لا يزال وقع "فاجعة عمدون"، التي أودت حتى الآن بحياة 28 شابًا وشابة في عمر الزهور وعدد من الجرحى بعضهم في حالة خطرة، كبيرًا في نفوس التونسيين لحجم وهول كارثة تحوّلت خلالها رحلة ترفيهية إلى مأساة حقيقية. وتمثّلت صورة الحادثة في انقلاب حافلة كانت تقل 43 شخصًا وسقوطها في مجرى واد عين السنوسي بعد تجاوزها حاجزًا حديديًا بين عمدون (ولاية باجة) وعين دراهم (ولاية جندوبة).
وخلّفت هذه الحادثة حالة من الحزن والصدمة بين التونسيين في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع مع موجة غضب تنديدًا بسوء البنى التحتية في البلاد وما اُعتبر استهتارًا من الدولة بالأرواح البشرية. إذ بينما حمل عدد من النشطاء المسؤولية لوكالة الأسفار وحالة الحافلة، تحدّث الأغلبية عن سوء البنية التحتية وعن المنعرجات الخطيرة في الطرقات التونسية الذي تشهد سنويًا حوادث عديدة، وذكروا أمثلة عن حوادث عاينوها في هذه المنعرجات تتطلب تدخلات عاجلة لوقف نزيف الحوادث الخطرة.
خلّفت "فاجعة عمدون" حالة من الحزن في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع مع موجة غضب تنديدًا بسوء البنى التحتية في البلاد
اقرأ/ي أيضًا: "رحلات الموت" في تونس.. التونسيون يبحثون عن سكة النجاة
ودوّن رئيس الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، في هذا الجانب على صفحته على فيسبوك، قائلًا: "منذ حوالي سنة كنت شاهد عيان على انزلاق حافلة على طريق باجة عمدون في ذات المنعرج الخطير الذي أودى اليوم بحياة ضحايانا وهم في ريعان الشباب. قضاء وقدر ولا مرد لإرادة الله لكن بين هذا الحادث وذاك ما الذي وقع اتخاذه من حيطة لتلافي مخاطر هذا المنعرج؟".
وأكد متساكنو منطقة "عين السنوسي" حصول حوادث في نفس منعرج "فاجعة عمدون" على غرار حادث انقلاب حافلة سياحية بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2017 دون تسجيل وفيات. وقد حمّل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال تحوّله إلى مكان حادث انقلاب الحافلة، المسؤولية لكلّ من سيثبت تسببه في بقاء الطريق الرابطة بين معتمديتي عمدون وعين دراهم على ذلك الوضع من الرداءة، معتبرًا أن استخدام مثل الحافلة التي انقلبت جرمًا يرتكب في حق المسافرين.
عبد الرحمن النفزي، أحد سكان منطقة قريبة من عمدون، تحدث لـ"ألترا تونس" أنّه يعمل في نقل البضائع خاصة في ولايات الشمال وكثيرًا ما يمرّ من ذات الطريق أسبوعيًا، مؤكدًا أنّ المنعرج هو خطير بالفعل وشهد عشرات حوادث الطرقات. وقال إن السائق في المنعرج إن لم تسقط سيارته في الجرف، فهو قد يصطدم بالعازل الحديدي ويتكبد خسائر مادية.
عبد الرحمن النفزي (من سكان عمدون): السائق في ذاك المنعرج إن لم تسقط سيارته في الجرف فهو قد يصطدم بالعازل الحديدي ويتكبد خسائر مادية
وأكد محدثنا إن المنعرج يتطلب كثيرًا من الحذر، مبينًا أنه شهد عدة حوادث مرور ووفاة سواق شاحنات جراء انقلاب مركباتهم. وكان قد ندد متساكنو المنطقة ومستعملو الطريق بين ولايتي باجة وجندوبة سابقًا بسوء الطريق دون أي تفاعل من الجهات المحلية والوطنية.
لكن هل يعتبر هذا المنعرج الخطير هو الوحيد في تونس أم توجد "منعرجات الموت" أخرى في طرقات تونس تسبب حوادث المرور وتحصد أرواح المسافرين؟ وهل توجد دراسات عن سبب تكرر حوادث المرور سنويًا في نقاط بعينها باتت أقرب إلى نقاط سوداء؟
اقرأ/ي أيضًا: حوادث المرور عام 2019: ماذا تعرف عن أرقام الرعب في تونس؟
ففي الطريق السريعة صفاقس-تونس وبالتحديد قبل نقطة الاستخلاص بساقية الزيت، يتحدث مستعملو الطريق عن "منعرج موت" شهد عديد الحوادث منها القاتلة دون أدنى تدخّل من السلط والجهات المعنيّة لتحسينه وحماية مستعملي الطريق السريعة من كوارثه. وهو منعرج حاد جدًا تسبب في انقلاب عديد الشاحنات الخصوص بسبب فقدان السيطرة خلال الولوج من هذا المنعرج. وقد نفذ مستعملو الطريق وسكان المنطقة وقفات احتجاجية، في وقت سابق، لمطالبة السلطات المعنية بالتدخل السريع لتفادي تكرر الحوادث في هذا المنعرج، ولكن دون جدوى.
يوجد في القصرين، أيضًا، منعرج خطير في فوسانة شهد تكرر حوادث مرور، بمعدّل حادث كل شهر تقريبًا، أودت بحياة أشخاص وسببت إصابات بليغة للجرحى. وهو منعرج تغيب فيه الحواجز، والعلامات والإشارات مرورية وحتى مخفضات السرعة.
في الطريق السريعة صفاقس-تونس وبالتحديد قبل نقطة الاستخلاص بساقية الزيت، يتحدث مستعملو الطريق عن "منعرج موت" شهد عديد الحوادث منها القاتلة دون أدنى تدخّل من السلط
نور عمري، أحد سكان المنطقة، فقد شقيقه في حادث مرور بهذه المنطقة، يؤكد لنا أن المنعرج خطير جدًا تغيب فيه أي إشارات مرورية، وشهد تكرر حوادث المرور بصفة مستمرة ما تسبب في سقوط ضحايا، عدا عن خسائر مادية كبيرة تحديدًا لأصحاب عربات النقل الفلاحي أو نقل البضائع أو مستعملي الطريق لأول مرّة.
وكان قد قدّم المرصد الوطني للسلامة المرورية أرقامًا تفيد بوجود 43 نقطة سوداء في طرقات تونس، وهو يقدم إحصائيات دورية حول أسباب حوادث الطرقات أهمها شق الطريق، والسهو وعدم الانتباه، والسرعة، وعدم احترام الأولوية وغيرها من الأسباب التي تحيل دائمًا إلى وجود خطأ بشري دون أي إشارة لوقوع الحادث بسبب سوء الطريق أو وجود منعرج خطير أو سوء مخطط الطرقات.
اقرأ/ي أيضًا: