19-نوفمبر-2019

ضرورة عدم استعمال أجهزة الدولة في الصراعات الداخلية للأحزاب (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

مقال رأي

 

تابع المراقبون والفاعلون السياسيون الصراعات الداخلية صلب حزب نداء تونس خلال الخمس سنوات الماضية بين رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي ونجله من جهة، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد وفريقه من جهة ثانية، وقد استغل كل فريق الأجهزة التنفيذية للدولة طيلة مراحل هذا الصراع مما أثر سلبًا على عمل مؤسسات الدولة وديناميكية إنتاجها. وهو ما أدى إلى ولوج كل الخطوط الحمراء في المؤشرات السلبيًة أساسًا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

ولا يخفى اليوم على المتابعين للشأن السياسي الصراع داخل الحزب الأكثري حركة النهضة بين مجموعة رئيس الحزب راشد الغنوشي وابنه معاذ وصهره وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني ولطفي زيتون من جهة أولى، وما يُسمى الشق الإصلاحي داخل الحركة ومن قياداته عبد الحميد الجلاصي، ومحمد بن سالم، وعبد اللطيف المكي وسمير ديلو من جهة ثانية.

استغل كل فريق في الصراع داخل نداء تونس الأجهزة التنفيذية للدولة مما أثر سلبًا على عمل مؤسسات الدولة وديناميكية إنتاجها

وتأتي، الخشية في هذا السياق، من أن يواصل راشد الغنوشي، المسيطر على المسالك المالية للحركة والذي أكد آخر استطلاعات الرأي عدم ثقة 67 في المائة من التونسيين فيه، درب نداء تونس باستعماله لوسائل الدولة لفض المشاكل الداخلية لحركة النهضة وهزم الشق الإصلاحي الذي يرفض قطعًا إعادة تجربة التوافق المصلحي هذه المرة مع "قلب تونس".

اقرأ/ي أيضًا: نصيبي من الفساد...

وما نعتقده حقيقة أنه بترشيح حركة النهضة الحبيب الجملي، وهو صديق مقرّب لمحمد بن سالم، إلى رئاسة الحكومة أي إدارة المفاوضات لتشكيل الحكومة مع القوى السياسية الممثلة في البرلمان هو تطويع للشق الإصلاحي داخل الحركة النهضة بسياسة الأمر الواقع بين تناقضات الخطاب الانتخابي وإكراهات الحكم دون التفريط في مفاصل الدولة، وذلك مع التركيز على هدف نهضة الغنوشي الأسمى المتمثل في وراثة "السيستام" كاملًا.

وأمام هاته المفارقات منزوعة القناع، يواجه الشق الإصلاحي لحركة النهضة خيارين لا ثالث لهما في فن ممكنه، أولها أن يقتسم نصيبًا مع الغنوشي من الصلاحيات داخل الحزب وداخل الدولة بمواصلة السياسة التوافقية عبر وثيقة التعاقد ذات الخمسين نقطة، والتقارب المنهجي مع حزب "قلب تونس" بتعلة إكراهات تشكيل الحكومة دون حزب نبيل القروي وعدم تسليم وزارات السيادة لحزب التيار الديمقراطي، التي طلبها كصك حسن نية النهضة برجوعها للحضن الثوري. أما الخيار الثاني هو اعتبار الحبيب الجملي في وضعية ورقة الغنوشي التي تخفي الأخرى في صراعه الداخلي، وليس الخيار الحقيقي لعصفور حركة النهضة في القصبة من جهة أخرى. وعمومًا في كلتا الحالتين، يستطيع فريق الغنوشي أن يستعمل الجهاز التنفيذي للدولة أي رئاسة الحكومة لينهي الشق الإصلاحي داخل الحركة النهضة.

يجب على الجميع، إجمالًا، أن يعلموا أن مصلحة الدولة أرفع وأهم من مصالحهم الحزبية التنظيمية ونزواتهم الشخصية، ويجب اليقظة والتنديد بكل الممارسات والسلوكيات التي لا تخدم مصلحة الوطن والمواطن

ختامًا، يستطيع المتابع لهذا التخوف أن يصف ما قدمته بالقراءة المتحاملة على حركة النهضة إلا أنه لا يجب أن ننسى مواقفها السابقة الرافضة لاستغلال رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد للأجهزة التنفيذية للدولة في صراعهما التنظيمي داخل نداء تونس.

ويجب على الجميع، إجمالًا، أن يعلموا أن مصلحة الدولة أرفع وأهم من مصالحهم الحزبية التنظيمية ونزواتهم الشخصية، ويجب اليقظة والتنديد بكل الممارسات والسلوكيات التي لا تخدم مصلحة الوطن والمواطن. فعلى الأحزاب أن تؤدي وظيفتها الموكولة لها دون استعمال أجهزة الدولة وإلا ستكون وصمة عار في تاريخ المخططين لهذه الأفعال الشنيعة، فلا تنهوا عن شيء وتأتوا بمثله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بؤس الحرية: في الرد على مغالطات "بارونات" الإعلام

"خوانجي".. تهمة في مهبّ المزايدات الانتخابيّة