07-مارس-2021

قرار حذف مجموعة "عشّاق الكتب" مثل خسارة كبرى للأعضاء ولمحبيها سواء من تونس أو من خارجها (Getty)

 

"أحب الكتاب، لا لأنني زاهد في الحياة، ولكن لأن حياة واحدة لا تكفيني" هذا ما قاله المفكّر المصري عباس محمود العقاد في حديثه عن الكتاب وهكذا كانت مجموعة "عشّاق الكتب" بالنسبة لروّادها في منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، منفذًا لحيوات أخرى.

هي كخليّة النحل النشطة، لا تمرّ دقائق إلا وترى "البوستات" تلو الأخرى سواء لتقديم كتاب أو بحثًا عن عنوان يؤنس وحشة الليل أو حتى لمناقشة فكرة وسط مئات من التعليقات. هكذا هي مجموعة "عشّاق الكتب bibliophiles tunisiens"، ركن  اختاره الآلاف من عشّاق الكتب التونسيين والعرب من أجل تبادل متعة الكتب أو الكتابات.

مجموعة "عشّاق الكتب bibliophiles tunisiens" ركن  اختاره الآلاف من عشّاق الكتب التونسيين والعرب من أجل تبادل متعة الكتب أو الكتابات

ولكن كتب لهذه المجموعة على فيسبوك الاختفاء في ظروف غامضة لم يستوعبها إلى اليوم روّادها والقائمون عليها. ورغم محاولة مؤسسّها ضمّهم في فضاء مشابه إلّا أنّ حسرة الفقدان لا تزال ترافقه إلى اليوم. "ألترا تونس" كان له لقاء مع بعض أعضاء "عشّاق الكتب" شاركونا وجعهم في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: مكافآت فيسبوك لمكتشفي الثغرات.. حضور تونسي لافت

"عشاق الكتب" ليست مجرّد مجموعة فيسبوكيّة

يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كان يومًا مفصليًّا في حياة الشاب منيب شوشان، مؤسس مجموعة عشّاق الكتب، حيث وردته رسالة فجئيّة من إدارة فيسبوك تفيد بأن المجموعة تم غلقها لأنها لم تحترم سياسة موقع التواصل الاجتماعي الشهير. ووجد منيب نفسه أمام خيارين إمّا تقديم طلب مراجعة للقرار أو قبول قرار الغلق. وعندما قام بطلب المراجعة للقرار، تمّت إزالة المجموعة واختفت تمامًا في "ظروف غامضة". ورغم المحاولات المتكرّرة للقائمين على المجموعة لمراسلة إدارة فيسبوك إلّا أنه لم يردهم أيّ جواب.

اختفاء المجموعة جعل منيب يعيش صدمة كان أثرها قويًّا على نفسيّته لأنّ المسألة لا تتعلّق فقط بمجموعة افتراضيّة بقدر ما يعتبره مشروعًا كاملًا عمل على بنائه وتنميته على امتداد ستّ سنوات، حسب ما رواه منيب شوشان لـ"ألترا تونس".

اختفاء المجموعة جعل باعثها يعيش صدمة كان أثرها قويًّا على نفسيّته لأنّ المسألة "لا تتعلّق فقط بمجموعة افتراضيّة بقدر ما يعتبره مشروعًا كاملًا عمل على بنائه وتنميته"

"ليس من السهل أن يضيع هذا الحلم من بين يدي لأني ضحيت كثيرًا من أجله إيمانًا منّي بأنّ لهذه المجموعة دورًا كبيرًا لترفيع نسبة المطالعة في تونس"، هكذا عبّر الشاب شوشان عن تحسّره لـ"أترا تونس" لفقدان المجموعة التي يعتبرها كبذرة سهر على أن تزهر وتكبر لتصبح شجرة باسقة.

منيب شوشان (مؤسس مجموعة عشّاق الكتب)

 

لنبدأ القصّة من أوّلها، ولنتحدّث عن مؤسّس المجموعة وهو خريج كلية الحقوق بصفاقس ويشتغل حاليًّا موظّفًا بشركة خاصة. منيب مهتم بالشأن الثقافي ومؤمن بالدّور الذي يلعبه الكتاب والمطالعة في تقدم الشعوب وتحضرها.

"تأسست المجموعة في مارس/ آذار سنة 2015 هدفها تكريس ثقافة المطالعة وترفيع نسب المطالعة لدى فئة الشباب. وقد أخذت مني الكثير من الوقت والجهد حتى صارت على ماهي عليه"، هكذا تحدّث منيب عن بداياته مع المجموعة.

"عشاق الكتب" لم تكن فقط مجموعة افتراضيّة بل نجحت في ترك أثر على أرض الواقع حيث وقع  تأسيس عدة نوادي "des clubs bibliophiles" في 12 ولاية، محور نشاطها تنظيم ملتقيات دورية لمناقشة الكتب التي تم التصويت عليها مسبقًا. المجموعة لها أيضًا موعد دوري لفعالية "إقرأ" التي تُقام في شهر ماي/ أيار من كل سنة وهي حملة توعوية لنشر مآثر المطالعة ودفع الناس لتكثيف قراءاتها.

وعلى امتداد سنوات نشأتها، مؤسس المجموعة كان يتلقى عديد التفاعلات وتعرّض لعديد المواقف التي بقيت عالقة بوجدانه: "يراسلني العديد من الأعضاء الذين أصبحوا شغوفين بالمطالعة بفضل هذا الركن ومن أكثر المواقف التي أثّرت بي هو عندما أخبرني أحد الأعضاء بأن هناك مدرسة ابتدائية بصفاقس أجرت امتحانًا كتابيًا للتلاميذ حول أهمية المطالعة فتحدّث التلاميذ عن المجموعة بكل عفوية.. هذا الموقف لن أنساه ما حييت في الحقيقة".

"عشاق الكتب" لم تكن فقط مجموعة افتراضيّة بل نجحت في ترك أثر على أرض الواقع حيث وقع  تأسيس عدة نوادي للمطالعة في 12 ولاية، محور نشاطها تنظيم ملتقيات دورية لمناقشة الكتب

يسعى منيب شوشان إلى اليوم لاسترجاع المجموعة وتواصل مع عدد من الجمعيات والمنظمات التونسية طلبًا لمساعدة لكن صلاحياتهم لا تخوّل لهم التدخل في مثل هذه الحالات، على حدّ قوله.

وقال لألترا تونس: "تواصلت مع الأستاذ خالد قوبعة مدير شؤون السياسات العامة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط لدى شركة فيسبوك لكنه أخبرني بأنه ليس له صلاحيات لحلّ المشكلة لأن استرجاع الصفحات أو الحسابات أو المجموعات المحذوفة أمور خارجة عن نطاقه ولكنه عبر عن تضامنه معنا وقام بتقديم طلب مراجعة قرار حذف المجموعة لأحد زملائه لكن وإلى الآن لا إجابة وصلتنا وقد اتصل بي مرة أخرى هاتفيًا من دبي وأوضح لي بأن كوفيد 19 قد أثّر على سير نشاط موظفي فيسبوك".

هذا الشاب التونسي لم يفقد أمله في استرجاع المجموعة فالعديد من المجموعات والصفحات تمكّن أصحابها من استرجاعها: "أريد أن يصل صوتنا لإدارة فيسبوك والأشخاص المستهدفة هما موظّفان يعملان ضمن فريق مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك".

اقرأ/ي أيضًا: ثقافة الـ"Up": يوجد في الفضاء الأزرق ما لا يوجد في الواقع

من مجموعة افتراضيّة إلى فضاء لدعم المواهب

من بين الأعضاء الناشطين في مجموعة "عشّاق الكتب"، أستاذة الانجليزية سيدة جعفر ذات 24 ربيعًا وأصيلة ولاية المهدية والتي تدرس حاليًّا ماجستير في الترجمة. تعرّفت سيدة على المجموعة سنة 2014، تدوّن فيها كتاباتها وتقاسم بقيّة الأعضاء شغفها، تقول لـ"الترا تونس": "كنت أنتظر نهاية الأسبوع لأنشر كتاباتي الشخصيّة وأقرأ إبداعات بقيّة الأعضاء، أكتشف في كلّ مرّة قلمًا ذهبيًا، ووجدت دعمًا كبيرًا وتفاعلاً لم يزدني سوى رغبة في تطوير نفسي وصقل موهبتي التي رافقتني لسنوات عدّة. وقرّرت في لحظة أن أجمّع كتاباتي وأنشرها في كتاب". 

وأضافت سيّدة أنّ فترة الحجر بسبب الكورونا كانت فرصة لها لتكمل كتاباتها، إلّا أنّها فوجئت بقرار حضر المجموعة، واختفت كتاباتها ومنشورات أصدقائها وحبست أحلامهم وآمالهم وذكرياتهم داخلها و"ضاع كل شي"، على حدّ تعبيرها.

وأضافت طالبة الترجمة: "كنت أعرف منيب شوشان صاحب المجموعة، وعند اكتشافي اختفاء المجموعة دخلت مباشرة صفحته الشخصيّة فوجدته مقهورًا وشاركته نفس الإحساس رغم أني فقط مجرّد عضوة. وأحسست بقدر الضيم الذي شعر به خاصّة وأن هذا الفضاء ساعد العديد من الناس وكان المتنفّس الوحيد لهم. وبقيت على تواصل معه لأدعمه لأنّ حزنه كبير ليس بعدد الأعضاء في المجموعة بل بقدر مكانة المجموعة داخل نفوسهم".

سيّدة جعفر كما منيب شوشان لا تزال تؤمن أن المجموعة ستعاد إلى أهلها ويفتح بابها من جديد لروّادها "إلى يومنا هذا لا أزال بين الحين والحين أتفقّد فيسبوك وأتحقّق إن عادت أم لا".

اقرأ/ي أيضًا: مواقع التواصل الاجتماعي.. بوابة إغاثة أنقذت حياة عدد من التونسيين

"عشّاق الكتب".. مكتبة ضخمة وموسوعة معلوماتية شاملة

"عشّاق الكتب" لم تكن تضمّ تونسيين فقط، بل كانت تحتضن عديد الجنسيات العربية، ومن بين روّادها مهندس البترول السوداني بشير محمد عثمان ذي 32 عامًا الذي كان عضوًا في المجموعة منذ 2017.

بشير محمد عثمان (32 عامًا من السودان كان عضوًا في المجموعة منذ 2017): وجدت في المجموعة تنوّعًا كبيرًا في الأذواق والآراء والاتجاهات الفكرية وهو ما يفتح أبواب نقاشات قيمة وتفاعلات ثريّة

وجد بشير في المجموعة ملاذاً من مشاغل الحياة التّي كانت تحول بينه وبين مطالعة الكتب، إذ يروي فيها ظمأه للقراءة من خلال مشاركات الأعضاء، سواءً كانت اقتباسات من الكتب التي يطالعونها، أو من إبداعات أقلامهم، أو اقتراحات عناوين الكتب أو الكُتَّاب التي اعتاد الأعضاء مشاركتها مما قرؤوه ونال استحسانهم. 

وأكّد هذا الشاب لـ"الترا تونس" أنّه وجد في المجموعة تنوّعًا كبيرًا في الأذواق والآراء والاتجاهات الفكرية، وهو ما يفتح أبواب نقاشات قيمة وتفاعلات ثريّة من خلال التعليقات، على حدّ تعبيره، مضيفًا "لا أبالغ إن قلت إن بعض المنشورات كانت أشبه بندوات فكرية من حيث عدد المشاركين فيها، حيث أن هذه المجموعة تجمع آلاف القراء من معظم البلدان العربية، وعدد كبير منهم هم كُتَّاب في بداية طريقهم، ومشاريع لأدباء حقيقيين لو يجدون التشجيع اللازم والنقد الموضوعي في هذه المجموعة. إنّ الانتماء لمثل هذا الكيان المتنوع محفِّز جداً للقراءة، ومفيد في الانفتاح على وجهات النظر المختلفة وتقبل الاختلاف في الرأي".

وبشير من بين الأعضاء الذين يقترحون الكتب وينشرون اقتباسات منها، أو ممن يضيفون نسخًا إلكترونية لبعض الكتب بصيغة pdf لمكتبة المجموعة بالإضافة لمشاركته بالرأي في النقاشات الحية التي تدور داخل هذا الفضاء.

وهذا النشاط مكّنه من التعرّف على العديد من الأصدقاء، علاقات ترجمت من الافتراضي إلى الواقعي خلال زيارته لتونس سنة 2019 "لا أخفيك سرًّا أنّ المجموعة كانت سببًا لزيارتي للحبيبة تونس وأشكر الأصدقاء على حسن استقبالهم وكرم ضيافتهم، وأتمنى أن تسنح لي الفرصة بمقابلتهم مرة أخرى. الصداقات الافتراضية هي صداقات حقيقية إذا بُنِيَت على نية سليمة واحترام ومودة صافية، وهي نفس القاعدة في الصداقات الواقعية".

بشير تحدّث أيضاً عن صدمته لاختفاء المجموعة قائلاً: "خبر حظر المجموعة كان صادماً بشكل كبير لي ولجميع الأعضاء الناشطين فيها، نحن نَعتبِر هذه المجموعة دارنا وملتقانا اليومي، ولم نتصور في يوم من الأيام أن نفقدها، خصوصاً أنها كانت تكبر يوماً بعد يوم حتى غدت أشبه بمكتبة ضخمة وموسوعة معلوماتية شاملة في مجال الكتب". 

بشير محمد عثمان (32 عامًا من السودان كان عضوًا في المجموعة منذ 2017): أملي كبير في استرجاع المجموعة، ضياع هذا الكم الثقافي المتراكم منذ تأسيس المجموعة سيكون أمراً محزناً للغاية

وختم حديثه راجيًا "أتمنى أن نستعيد المجموعة، وأملي كبير في الله ثم في جهود الأخ والصديق العزيز منيب شوشان باسترجاعها، وبعودتنا وتجمعنا تحت مظلتها مرة أخرى، ضياع هذا الكم الثقافي المتراكم منذ تأسيس المجموعة سيكون أمراً محزناً للغاية".

قرار حذف مجموعة "عشّاق الكتب" مثل خسارة كبرى للأعضاء ولمحبيها سواء من تونس أو من خارجها. ولكن ما ضاع حقّ وراءه طالب، فرغم الصمت المتواصل لإدارة فيسبوك أمام محاولات أصحاب مجموعة "عشّاق الكتب" لاسترجاع مشروعهم، إلّا أنّ إرادة القائمين عليها وروّاد هذا الفضاء يؤمنون إلى حدّ هذه اللحظة بأنه من الممكن أن يضجّ الفضاء بأصحابه من جديد وتدبّ الروح في مملكة قرّائه وكتّابه. 

من نشطاء ورواد مجموعة عشّاق الكتب

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونسيون أدمنوا "العالم الأزرق" ثم غادروه دون رجعة

انستغرام في تونس.. إثارة ومصنع للنجوميّة