12-ديسمبر-2019

مخاوف من تأثير "فاجعة عمدون" على قطاع الرحلات السياحية الداخلية (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

"عشقنا ريحة البلاد، عشقنا وديانها وغاباتها وجبالها من أعلى نقطة في بنزرت إلى آخر نقطة في الجنوب. عشقنا ريحة الإكليل والزعتر والصنوبر وكل شبر في أرضنا. ماناش مسَلميْن (لن نتنازل) ومواصلين في غرامنا"، هكذا دوّن عشاق الرحلات الداخلية الجبلية في تونس في حملة "ماناش مسَلمِين" التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي تشبثًا بحقهم في الاستمتاع بهذه الرحلات الجبلية وتحديًا لمخاطرها.

أطلق عشاق الرحلات الداخلية هاشتاع "ماناش مسَلمِين" في مواقع التواصل الاجتماعي تشبثًا بحقهم في الاستمتاع بهذه الرحلات وتحديًا لمخاطرها

وتأتي هذه الحملة الإلكترونية على وقع "فاجعة عمدون" التي أودت بحياة 29 شابًا وشابة في حادث انزلاق حافلة نقل سياحي تقلّ 43 شخصًا يوم 1 ديسمبر/كانون الأول 2019 في وادي عين السنوسي بعمدون من ولاية باجة. إذ أثارت هذه الحادثة الأليمة مخاوف العديد من عشاق الرحلات الداخلية وأهاليهم الذين قد يحرمونهم من الخروج في رحلة باتت تُرى دائمًا بعين الخطر.

اقرأ/ي أيضًا: "رحلات الموت" في تونس.. التونسيون يبحثون عن سكة النجاة

منظمو الرحلات: لا يجب أن تصبح الرحلات الداخلية كابوسًا!

تؤكد إيمان الزمزمي، إحدى منظمات الرحلات السياحية الداخلية، لـ"الترا تونس" أن فاجعة عمدون الأليمة أثرّت كثيرًا في منظمي الرحلات وعشاقها، مؤكدة أنه لا يجب، في المقابل، أن تصبح هذه الرحلات كابوسًا يحرم آلاف الشباب من متعة السياحة الداخلية والتعرف على مناطق أخرى.

وشددت، في هذا الجانب، على وجود الحذر دائمًا والتدقيق في وكالات الأسفار التي تنظم الرحلات، مؤكدة أن فاجعة عمدون "لا يجب أن تكون سببًا في قتل غرام الشباب بالرحلات الداخلية لأنّ الأمر ليس مجرّد هواية بل قطاع مهم ظهر بعد الثورة".

إيمان الزمزمي (منظمة رحلات):  لا يجب أن تكون فاجعة عمدون سببًا في قتل غرام الشباب بالرحلات الداخلية والحذر ضروري دائمًا

في شارع الحبيب بورقيبة وتحديدًا قرب وزارة السياحة، تصطف عادة عشرات الحافلات المتجهة إلى مناطق مختلفة في الشمال والجنوب منذ السادسة ونصف صباحًا، حيث يجتمع المئات من شباب وحتى كهول وأطفال بلباس رياضي، والكلّ يحمل زاد الطريق للاتجاه إلى رحلته.

هكذا جرت العادة كلّ يوم أحد إلا أنّ أحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2019، وهو الأول بعد فاجعة عمدون، كان الأمر مختلفًا إذ بدا شارع الحبيب بورقيبة مهجورًا بعد إلغاء المنظمين لأغلب الرحلات حزنًا على فقدان أصدقاء ربما رافقوهم في رحلات سابقة.

مخاوف من تحوّل "فاجعة عمدون" إلى كابوس يحرم الشباب من الاستمتاع بالرحلات الداخلية (مريم الناصري/ألترا تونس)

اقرأ/ي أيضًا: شباب يهوى المناطق الجبلية.. ضحية "إرهاب الطريق"

يؤكد بلال عبد المولى، أحد منظمي الرحلات، لـ"ألترا تونس" أنه تم إلغاء الرحلات المبرمجة في أول أحد بعد فاجعة عمدون، مبينًا أن أغلب منظمي الرحلات كانوا متأكدين من تأثير الفاجعة على عملهم خاصة أنّه لم تتوضح بعد أسبابها الحقيقية مرجحًا أن سوء حالة الحافلة وعدم القيام بالصيانة المستمرة هو سبب الحادثة.

وقال، في هذا الجانب، إن الأخبار التي تروج عمومًا عن سوء الحالة الحافلة والأخرى عن قلة خبرة السائق، قد تؤدي إلى فقدان الثقة في جميع سائقي الحافلات وفي بقية أسطول حافلات النقل السياحي، رغم أنّ الحوادث غير متكررة بصفة كبيرة بل هي حالات نادرة وفق تأكيده.

ويشير محدثنا، على صعيد آخر، إلى توقع الإقبال الضعيف في قادم الأيام على الرحلات الداخلية مؤكدًا أن منظمي الرحلات الداخلية أطلقوا حملة "ماناش مَسلمِين" "حتى لا نتحمّل خطأ تصرّف غيرنا خصوصًا أننا نتعامل مع وكالات أسفار منظمة".

بلال عبد المولى (منظم رحلات): أطلق منظمو الرحلات الداخلية حملة "ماناش مَسلمِين" حتى لا نتحمّل خطأ تصرّف غيرنا خصوصًا أننا نتعامل مع وكالات أسفار منظمة

من جهتها، تشير إيمان الزمزمي إلى أن إلغاء أغلب منظمي الرحلات رحلاتهم نهاية الأسبوع الماضي جاء حدادًا على ضحايا فاجعة عمدون، معتبرة أن هذا الحادث قد يكون سببًا في إحكام تنظيم القطاع لأنّه يوجد عدّة دخلاء غير مؤهلين لتنظيم الرحلات ولا يتمتعون بقدر من المسؤولية، وفق تأكيدها. وأضافت، في سياق متصل، أنّ الطريق التي جدّت فيها الحادثة خطير بالفعل مؤكدة أن أغلب سائقي الحافلات السياحية عادة ما يتجنبونه.

وأشارت محدثتنا أنّها على غرار العديد من منظمي الرحلات تشارك في حملة "ماناش مَسلمِين" بهدف "إنقاذ القطاع وإصلاحه وتنظيمه أكثر" وفق تعبيره، مبينة أيضًا أنّ أغلب الفرق المنظمة لن تجد مستقبلًا، في هذه الحالة، مشاكل أو انعدام ثقة في تحمّل مسؤوليتها عبر رحلات مؤمنة ومنظمة.

في عشق الرحلات الجبلية

كريم الرابحي، أحد الشباب المغرم بالرحلات الجبلية الداخلية بمعدل رحلتين في الشهر، زار أغلب مناطق الجمهورية وهو يشارك في هذه الرحلات حتى وإن تكررت الوجهة إلى منطقة سبق وإن زارها. يقول إنه يعشق تفاصيل الأمكنة التي حفظ خصوصية كل واحد منها، ويستمتع كثيرًا بالمشي كيلومترات في طرقات غابية أو جبلية.

يستمتع الشباب بالمشي في الطرقات الجبلية والغابية في الرحلات الداخلية (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

يتحدث لـ"ألترا تونس" عن إحساس يقول إنه لن يفهمه سوى من يعشق الرحلات مضيفًا "ربما تبدو لدى البعض رحلة عادية، أو أنّ زيارة مكان يراه في التلفاز أو الصور أمرًا غير ممتع، ولكن العيش ولو لليوم في مكان ومناخ وأجواء مغايرة عن الروتين اليومي ممتع جدًا بالنسبة لعشاق الرحلات، وعشاق التخييم في الغابات أو في الصحراء خاصة".

يقول محدثنا إن فاجعة عمدون مؤلمة جدًا لكنّها لن تكون سببًا في توقف الرحلات التي يعشقها عديد الشباب وحتى بعض العائلات والأطفال، معبرًا عن أمله أن تصبح الأمور أكثر تنظيمًا وأن تتحمّل كل وكالات الأسفار مسؤوليتها في صيانة أسطول الحافلات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التخييم في تونس.. ترفيه وعمل جماعي وتصالح مع الطبيعة

السياحة الأيكولوجية في تونس.. سياحة بديلة وصديقة للبيئة