية أو فقدان شخص عزيز، بالإضافة للاكتئاب المقنع والتي تختلف علاماته إذ يميل هذا الشخص إلى العنف والعدوانية ويعمد إلى العبث والتكسير. وهناك أيضًا الاكتئاب المزمن ويلاحظ على هذا الشخص تباطؤ في الحركة وخمول ولا يوجد سبب واضح لهذا النوع إذ يمكن أن يكون مشكلًا صحيًّا يتعلّق بالهرمونات أو وراثيًا، وفق ما أفاد به الأخصائي النفسي مروان النويري. 

التلبية المبالغة والمفرط فيها لرغبات الطفل قد تجعله يكتئب

هناك مجموعة من الفرضيات التي تتعلّق بأسباب الاكتئاب. ويوضح محدّثنا أنّ هناك أسباب جسمية داخلية متعلقة بخلل في وظائف الدماغ أو مشكل في النواقل العصبية وهو ما يمكن ان يكون وراثيًا ولكنّ الأبحاث في إمكانيّة تواجد جينات تنقل الاكتئاب مازالت متواصلة. كما يمكن ان يتعلّق باختلال في الهرمونات أو بعض الأمراض الجسمانية التي من الممكن ان تتحول إلى اكتئاب.

مروان النويري لـ"ألترا تونس": يتسم الأطفال المصابون بالاكتئاب بنظرة سلبية لذواتهم وإحساسهم الدائم بالدونية

ويضيف النويري أنّ فقدان الطفل لشخص عزيز كالأب والأم أو الأخ يمكن أن يجعله يدخل حالة من الاكتئاب مثله مثل الأطفال الذين يتعرّضون لتغيرات فجئية ومتواصلة في حياتهم كالسفر المستمر وتغيير الأصدقاء والمدرسة.

ويتابع قائلًا" إنّ الطفل الذي لا يستطيع التعبير عن مشاعره ويلجأ للصمت معرّض لهذا الاضطراب إذ يمكن أن تتحوّل انفعالاته الداخلية لاكتئاب بحكم أننا لم نعلّمه التعبير أو فهم تعبيرات الآخرين". ويشير محدّثنا إلى أنّ الأولياء الذين يبالغون في تلبية رغبات اطفالهم ويوفّرون لهم كل الضروريات والكماليات يجعلهم يفقدون متعة التعامل مع الأشياء وهذا ما يتطور ليصبح اكتئابًا.

اقرأ/ي أيضًا: الـ"بيرسنغ".. ثقب ودم وتعبيرات مختلفة

حتى الرضيع يصاب بالاكتئاب

نظرًا لخطورة الاكتئاب وانعكاساته السلبية على المسار الحياتي للطفل، وجب الانتباه لأي تغيرات سلوكية أو مزاجية أو عاطفية للأطفال سواء من الولي أو المعلم أو أي شخص يتعامل معهم. وفي هذا الإطار، يتحدّث النويري عن أعراض الاكتئاب عند الطفل والتي يشترك في بعضها مع الراشدين، منها عدم التوازن في جميع مجالات حياته والحزن وفقدان متعة اللعب وأي نشاط آخر، بالإضافة إلى مشاكل في الانفعالات وفي المزاج كالغضب المفرط والحساسيّة المفرطة. وهناك من الأطفال من يؤذي جسمه ويلجأ للمخدرات والكحول.

كما يتسم هؤلاء الأطفال بنظرة سلبية لذواتهم وإحساسهم الدائم بالدونية ويعانون من مشاكل ذهنية وصعوبة في التركيز والانتباه وضعف الأداء الدراسي، ولديهم تعلّق عاطفي مفرط وبطريقة مبالغ فيها تصل حتى لسلوكيات شاذة. ويؤثّر الاكتئاب على الجسم، فالطفل المكتئب لديه رغبة كبيرة في النوم ويتعب ويجهد في أي نشاط يقوم به.

تشير آخر الدراسات أنّ الاكتئاب عند الأطفال من الممكن أن يتمظهر بحالات مختلفة من بينها آلام البطن

وقد يشكو الطفل المكتئب من آلام في المعدة والرأس لفترة طويلة ويفقد شهية الأكل وبالتالي يفقد الوزن ويتعرّق أثناء النوم ويكون دائم التفكير في أفكار سلبية متعلقة بالموت وحتى الانتحار. ويؤكّد محدّثنا أنّ الاكتئاب قد يظهر أيضًا حتى عند الرضيع ومن أعراضه أن يرفض الرضاعة من الأم إلى جانب نوبات الغضب الشديدة والبكاء المتواصل ويلاحظ عليه أيضًا أنه لا يبتسم.

ويضيف "كل هذه الأعراض تظهر بالتدريج أو مع بعضها البعض ومن الضروري الانتباه للنعت والتسمية ففي بعض الحالات لا يسمى اكتئابًا بل نوعًا من الاضطرابات الأخرى القريبة من الاكتئاب وهناك وسائل تشخيص عند الاخصائيين لتحديد الإشارات لإنقاذ الوضع قبل الوصول للاكتئاب الحاد ولنتائج لا يحمد عقباها مثل حالات الانتحار لذلك من المهم التفطن للأعراض لعلاجها".

 "كرشي توجع": هل يتمارض أطفالنا أم لهذا علاقة بالاكتئاب؟

تعدّ آلام المعدة شكوى شائعة لدى الأطفال وكثيرًا ما تتردّد إلى مسامعنا تعلاّت من أطفالنا لعدم الذهاب للمدرسة أو عبارات من قبل "كرشي توجع" أو "معدتي توجع" وغيرها من الكلمات التي حسب درجة ألم الطفل يتفاعل معها الولي. والمحيّر في الأمر أنّه وبعد القيام بكلّ الفحوصات اللازمة لا يظهر أي مشكل عضويّ عند الطفل ويتواصل التألّم الذي قد يراه بعض الأولياء تمارضًا أو كذبًا.

إنهم لا يكذبون ولا يفعلون ذلك لجذب انتباهنا. إن أجسادهم هي التي تعبر عن قلقهم على شكل ألم في المعدة.

مروان النويري لـ"ألترا تونس": خطورة اللجوء لمدربي التنمية البشريّة أو "الكوتش" في حالات الاكتئاب

وتشير آخر الدراسات أنّ الاكتئاب عند الأطفال من الممكن أن يتمظهر بحالات مختلفة، من بينها آلام البطن. فالجهاز العصبي المعوي في المعدة غالبًا ما يسمى الدماغ الثاني. والأعصاب والقلق الكبير يخلق إحساسًا حقيقيًا بالألم في البطن.

وقد أظهرت دراسة نشرت في مجلّة "Pediatrics" أن 51 في المائة من الأطفال الذين يعانون من آلام في البطن يصبح لديهم اضطراب القلق أو الاكتئاب في مرحلة البلوغ.

لا تلجؤوا لمدربي التنمية البشرية في حالات الاكتئاب

تختلف العلاجات حسب خصوصية كل حالة حيث قال مروان النويري إنّ هناك علاج العقاقير لتعديل الهرمونات وهناك العلاج المعرفي السلوكي الذي يعمل على تغيير الأفكار والمعتقدات السوداوية الجماعي بالإضافة للعلاج بالفن والقصة والمسرح، علاوة على أهمية الإحاطة بالطفل من قبل الوالدين والمعلم وضرورة منحه مساحة للتعبير دون إملاءات ودون ضغوطات.

وللتقليص من هذه الظاهرة، يحث النويري على ضرورة تكثيف الحملات التحسيسية من قبل المجتمع المدني والمنظمات التي تعنى بالطفولة وتمرير مادة صحية للأطفال عبر وسائل الإعلام وتدريب الإطار التربوي بطرق التعامل مع هذا النوع من الاضطراب. وفي الختام، أشار الأخصائي النفسي إلى خطورة اللجوء لمدربي التنمية البشريّة أو "الكوتش" في مثل هذه الحالات لأنّها تحتاج أخصائيين في الصحّة النفسيّة الذين يعتبرون الأقدر والأجدر للخوض في مثل هذه المواضيع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المجلس الأعلى للتربية ...هل أصبح الإنجاز ممكنًا لإصلاح المنظومة التربوية؟

هل يحدّد أكلك جنس مولودك؟