08-نوفمبر-2018

مخاطر عديدة لارتفاع التداين الخارجي منها ارتهان السيادة الوطنية (مارتين بورو/أ.ف.ب)

يؤدي ارتفاع نفقات الدولة على حساب مواردها إلى اختلال في الميزانية، ولذلك تسعى بعض الدول إلى التخفيض من نفقاتها باعتماد سياسات تقشفية أو شبه تقشفية من أجل تعديل هذا الاختلال، فيما تسعى دول أخرى إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية للترفيع في نسبة النمو لتداركه، لكن الحل الأسهل من بين كل الحلول هو اللجوء إلى التداين الخارجي.

لتونس تجربة سيئة مع التداين الخارجي الذي أسهم بشكل مباشر في تركيز "الكومسيون المالي" في أواخر القرن التاسع عشر التي كانت مدخلًا لفرض ما يسمى بنظام الحماية

ولتونس تجربة سيئة مع التداين الخارجي الذي أسهم بشكل مباشر في تركيز "الكومسيون المالي" في أواخر القرن التاسع عشر التي كانت مدخلًا لفرض ما يسمى بنظام الحماية من الدولة الفرنسية على تونس. وقد عاد الحديث بقوة عن ملف التداين الخارجي في السنوات الأخيرة اليوم بالنظر إلى حجم القروض الخارجية بالخصوص بين سنتي 2010 و2018 التي بلغت ما يقارب 58 مليار دينار، وهي قروض تهدف بالأساس لسد عجز الميزانية.

ولعلّ مدى تعمّق أزمة الديون الخارجية يعكسها أن خدمة الدين السنوية باتت تعادل اليوم ميزانيات 7 وزارات فيما وصلت نسبة الديون الجملية إلى 71.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة المؤسسات العمومية في تونس: التفويت أم الإصلاح؟

ارتفاع قياسي لحجم الديون

شهدت المالية العمومية في تونس تطورات متتالية في السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت ميزانية الدولة من 18.3 مليار دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 40.8 مليار دينار سنة 2018. توازى ارتفاع الميزانية بارتفاع مستوى الإنفاق، وهو ما تسبب في ارتفاع عجز الميزانية من 650 مليون دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 5200 مليون دينار سنة 2018 مقابل توقعات في قانون المالية لسنة 2019 ببلوغ عجز بـ 4500 مليون دينار.

أخذ منحى عجز الميزانية منحى تصاعديًا، بتسجيل نسبة 6.9 في المائة من قيمة الميزانية سنة 2013 قبل أن يتراجع إلى 5 في المائة سنة 2014 ليرتفع مرة أخرى بـ6.1 في المائة سنة 2016، ويعود للانخفاض إلى مستوى 4.9 في المائة سنة 2018.

وعمومًا أدى ارتفاع عجز الميزانية إلى زيادة الحاجة إلى التمويل (Le besoin de financement) والذي يحتوي إضافة إلى القدرة على تمويل العجز، القدرة على سداد الدين وتوفير خدمة الدين. إذ ارتفعت الحاجة إلى التمويل من 1.8 مليار دينار سنة 2009 إلى ما يقارب 10 مليار دينار سنة 2018، وهو ما يعني أن الدولة مجبرة على اقتراض 10 مليار دينار بعنوان سنة 2019 لتمويل "الحاجة للاقتراض".

فتحي الشامخي:  لا نرى مجهودات لتطوير الاستخلاص الجبائي والخروج من الدائرة البيروقراطية التي تعيشها الإدارات التونسية

يقول النائب والخبير في الديون فتحي الشامخي لـ"الترا تونس" إن الخصم من المورد والاقتراض يمثلان ما يقارب 40 في المائة من موارد الدولة و"لكن في المقابل لا نرى مجهودات لتطوير الاستخلاص الجبائي والخروج من الدائرة البيروقراطية التي تعيشها الإدارات التونسية".

وقد زادت الديون العمومية التونسية، في هذا الجانب، وهي الديون المكونة من ديون عمومية داخلية وديون عمومية خارجية من 25 مليار دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 76 مليار سنة 2018 ومن المتوقع أن تصل إلى 83 مليار دينار سنة 2019.

المصدر: وزارة المالية والبنك المركزي

يرى فتحي الشامخي أن الديون العمومية المعلن عنها هي عبارة عن ديون متوسطة وطويلة المدى، لكن يقول إن هناك ديونًا أخطر بتعبيره لا يتم الإعلان عنها في الغالب وهي الديون قصيرة المدى. يؤكد في حديثه معنا أن هذه الديون وصلت مؤخرًا إلى ما يقارب 19 مليار دينار، ويعلق بالقول: "هذا رقم كبير جدًا، ثم وبالإضافة إلى الديون قصيرة المدى توجد مشكلة أخرى وهي أن تونس مجبرة على خلاص أكثر من 8 مليار دينار بعنوان الدين وخدمة الدين وهو ما يمثل نصف ميزانية 2010"، مشدّدًا أن حجم الديون بات ضخمًا مما يستوجب مراجعته.

اقرأ/ي أيضًا: كم تكلّف امتيازات ومنح موظفي المؤسسات العمومية ميزانية الدولة؟

لماذا ارتفعت الديون بهذا الحجم؟

يعتبر مجددًا الخبير في الديون فتحي الشامخي أن السبب الأول في تعمق أزمة الديون يعود إلى اعتماد الحكومات المتعاقبة على نفس السياسة وهي سهولة المرور إلى التداين، ويقول: "هناك من يؤكد إلى اليوم أن ارتفاع الديون طبيعي بحكم الأزمة التي تعيشها تونس، لكن أن تتطور الديون من 25 مليار دينار إلى 80 مليار دينار مع استمرار تعمق الأزمة الاقتصادية وتواضع نسبة النمو وغرق الدينار التونسي، يعني أننا لم نستفد من الديون التي ذهبت في غير مكانها الحقيقي وهو الاستثمار والتنمية".

فتحي الشامخي: تونس باتت مجبرة على خلاص أكثر من 8 مليار دينار بعنوان الدين وخدمة الدين وهو ما يمثل نصف ميزانية 2010

من جهته، قدّر الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي عبد الرزاق الزواري خلال ندوة عقدها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية أن أول الأسباب التي أدت إلى نسبة التداين العالية هو ارتفاع النفقات العمومية والتي تطورت من 14 مليار دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 30 مليار دينار سنة 2018.

في هذا الجانب، تزامن ارتفاع الديون مع ارتفاع كتلة أجور القطاع العام التي انتقلت من 6.7 مليار دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 16 مليار دينار سنة 2018، وإحصائيًا يمكن الاستنتاج أن 5 في المائة من السكان يتقاضون أكثر من 40 في المائة من ميزانية الدولة.

ارتفعت، في الأثناء، مداخيل الدولة في السنوات الأخيرة ولكن ليس بنفس نسق ارتفاع الواردات. يؤكد بذلك خبراء أن الدولة التونسية دخلت في نفق الاقتراض من أجل سداد القروض (surendettement) وهو ما أجبر الدولة على الاقتراض سنويًا من أجل سداد الدين وخدمة الدين السنوية، وذلك طبعًا دون الحديث عن العلاقة العضوية بين ارتفاع قيمة الديوان وتراجع الدينار التونسي.

المعطى/السنة 2010 2018
كتلة الأجور في القطاع العام 6.7 مليار دينار 16 مليار دينار
موارد الدولة 12 مليار دينار 24 مليار دينار
نفقات الدولة 14 مليار دينار 30 مليار دينار

 

ماهي نتيجة الوضعية الحالية؟

صرّح وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق محمود الرمضاني، في وقت سابق خلال الإعلان عن دراسة حول الأزمة الاقتصادية في تونس، أن البلاد تعيش أزمة أخطر وأعمق من أزمة سنة 1870وذلك بسبب ارتفاع نسبة الديون الكبيرة.

 لكن النائب والخبير في الديون فتحي الشامخي يرى أن المسألة أعمق من الطريقة التي يتم تناولها، مؤكدًا لـ"الترا تونس" أنه في حالة بقاء الأمر على ما هو عليه فذلك سيهدد بشكل مباشر توازنات المالية العمومية وسيتسبب حتى في انهيارها، قائلًا: "ستكون هناك أضرار، وأعتقد أن الدولة التونسية ستبدأ الانسحاب من وظائفها المركزية وهو ما لاحظناه في الفيضانات الأخيرة إذ لم يجد المواطنون أجهزة الدولة لحمايتهم، وذات الشأن في قطاع التعليم وقطاع الصحة مع هجرة الأطباء". ينتهي الشامخي في حديثه معنا بأن الحل الممكن يتعلق بوجود إرادة سياسية، قائلًا: "الوضع معقد جدًا لكننا لم نصل إلى نقطة اللاعودة بعد".

فتحي الشامخي: الوضع معقد جدًا بخصوص التداين الخارجي ولكن لم نصل إلى نقطة اللاعودة بعد

وزير المالية رضا شلغوم اعترف، في تصريح إعلامي سابق، بخطورة ارتفاع الديون، حينما قال: "نتفق مع الجميع في هذا الموضوع وهو أننا لا نستطيع المواصلة بهذا النسق".

فيما حذر الخبير الاقتصادي عبد الرزاق الزواري من تجاوز تونس للمنطقة الآمنة من الديون ودخولها المنطقة الخطيرة، وإن أكد أن تونس لا يزال بإمكانها سداد الديون ولكم بشروط صعبة وهو أمر لا يبشر بخير حسب تعبيره. وقد اعتبر أن إنقاذ الوضع يستلزم العمل على الترفيع من نسبة النمو والمحافظة على استقرار نسبة الفائدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"ويني فلوس السياحة؟".. سؤال طرحه الشاذلي العياري لا حسم في إجابته

قضية البنك الفرنسي التونسي.. هل يكون ملف الفساد الأكبر كلفة في تاريخ تونس؟