21-يونيو-2022
كمال بن مسعود

أستاذ القانون الدستوري والمحامي كمال بن مسعود

 

يحاور "الترا تونس" أستاذ القانون الدستوري والمحامي كمال بن مسعود عن مسار الإعداد للاستفتاء القادم في تونس ولمشروع الدستور الجديد.


  • ما تقييمكم لمسار الإعداد لمشروع الدستور الجديد والتحضير للاستفتاء عليه؟

الاستفتاء من بين الآليات الديمقراطية شبه المباشرة التي يتم اللجوء إليها لطلب رأي الشعب وموقفه من مسألة أو من نص ما، ومثل هذه الآلية يجب أن يتم التنصيص عليها من حيث المبدأ في الدستور، ثم من حيث إجراءات تفعيلها في الدستور وفي القانون الانتخابي، بالإضافة لتحديد المواضيع التي من الممكن أن يتم استفتاء الشعب فيها.

بالعودة إلى الدستور التونسي لسنة 2014 الذي يضبط صورتين للاستفتاء، الأولى استفتاء تشريعي يخص مشاريع القوانين التي صادق عليها البرلمان والتي يعارضها الرئيس قيس سعيّد أو يرى أن الشعب يجب أن يبدي رأيه فيها على اعتبار حساسية موضوعها.

والصورة الثانية للاستفتاء هي المتعلقة بتعديل الدستور، حسب ما يضبطه الباب الخاص بالتعديل، الذي يحدد من لهم الحق بالمبادرة وهم رئيس الجمهورية وثلث نواب البرلمان، ويمر الأمر في هذه الحالة بمراقبة مشروع التعديل من قبل المحكمة الدستورية ثم التصويت على مبدأ التعديل من قبل المجلس النيابي، ثم التصويت بالموافقة بأغلبية الثلثين ثم يحال التعديل إلى رئيس الجمهورية لإقراره وختمه والإذن بنشره، عندها وفي هذه الحالة فقط يكون للرئيس إمكانية أن يعرض مشروع هذا التعديل الذي تمت المصادقة عليه على استفتاء شعبي وتكون نتائج التصويت سواء بـ"نعم أو لا" ذات قيمة  قانونية ملزمة.

 

 

ولكن نحن اليوم لسنا في أي وضع من الصورتين التي تحدثت عنهما، أي أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد لا يمكن أن يستند على أي فصل صريح في الدستور يجيز له الحق في طلب الاستفتاء، ونحن نعلم أن اللجوء الى الاستفتاء اختصاص وفي القانون لا اختصاص دون نص، البعض يقول إننا لا يجب أن نبحث عن سند لطلب الرئيس للاستفتاء في الدستور وإنما في النصوص التي وقع إقرارها منذ 25 جويلية/يوليو 2021 وأساسا الأمر الرئاسي عدد 117، ولكن هذا النص يتضمن في فصله 22 ينص على واجب عرض رئيس الجمهورية لمشاريع الإصلاحات والتعديلات السياسية على الاستفتاء بصيغة الوجوب والإلزام لا بصيغة الحق.

بن مسعود لـ"الترا تونس": ما يقوم به سعيّد وما هو مقدم عليه من استفتاء 25 جويلية لا يمكن أن نجد له أي ارتباط بالدستور وهو مخالف بطريقة واضحة له

وبعد تفسير هذا أقول إجراءات سعيّد للتحضير للاستفتاء ليست سليمة من الناحية الدستورية لأن الأمر عدد 117 بدوره مخالف للدستور، والفصل 80 أعطى لرئيس الجمهورية الحق في اتخاذ تدابير استثنائية في مواجهة الخطر الداهم الذي يهدد كيان الدولة وسلامة ترابها واستقلالها، ولو سلمنا جدلاً بوجود خطر داهم فإن غاية اتخاذ الإجراءات تكون فقط بهدف تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة، وليس استحداث نظام جديد لدواليب الدولة، وما يقوم به رئيس الجمهورية انطلاقاً من الأمر عدد 117 وما هو مقدم عليه من استفتاء 25 جويلية لا يمكن أن نجد له أي ارتباط من حيث سلامته بالدستور وهو مخالف بطريقة واضحة له.

في تجارب دول أخرى من بينها فرنسا، التي اقتبست تونس من دستورها وفصلها 16 مبدأ وروح الفصل 80 في دستورنا، نجد أن فقه القضاء والمجلس الدستوري الفرنسي يعتبر أن تعديل الدستور في حالة الاستثناء غير ممكن، فتحديد مصير البلاد وهوية الدولة والشعب ومبدأ الفصل بين السلط واحترام حقوق الإنسان، وانتمائنا العربي أو الإسلامي أو الإفريقي أو المغاربي يجب تضمينها في الدستور  لأنها قيم مشتركة، وهذه  المسائل لا يمكن تحديدها والخوض فيها على عجل في دستور يعد في الغرف المظلمة.

بن مسعود لـ"الترا تونس": تحديد مصير البلاد وهوية الدولة والشعب ومبدأ الفصل بين السلط واحترام حقوق الإنسان هي مسائل لا يمكن تحديدها على عجل في دستور يعد في الغرف المظلمة

ونحن حقيقة لا نعرف حتى ماذا حدث داخل لجنة الأستاذ الصادق بلعيد، وهذه القيم والنقاط لا تهم اللجنة وأساتذة القانون فقط وإنما تهم الشعب التونسي والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والجمعيات التي يجب أن تبدي رأيها ويتم تضمين هذا في الدستور لا اعتماد ما يراه شخص أو لجنة أو مجموعة من الأشخاص.

 

 

  • إخلالات كثيرة تحدث عنها أساتذة القانون في علاقة بتطبيق المرسوم الرئاسي عدد 30 الذي يضبط منهجية إعداد الدستور الجديد، هل خرق رئيس الجمهورية المرسوم الذي أصدره بنفسه؟

الأمر الرئاسي عدد 117 الذي أصدره قيس سعيّد في سبتمبر الماضي يتحدث عن تكوين لجنة تُضبط تركيبتها بأمر، ولكن هذه اللجنة لم تحدث بأمر بل لم تحدث بتاتًا! أي منذ 22 سبتمبر/أيلول 2021 إلى غاية شهر جويلية/يوليو 2022 لم يقع إحداث اللجنة بأمر، ولو كان الأمر يتعلق حقًا بحالة خطر داهم تواجهها تونس ووضع استعجالي لتم إحداث هذه اللجنة في أجل أسبوع واحد، لا أن تظل لما يناهز 10 أشهر.

ويجب التأكيد أن ما وقع إحداثه والإعلان عنه فيما بعد عبر المرسوم عدد 30 وهو تكوين "هيئة استشارية من أجل جمهورية جديدة"، والحال أن الأمر عدد 117 يضبط أن المسألة تتعلق بإدخال تعديلات سياسية وليس بعث جمهورية جديدة، ثم أن الأمر الصادر لم يتعلق بلجنة بل بهيئة في خلاف لما نص عليه الأمر عدد 117، واختيار تسميتها بالهيئة الاستشارية بما يعنيه ذلك أن أعمالها وصياغتها لمسودة الدستور ستكون بمثابة المقترح فقط، أما الفصل في الصيغة النهائية فسيكون بيد رئيس الجمهورية، على اعتبار أنه هو من سيصوغ التعديلات السياسية بالاستعانة برأي اللجنة الاستشاري والغير ملزم به، ويعرض الرئيس ما يراه صالحًا على الشعب للاستفتاء.

الحقيقة أن ما يحصل كان مخالفًا لما ضبطته كل المراسيم والأوامر الرئاسية فنحن لم نجد لجنة وإنما هي هيئة مكونة من لجنتين فقط لا 3 كما سبق الإعلان عنه، الأولى وهي اللجنة القانونية، التي يرأسها الأستاذ الصادق بلعيد، لا نعلم حقًا من هم أعضاؤها على اعتبار أن جميع من تمت دعوتهم للمشاركة فيها رفضوا ذلك، إلا إذا قرر بلعيد الكشف عن تركيبتها ومن قبلوا الدعوة للمشاركة فيها، بالإضافة للجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التي يرأسها العميد ابراهيم بودربالة.

بن مسعود لـ"الترا تونس": ما يحصل في إعداد الاستفتاء والتحضير للدستور الجديد كان مخالفًا لما ضبطته حتى مراسيم وأوامر الرئيس سعيّد

 

 

  • ما رأيكم في المرسوم الرئاسي الأخير المتعلق بعزل 57 قاضيًا في تونس دون حكم قضائي بات في حقهم؟

الأمر الرئاسي عدد 117 ينص على أن جميع المراسيم التي سيتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد ستحترم حقوق الإنسان، ما نلاحظه على الأقل فيما صدر في المرسومين  عدد 11 الصادر في 12 فيفري/شباط 2022 والمرسوم عدد 35 الصادر في 1 جوان/يونيو 2022، فإن الرئيس أعطى لنفسه القدرة على إعفاء القضاة بقرار فردي وأمر رئاسي بناء على تقارير من الأجهزة المخولة لذلك دون تحديد هذه الأجهزة، وتثار آليًا ضد القاضي الدعوة العمومية ويتم تتبعه جزائيًا ولا يمكنه الطعن في أمر إعفائه إلا بعد صدور حكم بات.

ولكن نحن نعلم أن مثل هذه الأحكام في تونس يمكن أن تستغرق على الأقل 3 سنوات وقد تصل إلى ما يفوق 10 سنوات لإصدار حكم بات فيها، على اعتبار تضمن مسار التقاضي لطور ابتدائي ثم استئنافي وتعقيبي، وإذا ما تعلقت القضية بجناية، يضاف إلى كل هذا طور تحقيقي، ثم طور اتهام وتعقيب ثم بقية مراحل المحاكمة.

ونذكر أن عددًا من المسؤولين الكبار في الدولة التونسية من نظام بن علي  يحاكمون منذ 12 سنة وإلى غاية اليوم بعد أن تم تحريك دعاوى جزائية ضدهم وفتح تحقيق في ملفاتهم، هذا يعني أن القضاة المشمولين بالإعفاء حسب رأي الرئيس قيس سعيّد لن يحق لهم الطعن في أوامر إعفائهم إلا بعد صدور أحكام جزائية باتة وهذا فيه هتك لقرينة البراءة وتنكر لحق الدفاع وتجاهل للمحاكمة العادلة التي هي من مكتسبات حقوق الإنسان التي تعهد رئيس الجمهورية بنفسه بالمحافظة عليها في نص الأمر عدد 117، وفي بقية المراسيم التي سيتخذها ولكن نحن اليوم نرى أنه يسن مراسيم فيها تنكر تام لما تعهد به.

بن مسعود لـ"الترا تونس": الرئيس الذي حنث في يمينه عندما أقسم على الدستور.. يمكن أن نتوقع منه كل شيء، وها نحن نرى اليوم كيف أن سعيّد لم يلتزم بما أقره هو بنفسه في الأمر عدد 117

وأنا أقول إن الرئيس الذي حنث في يمينه عندما أقسم على الدستور.. يمكن أن نتوقع منه كل شيء، وها نحن نرى اليوم كيف أن سعيّد لم يلتزم بما أقره هو بنفسه في الأمر عدد 117 وكيف تنكر للحقوق والحريات.

  • هل من الممكن قانونًا إقرار التتبع الجزائي ضد مقاطعي حملة الاستفتاء الذين يبادرون بإبداء آرائهم خلال فترة الاستفتاء؟

هناك مبدأ كوني وهو المتعلق بشرعية الجرائم والعقوبات، وهو مكرس في الدستور وفي المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس، هذا المبدأ يضبط عدم إمكانية تتبع ومحاكمة شخص إلا بموجب نص تشريعي سابق الوضع، إلى حد الآن.

لا وجود  لنص تشريعي يجرم مقاطعة الاستفتاء،  إلا إذا ما قام رئيس الجمهورية بسن مرسوم جديد ينص صراحة على الأفعال التي ستعتبر من قبيل الجرائم والتي يجوز بمقتضاه التتبع والمآخذة فيها، وهذا  الأمر لم يحصل إلى حد الآن، أعتقد أن الأمر يتعلق بمجرد آراء وقع التداول فيها من أحد أعضاء هيئة الانتخابات دون أي سند قانوني وهو أساسًا أمر غير قانوني بتاتًا.

بن مسعود لـ"الترا تونس": لا وجود  لنص تشريعي يجرم مقاطعة الاستفتاء،  إلا إذا ما قام سعيّد بسن مرسوم جديد ينص على ذلك وهذا لم يحصل بعد

  • كيف تعلقون على تصريح الرئيس المنسق للجنة إحداث "جمهورية جديدة" الصادق بلعيد المتعلق بأن التنصيص على نظام الحكم في الدستور الجديد مسألة غير مهمة؟

هناك قاسم مشترك بين جميع الدول التي لها دستور مكتوب وهو أن دساتيرها تتضمن تنصيصًا على شكل نظام الحكم، إن كان جمهوريًا أم ملكيًا أو امبراطوريًا أم قنصليًا، والتنصيص على طبيعة نظام الحكم أي أن يكون برلمانيًا أو رئاسيًا أو  مختلطاً.

وهذه من بين المسائل الأولى التي يجب التنصيص عليها في الدستور على اعتباره وثيقة في الأساس تضعها سلطة خاصة تسمى السلطة التأسيسية تتضمن المبادئ والقواعد التي تنظم السلطة السياسية، وفيها شكل النظام وطبيعته والحقوق والحريات وعلاقة السلط فيما بينها، وأيضًا علاقة السلطة بالمواطنين، وهي نقاط في صميمها دستوري ويجب التنصيص عليها، خلو الدستور الذي يتم إعداده منها يعني بالأساس أن هناك عملية إعداد لتنظيمها عبر نصوص أخرى، وهذا في تقديري أمر خطير.

  • تعوّل قوى سياسية على انتظار نتائج الاستفتاء للطعن فيها بهدف إسقاط مسار الرئيس منذ حوالي سنة، أي حظوظ لذلك؟

ربما يكون الأمر ممكنًا سياسيًا لكنه صعب جدًا، من الجانب القانوني الاستفتاء إذا ما تم التفطن لوجود عملية أو محاولة تدليس أو عدم احترام للقواعد المعلن عنها فإن الطعن ممكن أمام القضاء الإداري، لكن أقدر أن معارضة الاستفتاء هو عمل سياسي بالأساس بين من سيصوت مع أو ضد الاستفتاء، من سيشارك أو يقاطع كلها مواقف سياسية، يبقى أن نتائج الاستفتاء يمكن الطعن فيها قانونيًا أمام المحكمة الإدارية حسب القانون المنظم للاستفتاء.

بن مسعود لـ"الترا تونس": نتائج الاستفتاء يمكن الطعن فيها قانونيًا أمام المحكمة الإدارية حسب القانون المنظم للاستفتاء

  • كيف يتعامل أساتذة القانون الدستوري مع طلبتم عند تفسير المسار الذي اتخذته تونس من قرارات وإجراءات إبان 25 جويلية 2021؟

عندما أقول إني أجد نفسي محرجًا أمام الطلبة أعني حرجًا في التدريس، بمعنى أننا نجد أنفسنا مطالبين ببذل جهد إضافي لنبيّن للطلبة أن ما نعيشه اليوم في تونس ليس هو ما يجب أن يكون حقًا.. وإنما هذا أمر واقعي وليس قانونيًا.

بن مسعود لـ"الترا تونس": نجد أنفسنا مطالبون ببذل جهد إضافي كأساتذة لنبيّن للطلبة أن ما نعيشه اليوم في تونس ليس هو ما يجب أن يكون حقًا.. وإنما هذا أمر واقعي وليس قانونيًا

ونحن ننبه الطلبة إلى ما يجب أن يكون عليه الأمر حقاً، ونقدم لهم ما كان من الأجدر أن تكون عليه صورة تونس، فإذا ما كان الواقع مطابقًا للقانون نحن نقول إننا في دولة قانون وإذا ما كان الواقع في واد والقانون في واد آخر نقول صراحة  أننا لسنا في دولة قانون.

  • كنت من بين الأصدقاء المقربين لقيس سعيّد أستاذ القانون، هل غيّره كرسي الرئاسة؟

نعم بالتأكيد.. قيس سعيّد صديق قديم وزميل منذ سنة 1986، كان الأستاذ قيس سعيّد زميلاً وصديقًا ولطالما تشاركنا طريق العودة في القطار من ولاية سوسة التي كنا ندرس في كلية الحقوق بها.

بن مسعود لـ"الترا تونس": قيس سعيّد صديق قديم وزميل منذ سنة 1986، كرسي الرئاسة فعل فعله في الرجل فأنا لا أتعرف على الرئيس سعيّد الآن

سعيّد عهدته شخصًا لطيفًا وديعًا وصاحب مبادئ وجدي، فيه كل مواصفات الأستاذ الجامعي، سعيّد لم يكن معارضًا ولكنه أيضًا لم يكن متزلفاً للسلطة، كان صاحب مبادئ ومستقلاً حقًا.

طبعًا كرسي الرئاسة فعل فعله في الرجل.. فأنا لا أتعرف على الرئيس قيس سعيّد، الآن هو شخص آخر.. لقد  كان صديق الجميع ولا يأتي منه ضرر وكان محبوباً حقًا، عرف بدماثة أخلاقه وكان أستاذًا مثاليًا محبوباً من طلبته.

 

تونس