17-فبراير-2020

بات يواجه منظمو الرحلات الداخلية تضييقات عديدة (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

لا تزال تداعيات "فاجعة عمدون"، التي أودت بحياة 30 شابًا وشابة وعشرات الجرحى إثر انقلاب حافلة سياحية بوادي عين السنوسي بمعتمدية عمدون في ولاية باجة بتاريخ 1 ديسمبر/كانون الأول 2019، تؤثر على قطاع السياحة الداخلية، إذ بعد أن كان شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة يعج كلّ نهاية عطلة أسبوعية بمئات الرحالة المغرمين في انتظار الحافلات في الصباح الباخر، لم يعد يشهد سوى وفود بعض عشرات الأشخاص ممن لم ترهبهم الفاجعة أو تثنيهم عن ممارسة هوايتهم.

اقرأ/ي أيضًا: "ماناش مسَلمِين".. حملة لعشاق الرحلات الداخلية في تونس

كيف تُنظم الرحلات الداخلية؟

تبدأ الرحلة من شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة قرب وزارة السياحة حيث يتوافد عشرات الشباب وحتى الكهول والأطفال منذ الساعة السادسة والنصف صباحًا في نهاية كل أسبوع، لتذهب كلّ وجهة فريق إلى جهة داخلية يقضون فيها طيلة اليوم وممارسة رياضة المشي لكيلومترات في الغابات والجبال.

أحدثت "فاجعة عمدون" زلزالًا في قطاع السياحة الداخلية إذ توقف عدد من منظمي الرحلات عن تنظيم الرحلات الداخلية وباتوا يواجهون تضييقات من الأجهزة الأمنية

وكانت تنتظم الرحلة عبر إجراءات بسيطة وغير معقدة إذ يبلغ منظم الرحلة منطقة الحرس الوطني بالجهة التي سيزورها قبل ثلاثة أيام، ثم يذهب يوم الرحلة إلى مركز الحرس بأسماء المشاركين وعددهم، ويبلغ لاحقًا نفس المركز خلال العودة بانتهاء رحلتهم. وهي إجراءات أمنية معتمدة لسلامة المشاركين في هذه الرحلات.

أحدثت "فاجعة عمدون" زلزالًا في قطاع السياحة الداخلية (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

ولا يخضع عمل منظمي الرحلات الداخلية إلى رقابة وزارة السياحة رغم أهمية هذا القطاع في دعم السياحة الداخلية وتنشيط الحركية في عدة مناطق نائية. وكان يقوم بعض منظمي الرحلات بالإجراءات المذكورة فيما كان يهملها آخرون بالاكتفاء بتسويغ حافلة من إحدى وكالات الأسفار وتنظيم الرحلة.

وغالبًا ما يلجأ منظمو الرحلات إلى قائد أو مرشد من المنطقة التي يزورونها لمعرفته بالطرق الجبلية والغابية وبخصوصياتها. وما إن تصل الحافلة إلى نقطة الانطلاق بالسير على الأقدام حتى يقدّم المرشد جملة من النصائح لتنظيم الجولة طيلة اليوم.

"فاجعة عمدون".. زلزال في قطاع السياحة الداخلية

أحدثت "فاجعة عمدون"، في الأثناء، زلزالًا في قطاع السياحة الداخلية، إذ تغيّرت الكثير من الأمور وفق أغلب منظمي الرحلات الداخلية، وقد توقف عدد منهم عن تنظيم الرحلات لفقدانهم الثقة في بعض وكالات الأسفار وأسطولها خشية تكرر حوادث مشابهة لما حصل في عمدون.

في المقابل، تمسك منظمون آخرون بتنظيم الرحلات لكنهم يشكون اليوم مما يعتبرونها تضييقات أمنية. إذ رغم إبلاغهم لمركز الأمن أو الحرس الراجعة له بالنظر المنطقة المحددة، باتوا يُواجهون الرفض في كثير من الأحيان بعدم الحصول على ترخيص بالعبور، كما أصبح يواجه بعض المنظمين الآخرين مشاكل على مستوى الولاية.

ربيع زروق (مرشد سياحي): الوالي السابق لسليانة فرض قانونًا لا وجود له من الأساس وهو ضرورة الإعلام قبل 12 يومًا من موعد الرحلة ودفع 3 دنانير كتأمين على كلّ شخص مشارك في الرحلة

ويشير ربيع زروق، أحد المرشدين في ولاية سليانة، لـ"ألترا تونس" إلى أنّه بات يتعرّض إلى جملة من التضييقات وتعطيل عمله كلّ أسبوع، وأخبرنا أنه تمت إحالته على وكيل الجمهورية قبل أسبوع بدعوى ضرورة تقديم ترخيص بالتجوال قبل 12 يومًا من موعد الرحلة. وأكد محدثنا أنّه لا يوجد قانون ينصّ هذا الإجراء لا سيما وأنّ أغلب منظمي الرحلات هم أصحاب جمعيات تنشط في مجال السياحة الأيكولوجية والتنشيط الثقافي.

يشكو منظمو الرحلات الداخلية من تضييقات الأجهزة الأمنية (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

وأعلمنا أنه يُعلم، قبل خمسة أيام من موعد الرحلة، أقرب مركز حرس أو شرطة من المنطقة المراد زيارتها مع تقديم المعطيات الشخصية للأفراد المشاركين للتحرّي فيها، مشددًا، في المقابل، أنه لا يوجد قانون، في المقابل، يبيح منعهم من التجوال. وقد أشار محدثنا إلى أنه من أكثر منظمي الرحلات في ولاية سليانة واشتغل العديد من الرحلات بالاشتراك مع الجمعية التونسية للمتجولين ومع مندوبية الفلاحة بالجهة.

اقرأ/ي أيضًا: شباب يهوى المناطق الجبلية.. ضحية "إرهاب الطريق"

وبيّن أن "الوالي السابق فرض قانونًا لا وجود له من الأساس وهو ضرورة الإعلام قبل 12 يومًا من موعد الرحلة ودفع 3 دنانير كتأمين على كلّ شخص مشارك في الرحلة رغم أنّه لا يوجد قانون يفرض هذا الإجراء أيضًا. ولكننا تقيدنا به، وقد بات حتى الوالي الجديد يفرض نفس الإجراء".

وأكد أنّ وكيل الجمهورية لم يتخذ ضدّه أي إجراء لأنّه ليس مخالفًا للقانون، "ولكن للأسف مازلنا نتعرّض لعدّة تضييقات لا نعرف سببها"، هكذا يتحسّر ربيع زروق في حديثه معنا.

على صعيد آخر، أشار إلى أنّ السياحة الداخلية حتى وإن كانت أسبوعية فقط إلا أنّها تخلق حركية في العديد من المناطق وتنشط الحركة التجارية وساهمت ولو بشكل بسيط في التنمية عبر خلق بعض مواطن الشغل.

دعوة لتنظيم قطاع السياحة الداخلية

بلال، وهو أحد منظمي الرحلات الداخلية أيضًا منذ خمس سنوات، أكد لـ"ألترا تونس" وجود تضييقات أمنية، مشيرًا إلى أنّ الإجراءات قبل "فاجعة عمدون" كانت بسيطة بالاكتفاء بإعلام أحد مراكز الأمن بالجهة التي سيقومون بزيارتها قبل يومين وإعطاء قائمة بأسماء الأشخاص للتحري عنهم ثمّ اعلام نفس المركز عند نهاية الرحلة وإخبارهم بأنّ الجميع بخير وفي طريق العودة

تجمع الرحلات السياحية الداخلية بين الأغراض الترفيهية والتنموية في نفس الوقت (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

وبيّن أنه بعد الفاجعة تغيّرت الأمور رغم أنه ينشط في إطار جمعية قائلًا: "لا يوجد قانون يمنعني من تنظيم رحلات داخلية، مع ذلك بتّ أبقى في منطقة الأمن مدّة طويلة أواجه أسئلة كثيرة دون أي موجب وتتعطل الرحلة دون أي سبب".

ودعا محدّثنا إلى ضرورة إشراف وزارة السياحة على إحداث قانون ينظم القطاع ويمنح بمقتضاه رخص قانونية للجمعيات التي تنشط في مجال السياحة والثقافة حتى يسهل عملها، وكي يتجنّب منظمو الرحلات التضييقات أو فرض اجراءات لا تستند إلى أيّ قوانين واضحة.

بلال (منظم رحلات داخلية): لا يوجد قانون يمنعني من تنظيم رحلات داخلية، مع ذلك بتّ أبقى في منطقة الأمن مدّة طويلة أواجه أسئلة كثيرة دون أي موجب وتتعطل الرحلة دون أي سبب

يذكر أنّ الرحلات الداخلية للمناطق الجبلية والغابية لا تهم الشباب المغرم بالسياحة الأيكولوجية والرياضية فقط، فهي تعدّ فرصة، أيضًا، لمواطني الجهات الداخلية والمناطق النائية للنشاط التجاري، إذ يشهد أغلب الحرفيين بتلك الجهات اقبالًا مما ينشط الحركة التجارية لديهم، كما تسترزق بعض العائلات مما تبيعه من خبز أو عسل أو بعض المنتوجات البيولوجية.

ويؤكد منظمو الرحلات الداخلية أنّ زياراتهم الأسبوعية فكت العزلة عن عديد المناطق داخل البلاد، وأن هذه الرحلات تجمع بين الأغراض الترفيهية والتنموية في نفس الوقت، داعين إلى سن قانون ينظم السياحة الداخلية لتجنّب أي تضييقات أو تعطيل لعملهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السياحة الأيكولوجية في تونس.. سياحة بديلة وصديقة للبيئة

منعرجات الموت.. عن أكثر الطرقات صيدًا للأرواح البشرية في تونس