25-فبراير-2020

هل تحتاج فترة الامتحانات كلّ هذا القلق؟ (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

تبدأ الأجواء تتوتّر في العائلات التونسيّة بمجرّد اقتراب "غول الامتحانات"، يختلف الخطاب وتتغيّر العادات اليوميّة ويصل الأمر إلى تغيير حتى أطباق الأكل اليوميّة، فحبّات الجوز تكاد تنفذ من الأسواق، وأغلب الأّمّهات هاجسها اليومي البحث في الشبكة العنكبوتيّة عن الأكلات والأعشاب التي تزيد التركيز وتقضي عن آفة النسيان.

 هل تحتاج فترة الامتحانات كلّ هذا القلق؟ هل يؤثر التغيّر المفاجئ في محيط الطفل على أدائه المدرسي؟ وكيف نتعامل مع خوف أطفالنا من الامتحانات؟

وأصبحت حتى مجموعات "فيسبوك" مرآة لواقع هذه العائلات، فجميع المجموعات الخاصّة بالتربية والتي تضمّ أولياء من مختلف الشرائح والجهات مليئة بالتساؤلات حول نماذج امتحانات قديمة أو تلخيص لدروس أو حتى نصائح للتعامل مع الأطفال في هذه الفترة.

ولكن هل تحتاج فترة الامتحانات كلّ هذا القلق؟ هل يؤثر التغيّر المفاجئ في محيط الطفل على أدائه المدرسي؟ وكيف نتعامل مع خوف أطفالنا من الامتحانات؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يكره أبناؤنا المدرسة؟

كيف تعيش بعض الأمّهات فترة الامتحانات؟

ضغط، وتشنّج وخوف من عقوبات تتلوّن بتلوّن طباع الآباء، هذا ما يعيشه عديد التلاميذ في فترة الامتحانات من الأقسام التحضيريّة وصولًا للمرحلة الثانويّة وحتى الجامعية. آباء متطلّبون في انتظاراتهم من أبنائهم وأبناء أملهم الوحيد أن يرضى آباؤهم عن نتائجهم.

وهذا ما تحدّثت عنه سامية.ص (45 سنة، موظّفة) لـ"ألترا تونس" إذ قالت إنّها تعيش فترة عصيبة مع بداية كل موسم امتحانات وهذا ما يؤثّر سلبيًا حتى على علاقتها بزوجها التي يتركها تواجه مسؤوليّة تدريس أبنائها لوحدها، على حدّ قولها.

تعيش العائلات فترة عصيبة مع بداية كل موسم امتحانات (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

سامية لديها 3 أبناء، ابنة في الابتدائي واثنان في المدرسة الاعداديّة وهذا ما يجعلها مشتّتة حتى في البرامج التدريسيّة ولكنّها تعتبر تميّز أبنائها تحدّ لها فهي لا تدّخر جهدًا ولا مالًا ولا وقًتا من أجل أن يكونوا الأوائل في أقسامهم: "أعرف أني أضغط كثيرًا عليهم في فترة الامتحانات حتى أني أتركهم يراجعون لساعات متأخرة من الليل ولكنّ أعرف أنهم سيعذرون تصرّفاتي عندما يكبرون ويعلمون أنّ الدراسة هي جوازه سفرهم الوحيد في هذه الحياة".

مريم المالكي (36 سنة، مدربة تربية ذكيّة) تختلف في أسلوبها عن سامية قائلة: "أنا كأم أؤمن أن الامتحان هو يوم عادي فأسعى جاهدة ألا أعطيه أكبر من حجمه، وأحاول قدر المستطاع أن أعمل بشكل متوازن مع أبنائي إذ أحدّد برنامجًا للعمل والمراجعة مكثّف قليلًا عن المعتاد مع تنظيم وقت المراجعة دون أن أشعرهم بأن الأمر يستحق مجهودًا إضافيًا".

وتؤكّد مريم أنّ أبناءها يمارسون هوايتهم بشكل عادي فلا ينقطعون عن ممارسة رياضتهم المفضلة خلال الامتحانات. كما تحرص ألا تستعمل مفردات من قبيل "انتبه جيدا قبل الإجابة" و"ركز في امتحانك"، وتقول لنا إنها لا تكثر من الأسئلة حول محتوى الامتحان بل تمرّر نصائحها اليومية المعتادة حتى لا تزيد من حالة قلقهم، على حدّ تعبيرها.

سامية (أم 3 تلاميذ): أعرف أني أضغط كثيرًا عليهم في فترة الامتحانات حتى أني أتركهم يراجعون لساعات متأخرة من الليل ولكنّ أعرف أنهم سيعذرون تصرّفاتي عندما يكبرون 

وتختم حديثها قائلة: "هذه تجربتي مع أبنائي بالنسبة لي، وهي ناجحة نسبيًا إلى حد ما لأني لم أشعر أن أحدهم يرهب أو يخاف من يوم الامتحان. وفي نهاية الأمر، الامتحان هو يوم عادي علينا ندرب نحن الأولياء أنفسنا على التعامل معه بشكل طبيعي".

أما وفاء بولاهمي (36 سنة، مهندسة ديكور داخلي)، فتعيش حالة انفصام في فترة الامتحانات على حدّ قولها، إذ تسعى جاهدة أن تظهر لأبنائها أنها في حالة عاديّة في هذه الفترة وتحاول أن تكون هادئة وتحاول أن تقنعهم أنّ النتائج لا تعنيها بقدر اجتهادهم في المراجعة.

اقرأ/ي أيضًا: احذر مثاليّتك فقد تدمّر طفلك!

ولكنّها داخليّا تعيش حالة مناقضة تمامًا تتحدّث عنها لـ"ألترا تونس" قائلة: "أكون من الداخل امرأة "مهبولة" (مجنونة) حرارتها في الأربعين وتعيش ضغطًا شديدًا، إذ أغضب داخليًا عند استعراضهم لبعض الدروس بطريقة غير سليمة".

وتؤكّد وفاء أنّها دائمًا ما تحاول أن تقنع نفسها أنّ النتائج المدرسيّة لا تحدّد مستقبل الطفل فكم من المتفوّقين والمتميّزين في المدارس أضحوا الفاشلين في صراع الحياة وكم من الأطفال من كان يحصد نتائج متوسّطة أصبحوا نماذج نجاح في كبرهم، على حدّ تعبيرها.

وتكمل ضاحكة: "هكّة (هكذا) نصبّر في روحي لأنّه غالبًا ما يؤنّبني صوت داخلي يذكّرني أنّي لست أمًا مثاليّة ولا أضاهي بقيّة الأمّهات في الضغط على الأبناء من أجل التميّز"، مضيفة أنّ العديد من الأمّهات مثلها يعشن هذه العقليّة المخضرمة بين متطلّبات طفل هذا العصر وما اكتسبوه من تجارب تقليديّة من آبائهم.

يوم الامتحان.. تكرم العائلة أم تهان؟

تؤكّد المختصة في التعلميّة الدكتورة سماح البرادعي لـ"ألترا تونس" أنّ التعلّم في نظر العائلة التونسيَة كان هدفًا في حدّ ذاته مبتغاه المعرفة ثمّ التحصّل على وظيفة تسمح بالعيش الكريم، لكن مواكبة لتطوّر نسق الحياة وتغيّره، تغيّر الهدف من التعلّم حتى كاد أن يصبح عند البعض تقليدًا وعرفًا ليس إلاّ، ولم يعد الهدف منه تحصيل المعرفة بل صار الهدف منه تحصيل معدّل ممتاز للتفاخر به بين العائلات فصارت الامتحانات هاجس العائلة إذ بعدها تكرم العائلة أو تهان، على حدّ تعبيرها.

علاج الخوف من الامتحانات مرتبط بتغيير طرق الاستعداد للامتحان (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

وتضيف أنّ طريقة تحضير الامتحانات ترتبط بالهدف من التعلّم، فإذا كان الهدف منها المعدّل فإنّ الطفل لن يستعدّ للامتحان إلاّ بعد أن يتعرّف على موعده، لكن إذا كان الهدف من الامتحان هو المعرفة، فإنّ الاستعداد للامتحان يبدأ متى بدأ التعلّم وذلك بإعداد جذاذات لتلخيص الدروس وحصرها في خارطة ذهنيّة، ثمّ يعتاد الطفل قراءتها كل ليلة قبل النوم، ممّا يسهّل حفظ وتخزين المعلومات.

ولاحقًا إذا جاء موعد الامتحان، لم يتبق للطفل إلاّ المراجعة البسيطة ممّا يشعره بالطمأنينة والراحة النفسيّة التي تساعده على استيعاب المطلوب أثناء الامتحان. كما تجعل وظيفة التفكير تعمل بشكل جيّد خاصّة إذا حرصت العائلة على تمكين طفلها من غذاء جيّد ومتوازن أيام الامتحانات، ومن نوم جيّد وكافٍ ليلة للامتحان.

سماح البرادعي (مختصة في التعلّمية): علاج الخوف من الامتحانات مرتبط بتغيير طرق الاستعداد للامتحان وردود الأفعال إزاء النتائج، بمعنى تشجيع الطفل على المجهود أوّلًا مهما كانت النتائج

وتشدّد المختصّة في التعلّمية على أهميّة تنظيم وقت نوم الطفل وضرورة المحافظة على نوم جيّد ومتواصل وعدد ساعات نوم كافية، "فلا جدوى من إبقائه مستيقظاً إلى وقت متأخر لإنجاز أكبر قدر من التمارين أو إيقاظه مبكّرًا ليتمّ الحفظ ذلك أنّ التخزين قي الذاكرة يتمّ أثناء النّوم".

يعتبر الخوف من الامتحان نتيجة لتكثيف التحضير أثناء فترة الامتحانات ممّا يُشعر الطفل بثقل العبء، وقد يكون ناتجًا عن ردّ فعل الأولياء أو المربين إزاء النتائج المدرسيّة. لذلك تفسّر محدّثتنا أنّ علاج الخوف من الامتحانات مرتبط بتغيير طرق الاستعداد للامتحان وردود الأفعال إزاء النتائج، بمعنى تشجيع الطفل على المجهود أوّلًا مهما كانت النتائج، ثمّ التوقف عند الأخطاء لفهم سببها والتمكّن من تداركها مضيفة أنّ لا يجوز بحال من الأحوال اعتبار الخطأ خطيئة ومحاسبة الطفل بطريقة مخيفة تهزّ من ثقته بنفسه ولا تمكّنه من التدارك، على حدّ تعبيرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التربية على الصحة الجنسية.. ماذا سيتعلّم التلميذ التونسي؟

فيديو: هل تفضل تدريس ابنك في مدرسة عمومية أو خاصة؟