02-يونيو-2022
محكمة قضاة قضاء عزل تونس

قاض: أغلب المعفيين من القضاة رفضوا التعليمات لا غير (الشاذلي بن إبراهيم/ NurPhoto)

الترا تونس - فريق التحرير

 

بعد صدور أمر رئاسي يتعلق بعزل 57 قاضيًا في تونس، بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية)، تصاعدت الأصوات المستنكرة لهذا القرار من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد، إذ عبّر قضاة وسياسيون وأساتذة قانون دستوري وغيرهم عن استنكارهم لما وصفوها بـ"المجزرة".

حمادي الرحماني (قاض ورد اسمه ضمن المعزولين): أوامر الإعفاء باطلة ومعدومة، وستلغى بجرة قلم عند عرضها على المحكمة

وقد عبّر القاضي حمادي الرحماني، وهو ممّن شملهم قرار العزل، أنّ "الرئيس في وضع غصب للسلطة وضم للسلطتين التشريعية والقضائية إلى صلاحياته، كل مراسيمه وأوامره في إعفاء القضاة مخالفة للدستور وللقانون ولكافة المعايير الدولية.. وليس للرئيس سلطة إعفاء أي قاض، أو تسليط أي عقوبة تأديبية عليه أو إيقافه عن العمل.. فذلك اختصاص حصري للمجلس الأعلى للقضاء طبق الفصل 107 من الدستور وبعد  توفير كافة الضمانات القانونية وحق الدفاع، هذا إذا تعلقت بالقاضي شبهات حقا" وفق قوله.

وتابع الرحماني بقوله: "أما وقد تعلق الأمر بانتقام للذات وبتصفية منتقدين ورافضين للانقلاب وكافرين بالتعليمات -مع بعض التعويم والتلبيس والخلط للتضليل- فإنه يندرج في باب الفساد التشريعي والإجرام والتوظيف السياسي الذي تُستخدم فيه قوانين الدولة ومؤسساتها وأجهزتها والانحراف بها تحقيقًا لأهداف لا علاقة لها بالمصلحة العامة بل تناقضها وتنسفها وتستجلب المفسدة العامة.. أوامر إعفاء باطلة ومعدومة قانونًا وستلغى بجرّة قلم عند أول عرض على المحكمة مهما تم تحصينها بالقوة وبالتشريع المغتصب.. باطل!" وفقه.

 

 

ودوّن أستاذ القانون الدستوري، وعضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك، في إشارة لسعيّد بقوله: "نصّب نفسه قاضي القضاة وقال بكلّ ثقة وعنجهيّة (لا أتدخل في القضاء!!)، وفقه.

 

 

ووصف الوزير الأسبق والناشط السياسي عبد اللطيف المكي، في تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك، ما حدث، بـ"مجزرة في القضاء"، مضيفًا أنّ الرئيس يقول إنه "لا يتدخل في القضاء ولكنه يخضعه للتعليمات، لأنه يريد أن يسجن معارضيه ورافضي مشروعه الاستبدادي".

وتابع المكي: "أقرأ منذ أمس شهادات لمن يعرفون الكثير من هؤلاء القضاة ويشهدون لهم بالنزاهة والمهنية، وفيهم من دافع عن استقلالية القضاء بقوة ضد سعيّد مثل رئيس جمعية القضاة الشبان و الرئيس الشرعي للمجلس الأعلى للقضاء".

 

 

كما تساءلت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي عن سبب إلغاء قرينة البراءة وحقوق الدفاع، وقالت: "هل أصبح هناك الآن مناخ طمأنينة؟ هل سيتعافي القضاء بهذا الشكل؟".

سلسبيل القليبي (أستاذة قانون دستوري): لماذا تم إلغاء قرينة البراءة وحقوق الدفاع؟ هل أصبح هناك الآن مناخ طمأنينة؟ هل سيتعافي القضاء بهذا الشكل؟

وذكّرت القليبي بأنّ سعيّد "في خطوة أولى لـ(إصلاح القضاء)، أزال المجلس الأعلى للقضاء وقانونه الأساسي، وأصدر مرسومًا وضع فيه مجلسًا أعلى للقضاء وفق تصوره لما يجب أن يكون عليه هذا المجلس، لكنه اليوم يعود ليصدر مرسومًا ينقّح المرسوم السابق لكن في نفس الوقت يحلّ محلّ المجلس الأعلى للقضاء بإقالة 57 قاضيًا" وفقها.

 

 

وقد أوضح الناشط السياسي سفيان المخلوفي فيما قال إنها "شهادة للتاريخ" أنه "في لقاء خاص جمعه بمحمد الحامدي مع قيس سعيّد في قصر قرطاج بدعوة منه يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تطرق به الحديث إلى القاضي محمد كمون والذي كان بصفته قاضي تحقيق في ملفات حساسة مالية وسياسية، قال عنه سعيّد: لقد كان أحد طلابي وأضاف بما معناه أنه قاض مستقيم ومستقل وذو كفاءة، ولمح إلى أنه أمر بتوفير حماية شخصية له ولعائلته".

 

 

وتساءل المخلوفي: "فأي جديد غيّر رأي قيس سعيّد فيه غير أنه كعميد قضاة التحقيق بمحكمة تونس واصل نفس استقامته واستقلاليته ورفض أن يكون قاضي تعليمات؟" وفق قوله.

 

 

وقد كتب القاضي عبد الرزاق بن خليفة متفاعلًا مع قرار إعفاء 57 قاضيًا، فقال: "أي مهزلة؟ وأي عبث؟ أغلب المعفيين من القضاة رفضوا التعليمات لا غير، وبعض الأسماء اشتغلت في القطب المالي لمكافحة الفساد.. أشتم في إدراجهم في القائمة رائحة الانتقام منهم، فالرجل يمكن مغالطته بسهولة، هناك تقريبًا 2 أو 3 كانوا محل حديث وشكوك داخل القضاء نفسه حول إمكانية أن يكون لديهم شبهة فساد" وفق تأكيده.

وتابع بن خليفة أنّ هذا الأمر ستلغيه قانونيًا المحكمة الإدارية، وستحكم لهم بتعويضات معتبرة".

 

 

وقد اعتبر القاضي عفيف الجعيدي من جهته، أنّ ما حصل هو "عبث تشريعي"، منتقدًا تحصين المراسيم، وقال إنّ "تحصين الأمر الرئاسي فيه مس باختصاصات القضاء الإداري واعتداء على الحق في التقاضي، هي مجزرة قضائية واستعمال للتذاكي التشريعي في محاولة تحصينها، ومن يظن أن القضاة الذين أعفوا هم هدف الخطوة الرئاسية، من يتوهم بالنظر إلى بعض أسماء القائمة أنها حرب على الفاسدين، سيفهم لاحقًا أي يوم ينسجم القضاء أنها كانت حرب دك لحصون الاستقلالية وأنها خطوة غايتها الحقيقية تغيير جذري في مشهد القرار القضائي زيادة على صناعة خوف لدى القضاة من العزل.." وفق رأيه.

عفيف الجعيدي (قاض): حين نسأل عن سبب إعفاء هؤلاء القضاة نفهم أنهم رفضوا التعليمات، وبحثوا عن توفير ضمانات المحاكمة العادلة، فهم يذبحون لرفضهم أن يكونوا السكين

وتابع الجعيدي بقوله: "هي مجزرة للقضاء تبيح مجازر للحقوق والحريات، لنفهم القائمة يجب أن نسأل عن قضاة نيابة تونس والأقطاب القضائية واستئناف تونس الذين أعفوا ما سبب إعفائهم؟ هم رفضوا تعليمات، هم بحثوا عن توفير ضمانات المحاكمة العادلة، هم لم ينخرطوا في اللحظة، هم يذبحون لأنهم رفضوا أن يكونوا السكين.. لنعلم أنها مقدمة لما يخطط له".

 

 

وقد أكد القاضي عمر الوسلاتي من جانبه، أنّ إعفاء القضاة هو الحل الأسهل للتعبير عن العجز المزمن لإصلاح القضاء"، وقال: "إعفاء القضاة بقرار سياسي فردي -بقطع النظر عن صحة ما ينسب إليهم من تجاوزات - خارج نظام المساءلة الذي تكفله المعايير الدولية والدستور والضمانات المكفولة، والتي يتمتع بها كل موظف عمومي طبق لقانون الوظيفة العمومية، وطبق الضمانات التي كرسها المرسوم  المنظم المجلس الأعلى المؤقت للقضاء من ضمانات المساءلة المتضمنة لحق الدفاع والحق في السمعة وحماية الحياة الخاصة، انتهاج التشهير بملفاتهم أمام العموم ونشر أسمائهم بالرائد الرسمي، هو إعلان نهاية ما يسمى بجهاز القضاء بكل مشاكله الهيكلية والقانونية والإجرائية".

 

وكان قد صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية) أمر رئاسي عدد 516 لسنة 2022 مؤرخ في 1 جوان/يونيو 2022 يتعلق بعزل 57 قاضيًا في تونس. وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أصدر أيضًا، في ذات العدد من الرائد الرسمي، مرسومًا يسمح له بـ"إصدار أمر يقضي بإعفاء كل قاض تعلّق به ما يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته"، وفقه.

وتضم قائمة القضاة المعزولين عديد الأسماء المعروفة، من بينها رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي قام سعيّد بحله يوسف بوزاخر ورئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي وعدة قضاة عارضوا توجهات الرئيس التونسي في الشأن القضائي مؤخرًا.

وكان سعيّد قد قال، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية لاجتماع مجلس الوزراء بإشرافه، مساء الأربعاء 1 جوان/ يونيو 2022، إنه سيصدر قرارات وصفها بـ"التاريخية" ضد شخصيات (لم يسمّها) قال إنها ستصدر في أمر رئاسي وذكر أنها قامت بجملة من الجرائم وعددها، وذلك دون أن يقدم بشأنها أي أدلة.

وقد قوبل هذا القرار برفض واسع واستنكار من الطبقة الحقوقية والقضائية في تونس.