الغابات في أغلب الجهات بتونس هي مورد رزق هام لآلاف سكان المناطق الريفية والغابية، وقد تمّ تنظيم عملية استغلال بعض المنتوجات الغابية لحماية الغابات من التصحر.
وتتمثل المنتوجات الغابية المُستغلة في الصنوبر والفلين والزعتر والإكليل الجبلي والخروب والزقوقو، وغيرها من الثروات الغابية التي تسترزق منها النسوة بدرجة أولى في جمع بعض النباتات الغابية وتقطيرها لصنع الزيوت أو جمع نبتة الحلفاء وبيعها.
كما يسترزق الرّجال في الحطب واستغلاله لصنع الفحم أو جمع حبات الزقوقو وبيعه أو الفطر الجبلي وعديد الثروات الأخرى التي توفر مرابيح بسيطة لعديد المواطنين.
يمثل استغلال المنتوجات الغابية مصدر رزق للعائلات المحاذية للغابات (إدارة الغابات)
اقرأ/ي أيضًا: بسبب الإرهاب.. سكان الحدود يهجرون مهنًا جبلية
تمتدّ الغابات في تونس على مساحة تقارب حوالي 4.6 مليون هكتار، أي ما يعادل 34 في المائة من مساحة التراب الوطني. فيما يبلغ عدد سكان الغابات 800 ألف متساكن، أي حوالي 7 في المائة من مجموع السكان. وتقدّر القيمة الاقتصادية للغابات والمراعي بنحو 932 مليون دينار، كما توفر الغابات 14 في المائة من استهلاك الطاقة.
وتشرف الإدارة العامة لحماية الغابات في مختلف الجهات على مراقبة استغلال المنتوجات الغابية التي يخضع مستغلوها إلى تراخيص مسبقة نظرًا لما تمثّله الغابات من ثروات طبيعية واقتصادية.
وقد أعلنت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 أنّ متساكني المناطق الريفية والجبلية باتوا قادرين على استغلال الموارد الغابية دون الحاجة إلى تصاريح استغلال قانونية من الإدارة العامة للغابات، ودون التعرّض إلى ملاحقات قضائية.
تقدّر القيمة الاقتصادية للغابات والمراعي بنحو 932 مليون دينار (إدارة الغابات)
وقد أمضت وزارة الفلاحة اتفاقًا مع مجامع التنمية الفلاحية يتيح لها استغلال هذه المناطق بشكل فوري ومجاني بمناسبة انطلاق مشروع التصرف المندمج في المشاهد الغابية بمناطق الوسط الشرقي والشمال الغربي.
وتتيح هذه الاتفاقية لهذه المجامع الاستغلال الفوري والمجاني للثروات الغابية، وذلك في إطار هذا المشروع الذي تصل تكلفته إلى حوالي 270 مليون دينار. وهو يهدف إلى تحسين التصرّف في المشاهد الطبيعية وإتاحة الفرص الاقتصادية المجتمعات الريفية المستهدفة في مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي.
إحدى المستغلات للنباتات الغابية لصناعة بعض مواد التجميل، فاطمة ريحاني (46 سنة) في ولاية جندوبة تقول لـ"ألترا تونس" إنّها تستعمل عشرات الأنواع من النباتات الجبلية على غرار الإكليل والزعتر والصنوبر والكلتوس لصنع الزيوت ومواد التجميل. وتشغل في المشروع الذي أطلقته منذ خمس سنوات حوالي ستة نسوة.
وأضافت أنها كانت تقدم طلبًا مسبقًا للحصول على تلك النباتات من بعض المناطق الجبلية، مؤكدة أن إلغاء التراخيص من شأنه أن يسهل العمل بتجنب الاجراءات الطويلة للحصول على تراخيص استغلال بعض النباتات التي لم تعد تتطلب تراخيص مسبقة.
فاطمة ريحاني (مستغلة للنباتات الغابية): إلغاء التراخيص من شأنه أن يسهل العمل بتجنب الاجراءات الطويلة لاستغلال بعض النباتات
يطرح، في المقابل، إجراء إلغاء التصاريح المسبقة جملة من التساؤلات حول مصير الثروات الغابية التي تستنزف بشكل يومي، خاصة وأنّ أعوان وحراس الغابات يضبطون في مناسبات كثيرة عدّة أشخاص بصدد سرقة بعض أغصان الأشجار أو قصها بشكل عشوائي، أو أشخاص بصدد جمع بعض النباتات الغابية دون الحصول على تراخيص مسبقة في الغرض، ناهيك عن الحرائق التي اندلعت في السنوات الأخيرة والتي أدّت إلى إتلاف مئات الهكتارات من الغابات.
يقول محمد علي، أحد أعوان حراسة الغابات، لـ"ألترا تونس" أنّ مثل هذا الإجراء يمكن أن يفسرّه أي شخص وفق ما يريده، وهو ما يفتح باب التأويلات لاستغلال الثروات الغابية التي هي في الأصل مهدّدة بسبب الاستغلال العشوائي، والسرقة اليومية التي تتم في العديد من الغابات أهمّها سرقات أغصان الأشجار لاستعمالها في النجارة أو صناعة الفحم أو بعض الاستعمالات الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا: هل سقط هواة الصّيد في تونس ضحيّة التهور والإرهاب؟
ويعتبر أن خروج مسألة استغلال هذه الثروات عن إطارها المنظم يمكن أن يهدّد فعلًا العديد من المنتوجات الغابية أهمّها نبتة الحلفاء التي تمثل مورد رزق هام لآلاف سكان المناطق الجبلية، لكنّها في آن واحد تحتاج إلى المراقبة مخافة تصحر أغلب المناطق التي تنبت فيها مثل هذه النبتة.
كما تحدث عن الاستغلال المفرط لبعض النباتات الأخرى على غرار الإكليل والزعتر اللتان تشهدان، وفق تأكيده، استغلالًا كبيرًا لصنع بعض العطور أو الزيوت وغيرها من الاستعمالات الأخرى، وهو ما يتطلب تنظيم مسألة استغلال تلك الثروات لأن إلغاء التصاريح المسبقة ستهدد الغابات وفق قوله.
محمد علي (عون حراسة للغابات): يوجد نقص كبير في عدد حراس الغابات لحمايتها من الاستغلال العشوائي
على صعيد آخر، أشار محدّثنا عون حراسة الغابات لوجود نقص كبير في عدد حراس الغابات لحمايتها من الاستغلال العشوائي والحرائق لاسيما وأنّ أغلب الحرائق التي اندلعت خلال السنوات الأخيرة كانت بسبب الطهي وإشعال النار في المناطق الجبلية أو إلقاء السجائر، مشيرًا إلى وجود حارس فقط لكلّ 500 هكتار.
يذكر أنّ سمير الطيب وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أكد في أفريل/ نيسان 2017 تسجيل نقص كبير في عدد حراس الغابات لحماية الثروات الغابية. إذ يبلغ عدد الأعوان الذين يحرسون الغابات والسباسب وغيرها من المنظومات الطبيعية 7455 عونًا من بينهم 5150 حارس غابات، و123 حارسًا لسباسب الحلفاء، و212 حارس صيد و256 حارس برج مراقبة وفق وزارة الصحة.
وقد أكد الوزير ضرورة توفير حارس لكل 200 هكتار من الغابات، وحارس لكل 200 هكتار من سباسب الحلفاء، و4 حرّاس لكلّ دائرة فرعية وأيضًا لكلّ مركز حماية الغابات من الحرائق مع تخصيص 30 عون إطفاء بكل فرقة إطفاء، ووجود حارس لكلّ منطقة مرعى و6 حراس وأعوان مخابرة لكل برج مراقبة، وحارسين لكلّ مركز غابي.
وعبّر الوزير حينها عن استيائه البالغ من تكرر الاعتداءات على حراس الغابات بسبب مراقبتهم للاستغلال العشوائي للثروات الغابية عبر منع قطع الأشجار أو التصدي لعمليات الصيد العشوائي.
الاستغلال العشوائي يهدد الثروة الغابية في تونس (إدارة الغابات)
اقرأ/ي أيضًا:
صناعة الأواني الخشبية: عادة قديمة وتجارة تزدهر في المواسم الكبرى