20-نوفمبر-2019

غالبًا ما يشكو حرفاء العلب الليلية من التصرفات غير المهنية لأعوان الحراسة (صورة توضيحية/Getty)

 

لم يكن الشاب آدم بوليفة، الذي لقي حتفه في ملهى ليلى بالعاصمة مؤخرًا، ضحية أعوان الحراسة الذي سحلوه وعنفوه ثم رموه في حفرة المصعد فقط، بل هو أيضًا ضحية عالم الأشرار الليلي الذي لا يعلم التونسيون الكثير عنه. فلم يكد ينتهي الموسم السياحي الصيفي بحرّه وصخبه حتى طالعتنا هذه الجريمة الكاشفة عن وجه آخر لقطاع خدماتيّ تسرّب إليه عالم الجريمة وتنتشر منه رائحة الفساد والعنف واللاقانون والإفلات من العقاب.

أثارت قضية مقتل آدم بوليفة نقاشًا واسعًا حول دور أعوان الحراسة بالملاهي والمطاعم والنزل وعلاقتهم بالزبائن والنزلاء ورواد الأماكن التي يسهرون على أمنها

لم تكن لتكشف للعموم المخالفات التي يرتكبها المطعم الذي وقعت فيه الجريمة لولا تنديد الرأي العام ببشاعة هذه الجريمة الشنيعة، إذ سبق وإن حررت مصالح المراقبة مخالفات عديدة تم بمقتضاها تسليط عقوبات ولكنها بقيت خارج التنفيذ.

أثارت هذه الجريمة نقاشًا واسعًا في الرأي العام وفي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول دور أعوان الحراسة بالملاهي والمطاعم والنزل وعلاقتهم بالزبائن والنزلاء ورواد الأماكن التي يسهرون على أمنها. كما اُثيرت علاقة أعوان الأمن الوطني بأعوان الحراسة، وإذا ما يوجد تنظيم قانوني من عدمه، عدا عن مسألة تنامي نفوذ أصحاب هذه المحلات والنزل والإفلات من سطوة القانون.

اقرأ/ي أيضًا: "أنا أسكر.. إذًا أنا موجود": من الدوام إلى الحانة

عالم الليل أو عالم الأشرار

كتب أحدهم في مواقع التواصل الاجتماعي: "عالم الليل لا مثيل له يختلف كليًا عن عالم النهار.. مأكله خاص وملبسه خاص ونوع من تودّ مخالطتهم خاص.. في الليل أسرار تظهر فيه خفافيش الظلام التي تنام نهارًا و لا تتغنّى إلا بالليل.. من يتجولون ليلًا في الشوارع ليسوا هم أنفسهم من يتجولون تحت ضوء الشمس.. الليل التونسي ظلام دامس و صمت مخيف تقطعه قهقهات ركيكة هنا وهناك.. في تونس يراك أحدهم ليلًا فيقول لك: ماذا تفعل هنا؟.. وهناك نوع من الأشخاص يظهر ليلًا يبدو راقيًا في التفكير وديعًا في التصرفات ولكن هم قلّة لا تكاد تدركهم إلا نزرًا".

هذا الوصف لليل الشوارع التونسية قد يكون قاتمًا ولكنه جانب من واقع معيش لا يبدو واضحًا عند أغلب التونسيين وهو ما يبرّر استنجاد الأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة بأعوان الأمن والحراسة من أجل التأمين الذاتي للمنشآت، فالجرائم تنتشر تحت جنح الظلام.

كتب أحدهم قائلًا: "كل إنسان يجب أن يكون واعيًا أن المواجهة مع كتيبة من أعوان الحراسة هي حرب خاسرة، الحقيقة المرّة أن لهؤلاء الأعوان نوع من الرخصة لقتل الحريف إذا انحرف بتعلّة التأمين السياحي"

وكتب أحدهم في إحدى المنتديات واصفًا علاقة أعوان الحراسة في الملاهي بالزبائن من منطلق التجربة قائلًا: "كل إنسان يجب أن يكون واعيًا أن المواجهة مع كتيبة من أعوان الحراسة هي حرب خاسرة، الحقيقة المرّة أن لهؤلاء الأعوان نوع من الرخصة لقتل الحريف إذا انحرف بتعلّة التأمين السياحي. كما يتعرض أعوان الحراسة أيضًا إلى حوادث شغل مرعبة إما طعنًا أو عنفًا في أي لحظة.. أعوان الحراسة في الملاهي يحرسون من يأتي لعالم الأشرار من الأشرار.. والتونسيون لا يعرفون ذلك العالم المليء بالمجون ولا يدركون الجغرافيا المحيطة بتلك الأمكنة والمهمات الموكلة لها".

وأضاف: "جرائم القتل في الحانات والملاهي الليلية معقدة نظرًا لتداخل أنواع متعددة من مظاهر الجريمة وعصابات الاتجار بالبشر والقمار و تجارة المخدرات وغير ذلك.. وصاحب المحل يوكل مهام تنقية المكان من المشاغبين إلى أعوان الحراسة الذين يُفوّضون بمهام لا يخوّل لهم القانون القيام بها أمام الكمّ الهائل من التجاوزات".

أحد المدوّنين كتب أيضًا حول تجاوزات أعوان الحراسة قائلًا: "تاريخ العنف لدى بعض أعوان الحراسة هو شهادة في الجرأة والإقدام والشجاعة، عون الحراسة يتعامل مع طيف كبير من الأشرار.. ومن يذهب للسهر في ملهى ليلي لا بد أن يضع في اعتباره عنجهية بعض أعوان الحراسة وأن الحرب معهم خاسرة فالميدان ضدّه والقانون لا يحميه.. يعطي القانون الساري رخصة رفض دخول الحريف للحانة مثًلا كما يعطي رخصة لطرد الحريف غير المنضبط كذلك".

شهادة من عالم السهرات الليلية

تواصل "ألترا تونس" مع فتاة اسمها رجاء وهي من الرواد الدائمين ليلًا للمطاعم السياحية، فحدثتنا في البداية عن وجود أنواع مختلفة من المطاعم باختلاف مستوى خدماتها وحسب نوعية حرفائها مؤكدة أنه بقدر تراتبيّتها تتميّز خدماتها بما في ذلك طاقم أعوان الحراسة. وقالت، في هذا الجانب، إن الأعوان في الأماكن الراقية عادة ما يلتزمون بالمهنية والجدية والتعامل بخبرة مع المشاكل الحاصلة في حين أن المطاعم ذات الخدمات المتدنّية توظف أعوان حراسة دون أدنى مستوى من المهنيّة.

رجاء (من رواد المطاعم السياحية ليلًا) لـ"ألترا تونس": الأعوان في الأماكن الراقية عادة ما يلتزمون بالمهنية والتعامل بخبرة في حين أن المطاعم ذات الخدمات المتدنّية توظف أعوان دون أدنى مستوى من المهنيّة

وتضيف رجاء، التي خبرت لسنين عالم السهرات الليلية، أن أغلب المشاكل مع أعوان الحراسة متأتية من التعليمات الصارمة لأصحاب المطاعم والملاهي والنزل في انتقاء حرفائهم عند الدخول، وكذلك عدم مجاراة نسق الخلافات التي تنشب بين الشباب فيما بينهم تحت تأثير المواد المسكرة أو عدم الخلاص وغير ذلك من الأحقاد والضغائن والنزاعات.

دعوات لإصلاح قطاع الحراسة

طرحت قضية آدم، مما طرحته من قضايا أيضًا، مسألة القوانين المنظمة لقطاع الخدمات في الحراسة والأمن ومدى الالتزام بها. فرئيس الجامعة التونسية للنزل خالد الفخفاخ تحدث، في تصريح إعلامي مؤخرًا، عن وجود أنشطة موسيقية في بعض النزل، وتحوّل مطاعم سياحي إلى ملاهي ليلية ما يستوجب خبرة معيّنة في أعوان الحراسة مع وجوب تمرين بسيكولوجي مخصوص لاختلاف نوعية الزبائن بين المطاعم والملاهي، وذلك على خلاف وجود "بلطجية" اليوم على البوابات وفق تعبيره. ودعا بذلك إلى معاقبة صاحب المحلّ داعيًا إلى توفير شروط الاختصاص في المنتدبين للقيام بمهمة الحراسة والأمن على أحسن وجه.

دعا رئيس الجامعة التونسية لأصحاب المطاعم السياحية محمد حواص وزارة السياحة إلى إضافة اختصاص "عون سلامة" في مدارس السياحة

اقرأ/ي أيضًا: التدخين في تونس: من السّبسي إلى الشيشة الإلكترونية

من جهته، قال رئيس الجامعة التونسية لأصحاب المطاعم السياحية محمد حواص إن المطعم الذي وقعت فيه جريمة قتل آدم بوليفة شهد إخلالات رصدتها المصالح المختصة ذات النظر ووقع التنبيه على صاحبه. ودعا إلى العمل المشترك لتكوين مستمر ورسكلة أعوان الحراسة مع فرقة الأمن السياحي وتعزيز الحس الأمني في التعامل مع الحرفاء لدى الأعوان مطالبًا وزارة السياحة إضافة اختصاص "عون سلامة" في مدارس السياحة.

بدوره، تحدث رئيس الجامعة التونسية لأصحاب المطاعم السياحية عن انطلاق برنامج للتكوين والرسكلة متكامل بين إدارة الأمن السياحي الراجع بالنظر إلى وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة السياحة وذلك لتأهيل منظومة التأمين وكذلك إعادة النظر في القواعد الدنيا لتصنيف المطاعم، مؤكدًا أن أعوان الحراسة هم أساسًا لحماية الحرفاء والموظفين. كما نادى حواص للقيام بتعديلات في القانون المنظم للأنشطة الخصوصية المتعلقة بالمراقبة والحراسة الذي أنشئ سنة 2002 مع تنظيم المهنة بكراس شروط وفق قوله.

القانون موجود والتطبيق دون المطلوب

أمام الدعوات المتعددة لتنظيم قطاع الحراسة للمنشآت السياحية، يُلاحظ تنامي عدد شركات أعوان السلامة الخاصة في تونس التي يفوق عددها 250 شركة تشتغل في جميع القطاعات، وتتمثل مهمتها أساسًا في حماية المؤسسات وضمانة سلامة الأشخاص ودرء المخاطر المحدقة بالمنشآت. فوظيفتها الأساسية هي التوقي المستمر بوضع الخطط والبرامج وبالتالي لا بد من التقيد بالقوانين المحددة لصفة "عون سلامة".

يحدد القانون المنظم للأنشطة الخصوصية المتعلقة بالمراقبة والحراسة الحقوق والواجبات بشكل واضح ومن ذلك "ضرورة توفر حسن السيرة والسلوك في العون المنتدب"

فعلى المستوى النظري، يحدد القانون المنظم للأنشطة الخصوصية المتعلقة بالمراقبة والحراسة الحقوق والواجبات بشكل واضح ومن ذلك "ضرورة توفر حسن السيرة والسلوك في العون المنتدب، وله مستوى تعليمي أدنى وهو السنة التاسعة أساسي، ومتمتع بالمؤهلات البدنية والعقلية والنفسية اللازمة لتعاطي النشاط. كما يخضع المنتدبون إلى تكوين مناسب أساسي ومستمر في مجال النشاط المنتدب من أجله في مركز للتكوين تابع لوزارة الداخلية وتُختتم مرحلة التكوين بتسليم شهادة كفاءة مهنية".

كما ينص الفصل 15 من نفس القانون أنه "يمنع على الأعوان أن يتدخلوا أو يشاركوا بأية صفة كانت في أي عمل يتجاوز حدود المهام المنوطة قانونًا بعهدتهم، والذي يكون من مشمولات السلطات العمومية". ويعدّد القانون أمثلة من هذه الأعمال المحجّرة على غرار "القيام بمهام الغرض منها الوقاية من الجريمة أو تتبع مرتكبيها"، أو "المساس بحرية تنقل الأفراد أو بحرمتهم الجسدية أو بحياتهم الخاصة"، و"القيام لغايات أمنية بأعمال الجس أو التفتيش البدني، أو تفتيش الحقائب اليدوية دون الموافقة الصريحة لأصحابها"، أو "المطالبة بالاستظهار بوثائق الهوية أو حجز الأمتعة الشخصية". ويؤكد ذات القانون على "تحجير الإكراه الجسدي باستعمال القوة أيا كانت صورتها في غير حالات الدفاع الشرعي ووفقًا لشروطه القانونية".

غير إن جملة هذه الواجبات المحمولة سواء على أصحاب المحلات في علاقة بمعايير الانتدابات، أو على أعوان الحراسة تحديدًا في علاقة بتحجير جملة من الأعمال التي تدخل في مشمولات السلطات العمومية، غير مطبقة في الواقع، وهو ما يطرح مجددًا مشكل الالتزام بتطبيق القوانين ومدى صرامة الأجهزة الرقابية في أداء مهامها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإيضاح في علوم توجيه السياح.. كيف يواجه السائح الأجنبي الخداع في تونس؟

لعبة "البلانات".. الإدمان الخفيّ من أجل الربح السريع