06-مارس-2020

منذ الإعلان عن انتشار فيروس "كورونا" في الصين غصّ موقع الفيسبوك بالتعليقات الساخرة (صورة تقريبية/شارلي تريبالو/ أ ف ب)

 

منذ الإعلان عن انتشار فيروس "كورونا" في الصين، غصّ موقع فيسبوك بالتعليقات الساخرة والمستهزئة منه وحتى مع انتشاره في دول قريبة من تونس لم يتوقّف سيل السخرية الذي تدفّق أكثر مع إعلان أوّل إصابة في تونس.

وخارج فيسبوك، في الأسواق والحافلات وأماكن العمل، يكاد الحديث لا يخلو من ذكر "الكورونا"، حديث يطغى على أغلبه التندر والاستخفاف واللامبالاة في كثير من الأحيان، ولكن ذلك لا ينفي الإغراق في الحديث عن الإجراءات الوقائية حتّى أن الخوف من الفيروس بلغ درجة "الفوبيا" لدى البعض.

عبد الباسط الفقيه (مختص في علم النفس) لـ"ألترا تونس": المرء حينما لا يدرك خطرًا معيّنًا تكون ردود أفعاله طفولية

وإن كان في السخرية من "كورونا" ردّ فعل قد يعكس محاولة لإنكار الوضع والهروب من الواقع، وهو ما ينطوي على جانب إيجابي وهو التخفيف من الهلع، إلّا أن الإغراق فيها قد يكون انعكاسًا لـ"أزمة" اجتماعية ونفسية، وقد تختلف القراءات في هذا الإطار ولكن الأكيد أن تلقي التونسيين للأمر يدعو إلى التأمل فيه.

 

قراءة نفسية

وفي هذا السياق، يقول المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه إن الرأي العام التونسي تفاعل مع فيروس "كورونا" من خلال مصادر مشتتة منها العلمية والصحفية والأخبار المزيفة وهو تفاعل اتسم في بعضه بالتندّر.

وعن الأسباب الكامنة وراء التندّر، يشير الفقيه إلى أن المرء حينما لا يدرك خطرًا معيّنًا تكون ردود أفعاله طفولية ويلجأ إلى الضحك والسخرية، ومع حالة الإصابة الأولى في تونس تحوّل الأمر إلى هلع أرفقه غزو للمغازات بهدف تخزين المواد الغذائية، وفق قوله.

ويلاحظ محدّثنا أن التونسي كان يعتبر أن الفيروس بعيد عنه آلاف الكيلومترات، وفي مخيلته ولا وعيه، الصيني فقط هو المسؤول عن نقله، والحال أنه علميًا لا يعترف بحدود، مبيّنًا أن تعاطي التونسيين مع الأمر لا يخلو من حالة فزع رغم أن الظاهر يتسم بالتندّر، على حدّ تعبيره.

ويضيف "اليوم فقدنا التدرّج في الخوف لأننا لم نستحضر الوعي الطبيعي الذي يجب أن نشكّله من خطر داهم فباتت ردود الأفعال طفولية"، موضّحًا أنه في حال كان التعاطي الساخر مع "كورونا" هادفًا غايته تخفيف التوتر والنأي عن الفوبيا وحالة الهلع فإن الأمر جيّد وإن كان لعجز عن تصور المخاطر فالأمر سيء.

ممدوح عز الدين (باحث في علم الاجتماع) لـ"ألترا تونس": تعاطي التونسيين مع فيروس "كورونا" لا يعدو أن يكون سلوكًا انفعاليًا وعاطفيًا

وتابع بالقول " مآسي الناس أصبحت مدعاة للتندّر والانفعالات باتت غير متصلة بما نعيشه وتباعد بيننا وبين مواقفنا مما حولنا، والخوف في بدايته أمر طبيعي بل بالعكس محبّذ لأنه يحفّز الجسم ولكن الخوف المرضي غير جيّد".

ويلاحظ أن التعاطي مع فيروس "كورونا" ارتبط بتصدير خطاب غير مسؤول ومستهتر في أغلبه، مؤكّدًا أن المواقف الأصلية يجب أن تكون تضامنية بعيدة عن النفور والوصم، إلى جانب مراعاة مشاعر العائلة في إشارة إلى نشر صور مصاب بالفيروس.

قراءة سوسيولوجية

ومن جهته، يقول الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين إن تعاطي التونسيين مع فيروس "كورونا" لا يعدو أن يكون سلوكًا انفعاليًا وعاطفيًا صنع في بعض الأحيان إحساسًا جماعيًا أو ما يسمّيه "غوستاف لوبون"، بـ"الهبّة الجماعية"، مشيرًا إلى أن التهويل خلق حالة من الفزع انعكست في تدفق المواطنين على المغازات العامة للتسوّق، على حدّ تعبيره.

ويضيف عز الدين أن التهويل رافقته شائعات حالت دون التعاطي مع الامر بعقلانية فكانت ردود الأفعال في أغلبها عاطفية وانفعالية، لافتًا إلى أنّه يتوجّب على وسائل الإعلام تنبيه الناس من مخاطر هذا الفيروس دون البحث عن الإثارة ودون تهويل أو تهوين.

ويلاحظ أن التركيز على فيروس "كورونا" عالميًا خلق ما يسمّى بالواقع الأكثر واقعية، مما عزّز منطق الفزع لدى الأفراد، مبيّنًا أن تواتر الأخبار عن هذا الفيروس لا يخلو من صدمة وترويع، على حدّ تعبيره.

وأما عن الإغراق في السخرية، فيفسّره بالخوف من اللايقين، إذ أن عدم التمكن من الواقع والعيش في اللامتوقّع يرعب الفرد ويعزز مخاوفه الكامنة في مخزونه النفسي، مؤكّدًا أنّه لا بد من مواجهة الواقع والتسلّح بالأمل لا الهروب منه، حسب قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الامتحانات.. هاجس للأولياء وغول للأبناء

زنا المحارم في تونس.. صرخة وراء أبواب موصدة