16-نوفمبر-2020

لم يبتّ بعد المجلس الأعلى للقضاء في مطلب رفع الحصانة

الترا تونس - فريق التحرير

 

ظلّ مطلب رفع الحصانة عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب المقدّم من النيابة العمومية إلى المجلس الأعلى للقضاء حديث مجموعات ضيقّة داخل الأسرة القضائية طيلة الأسابيع الماضية، غير أن المطلب سُرعان ما تحوّل مؤخرًا إلى موضوع نقاش عام داخل البرلمان حينما أثاره عدد من النوّاب في جلسة حوارية مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر ورئيس مجلس القضاء العدلي مليكة المزاري.

مطلب رفع الحصانة لا يشمل الرأس الأول للقضاء العدلي، فهو، بصفته تلك أيضًا يترأس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، ولكن كذلك هو عضو في مجلس القضاء العدلي، أحد الهياكل الأربعة للمجلس الأعلى للقضاء الذي سينظر إذًا في مطلب رفع الحصانة عن أحد أعضائه.

سُرعان ما تحوّل مطلب رفع الحصانة عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب من حديث مجموعات ضيّقة داخل الأسرة القضائية إلى موضوع نقاش عام داخل البرلمان

هذا الملف تحوّل أيضًا إلى موضوع منشورات "مموّلة" على فيسبوك خاصة بتقديمه في إطار الجدل الدائر حول الحركة القضائية الأخيرة التي شملت وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي.

تحدثت سامية عبو في الجلسة البرلمانية مع المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني، أن مطلب رفع الحصانة مقّدم منذ 10 سبتمبر/أيلول 2020، مؤكدة أن الأمر يتعلق بقضية ارتشاء شملت عزل قاضيين اثنين.

وتحدثت صراحة أن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب يملك عقارات بمئات ملايين الدينارات، وفق تأكيدها. وقالت النائب عن الكتلة الديمقراطية إن الفساد في أوساط القضاة لا يخرج إلى العلن إلا في الصورة الصراع فيما بينهم.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| يوسف بوزاخر: المجلس الأعلى للقضاء متمسك بصلاحياته أمام السلطة التنفيذية

النائب عن حبيب بن سيدهم تحدث بدوره في مداخلته عن هذه القضية مؤكدًا أن التتبع الجزائي شمل الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد، ومؤكدًا أنه تم عزل قاضيين اثنين في هذه القضية، متسائلًا حول سبب استثناء الرئيس الأول من "الأبحاث التأديبية". وعبر عن خشيته من تستّر جزء من المجلس الأعلى للقضاء عن هذا الملف، واصفًا القضية بأنها "وصمة عار".

كما اعتبر النائب حاتم المانسي، أثناء الجلسة البرلمانية، أن الملف يحمل شبهة كبرى متوجهًا إلى ممثلي المجلس الأعلى للقضاء "ننتظر منكم توضيحًا وجديّة أكثر".

يتعلق الأمر تفصيلًا بإصدار دائرة جزائية في محكمة التعقيب قرارًا بالنقض دون إحالة في قضية تهمّ رجل أعمال وقع إيقافه عام 2017 في جرائم تهريب وجرائم ديوانية.

وقد تبيّن للنيابة العمومية لاحقًا أن القرار تسلّل إليه طريق الرشوة بما شمل قاضيين اثنين تم عزلهما من المجلس الأعلى للقضاء إضافة لورود اسم رئيس الأول لمحكمة التعقيب مع الكثير من "الشبهات" حول مصادر أملاكه.

رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوازخر أجاب، في الجلسة البرلمانية، أن المجلس نفسه هو من أثار الملف وأنه أحال للتفقدية العامة بوزارة العدل ثم إلى النيابة العمومية.

ولكن ظهرت رئيسة مجلس القضاء العدلي مليكة المزاري أكثر تحفظًا مستنكرة توجيه التهم جزافًا، داعية أي شخص لديه إثباتات تدين القضاة للتوجه للتفقدية ومجلس الأعلى للقضاء، معتبرة أن ذكر القضايا هو من قبيل الضغط على القضاء.

في الأثناء، ظهرت منشورات "مموّلة" لصفحات على فيسبوك دافعت مؤخرًا عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، وذكرت أن وكيل الجمهورية البشير العكرمي هو من طلب من مجلس الأعلى للقضاء لرفع الحصانة على الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، ولكن "كرّد فعل" على قرار إبعاده من وكالة الجمهورية.

 

مسخرة! مقال زائف وصفحة للتسويق الكاذب من أجل تبييض أفظع الجرائم يُسمح بكل شيئ! قضاة سامون يستنجدون ب"مرتزقة" للكذب...

Publiée par Hammadi Rahmani sur Mardi 3 novembre 2020

 

تحدثت هذه الصفحات أيضًا أن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بادر بنفسه لتقديم "شهادته" إلى حاكم التحقيق حول ملف الارتشاء، وأنه قدم بمؤيدات تفيد أن مطلب رفع الحصانة هو كيدي ويتضمن تعسفًا في استعمال السلطة.

غير أن أهم ما ورد هو أن وكيل الجمهورية الجديد عماد الجمني راسل المجلس الأعلى للقضاء ليعلمه أن "المعطيات الجديدة تضمن ما يكفي من أجوبة تجعل من إعادة سماع الرئيس الأول لمحكمة التعقيب غير ذي جدوى".

اقرأ/ي أيضًا: معضلة طول آجال التقاضي في المحاكم التونسية (حوار مع القاضي عمر الوسلاتي)

القاضي حمادي الرحماني، الذي وقعت مهاجمته في هذه المنشورات، كتب على حسابه على فيسبوك أن "قضاة سامون يستنجدون بمرتزقة للكذب على منتقديهم وخصومهم ولإنقاذ أنفسهم من الفضائح الموثقة والمتلبس بها".

وأضاف القاضي، الذي كان قياديًا في جمعية القضاة التونسيين، أنه "لا شك أن هذا النص -بدقته وتفاصيله ولغته التمجيدية الركيكة والمفضوحة- كتبه شخصيًا أحد القضاة المعنيين بالتتبع الجزائي وبرفع الحصانة أو بالعمل على تبييضه وإفلاته من العقاب".

ولكن تعقيبًا في نفس المنشور، أكد الرحماني معطى أن وكيل الجمهورية الجديد طلب من المجلس الأعلى للقضاء التراجع عن طلب رفع الحصانة عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، واصفًا الرحماني الطلب بأنه "فضيحة".

في هذا الجانب، النائب الحبيب بن سيدهم أكد في مداخلته، في البرلمان، أن وكيل الجمهورية "الجديد" بابتدائية تونس تراجع عن ثلاث مطالب لرفع الحصانة وجهها سلفه إلى المجلس الأعلى للقضاء.

في نفس الإطار، أكدت إذاعة "موزاييك" بدورها عن "مصادر قضائية مطلعة" أن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب كان "شاهدًا" في قضية الارتشاء وقدّم "تقريرًا كتابيًا" للرد على استفسارات طلبت منه من طرف الجهة القضائية المتعهدة بالقضية  قبل أن توجّه له "الاتهام" ومن ثمّ توجيه طلب رفع الحصانة عنه.

سامية عبو:  الفساد في أوساط القضاة لا يخرج إلى العلن إلا في الصورة الصراع فيما بينهم.

في ذات السياق، يُستذكر تصريح رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي، في حوار في الإذاعة الوطنية (عمومي) الخميس 20 أوت/أغسطس 2020، حينما أكد أن المجلس الأعلى للقضاء أبعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي ليس بسبب أدائه أو تعاطيه مع ملف "الجهاز السري" بل لأنه فتح ملف فساد "ثقيل جدًا" وقطع فيه أشواطًا كبيرة، وفق تأكيده.

وأضاف أن الجمعية ستتابع هذا الملف وقد تنشر المعطيات للرأي العام بخصوصه، مؤكدًا أن لجان التقييم بالمجلس الأعلى للقضاء أعطت تقييمًا "إيجابيًا جدًا" لوكيل الجمهورية المذكور، كما لم تنسب إليه التفقدية العامة التابعة لوزارة العدل الإخلالات المتداولة. ولكن غير ثابت إن كان أنس الحمادي يقصد ملف الرئيس الأول لمحكمة التعقيب أم لا. 

بالنهاية، هل سيرفع المجلس الأعلى للقضاء الحصانة عن الرئيس الأول لمحكمة التعقيب؟ من المنتظر أن يحسم المجلس في مطلب رفع الحصانة بعد إعلان الحركة القضائية الاعتراضية، مع الإشارة إلى أن وكيل الجمهورية "السابق" البشير العكرمي كان قد طعن في قرار إبعاده عن وكالة الجمهورية وتعيينه كمدعي عام للشؤون الجزائية.

يقدّر ملاحظون أن قضية الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، التي لازالت محلّ تحقيق، وعزل قاضيين اثنين من دائرة جزائية تعقيبية في قضية فساد لرجل أعمال، هما مجرّد شجرة من غابة كثيفة: الفساد داخل القضاة في قضايا فساد رجال الأعمال. يؤكد الملاحظون أن الأمر يتعلّق بأقلية محدودة في أوساط القضاة غير أن المخاوف تحوم دائمًا حول الإفلات من العقاب ومحاولة التستر عن القضاة وسط مطالبة بالمساءلة إثر محاكمة عادلة.

وحول ملف "الفساد القضائي"، تتوجّه المسؤولية إلى التفقدية العامة التابعة لوزارة العدل، ولكن أساسًا للمجلس الأعلى للقضاء الذي يتولّى رفع الحصانة عن القضاة، في ظل دعوات أن يعلو القانون على الجميع دون استثناء، وأن تقع محاسبة كل قاض حال إدانته إحقاقًا للعدل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عضو هيئة مكافحة الفساد محمد العيادي: لا نتحمّل مسؤولية تباطؤ القضاء (حوار)

نظام تأجير خاص طبقًا للمعايير الدولية.. هل يتحقق مطلب القضاة؟