15-ديسمبر-2019

تشهد المالية العمومية في تونس صعوبات حادة (مارتين بورو/أ.ف.ب)

 

صادق مجلس نواب الشعب بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2019، على قانون المالية لسنة 2020 برمته بأغلبية 127 صوتًا مقابل رفض 50 نائبًا واحتفاظ 4 آخرين، في مصادقة لم تسبقها مناقشة معمّقة في فصول المشروع بسبب ضغط الآجال الدستورية.

ولقي القانون انتقادات عديدة أهمها التضخم في حجم الميزانية من 43 مليار دينار في قانون المالية التكميلي لسنة 2019 إلى 47.2 مليار دينار سنة 2020، وترحيل عدد من الإشكاليات المالية كان من الممكن حلها عام 2019 إلى عام 2020، وعدم تضمنه لإصلاحات جبائية، عدا أن الميزانية المخصصة لم تترك للائتلاف الحاكم المرتقب هامش تحرك معتبر لتنفيذ برامجه الاقتصادية والإيفاء بوعوده الانتخابية.

اقرأ/ي أيضًا: قانون المالية التكميلي 2019.. تسوية للحسابات أم ترحيل للأزمات؟

أرقام ميزانية 2020

يشهد الاقتصاد التونسي أزمة حادة منذ 2011 تتعلق بانخرام المالية العمومية التي بلغت سنة 2019 نسبة 3.9 في المائة، وقد صاغت الحكومة مشروع قانون المالية لسنة 2020 بناء على الموارد المتوفرة للدولة التي ارتفعت بأكثر من 10 في المائة في سنة 2019. ولم يأت القانون بضرائب جديدة لكنه اتجه أكثر إلى خلق التوازن من خلال التركيز على هدف سد عجز الميزانية رغم المواصلة في سياسة التداين.

وزير المالية رضا شلغوم لـ"ألترا تونس": الوزارة تركت حوالي 766 مليون دينار بعنوان مبالغ غير موزعة يمكن للحكومة القادمة توزيعها

وتبلغ ميزانية 2020 حوالي 47222 مليون دينار توزع كالآتي: 27763 مليون دينار بعنوان نفقات تصرف، 6900 مليون دينار نفقات تنمية، 11678 مليون دينار بعنوان ديون، وأخيرًا 766 مليون دينار بعنوان نفقات غير موزعة.

بسؤال "ألترا تونس" لوزير المالية رضا شلغوم حول مدى توفر هامش تحرك في قانون المالية 2020 لتنفيذ برامج جديدة أو إصلاحات، أجاب أن الوزارة تركت حوالي 766 مليون دينار بعنوان مبالغ غير موزعة يمكن للحكومة القادمة توزيعها إضافة إلى ميزانية التنمية التي ارتفعت من 6200 إلى 6900 مليون دينار بين 2019 و2020.

 

توزيع ميزانية 2020

 

قانون مالية دون إصلاحات جوهرية

طالب رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بتمديد المهلة المخصصة لتشكيل حكومة شهرًا إضافيًا بعد سلسلة مشاوراته مع الأحزاب والمنظمات الوطنية التي يبدو أنها لم تفض إلى تشكيل تحالف برلماني أغلبي، فيما يظل المحور الاقتصادي محورًا أساسيًا في تشكيل برنامج أي ائتلاف حكومي منتظر.

رئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفي تحدث، في تصريح إعلامي سابق، عن صعوبة الوضع الاقتصادي مشيرًا إلى أن أهم ملاحظة في قانون المالية لسنة 2020 أنه يحتوي على ميزانية ضخمة، وتساءل عن مصادر توفير الدولة حوالي 10000 مليون دينار لتمويل هذه الميزانية.

هشام العجبوني (التيار الديمقراطي): ميزانية 2020 صعبة ويجب اعتماد رؤية إستراتيجية لإخراج الاقتصاد التونسي من مرحلة الخطر

اقرأ/ي أيضًا: بعد توقعات البنك الدولي وصندوق النقد.. الاقتصاد التونسي خطوة إلى الوراء؟

"هي معطيات تجعل الرؤية غير واضحة"، هكذا وصف نائب رئيس اللجنة المالية المؤقتة والنائب عن التيار الديمقراطي هشام العجبوني المعطيات الواردة في قانون المالية مؤكدًا أن "الفترة المقبلة تقتضي منوال تنموي يستلزم رؤية إستراتيجية لازالت غائبة للأسف الشديد في الوقت الحاضر" وفق تعبيره.

وقال، في حديثه لـ"ألترا تونس" إن سؤالًا محوريًا وجبت الإجابة عليه بالنظر إلى استحقاقات الفترة القادمة وهو "كيف يمكن لهذا الاقتصاد أن يخلق الثروة؟" مضيفًا "اقتصادنا يوزع الفقر، والاقتصاديات القديمة والحلول الاقتصادية القديمة مضى عليها الزمن. ميزانية 2020 صعبة ويجب اعتماد رؤية إستراتيجية لإخراج الاقتصاد التونسي من مرحلة الخطر".

من جهتها، أكدت النائب عن حركة النهضة يمينة الزغلامي أن قانون المالية لسنة 2020 "لا يتضمّن أي إجراءات جديدة أو مجحفة جدًا بل عدّة نقاط مهمة يجب على الحكومة القادمة أن تلتزم بتطبيقها رغم المصاعب في تحصيل الموارد".

يمينة الزغلامي (حركة النهضة):  الحكومة المقبلة ستتحرك حسب مقدرات الدولة وتحديدًا من خلال ميزانية التنمية للقيام بالعديد من الإصلاحات

كما أكدت، في تصريح لـ"ألترا تونس" أن الحكومة المقبلة ستتحرك حسب مقدرات الدولة وتحديدًا من خلال ميزانية التنمية للقيام بالعديد من الإصلاحات. وقالت إن الانطلاق في تطبيق بعض القوانين سيحمل فوائد كبيرة وفق تعبيرها، مشيرة بالخصوص لما وصفتها بالنتائج الجيدة لتطبيق قانون تحفيز الاستثمار في إطار تدعيم وتشجيع الاستثمار الخاص في البلاد.

لكن النائب عن حركة الشعب هيكل المكي اعتبر أن كل المعطيات التي انبنى عليها قانون المالية لسنة 2020 هي "معطيات مغلوطة" معتبرًا، في حديثه معنا، أن قانون المالية "قدم ميزانية صعبة بمعطيات غير دقيقة ما قد يؤكد أنه لم يُبنى على استشراف حقيقي للمستقبل".

يضيف قائلًا: "يقولون إن ميزانية الدولة تثقلها الأجور، لكن لماذا لا تحارب الدولة المحتكرين والفساد وتتحكم في الأسعار قبل الحديث عن الأجور؟".

ميزانية 2020 بعيون الخبراء

تعتبر الديون العمومية من أكبر المعضلات التي تجابه الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وستبلغ قيمة هذه الديون حسب قانون المالية لسنة 2020 حوالي 94086 مليون دينار منها 70532 مليون دينار بنسبة 75 في المائة ديون خارجية والبقية أي نسبة 25 في المائة ديون داخلية. وأثر ارتفاع كل من نسبة الدين وخدمة الدين بشكل مباشر على ميزانية التنمية وهو ما يقلص من هامش تحرك أي حكومة.

 

حجم الدين العمومي

 

وزير المالية الأسبق والخبير في المالية حكيم بن حمودة أكد لـ"ألترا تونس" أن هامش تحرك الحكومة "ضعيف جدًا" وهو ما يضع الاقتصاد التونسي في وضعية صعبة للغاية حسب تعبيره.

وقال إنه على الحكومة المقبلة الإسراع بإنجاز قانون مالية تكميلي لإنقاذ السنة المالية 2020 "لأن قانون المالية الأصلي يعطي التوجهات العامة في حين أن القانون التكميلي يحاول إصلاح بعض النقائص ويمكّن من تغيير بعض التوجهات" موضحًا "كل هذا يتطلب تشكيل تحالفات ثم تشكيل حكومة ثم تعيين وزير مالية وأعتقد أن الوضع الحالي يتطلب الإسراع في هذه المراحل".

حكيم بن حمودة (وزير المالية الأسبق): على الحكومة المقبلة الإسراع بإنجاز قانون مالية تكميلي لإنقاذ السنة المالية 2020 

في ذات الإطار، اعتبرت رئيسة منظمة الأعراف السابقة وداد بوشماوي، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن من ينقص تونس هي "الإرادة السياسية فقط" مؤكدة على صعوبة الوضع الاقتصادي في البلاد.

من جهته، تحدث عضو مبادرة "اقتصاديون من أجل تونس"، وهي مبادرة أطلقها اقتصاديون في الصيف الماضي للخروج من الأزمة الاقتصادية، الجامعي الحبيب زيتونة أن المبادرة المذكورة تضمنت إستراتيجية ارتكزت على تقليص العجز في المالية العمومية ثم المرور للإصلاحات الهيكلية.

وأضاف في تصريح لـ"ألترا تونس" أن المبادرة لا ترتكز على خيار واحد بل هي عبارة عن خريطة طريق تتضمن مجموعة من الخيارات تصب في مجملها في هدف إنقاذ الاقتصاد التونسي و المرور إلى خلق الثروة وفق تعبيره.

بالنهاية، رصدت حكومة تصريف الأعمال حوالي 6900 مليون دينار بعنوان نفقات تنمية وهي بدورها تحتوي على تمويل مشاريع في طور الإنجاز سيتواصل إنجازها سنة 2020 وما بعدها. في المقابل، أطلقت الأحزاب الفائزة في الانتخابات وعودًا انتخابية في انتظار تكوين حكومة بتحالف عدة أحزاب بالنظر إلى المشهد البرلماني المشتت، وهو ما يحملنا إلى السؤال: هل يمكن لهذه الأحزاب تنفيذ وعودها بميزانية في حدود 7000 مليون دينار كميزانية للتنمية مقابل حوالي ضعف المبلغ بعنوان ديون عمومية وجب خلاصها؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤسسة والدور الجديد للدولة.. أشواك في مسار الإصلاح

تعثّر موسم بذر الحبوب.. أسواق سوداء للأسمدة الكيميائية والبذور الممتازة