خفت بريق الحديث عن برنامج تونس مع صندوق النقد الدولي، وما عُرف بـ"الإصلاحات" التي تنتظرها هذه المنظمة الدولية، لتمنح تونس قرضًا، يُجمع المختصّون في الاقتصاد أنّه لن يكون حلًا جذريًا، لكنّه على الأقلّ سيمنح تونس هامش تحرّك جيّد نسبيًا، يمكّنها من الانفتاح على الأسواق المالية الدولية.
"الترا تونس" توجّه بالسؤال إلى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، لمحاولة فهم سرّ تأخر إدراج ملف تونس ضمن اجتماعات صندوق النقد الدولي حتى في شهر مارس/ آذار 2023.
- أسباب تأخر إدراج ملف تونس ضمن اجتماعات صندوق النقد الدولي
أكد المختص في الاقتصاد، بداية، أنّ صندوق النقد الدولي سيمنح قرضًا لتونس مشروطًا ببرنامج يتضمّن جملة من الإصلاحات الاقتصادية، وبالتالي، يجب توفر شرطين مهمين للتقدم على مستوى إدراج ملف تونس في الجلسات الختامية للصندوق، يتمثّل الشرط الأول في "نيّة المضيّ في الإصلاحات"، معتبرًا أنّ هذه النيّة موجودة، وفق تقديره.
واستدلّ الشكندالي على كلامه، بقوله إنّ تونس كانت تقدّم خطابًا مزدوجًا بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وكان خطابًا مقلقًا للصندوق، فالرئيس التونسي قيس سعيّد يتحدث من جهة عن الشركات الأهلية الممولة بالصلح الجزائي، في حين تتحدث الحكومة التونسية من جهة أخرى، عن اتفاق الخبراء، "لكن سعيّد أمضى قانون المالية 2023 المتضمن للإصلاحات مثل رفع الدعم بقيمة 3.2 مليار دينار في سنة واحدة، ولهذا فإنّنا استوفينا الشرط الأول" وفقه.
رضا الشكندالي لـ"الترا تونس": صندوق النقد الدولي يشك في قدرة تونس على تنفيذ برنامج "الإصلاحات" المتفق عليه، خاصة مع عدم توفر شروط هامة
الشرط الثاني المهم لتونس، لضمان تسريع حصولها على قرض الصندوق، هو القدرة على تعبئة الموارد الخارجية وتنفيذ البرنامج المتفق عليه، إذ قال رضا الشكندالي في هذا الإطار: "جرت العادة أن الدول التي تتحصل على اتفاق الخبراء مع صندوق النقد الدولي، تذهب مباشرة إلى تعبئة مواردها من الدول الصديقة، والدليل أن مصر تحصلت على اتفاق الخبراء بعد تونس، لكنها تمكّنت من تعبئة موارد خارجية كبيرة في شكل ودائع، فيما لم تقدر تونس على تعبئة أي مليم" على حد قوله.
واعتبر المختص في الاقتصاد أنّ صندوق النقد غير قادر على توفير كل احتياجات تونس المقدرة بـ 15 مليار دينار (5 مليار دولار)، فهو سيمنح تونس فقط، 1.9 مليار دولار على 4 سنوات، "وحتى لو منح هذا المبلغ على سنة واحدة، لن يكون ذلك كافيًا، فتونس إذن لم تستوف هذا الشرط"، متسائلًا: "إذا نجحت تونس في تعبئة الموارد الخارجية هل ستكون قادرة على تنفيذ البرنامج؟ أعتقد أن صندوق النقد يشك في قدرة تونس على ذلك لسبب هام".
رضا الشكندالي لـ"الترا تونس": قيس سعيّد ذهب حاليًا في معركة كسر عظام مع اتحاد الشغل، فكيف يمكن له أن يطبق "الإصلاحات" مع هذا الشريك الاجتماعي؟
وبسؤال "الترا تونس" عن هذا السبب، قال الشكندالي: "صندوق النقد الدولي يشك في قدرة تونس على تنفيذ برنامج الإصلاحات لأنه بنى اتفاقه التقني الأولي على شعبية سعيّد المقدّرة بـ72%، وبالتالي ارتأى أنّ هذه النسبة تمكّنه من تطبيق الإصلاحات، ولكن بعد الانتخابات التشريعية وجد الصندوق أنّ شعبية الرئيس قد تدنّت بعد أن بلغت نسبة المشاركة 11% فقط، وبالتالي يجب عليه الحصول على دعم الشركاء الاجتماعيين من المنظمات الوطنية مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمنظمات الأخرى.. لكن سعيّد حاليًا ذهب في معركة كسر عظام مع اتحاد الشغل، فكيف يمكن له أن يطبق الإصلاحات" وفق وصفه.
بدا وفق الأستاذ الجامعي في الاقتصاد، أنّ الوضع السياسي ألقى بظلاله على الوضع الاقتصادي، وأنّ هناك شروطًا غير متوفر بعد لبلوغ الاتفاق، خاصة وأنّه حتى إذا وافق الصندوق على القرض، فإن المبلغ سيكون غير كاف للحكومة ولا هي قادرة على تنفيذ "الإصلاحات" من الأساس، وقال الشكندالي في هذا الإطار: "كيف سيدرج الصندوق ملف تونس في جلساته القادمة مع وجود شرطين غير متوفرين؟".
- هل يمثّل الذهاب لنادي باريس حلًا لتونس؟
وبعد أن تزايد الحديث عنه في تونس.. اعتبر البعض أنّ الذهاب إلى نادي باريس قد يكون حلًا، لكنّ هذا الكلام في غير محلّه، وفق إجابة محدّثنا، وهو ما أكدته مديرة الصندوق نفسها حين قالت إنه لن يتم الدفع بتونس إلى نادي باريس، وفق الشكندالي.
يناقش نادي باريس فقط المساعدات والقروض الثنائية "التي لا تمثل شيئًا أمام جملة قروض تونس، كما لا نملك هذه السنة استعجالًا على مستوى سداد المساعدات الثنائية، وحتى المبالغ الكبرى ستسددها تونس في آخر العام الحالي 2023، وتحديدًا في أكتوبر/ تشرين الأول، ونوفمبر/ تشرين الثاني، إذ تبلغ أقساط صندوق النقد 412 مليار دولار، فضلًا عن 500 مليار يورو للسوق المالية الدولية" حسب المختص في الاقتصاد.
رضا الشكندالي لـ"الترا تونس": نادي باريس يضم 22 دولة من بينها الكيان المحتل الإسرائيلي، وربما يؤدي ذهابنا إلى النادي إلى تنازلات سياسية منها التطبيع
أما في علاقة بمخزون تونس من العملة الصعبة، فيبلغ حاليًا 96 يوم توريد، "أي أنّ مدخرات البلاد من العملة الصعبة هي في حدود 22 مليار دينار، ويمكن استغلالها في خلاص هذه المساعدات الثنائية، فلن يؤثر كثيرًا بلوغنا 6 أيام توريد" وفق رضا الشكندالي.
وشدّد الأستاذ الجامعي، في سياق متصل، على أنّ "البلدان التي تذهب عادة إلى نادي باريس، هي بلدان لا تملك تنوعًا على مستوى اقتصادها، على عكس تونس التي تملك موارد طبيعية مثل الفسفاط"، مقترحًا من بين الحلول لهذا القطاع، أن يكون تحت إمرة الجيش.
وتابع الشكندالي بقوله: "الاقتصاد التونسي متنوع، ولدينا قطاعات مصدرة على عكس الدول التي تذهب إلى نادي باريس، فهي دول لا تملك خيارات، واقتصاداتها ريعية، بالإضافة إلى أنّ نادي باريس يضم 22 دولة من بينها الكيان المحتل الإسرائيلي الذي يتمتع بنفوذ قوي على بقية هذه الدول الأعضاء، وربما يؤدي ذهابنا إلى النادي إلى تنازلات سياسية منها التطبيع" وفقه.
رضا الشكندالي: يجب إلغاء فكرة الذهاب إلى نادي باريس تمامًا، وتجنّب اعتبارها حلًا، لأنّ هذا من شأنه أن يقضي على صورة تونس أمام الأسواق الدولية
واعتبر في هذا الإطار أنّه يجب إلغاء فكرة الذهاب إلى نادي باريس تمامًا، وتجنّب اعتبارها حلًا، لأنّ هذا من شأنه أن يقضي على صورة تونس أمام الأسواق الدولية والدول الصديقة، خاصة وأنّ الدول التي تلجأ إلى النادي يشار إليها بالإصبع، كبلدان تتخلّف عن سداد ديونها، وفق تعبيره.
يشار إلى أن تونس تعيش وضعًا ماليًا واقتصاديًا صعبًا جدًا مع ارتفاع في معدلات التضخم وغياب عديد السلع الغذائية والأساسية من الأسواق، واستياء شعبي من ذلك. بينما يطالب المانحون الأجانب وصندوق النقد الدولي بخفض/إلغاء الدعم الموجه لعدة مواد استهلاكية وإعادة هيكلة الشركات العمومية والضغط على كتلة أجور القطاع العام.
يُذكر أنّ عديد المحلّلين يذهبون إلى تخمين أنّ اجتماعات الربيع التي يعقدها صندوق النقد الدولي في أفريل/ نيسان، قد تحمل معها تطورًا على مستوى ملف تونس.