03-سبتمبر-2019

الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين والعضو المؤسس للمبادرة المستقلة "مواطنون" (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"مواطنون" هي مبادرة سياسية تضمّ كفاءات مستقلة، تخوض غمار الانتخابات التشريعية في قائمات موحّدة باسم "مواطنون ونشارك" بعد التحالف مع مبادرتيْ "نشارك" و"التحالف الاجتماعي".

للحديث عن هذه المبادرة وعن أهدافها والجهات التي تلتقي معها والأخرى التي تعتبرها خصمًا، التقى "ألترا تونس" العضو المؤسس والرئيس الشرفية لجمعية القضاة التونسيين كلثوم كنو.

وتطرّقت محدثتنا، أيضًا في الحوار، إلى ملف إصلاح القضاء في تونس بعد الثورة والمجلس الأعلى للقضاء وإيقاف المرشّح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي. وفيما يلي نصّ الحوار:


  •  في الفترة الأخيرة دقت كلثوم كنو ناقوس الخطر أكثر من مرة في علاقة بالوضع السياسي بالبلاد، ألهذا الحد ترين أن الوضع غير مريح؟

فعلاً الوضع السياسي في تونس خطير لعدّة أسباب منها انتشار المال السياسي الفاسد والاحتمال الكبير في أن يؤثر بصفة واضحة على نتائج الانتخابات القادمة ولذلك عدّة تمظهرات من قبيل إعلام غير محايد وشراء أصوات الناخبين.

كلثوم كنو: يوجد اليوم صراع واضح بين لوبيات الفساد والضرب أصبح "تحت الحزام" بوجه مكشوف تقريبًا

والأمر أفرز صراعًا واضحًا بين لوبيات الفساد والضرب أصبح "تحت الحزام" بوجه مكشوف تقريبًا، وهذا الصراع المكشوف سببه عدم وضوح أسبقية طرف على الآخر وفي الواقع هناك احتمال كبير أن تفرز الانتخابات برلمانًا مشتتًا دون كتل برلمانية وازنة تضمن الاستقرار السياسي الضروري للمرحلة القادمة المرشحة لأن تعرف اضطرابات سياسية أكبر حتى مما شهدناه في الخمس سنين الأخيرة.

وأما الخوف الأكبر والناتج عن التعفن السياسي الذي تشهده البلاد اليوم، هو أن تكون درجة المشاركة في الانتخابات متدنية بشكل كبير مما قد يزعزع ثقة الشعب في السلطة الجديدة التي ستبدو وكأنها لم تفز بشرعية شعبية كاملة وهذا خطير جدًا ونتمنى أن لا يحدث.

اقرأ/ي أيضًا: مصطفى بن جعفر: نحن في مرحلة البناء الفوضوي وهذا مرشحي للرئاسيات (حوار)

  • تحدّثت عن احتمال ضعف المشاركة في الانتخابات، في هذا السياق هل تعتقدين أن حظوظك قائمة في الفوز وأنت مترشحة في دائرة "تونس 1" في منافسة مع أسماء تقف وراءها "ماكينات" حزبية؟

الانتخابات البلدية سنة 2018، وحتى الانتخابات الجزئية اللاحقة، أثبتت أن المواطن التونسي فقد ثقته في الأحزاب الموجودة سواء تلك التي في الحكم أو في المعارضة لذلك فالناخب إما قاطع تلك الانتخابات أو صوت بنسب كبيرة لقائمات مستقلة تعبيرًا منه وبوضوح أنه يريد الجديد.

ونحن نتوقع أن يتواصل هذا التوجه وكلّنا ثقة في أن يجد الناخبون في قائمات "مواطنون ونشارك" البديل الذي يبحثون عنه.

  • في الانتخابات الرئاسية الفارطة ترشحت بصفة مستقلة، واليوم نراك تعودين إلى الواجهة السياسية من خلال مبادرة مواطنية بعيدًا عن الهياكل الحزبية لما هذا الخيار؟

كما بينت سابقًا تونس اليوم تمر بفترة خاصة فقد فيها المواطن الثقة في الأحزاب التي وبكل أسف فشلت في أن تستجيب لتطلعات الشعب وأن ترتقي لمستوى طموحاته، لذلك أصبح المواطن يبحث عن بديل خارج منظومة الأحزاب وهذا ما سيعطي دفعًا كبيرًا للقائمات المستقلة وثقتنا أن تكون قائمات "مواطنون ونشارك" إحدى أهم هذه القائمات.

كلثوم كنو: أثبتت الانتخابات البلدية أن المواطن التونسي فقد ثقته في الأحزاب الموجودة سواء في الحكم أو المعارضة 

  • وهل من الضروري حسب رأيك أن يكون الشخص الطموح سياسيًا مسنودًا من حزب ليحقق النجاح؟

في ظروف عادية نعم، فالأحزاب هي الشكل التنظيمي الذي يضمن الحد الأدنى من النجاعة والفعل المنظم ونحن ليس لنا أي مشكل مع الأحزاب بل نرى أنها ضرورية لنظام ديمقراطي مستقر.

وبالمناسبة هذه ليست ظاهرة تونسية بل على نطاق عالمي شهدنا صعودًا لحركات مواطنية مستقلة عن الأحزاب في أسبانيا وإيطاليا مثلًا، نجح بعضها حتى في تحقيق الفوز على أحزاب تاريخية والوصول إلى الحكم، وهذه الظاهرة العالمية أسبابها معقدة ومرتبطة أساسًا بالعولمة وشعور الشعوب بالظلم فحملت مسؤولية ذلك لمنظومات الحكم التقليدية وسعت للبحث عن البديل خارجها. 

  • إذا ماهي خلفية تأسيس مبادرة "مواطنون" وهل تعتقدين أنها من الممكن أن تحظى بثقة التونسيين في ظل عزوف فئة كبيرة من المجتمع وخاصة الشباب عن الحياة السياسية؟

"مواطنون" كانت نتيجة قراءة موضوعية للوضع السياسي في البلاد الذي ترجم بوضوح في الانتخابات البلدية الأخيرة التي عكست فعلًا عزوف فئات واسعة من المجتمع بكل أطيافه، وليس فقط الشباب، عن المشاركة في الحياة السياسية بسبب اليأس من قدرة الأحزاب الموجودة على تقديم الحلول لمشاكل البلاد المتراكمة.

كلثوم كنو: الشعب التونسي واع ويعرف كيف يعبر عن غضبه بطريقة ديمقراطية

وتلك النتائج أكدت أن الشعب التونسي واع ويعرف كيف يعبر عن غضبه بطريقة ديمقراطية، وهذه الرسالة وصلت لعديد المواطنين والناشطين غير المتحزبين وبثت فيهم الأمل في أن التغيير ممكن فالتقينا  جميعا حول مبادرة "مواطنون".

  • ماهي أهداف هذه المبادرة؟

هدف "مواطنون" هو تطوير المجتمع حتى يصبح قائما على عقلية مواطنية عصرية وإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والوطن على ذلك الأساس بحيث يصبح المواطن محور اهتمام كل مؤسسات ومكونات ذلك الوطن.

وانبعثت مبادرة "مواطنون" من فكرة أن تونس تحتاج جيلًا سياسيًا جديدًا يطرح فكرًا جديدًا يفرز رؤى وبرامج مبتكرة ومختلفة عن السائد ويمارس السياسة بطريقة جديدة على مستوى الهيكلة والتنظيم والتسيير وآليات أخذ القرار.

كلثوم كنو: انبعثت مبادرة "مواطنون" من فكرة أن تونس تحتاج جيلًا سياسيًا جديدًا يطرح فكرًا جديدًا يفرز رؤى وبرامج مبتكرة ومختلفة عن السائد 

ومن بين الأهداف الأساسية للمبادرة القطع مع الماضي وتحديدًا مع منظومة الحكم السياسية والاقتصادية التي تهيمن على البلاد منذ عقود طويلة،حتى لا نقول منذ قرون، أملًا في أن  تساهم في نقل البلاد إلى وضع جديد يحرر العقول ويحقق التطور والازدهار المنشود.

ومشروع "مواطنون" يطمح لإحداث تغيير عميق في العقليات والأساليب ينتقل من عقلية الخوف والدفاع إلى عقلية واثقة هجومية تطرح البديل وتسعى لتبني الجديد، وهذا المشروع وإن بدا حلما فتنفيذه يحتاج إلى الواقعية التي تفرض بدورها طول النفس والثبات على المسار لتحقيق الهدف وعدم الانزلاق إلى ردود الفعل تفاعلًا مع اكراهات الآني قصير المدى، وهذه هي الفلسفة التي نحاول أن نبني عليها سياساتنا في الوقت الراهن.

  • من هي الأطراف الي تلتقون معها؟

في الأساس وفي خطوطها العريضة "مواطنون" هي مبادرة ديمقراطية اجتماعية تسعى لتكريس النظام الديمقراطي الجمهوري في دولة مدنية وتنحاز للمواطن خاصة الطبقات الضعيفة في المجتمع وهي تقدمية تسعى لتحديث المجتمع وتطوير العقليات على أساس الانفتاح والمساواة الكاملة بين كل المواطنين والمواطنات.

كلثوم كنو: مبادرة "مواطنون" تقدمية تسعى لتحديث المجتمع وتطوير العقليات على أساس الانفتاح والمساواة الكاملة بين كل المواطنين والمواطنات

مواطنون أيضًا تراهن على التعليم والثقافة والمحافظة على البيئة وعلى التمكن من التكنولوجيا المتطورة كشروط أساسية لتطوير المجتمع وتحقيق الازدهار المنشود.

كل من يلتقي معنا على هذه الخطوط العريضة سنتعاون معه من أجل تحقيق مصلحة تونس وطموح شعبها في التطور والازدهار.

  • من هم الخصوم السياسيون لـ"مواطنون"؟

"مواطنون" تعارض أساسًا مكونات منظومة الحكم الحالية وتحملها مسؤولية الوضع المتردي الذي وصلت إليه تونس، وأيضًا تعارض كل من يتناقض مع مشروع مواطنون المبني على الحرية والديمقراطية والمساواة ومدنية الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: نجيب الشابي: النهضة محاصرة والرئاسة قد تؤول إلى شخصية شعبوية بلا تاريخ (حوار)

  • كان من المتوقع أن تخوض مواطنون الانتخابات التشريعية في قائمات موحدة مع مبادرات أخرى لينتهي الأمر بقائمات مشتركة مع مبادرتين فقط، ما اللذي حصل؟

خضنا مفاوضات طويلة مع عدة أطراف وتوصلنا إلى اتفاق مع الأكثر الجدية منها والتي نلتقي معها في المبادئ والأهداف ونحن اليوم نخوض الانتخابات في قائمات موحدة تضم ثلاثة أطراف وهي مبادرة "مواطنون"، وائتلاف "نشارك" و"التحالف الاجتماعي".

  • اخترتم شعار النحلة واللون الأخضر والأبيض، ماهي دلالات هذا الاختيار؟

النحلة ترمز للجد والاجتهاد والعمل والانضباط وهي قيم نتمسك بها ونسعى لترسيخها في المجتمع التونسي. كما أن النحلة هي كائن حي وبالتالي ترمز للطبيعة وللبيئة التي نعتبر المحافظة عليها من أكبر التحديات التي تواجهها البشرية اليوم وهو ما يرمز له اللون الأخضر أيضًا الذي نؤكد من خلاله على حرصنا الشديد أن تكون تونس خضراء فعلًا وجميلة كما نريدها جميعًا.

كلثوم كنو: نسعى لبناء قوة سياسية حقيقية، متماسكة ومستقرة وذات انتشار واسع، وتكون جاهزة للمساهمة الفاعلة في الحكم في المستقبل

  • هل هدفكم البرلمان فقط أم الحكومة أيضاً؟

هدفنا أن يكون لنا وجود في البرلمان يسمح لنا، مع من نلتقي معهم في الأهداف، أن نتقدم بمبادرات تشريعية تساهم في تحقيق رؤيتنا وأهدافنا.

 أما الحكومة فهي ليست من أولوياتنا في الوقت الراهن لأننا نسعى للتركيز، دون تسرع، على بناء قوة سياسية حقيقية، متماسكة ومستقرة وذات انتشار واسع، تكون جاهزة للمساهمة الفاعلة في الحكم في المستقبل.

"مواطنون" ليس لها مرشح للرئاسية وتسعى لتركيز كل جهدها وطاقاتها على الانتخابات التشريعية التي تعتبر محطة هامة على درب تحقيق مشروعها المستقبلي.

  • ما رأيك فيما حصل مع نبيل القروي، هل تعتقدين أن هناك عودة لتوظيف القضاء في معركة سياسية؟ وماهي قراءتك القانونية لما حصل؟

لن أبدي رأيي في خصوص موضوع القضية لأن هذه المسألة مازالت تحت أنظار القضاء ومازال التحقيق متعهّدا بها ولكن ما يمكنني قوله إن التأويل الذي ذهبت إليه دائرة الاتهام التي أصدرت بطاقة الإيداع يعتبر سابقة.

كلثوم كنو: التأويل الذي ذهبت إليه دائرة الاتهام التي أصدرت بطاقة الإيداع في قضية نبيل القروي يعتبر سابقة

وبقطع النظر عما إذا كان هذا التأويل صحيحًا أم خاطئًا، فإن اجتهاد دائرة الاتهام في هذا التوقيت بالتحديد يجعل شكًا كبيرًا يحوم حول السبب الحقيقي وراء إصدار بطاقة الإيداع التي يُلتجأ إليها في الطور التحقيقي في حالات استثنائية جدًا وذلك لمصلحة التحقيق إما خوفًا من المظنون فيه أو خوفًا عليه.

وطالما أننا نجهل السبب الحقيقي الذي دعا أعضاء دائرة الاتهام لاتخاذ هذا القرار وفي هذا الظرف الزمني بالتحديد فإنّ ذلك هزّ ثقة العديد في القضاء.

  • بعد 7سنوات من الثورة، هل ترين أن الإصلاحات تحققت خاصة على المستوى القضائي وأنت القاضية التي نادت بالاصلاح؟

سبق وان صرحت في عديد المناسبات بأن القضاء التونسي شأنه شأن مؤسسات أخرى لم تتعاف وليتم ذلك يتطلّب الأمر عديد الإجراءات.

ومردّ التعثر في عملية الإصلاح حسب اعتقادي ليس انعدام الامكانيات المادية فقط بل أيضا عدم توفّر الإرادة السياسية الواضحة للإصلاح وهذا ما سمانه طيلة السنوات الماضية بعد الثورة، إذا مازالت هناك عراقيل قانونية تعرقل عملية الإصلاح منها عدم تنقيح القانون الأساسي للقضاء لسنة 1967 وبقاء النيابة العمومية خاضعة لوزارة العدل.

كلثوم كنو: عراقيل قانونية تعرقل عملية الإصلاح منها عدم تنقيح القانون الأساسي للقضاء لسنة 1967 وبقاء النيابة العمومية خاضعة لوزارة العدل

وإلى جانب الإصلاح المؤسساتي الذي يجب أن يتواصل، لم تتم عملية الإصلاح كما يجب على مستوى الأشخاص وأقصد بذلك القضاة ومساعدي القضاة، وهذا الإصلاح لا يتعلّق فقط بالجانب التكويني المعرفي وإنما أيضًا جانب السلوكيات.

ولا أنكر أن القطاع يزخر بقضاة ذوي سمعة جيدة وخبرة وكفاءة وحياة واستقلالية ويحترمون المتقاضي والمحامي ولكن في المقابل هناك من القضاة من يفتقدون هذه الصفات غما بعضها أو جميعها وللأسف نجدهم في اغلب الأحيان في مناصب هامة في القضاء.

  • وهل ساهم المجلس الأعلى للقضاء في تغيير الوضع ولو بنسبة قليلة؟

إرساء المجلس الأعلى للقضاء بتركيبته الحالية لا يعد فقط مكسبًا للقضاء، وإنما لجميع التونسيين والتونسيات وكل متقاض ولكن هذا المكسب المؤسساتي غير كاف.

على المجلس أن يخطو خطوات أسرع لإعادة الثقة في القضاء فغياب الشفافية التامة في اعماله جعلته عرضة للنقد وفي بعض حالات كان مرد استياء سواء من القضاة أنفسهم أو من المحامين أو حتى من المواطنين وذلك في علاقة بالحركة القضائية التي يعدّها المجلس وعدم التوزيع العادل للقضاة في المحاكم خاصة في بعض المحاكم في الجهات الداخلية.

  • أين القضاء من برنامجكم في الانتخابات التشريعية؟

تحالف "مواطنون ونشارك" جعل الاصلاح القضائي في أولويات برنامجه تمامًا كإصلاح التعليم والصحة والمحافظة على البيئة حتى يصبح لدينا قضاء عادلًا ومستقلًا وناجعًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معضلة طول آجال التقاضي في المحاكم التونسية (حوار مع القاضي عمر الوسلاتي)

عضو هيئة مكافحة الفساد محمد العيادي: لا نتحمّل مسؤولية تباطؤ القضاء (حوار)