"نادي باريس".. كلمتان تتكرران بشكل لافت مؤخرًا في تونس، خاصة من المختصين الاقتصاديين، محذرين من فرضية يراها البعض منهم ممكنة بل ووشيكة وهي الاضطرار للتوجه لنادي باريس لإعادة جدولة الديون التونسية، المتزايدة منذ سنوات دون تحقيق نمو اقتصادي، مما يعسر من فرضية تسديدها والإيفاء بتعهدات الدولة التونسية.
نأخذكم في هذا المقال التفسيري في رحلة للتعرّف أكثر على نادي باريس، ونطرح الأسئلة ونحاول تقديم الإجابات: ما المقصود بنادي باريس؟، كيف نشأت فكرة نادي باريس؟، كيف تتجه دولة ما إليه؟، من هم الأعضاء الدائمون فيه؟، من يمكن دعوته لاجتماعات نادي باريس؟، من يمكنه الحضور كمراقب في هذه الاجتماعات؟ ثم ماذا عن تونس ونادي باريس الآن؟
- ما المقصود بنادي باريس؟
نادي باريس هو مجموعة غير رسمية مكونة من دائنين عموميين وهي تقدم خدمات مالية وتسعى لإيجاد حلول لمشاكل سداد الديون عند بعض البلدان التي يتعاظم دينها وتعجز عن الالتزام بتسديده في مواعيده.
يمكن أن يقوم نادي باريس بـ"إعادة جدولة الديون للدول ذات المديونية العالية، أو إمكانية تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، أو إلغاء جزء من الديون.."
من بين هذه الخدمات، وفق الموقع الرسمي لنادي باريس، نذكر "إعادة جدولة الديون للدول ذات المديونية العالية، بدلاً من إعلان إفلاسها، أو إمكانية تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، أو إلغاء جزء من الديون.. الخ".
- كيف نشأت فكرة نادي باريس؟
يعود أصل نادي باريس إلى عام 1956 عندما وافقت الأرجنتين على مقابلة دائنيها العموميين في باريس. ومنذ ذلك الحين، أبرم نادي باريس 478 اتفاقية مع 102 دولة مثقلة بالديون.
منذ عام 1956، بلغ إجمالي الديون التي تم التعامل معها بموجب اتفاقيات نادي باريس 614 مليار دولار
ومنذ عام 1956، بلغ إجمالي الديون التي تم التعامل معها بموجب اتفاقيات نادي باريس 614 مليار دولار، وفق أرقام رصدناها في الموقع الرسمي لنادي باريس.
يُذكر أنه في سنة 2004، قرر نادي باريس شطب ديون العراق وكذلك بعد زلزال المحيط الهندي في 2004 قرر النادي إعطاء تسهيلات للبلدان المتضررة من أجل سداد التزامتها.
- كيف تتجه دولة ما إلى نادي باريس؟
الدول ذات المديونية العالية وذات الصعوبات لتسديدها في مواعيدها، غالبًا ما يتم التوصية بها أو تسجيلها في نادي باريس عن طريق صندوق النقد الدولي بعد أن تكون الحلول البديلة لتسديد ديون تلك الدول قد فشلت.
الدول ذات المديونية العالية وذات الصعوبات لتسديدها في مواعيدها، غالبًا ما يتم التوصية بها أو تسجيلها في نادي باريس عن طريق صندوق النقد بعد أن تكون الحلول البديلة لتسديد الديون قد فشلت
تم وضع عدد من القواعد لتأمين أي اتفاق يتم إبرامه بين الدول، وهذه القواعد مقبولة من قبل كافة الأطراف وتشمل اتخاذ القرارات لكل حالة على حدة، والإجماع والظرفية والتضامن وقابلية مقارنة المعاملة الخ.
يجتمع دائنو نادي باريس بشكل عام شهريًا (باستثناء فيفري/شباط وأوت/أغسطس) في باريس. وتتضمن كل جلسة شهرية اجتماعًا مدته يوم واحد يسمى "Tour d'Horizon" يناقش خلاله دائنو نادي باريس وضع الديون الخارجية لعدد من الدول خاصة التي تعرف صعوبات في سدادها. وتتضمن الجلسة أيضًا اجتماعات تفاوض مع دولة أو أكثر من البلدان المقترضة، عندما يتم استيفاء جميع الشروط التي تسمح بعقد هذه الاجتماعات.
يُدعى البلد المثقل بالديون إلى اجتماع تفاوضي مع دائنيه في نادي باريس عندما يكون قد أبرم برنامجًا مع صندوق النقد الدولي يوضح أن هذا البلد ليس في وضع يمكنه من الوفاء بالتزامات ديونه الخارجية
يُدعى البلد المثقل بالديون إلى اجتماع تفاوضي مع دائنيه في نادي باريس عندما يكون قد أبرم برنامجًا مع صندوق النقد الدولي يوضح أن هذا البلد ليس في وضع يمكنه من الوفاء بالتزامات ديونه الخارجية، وبالتالي فهو في حاجة إلى اتفاقية جديدة بشأن المدفوعات لدائنيه الخارجيين. وعادة ما يمثل البلد المقترض وزير المالية في ذلك البلد ويترأس وفدًا من المسؤولين من وزارة المالية ومن البنك المركزي لتلك الدولة.
ينعقد اجتماع النادي في باريس، في مقر وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية ويرأسه أحد كبار المسؤولين في دائرة الخزانة الفرنسية (وزارة المالية)، وحالياً المدير العام للخزانة هو إيمانويل مولان.
عادة ما يمثل البلد المقترض في اجتماعات نادي باريس وزير المالية في ذلك البلد ويترأس وفدًا من المسؤولين من وزارة المالية ومن البنك المركزي لتلك الدولة
- من هم الأعضاء الدائمون في نادي باريس؟
يضم نادي باريس حاليًا 22 عضوًا دائمًا، وهم دائنون عامون لديهم مطالبات على العديد من البلدان ذات المديونية العالية في جميع أنحاء العالم، ويتعلق الأمر بـ:
يضم نادي باريس حاليًا 22 عضوًا دائمًا، وهم دائنون عامون لديهم مطالبات على العديد من البلدان ذات المديونية العالية
- ألمانيا
- أستراليا
- النمسا
- بلجيكا
- البرازيل
- كندا
- الدنمارك
- إسبانيا
- الولايات المتحدة
- فنلندا
- فرنسا
- إيرلندا
- إسرائيل
- إيطاليا
- اليابان
- النرويج
- هولندا
- المملكة المتحدة
- روسيا
- السويد
- سويسرا
- كوريا الجنوبية
- من يمكن دعوته لاجتماعات نادي باريس؟
يجوز للدول الدائنة الأخرى المشاركة في اجتماعات التفاوض في نادي باريس على أساس كل حالة على حدة، وفي ظل ظروف معينة، كما يمكن دعوة ممثلي المؤسسات المالية الدولية أو بلدان أخرى لحضور الاجتماعات بصفة مراقب.
يجوز للدول الدائنة الأخرى المشاركة في اجتماعات التفاوض في نادي باريس على أساس كل حالة على حدة، كما يمكن دعوة ممثلي المؤسسات المالية الدولية أو بلدان أخرى للحضور بصفة مراقب
وبهذه الطريقة يمكن لدائنين عموميين آخرين المشاركة في جلسات تفاوض أو خلال الجلسات الشهرية لـ Tours d'Horizon، لكن باشتراط موافقة الدول الأعضاء الدائمين والدولة ذات المديونية محل المعالجة.
يلتزم الدائنون المدعوون الذين يشاركون في مناقشات نادي باريس بمجموعة ممارسات محددة. وسبق أن شارك الدائنون التالية أسماؤهم في اتفاقيات معينة على أساس مخصص: إمارة أبو ظبي، جنوب إفريقيا، السعودية، الأرجنتين، الصين، الهند، الكويت، المكسيك، المملكة المغربية، زيلاندا الجديدة، البرتغال، التشيك، ترينداد وتوباغو وتركيا.
- من يمكنه الحضور كمراقب في اجتماعات نادي باريس؟
المراقبون مدعوون لحضور جلسات مفاوضات نادي باريس لكن لا يمكنهم المشاركة في المفاوضات نفسها أو التوقيع على الاتفاقية التي تضفي الطابع الرسمي على نتيجة المفاوضات.
المراقبون مدعوون لحضور جلسات مفاوضات نادي باريس لكن لا يمكنهم المشاركة في المفاوضات أو التوقيع على الاتفاقية التي تضفي الطابع الرسمي عليها
يمكن تمييز ثلاث فئات من المراقبين:
- ممثلو المؤسسات الدولية: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الأونكتاد، المفوضية الأوروبية، البنك الإفريقي للتنمية، البنك الآسيوي للتنمية، البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والبنك الأمريكي للتنمية
- ممثلو الأعضاء الدائمين في نادي باريس الذين ليس لديهم مطالبة معنية بمعاملة الديون أو الذين ليسوا دائنين للبلد المدين المعني ولكنهم مع ذلك يرغبون في حضور جلسة المفاوضات
- ممثلو البلدان غير الأعضاء في نادي باريس والتي لديها مطالبات على البلد صاحب المديونية المعنية بالنقاش ولكنها غير قادرة على التوقيع على اتفاق نادي باريس وحضورهم مرتبط بأن يقبل الأعضاء الدائمون والبلد المدين ذلك.
- والآن ماذا عن تونس ونادي باريس؟
لا ترشح معلومات ثابتة أو رسمية حول فرضية توجه تونس نحو نادي باريس لإعادة جدولة ديونها الخارجية مثلًا. تتصاعد أصوات محذرة من هذا السيناريو وأخرى تعتبره أمرًا واقعًا، مع تواصل عدم تمكن البلد من الظفر باتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي أو اتفاقات قروض ثنائية مع دول عربية أو غربية، وتواصل تردي الوضع المالي للبلاد.
تتصاعد أصوات محذرة من سيناريو "نادي باريس" وأخرى تعتبره أمرًا واقعًا، مع تواصل عدم تمكن تونس من الظفر باتفاق نهائي مع صندوق النقد أو اتفاقات قروض ثنائية
من آخر الأصوات المعلقة في هذا الموضوع، نذكر المختص في الاقتصاد آرام بلحاج الذي رجّح، الأحد 5 فيفري/شباط 2023، أن يشترط صندوق النقد الدولي ذهاب تونس إلى نادي باريس "بعد أن تبيّن أن الحكومة غير قادرة على تعبئة الموارد الخارجية اللازمة لتمويل ميزانية 2023"، وفق تقديره.
وتابع، في تدوينة على صفحته الرسمية بفيسبوك،"إن صحّت هذه الفرضية، ستفتح الأبواب على مصراعيها أمام السيناريو اللبناني.. والمطلوب بدء التفاوض عاجلًا مع بعض الشركاء في الغرب وبعض المانحين في الشرق قصد إعادة جدولة بعض الديون خارج إطار نادي باريس".
كانت آخر زيارة لمدير الخزانة الفرنسية ورئيس نادي باريس إيمانويل مولان إلى تونس في جانفي الماضي، وقد زار تونس في نفس الفترة تقريبًا السنة الماضية أيضًا
وكانت آخر زيارة لمدير الخزانة الفرنسية ورئيس نادي باريس إيمانويل مولان إلى تونس في جانفي/يناير الماضي، وقد زار تونس في نفس الفترة تقريبًا السنة الماضية أيضًا دون أن تصدر أي معطيات عن خلفيات الزيارة.
أما التقارير الدولية فتشير إلى أن فرضية نادي باريس قائمة ومن ذلك تقرير وكالة بلومبيرغ مؤخرًا والذي تضمن أن ملف تونس مع دول إفريقية أخرى حالتها التداينية "غير مستديمة" سيتم عرضه على "قمة العشرين" القادمة، مع الإشارة إلى "نادي باريس" تحديدًا، وكذلك تقرير "موديز" الأخير أشار إلى أنه حتى بحصول اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي لن يتحسن وضع التداين تونسيًا.
عٌرف سعيّد بمعارضته الشديدة للمؤسسات المالية الدولية وبإعطائه قيمة خاصة لرمزية الأحداث وقد يكون آخر ما يرغب فيه أن تتجه تونس إلى "نادي باريس" في عهده مع كل ما يحمله ذلك في مخيّلة التونسي من استحضار للـ"كوميسيون المالي"
لكن المتابع لتصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد، منذ توليه المنصب في تونس إلى اليوم، قد لا يرجح سيناريو الذهاب نحو "نادي باريس" مهما تواصل تردي الوضع المالي والاقتصادي في البلد، فالرجل عٌرف بمعارضته الشديدة للمؤسسات المالية الدولية وبإعطائه قيمة خاصة لرمزية الأحداث وقد يكون آخر ما يرغب فيه أن تتجه تونس إلى "نادي باريس" في عهده مع كل ما يحمله ذلك في مخيلة التونسي من استحضار للـ"كوميسيون المالي".
و"الكوميسيون المالي" هي لجنة مالية دولية تشكلت بتونس عام 1869، تحت ضغط بعض الدول الأوروبية، في ظرفية اشتدت فيها الأزمة المالية التونسية واستحال على الدولة تسديد ديونها الخارجية وكان الكومسيون المالي أحد مظاهر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية التونسية من خلال إخضاع ماليتها للرقابة الدولية، ومهد للاستعمار الفرنسي لتونس في سنة 1881.