29-يوليو-2023
نوادي الغناء النسائية في تونس

تختار بعض التونسيات الانخراط في نوادي غناء لتحسين مزاجهن (صورة نادي" هي" للغناء)

 

سعيًا للتخفيف من ضغوط الحياة اليومية سواء في العمل أو في المنزل، تختار بعض التونسيات الانخراط في نوادي غناء لتحسين مزاجهن والتقليل من حدة التوتر الذي يصيبهن بسبب كثرة الأعباء الملقاة على عاتقهن ولئن تفضل بعض النساء القيام بأنشطة رياضية للتخلص من القلق والاكتئاب، فإن أخريات يرين أن الموسيقى هي العلاج الأمثل لجميع المشاكل المتعلقة بالحالة النفسية وحتى الصحية.

سعيًا للتخفيف من ضغوط الحياة اليومية سواء في العمل أو في المنزل، تختار بعض التونسيات الانخراط في نوادي غناء لتحسين مزاجهن

وقد تضاعف الطلب على المشاركة في نوادي الغناء النسوية مؤخرًا بعد أن لاقت التجربة استحسان العديد من المنخرطات اللاتي شاركن قصصهن مع القريبات والصديقات وأثبتن من خلال تجاربهن أن ارتياد نوادي الموسيقى والإنشاد "حل سحري" للتحكم في تبعات الإجهاد البدني والنفسي الذي ينجر عن تعدد المسؤوليات التي تتحملها المرأة العصرية في الوسط العائلي وفي الشغل والتي لا تترك لها متسعًا من الوقت لممارسة الأنشطة التي تسليها وترفه عنها فتتراكم بذلك الضغوط حتى تتحول إلى توتر مزمن.

 

 

وتتيح نوادي الغناء النسوية الفرصة للمنخرطات لاعتلاء المسارح وإحياء سهرات بحضور عدد مهم من الجمهور الذي يتوق لمواكبة حفلات موسيقية يتخللها مزيج من الأغاني التونسية والشرقية وغيرها كما تعتبر فرصة مهمة لرائدات نوادي الغناء اللاتي يعايشن تجربة فريدة تحاكي تجارب نجمات الفن والموسيقى وهو ما من شأنه أن يحفزهن على الاستمرار في خوض غمار تجربة الغناء.

تبيّن العديد من الدراسات أن الموسيقى أصبحت علاجًا معترفًا به للعديد من الإشكاليات التي يمكن أن تصيب الجسد أو النفسية كالآلام المزمنة والإفراط في التفكير والقلق والتوتر وأثبتت نجاعتها في ذلك

وتبيّن العديد من الدراسات أن الموسيقى أصبحت علاجًا معترفًا به للعديد من الإشكاليات التي يمكن أن تصيب الجسد أو النفسية كالآلام المزمنة والإفراط في التفكير والقلق والتوتر وأثبتت نجاعتها في ذلك وتتعدد المناهج العلاجية بالموسيقى كالإنشاد والعزف والرقص والاستماع للموسيقى وحتى كتابة الأغاني.

 

نوادي الغناء النسائية في تونس

نادي الغناء "هي" 

 

  • نادي الغناء "هي" يحلق بعضواته للعالمية..

رحمة بن عفانة، صاحبة نادي الغناء "هي" أنشأته منذ حوالي خمس سنوات بعد أن قضت 12 سنة في العمل كمديرة بمؤسسة خاصة في مجالها تكنولوجيا الاتصال، لم تتمكن رحمة من مواصلة العمل بعد أن استبد بها الشعور بالقلق وبالروتين فخيّرت الارتماء في أحضان الموسيقى التي نشأت عليها منذ نعومة أظافرها ووجدت فيها متعة وراحة نفسية تفتقدها في أي مجال آخر.

رحمة بن عفانة، صاحبة نادي الغناء "هي": منذ تأسيس النادي سنة 2016، انضم العديد من النسوة اللاتي تشاركن معي ذات الهواية، نلتقي مرة في الأسبوع للإنشاد والاستمتاع بالموسيقى واكتسبنا قاعدة جماهيرية كبيرة

تقول بن عفانة في حديثها لـ"ألترا تونس" إنه منذ تأسيسها للنادي سنة 2016 انضم إليها العديد من النسوة اللاتي يشاركنها الهواية نفسها من بينهن ربات بيوت وأخريات يعملن في العديد من المجالات كالمحاماة والطب وغيرها فيلتقين مرة في الأسبوع للإنشاد والاستمتاع بالموسيقى ثم اكتسبن قاعدة جماهيرية كبيرة ومتابعين من العديد من الدول الأخرى، الأمر الذي مكنهن من تقديم عروض كبيرة في المسارح يشارك فيها حوالي 140 امرأة علمًا وأن عدد المنخرطات في النادي حاليًا يقدر بـ 250 عضوة من مختلف الشرائح والأعمار. 

وتضيف المتحدثة أن "عدد متابعي النادي من جميع مناطق البلاد في تزايد مستمر وبلغ أرقامًا محترمة جدًا على منصات التواصل الاجتماعي وهو ما شجع النادي على الاقتراب من جمهوره وإحياء عروض في جميع محافظات البلاد تقريبًا وكذلك خارج تونس في فرنسا وبروكسيل وأمستردام وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا في انتظار تقديم عروض في بلدان أخرى.

وأوضحت رحمة بن عفانة أن الانخراط في النادي متاح لجميع النساء وليس حكرًا على المحترفات أو الموهوبات فقط لكن في تقديم العروض يتم الاعتماد على الصوت والآداء والحضور في انتقاء المشاركات في العروض كما يتم القيام بعديد البروفات والتدريبات قبل اعتلاء المسرح ومن ثم تم اختيار عضوات وتكوين فرقة للسهرات الخاصة والأعراس.

رحمة بن عفانة، صاحبة نادي الغناء "هي": الانخراط في النادي متاح لجميع النساء وليس حكرًا على المحترفات أو الموهوبات فقط لكن في تقديم العروض يتم الاعتماد على الصوت والآداء والحضور

وعددت المايسترو رحمة بن عفانة مزايا الانخراط في نوادي الموسيقى، مبيّنة أن "حياة العديد من النساء تتغيّر حتى اللواتي تعانين من أزمات نفسية تستوجب متابعة لدى أخصائيين نفسيين وقد تمكنوا من  التخلي عن الأدوية لأن الفن علاج نفسي ناجح وأثبت قدرته على المساعدة في مقاومة التوتر"، وفقها، مضيفة أن "بعض السيدات استبد بهن إحساس الشغور بعد التقاعد فتمكن من خلال الانخراط في النادي من العيش في جو عائلي احتفالي وتكوين علاقات وصداقات جديدة".   

وختمت بن عفانة حديثها لـ"الترا تونس" بأن طموحها كان في السابق هو الانتشار العالمي للنادي وتحقق ذلك حتى أنها تتلقى العديد من العروض لافتتاح نفس النادي في مصر وفرنسا للجالية التونسية والمغاربية، مبيّنة أن هدفها المستقبلي هو الإنتاجات الخاصة بالنادي. 

 

 

  • فرح ومتعة وموجات إيجابية

تتعدد وتتنوع الأسباب الكامنة وراء انخراط النساء في نوادي غناء فمنهن عضوات موهوبات في الغناء ويطمحن لصقل مواهبهن وأخريات يرغبن في إضافة نشاط جديد على حياتهن هربًا من الرتابة كما تنخرط البعض منهن  لاكتشاف متعة الغناء والإنشاد وسط مجموعة نسوية.

إيمان المحيرصي عضوة بنادي "هي" لـ"الترا تونس": "في بداية انخراطي بالنادي لم يستوعب زوجي الفكرة لكن عندما عاين الأثر الإيجابي الذي يتركه الإنشاد في نفسي والذي ينعكس على أطفالي وعائلتي اقتنع"

وتؤكد إيمان المحيرصي عضوة بنادي "هي" لـ"الترا تونس" أنها انخرطت في النادي منذ خمس سنوات بحثًا عن الموجات الإيجابية والفرح والمتعة، مبينة أنها تحب الموسيقى منذ الصغر فكانت تدندن في المنزل وفي الحفلات وأوقات الدراسة والعمل لما لذلك من تأثير إيجابي على نفسيتها ومزاجها، مضيفة أنها أعجبت بفكرة النادي منذ نشأته وقررت الانخراط فيه للتخفيف من التوتر الناتج عن رعاية الأطفال والعمل وضغوطات الحياة.

وتبيّن المحيرصي أنها تواظب على حصص الإنشاد والرياضة واليوغا بالتزامن مع قيامها بواجباتها المهنية والعائلية وأنها توفق في ذلك بفضل حسن إدارتها لوقتها، مشيرة إلى أن الحصص في نادي الغناء تطرد الطاقة السلبية وتعطيها شحنة تمكنها من تقديم أفضل ما لديها في العمل وكذلك في المنزل طيلة الأسبوع.

كما تضيف "في بداية انخراطي بالنادي لم يستوعب زوجي الفكرة لكن عندما عاين الأثر الإيجابي الذي يتركه الإنشاد في نفسي والذي ينعكس على أطفالي وعائلتي اقتنع بالفكرة وأصبح يدعمني.. عندما أغني أتخلص من كل الشحنات السلبية حتى في علم النفس ينصح الطبيب بالغناء والرياضة لإضفاء سعادة على الروح وفي نادي "هي" تزرع رحمة من خلال ابتسامتها السعادة في كل منا وتمدنا بالطاقة الإيجابية". 

إيمان المحيرصي عضوة بنادي "هي" لـ"الترا تونس": الحصص في نادي الغناء تطرد الطاقة السلبية وتعطيني شحنة تمكنني من تقديم أفضل ما لدي في العمل وكذلك في المنزل طيلة الأسبوع

وتحدثت إيمان عن سعادتها بتجربتها في الإنشاد بالمسرح البلدي أمام جمهور متابع ومنبهر بآداء عضوات النادي، داعية النساء إلى الانخراط في مثل هذه النوادي لتتخلص من التوتر والقلق الذي يمكن أن يؤثر سلبًا على نفسية الإنسان.

 

نادي الغناء هي

إقبال على نوادي الغناء سعيًا للتخفيف من ضغوط الحياة اليومية

 

  • "العالم دون موسيقى هو صمت قاتل"

تقول عبير نادري وهي سوبرانو في كورال الأركسترا السمفوني بقرطاج أن حبها للموسيقى بدأ منذ طفولتها الأولى وكانت لديها حساسية كبيرة للحن عند سماعه في التلفاز والإذاعة حتى دون فهم معاني الكلمات التي تغنى، كما أنها كانت متأثرة بالذوق العائلي الذي يستيقظ على أغاني فيروز الصباح ومرسيل خليفة وعند سن الرابعة عشر انخرطت في معهد الموسيقى العربية فتشبعت بالموسيقى في معناها الأكاديمي وتعرفت على الموسيقى في مقاماتها العربية والتونسية والشرقية.

عبير نادري، سوبرانو في كورال الأركسترا السمفوني بقرطاج: "العالم دون موسيقى هو صمت قاتل ولا أتخيّل الدنيا دون موسيقى رغم اختلاف الأذواق لأن تأثيرها على نفسية الإنسان كبيرة خاصة في عصرنا الحالي"

وتبيّن النادري، في حديثها لـ"ألترا تونس" أن الموسيقى وصوتها هما جزء من هويتها وأنها لا تتخيل نفسها دون البعد الموسيقي فانخرطت منذ 3 سنوات كسوبرانو في كورال الأركسترا السيمفوني بقرطاج وكانت نقلة أخرى في تجربتها الموسيقية من البعد الأحادي إلى البعد الجماعي والعمل عل مشاريع جدية.

وترى المتحدثة أن "العالم دون موسيقى هو صمت قاتل وأنها لا تتخيّل الدنيا دون موسيقى رغم اختلاف الأذواق لأن تأثيرها على نفسية الإنسان كبيرة خاصة في عصرنا الحالي الذي يشهد تيار انحدار كبير ودرجة رداءة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي فالموسيقى هي بمثابة نوع من الأكسجين الذي ينتشل الشخص من النسق السريع للعالم"، وفق تقديرها.

واعتبرت النادري أن الموسيقى في الوقت الحالي تمكن من إضاءة مناطق في داخل الشخص يكاد ينساها وتمكنه من الغوص في تجربة داخلية مع روحه في عالم جميل يريح النفسية، مشيرة إلى أن نفسية المرأة في حاجة للانغماس في أنواع الفنون كالموسيقى على اعتبارها نوع من أنواع الروحانيات التي تفصل روحها عن العالم السريع و المتعب الذي تعيشه.

وتقول عبير خلال حديثها لـ"الترا تونس" "المرأة العاملة تشكو العديد من الضغوطات وهي في حاجة لأي نشاط يساعدها على الخروج من نسق حياتها السريع الذي لا يتوقف حتى وإن لم تمتلك موهبة في الغناء ولا معرفة بالموسيقى فالتجمع مع أشخاص في إطار جو مرح وفيه تبادل مهم جدًا وهو ما نجده في نوادي الغناء التي تجمع نساء يتقاسمن معاناتهن اليومية ويتمكن من التنفيس على حالتهن النفسية ويتقاسمن الطاقة الإيجابية".

عبير نادري، سوبرانو في كورال الأركسترا السمفوني بقرطاج: الموسيقى علاج نفسي وطبي "لأن اللحن عندما يسمع يؤثر على مناطق عصبية في الدماغ في مناطق معينة فيفرز هرمونات تجعل الإنسان في حالة مزاجية تتماهى مع ما يسمعه وتخفف الإحساس بالوحدة"

وتشدد المتحدثة على إيمانها بالموسيقى كعلاج نفسي وطبي "لأن اللحن عندما يسمع يؤثر على مناطق عصبية في الدماغ في مناطق معينة فيفرز هرمونات تجعل الإنسان في حالة مزاجية تتماهى مع ما يسمعه وتخفف الإحساس بالوحدة".

جدير بالذكر أن المجتمع التونسي يشهد العديد من التغيرات على المستوى اليومي خاصة في ظل ارتفاع موجة التوتر الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وهو ما حفز شريحة كبيرة على المشاركة في أنشطة تساعد على التقليص من حدة الاكتئاب والتوتر على غرار نوادي الغناء التي انتشرت في أغلب محافظات البلاد.