20-فبراير-2019

الخوف من المستقبل والمجهول أثر على الوضع النفسي للتونسيين (Getty)

 

حلت تونس في المرتبة 111 في مؤشر السعادة وفق تقرير شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة لسنة 2018، واقع يومي لمجتمع كامل ترجمته المرتبة التونسية في هذا التقرير، واقع يمكن تلمّسه وأنت ترتشف قهوتك الصباحية من خلال وجوه العابسين أو من خلال غياب البسمة من وجه سائق التاكسي أو في نظرات المسافرين في محطة المترو.

يدفع هذا المشهد اليومي للسؤال: هل أصبح الوضع العام المتردّي، على وقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والاحتقان السياسي بين الفينة والأخرى، هو المتحكم في الوضع النفسي للتونسيين؟ 

حلت تونس في المرتبة 111 في مؤشر السعادة وفق تقرير شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة لسنة 2018

اقرأ/ي أيضًا: التنمية البشرية في تونس: بين النبل والشعوذة المبتكرة؟

تقول رؤية سوسيولوجية إن الاحباط الذي يسبب الكبت يمكن أن ينتج عنفًا وعدوانية. والعنف حسب فرويد هو التواصل المادي بين الطاقة النفسية للشخص والعالم المحيط، وهو ما يحدث نتيجة لعدم إشباع دوافع اللذة (الليبدو)، فيقود إلى تراكم طاقة نفسية في اللاوعي تخرج منه بشكل عنيف وهدّام. هذا الشعور الدائم بالقلق تحول إلى معضلة لدى التونسيين حيث قدرت وزارة الصحة أن حوالي 100 ألف مريض نفسي زار مستشفى الأمراض العقلية الرّازي عام 2017.

فاجأ ترتيب تونس في مؤشر السعادة البعض ليس فقط لأن المركز متأخر، بل لقربه من دول تعتبر فاشلة اقتصاديًا وسياسيًا، ودول تعاني حروبًا أهلية ودمارًا، وهو ما يعطي صورة حول مدى قتامة الوضع النفسي لعديد التونسيين.

وضع نفسي قاتم لدى فئة واسعة من التونسيين بسبب الإحباط (Getty)

لكن لا يزال جزء من المجتمع التونسي يأبى الاعتراف بالمشاكل النفسية، وقد لا يعترف بقدرة إخصائيين على تشخيص هذه المشاكل ومن ثمة السيطرة عليها.  يقول رمزي العجلاني المختص في علم النفس لـ"الترا تونس" إن شريحة الأطفال باتت مؤخرًا من أكثر الشرائح العمرية المعرّضة للاضطرابات النفسية في تونس لعدة أسباب أهمها عدم الاستقرار النفسي بسبب غياب الوالدين لوقت طويل في النهار خلال فترة عملهما، إضافة إلى التحرش الجنسي الذي قد يتعرض إليه الطفل أحيانًا.

 يعتقد العجلاني أن ظاهرة انتشار الاضطرابات النفسية تحمل جانبًا إيجابيًا وهي بداية تشكل وعي لدى الوالدين بضرورة حماية الصحة النفسية لأطفالهم مع الاقتناع بدور المؤطر النفسي.

يعاني 30 في المائة من التونسيين من الاضطراب النفسي، فيما تعاني نسبة 40 في المائة من المرضى من أمراض عضوية ناجمة عن مشاكل نفسية مثل آلام الرأس والظهر واضطرابات الجهاز الهضمي والتي تصنف ضمن حالات القلق والاكتئاب المنتشرة في تونس وذلك وفق التقرير المذكور لوزارة الصحة.

رمزي العجلاني (مختص في علم النفس): شريحة الأطفال باتت مؤخرًا من أكثر الشرائح العمرية المعرّضة للاضطرابات النفسية في تونس

يؤكد محدثنا رمزي العجلاني، المختص في علم النفس، أن من أسباب الاضطراب النفسي أزمة هوية يعيشها جزء من المجتمع وفقه، قائلًا: "هناك أزمة هوية، التونسي يعيش صراعات كبيرة، لا يعرف من يكون هل هو إسلامي أم عربي أم أمازيغي؟ متفتح أم محافظ؟".

ويتحدث أيضًا عن "أزمة كبيرة في الأفق" وهي الأزمة الجنسية حسبه، معلقًا: "يعيش الشباب التونسي في مجتمع محافظ مسلم من ناحية أولى، لكنه يشعر بأنه متحرّر جنسيًا وبأن طريقة تفكيره متطورة جدًا مقارنة بالواقع من ناحية ثانية. هناك تشظ نفسي كبير في تقديري".

اقرأ/ي أيضًا: من الكابتن ماجد إلى "الأيباد": كيف أصبح الطفل وحيدًا؟

تتعدّد مشاكل الشباب أسباب الإصابة بالأمراض النفسية، بيد أنها تتمحور حول فقدان الأمل نتيجة عدم تحقيق أهدافهم المنشودة، وقلة النضج النفسي والذهني في التعامل مع الوضعيات المختلفة. في هذا الإطار، يتحدث العجلاني عن عدم تناسب الآمال الكبيرة للشباب التي يريد تحقيقها مع الإمكانيات الممنوحة زد على ذلك كثرة الصراعات النفسية لدى الشباب جراء اختلاف المفاهيم لأمور اجتماعية أو مبدئية أو قيمية وكثرة الآراء المتضاربة حولها داخل الأسرة وفي المجتمع، كما يؤكد.

ووفق المختصين، يبدأ الشخص في التفكير في زيارة طبيب نفسي عندما يفشل في تفادي المشكلة النفسية وعندما يفشل محيطه في التعامل مع هذه المشكلة، ولكن رغم أن قرار زيارة الطبيب سليم إلا أنه في هذه الحالة يعتبر متأخرًا جدًا.

رمزي العجلاني (مختص في علم النفس): جزء من التونسيين يعيش في قلق وخوف من المجهول وهذا القلق يتحول شيئًا فشيئًا إلى اكتئاب

يعتقد رمزي العجلاني، المختص في علم النفس، في هذا الجانب، أن أكبر مشكلة نفسية تعترض التونسيين هي الاكتئاب "التونسيون يعيشون في قلق دائم وخوف من المجهول ومن المستقبل، وهذا يعود إلى ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي، هذا القلق الدائم يتحول شيئًا فشيئًا إلى اكتئاب وهو أخطر الأمراض النفسية".

التقينا بأسماء مبارك شابة لها تجربة طويلة مع الأطباء النفسيين، تقول أسماء لـ"الترا تونس" إنها زارت مؤخرًا طبيبًا نفسيًا بسبب مشاكل عديدة: "أعتقد أن البطالة أكثر الظواهر خطرًا على الشباب، لقد كنت في وضعية غير مستقرة ماديًا ومهنيًا. كان الوضع سيئًا بالنسبة لي. مررت بأوقات صعبة دفعتني في النهاية إلى الذهاب إلى طبيب نفسي. أنا مؤمنة أن أزماتي النفسية لها علاقة وثيقة بالوضع العام للبلاد".

لا تزال أسماء تتردد على طبيبها في كل مرة تشعر ببعض القلق أو الهزات النفسية لكنها في الوقت نفسه تتساءل "متى ستنتهي هذه المرحلة غير المستقرة التي يعيشها التونسيون؟".

أسماء مبارك (شابة لها تجربة طويلة مع الأطباء النفسيين): أعتقد أن البطالة أكثر الظواهر خطرًا على الشباب

من جانب آخر، عادت يسرى كعباشي، وهي موظفة في إحدى شركات النقل البحري، لتعيش حياتها العادية بعد موجة من الأزمات النفسية عصفت بها ودفعتها إلى زيارة طبيب نفسي. تقول يسرى إن أسباب مشاكلها النفسية عديدة منها الروتين، والوضع العام، وضبابية المستقبل، مضيفة "توجد أيضًا أسئلة وجودية أطرحها على نفسي كل يوم، هل يجب أن أبقى في تونس أم أهاجر؟ لماذا يفكر الجميع بهذه الطريقة؟ لماذا المجتمع ذكوري إلى هذه الدرجة؟" .

يعتقد محدثنا رمزي العجلاني أن نسبة كبيرة من المشاكل النفسية التي يعانيها التونسيون مرتبطة بشكل وثيق بالوضع العام، على اعتبار أن وضوح الرؤية المستقبلية له أهمية كبيرة في نفسية الأشخاص. لكن يؤكد محدثنا، في المقابل، على ضرورة بذل مجهود فردي يبدأ من داخل الأسرة وذلك بمساعدة الأبناء وفهم احتياجاتهم وفهم قدراتهم وتطويرها مع تعزيز ثقتهم بأنفسهم والعمل على تربية الأبناء على القيم والمبادئ التي تجعلهم يصمدون أمام الفشل وذلك عدا عن زرع ثقافة العمل وعدم الاستسلام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

احذر مثاليّتك فقد تدمّر طفلك!

آخر الطبّ.. موسيقى!