22-يونيو-2019

التواصل مع مشاهير الفنّ بات أسهل بكثير من التواصل مع "نجوم انستغرام" (وكالة الأناضول)

 

يعيش روّاد تطبيقة "انستغرام" هذه الأيام على وقع انفصال عصام بن جماعة عن زوجته، قد يبدو لك الخبر عاديًا والاسم مجهولًا، ولكنّ هو حديث الساعة بالنسبة لمتابعي الحساب ذي 83 ألف متابع. نعم فقد أحدث هذا الخبر ضجّة في هذه المنصّة، كيف لا وقد عاش الجميع قصّة حبّهما من خلال الصور والفيديوات وتفاعل مع تفاصيل حياتهما اليوميّة وغاب عنهم أنّ وراء كلّ ماهو افتراضي واقع قد يكون مغايرًا تمامًا.

نشأ موقع "انستغرام" عام 2010 وأصبح الواجهة الرقمية للعلامات التجارية التي ترغب في جلب جمهور ملّ من التسويق الكلاسيكي

يبدو العالم باهتًا وشاحبًا دون فلترات (filters) انستغرام، هكذا يمكن التعبير عن تطبيقة تسلّلت إلى حياتنا بكامل تفاصيلها: وظائفنا، وأمسياتنا، وأطباقنا وحتّى غرف نومنا، وأصبحت محرار النجاح والفشل عند البعض منّا ووصلت إلى حدود الهوس عند البعض الآخر.

عالم الأنستغرام له نواميسه وقوانينه وقواعده، نشأ كموقع لتبادل الصور في عام 2010، وأصبح الواجهة الرقمية للعلامات التجارية التي ترغب في جلب جمهور ملّ من التسويق الكلاسيكي.

"ألترا تونس" حاول التوغّل في هذا العالم والغوص في بعض تفاصيله واكتشفنا من خلال هذه الرحلة أنّ التواصل مع مشاهير الفنّ بات أسهل بكثير من التواصل مع "نجوم انستغرام".

اقرأ/ي أيضًا: تونسيون أدمنوا "العالم الأزرق" ثم غادروه دون رجعة

أرجوحة العالم الرقمي والعالم الحقيقيّ

"هناء يعيش" فتاة تونسية يتابعها أكثر من 56 ألف متابع عبر انستغرام، تمضي يومها بين عالمين متوازيين: عالم رقمي وعالم حقيقي. شاركت "ألترا تونس" تجربتها قائلة: "بداياتي كانت مضحكة حيث لم أكن أعرف الطبخ وعندما تزوجت وسافرت خارج تونس كنت مضطرّة لإعداد الأكل لعائلتي وكانت أغلب محاولاتي إمّا في سلّة المهملات أو صورًا أنزلها في مجموعات فيسبوك".

يضمّ حساب هناء يعيش أكثر من 56 ألف متابع

مرّت هناء بعديد المراحل قبل الوصول لانستغرام حيث انطلقت من فيسبوك وكانت صور أكلاتها تحصد الآلاف من "اللايكات". وتطوّرت المسألة وأصبح المتابعون في انتظار وصفاتها وصورها فجمعتها في صفحة خاصة لاقت نجاحًا كبيرًا في فترة وجيزة وأصبح يتابعها عشرات الآلاف من رواد الفضاء الأزرق، وواصلت نشاطها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن ظهرت تطبيقة انستغرام.

"عندما وضعت صوري في البداية لم تلاقي الكثير من الإعجاب وعندما تطورت التطبيقة وأصبح نظام ستوريات والفيديوات بدأ يتطور حسابي إلى أن بلغ نحو 60 ألف متابع"، هكذا تحدّثت هناء عن الطريقة التي طوّرت بها حسابها لـ"ألترا تونس".

هناء يعيش (56 ألف متابع على انستغرام): عندما أشعر أنني أضعت الكثير من الوقت أغلق هاتفي نظرًا لواجباتي تجاه العائلة

وعن الوقت الذي تقضيه في استعمال هذه التطبيق، قالت إنّ أغلب الأوقات تمضيها في الإجابة عن رسائل جميع المعجبين أو مساعدة المستفسرين عن تفاصيل وصفاتها. وتضيف محدّثتنا:"عندما أحسّ أنّي أضعت الكثير من الوقت أغلق هاتفي نظرًا لواجباتي تجاه العائلة".

وفي خاتمة حديثها، تقول إنّ هذه التجربة لم تؤثّر على حياتها لأنها نجحت في تقسيم وقتها وأضافت أنّ زوجها متفهّم كثيرًا وهو أكثر من يشجعها على مواصلة المسيرة، على حدّ تعبيرها.

الأنستغرام هو مساحة متعة وترفيه

لا تزال "آمنة القبي"، إحدى الناشطات تتحسس خطوات النجاح في عالم انستغرام وتعمل لكسب عدد أكبر من المتابعين، إذ رغم اختصاصها الدراسي العلمي إلّا أنها أصبحت تعمل في مجال الحلويات وساعدتها هذه التطبيقة في تطوير عملها. ونظرًا لارتباطاتها العائليّة، لم تواصل العمل في هذا المجال وجعلت من حسابها شغفًا ووسيلة متعة وترفيه.

ساعد "الأنستغرام" آمنة القبي في تطوير عملها في مجال صنع الحلويات

"عندي قليل من المتابعين مقارنة بالآخرين لكنّي دائمة البحث عن الطرق التي تجعلني أطور حسابي الخاص حيث أنزل وصفاتي في مجموعات فيسبوك وأرفقها برابط انستغرامي فأجد العدد تزايد مع الوقت"، هكذا تحدّثت آمنة عن تجربتها لـ"ألترا تونس"، مضيفة أنّها تلقت دعمًا من بعض "البلوغوزات" (blogeuse/المدونات).

اقرأ/ي أيضًا: رسائل الحب بين الأمس واليوم.. من سهاد المحبوب إلى السهر على فيسبوك

وتعتبر محدّثتنا أنّ الفترة التي تقضيها في انستغرام هي "pass time thérapeutique" أو مساحة علاجيّة تستفيد منها وتفيد الناس بخبراتها ولا هدف لها منها سوى المتعة كما تبعدها عن الروتين اليومي للمرأة العاديّة.

وتختم آمنة حديثها قائلة: "يمكن أن تكتشف هوسك بهذا العالم عندما ينقص التفاعل مع تنزيلاتك"، وتضيف أنّ "الجامات" تشجعها على التفاعل أكثر وأنها تنزعج أحيانًا وتحبط عندما لا تتحصّل على عدد كاف من "اللايكات" لأنّها تبذل مجهودًا ووقتًا لإنزال "بوست" على حدّ قولها.

ثقافة الإثارة تنخر المجتمع التونسي

في هذا اللإطار، يقول المختص في علم الإجتماع سامي نصر إنّ هذه الظاهرة متفشية بشكل كبير وتجذب عددًا كبيرًا من التونسيين خاصّة الشباب منهم. ويمكن قراءتها سوسيولوجيًا، وفق قوله، من عدّة جوانب أولها الجانب الذي يخصّ التفاعل مع الصورة إذ أنّ التونسي يتفاعل وفق ثلاث صور: صورة نمطيّة يريد الحصول عليها، وصورة نمطيّة يريد إخفاءها وصورة تظهر في فترات معيّنة من حياته على حدّ تعبيره.

ويضيف، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أنّه من خلال علم اجتماع الصورة، يجد الفرد فرصة وقدرة كبيرة على إخفاء الصورة التي يريد إخفاءها الاجتماعي وإظهار تلك التي يريد تسويقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي "إذ يمكن أن يكون لهذا الشخص عيوبًا أو ثغرات في صورته يحاول إخفاءها عبرهذه التطبيقات"، وفق قوله.

سامي نصر (مختص في علم الاجتماع): ظاهرة الجمال المفتعل في تونس أو العالم العربي يحتاج إمكانيات ماديّة كبيرة لكنه متاح للجميع في "انستغرام" مهما كان مستواهم الاجتماعي وذلك من خلال "الفيلترات"

ويشير محدّثنا إلى أنّ ظاهرة التزيين المفتعل أو الجمال المفتعل في تونس أو العالم العربي يحتاج إمكانيات ماديّة كبيرة، في المقابل فهو متاح للجميع في انستغرام مهما كان مستواهم الاجتماعي وذلك من خلال "الفيلترات" التي تزين الصورة والتي تخرجك على الشكل الذي تريده.

وعن الجانب الثاني، يؤكد الأستاذ نصر أنّ سلوك الانسان تحدده مقولتان: مقولة النجاح ومقولة الفشل حسب المقاربة السوسيولوجية لعالم الاجتماع الأمريكي روبرت نورت. وقد تغيّرت هذه المفاهيم مع ظهور "عصر الديجيتال" إذ أنّ مقاييس النجاح كانت متعلّقة بالدراسة والشهائد العلميّة، أمّا اليوم فالجمال أصبح إحدى معايير النجاح لذلك فهناك من يحاول تحقيقه من خلال الصورة التي يسوّقها رقميًا حسب تعبيره.

ويضيف المختص في علم الإجتماع أنّ الجانب الإيجابي من هذه الظاهرة هو أنّ الدخول لعالم الفنانين والمشاهير أصبح سهلًا. فحسب علم اجتماع النجوم في التدرج التاريخي، فإنّ النجوميّة كانت تفرض نفسها من خلال مقاييس محدّدة لكنّنا اليوم أصبحنا نتحدّث على صناعة النجوم. ويقول إنه يمكن للأنستغرام أن يحوّل شخصًا نكرة إلى نجم كما أنّ عديد الناجحين لا تستطيع تفسير نجوميتهم لأنّهم لا يملكون مقوّمات هذا النجاح لذلك أصبحنا نتحدّث اليوم عن النجومية الافتراضيّة، على حد تعبيره.

ثقافة وعقلية البوز أو الإثارة هي أخطر الأمراض التي يعاني منها المجتمع التونسي إذ قتلت الحرمة الشخصية والعائلية وحرمة النفس وحرمة المؤسسة من خلال هذه التطبيقات الرقمية

وعن الجانب السلبي، يقول سامي بن نصر، في حديثه معنا، أنّ هذه التطبيقة جعلت روّادها دون حرمة وأصبحت حياتهم الخاصّة محلّ متابعة، مفسرًا بالقول: "هذا الأمر هو نتيجة لمرض ثقافة وعقلية البوز أو الإثارة وهو أخطر الأمراض التي يعاني منها المجتمع التونسي، إذ قتلت الحرمة الشخصية والحرمة العائلية وحرمة النفس وحرمة المؤسسة من خلال هذه التطبيقات الرقمية".

ويؤكّد أنّ هذه ثقافة خلقت أزمة قيم بما فيها القيم التي تتعلق بحرمة الحياة الشخصيّة وقد أصبح النسيج المجتمعي في خطر بسبب ظاهرة التنميط الاجتماعي وهو ما يعرف "type standard" معلقًا "كيما دجاج الحاكم فرد لون وفرد طعم، لا يوجد لا خصوصيّة ولا تميّز" على حدّ تعبيره.

"انستغرام"، لهذه المساحة الرقمية طقوسها ونواميسها فهي إسقاط لممارسات في الحياة اليومية إذ تجد فيها المتعاون والغيور من نجاحات الآخرين، كما تجد الذي يحفّزك ويشجعك، وتجد أيضًا من يحاول دائمًا إحباطك والتقليل من شأنك من خلال رسائله وتعليقاته. هو عالم يسرق لحظاتنا الجميلة نوثّقها لكن، ربًما حقيقة، لا نعيش متعتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مواقع التواصل الاجتماعي.. الفضاء البديل تونسيًا

خاصّ: حقيقة الجدل حول "أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة الإلكترونية"