29-أغسطس-2019

رئيس المجلس الوطني التأسيسي والرئيس السابق لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (عبد السلام الهرشي/ألترا تونس)

تستعد تونس، خلال الفترة المقبلة، لتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ستسبق الانتخابات التشريعية، في ثاني انتخابات عامة بعد إقرار دستور 2014. ويرافق الاستحقاق الرئاسي المرتقب زخمًا وجدلًا بين تعدد المترشحين المنتمين لنفس العائلة السياسية، وإيقاف أحد المترشحين في قضية غسل أموال، ووجود آخر في الخارج هربًا من الملاحقات القضائية.

وكان قد قدّم رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، في الأثناء مؤخرًا، مبادرة سياسية لتقديم مرشح توافقي غير أنها لم تلق صدى وتجاوبًا لدى الأحزاب. حول هذه المبادرة وعن تقييمه للمشهد السياسي اليوم وآخر تقديراته، التقى "ألترا تونس" رئيس المجلس الوطني التأسيسي والرئيس السابق لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ليكون الحوار التالي.


  • كيف تقيم المشهد السياسي الحالي في تونس اليوم؟

 الفترة الأولى الانتقالية كانت متأثرة كثيرًا بأحداث الثورة متسمة بعدم الاستقرار، ولكن رغم التحديات أُجريت أول انتخابات تعددية أنجبت المجلس الوطني التأسيسي. ثم في المرحلة الثانية ورغم التحديات و العراقيل الكبيرة، تمكننا من إرساء القاعدة الصلبة لنظام ديمقراطي جديد أي الدستور الذي يعتبر من أفضل الدساتير التقدمية الحديثة. لكن انطلاقًا من 2014، كان من المنتظر أن ننتقل من التأسيس إلى المؤسسات وهو ما لم يحصل للأسف، فلم يتم احترام الآجال الدستورية الملزمة لإرساء المؤسسات أهمها المحكمة الدستورية وهو ما يفسر بروز العديد من المشاكل ولكن رغم جميع هذه التعثرات تمكننا من الحفاظ على مكسب الحرية.

مصطفى بن جعفر: يوجد شكل من أشكال البناء الفوضوي وذلك عندما لا نحترم الدستور وعندما نجد تعددًا للأحزاب دون تعددية حقيقية 

نتيجة هذا التسيب في المرحلة الأخيرة، يوجد شكل من أشكال البناء الفوضوي وذلك عندما لا نحترم الدستور، وعندما نجد تعددًا للأحزاب دون تعددية حقيقية إذ أن عددًا قليلًا من الأحزاب عقدت مؤتمراتها وتعقد اجتماعات دورية لهياكلها وتنشط فعلًا وتقدم تقاريرها المالية. وأصل المشكل هو عدم وجود قانون الأحزاب، وذلك في ظل عدم الحديث عن التمويل العمومي الذي يحمي الأحزاب من مصادر التمويل المشبوهة. فهل من المعقول أن الحياة السياسية التي تُبنى على الأحزاب ليس لها قانون ينظمها و يضبط قواعدها؟

  • كيف تنظر إلى انتخابات 2019؟

كل ما نراه اليوم هو نتيجة للبناء الفوضوي، كيف يمكن قبول ترشحات أشخاص من قبل الهيئة ثم نكتشف أنهم قاموا بترشح افتراضي؟ من المسؤول عن هذا هل هو القانون الانتخابي؟ يوجد من استسهل منصب رئيس الجمهورية وذلك من خلال الاستهزاء بشخصية الرئيس سواء في فترة الرئيس السابق المنصف المرزوقي أو الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وهو ما نتج عنه ظهور تزكيات مزورة.

نعيش خطابًا سياسيًا رديئًا يحتقر العمل السياسي الحزبي، وهذا الخطاب وضع جميع الأحزاب والشخصيات السياسية في نفس السلة ما نتج عنه قلة الثقة بين المواطن والطبقة السياسية في حين أن المسؤولية تعود على البعض بسبب ممارساتهم اللاأخلاقية.

اقرأ/ي أيضًا: سامية عبو: المنصف المرزوقي لا يحتاج إلى دعوة للتنازل لمحمد عبو (حوار)

  • كيف تعلق على إيقاف نبيل القروي المرشح للانتخابات الرئاسية؟

لا نستطيع التعليق على حدث بدون الأخذ بعين الاعتبار ما قلناه سابقًا. هذه شخصية تثير الجدل منذ سنوات، وكان لها ضلعًا كبيرًا في انتخابات 2014 عبر تجاوزات معروفة وموثقة، وهي شخصية كانت في وضع ما أسميه بالانتصاب الفوضوي لحساب الغير، ولكن بعد سنوات أصبحت منتصبة فوضويًا لحسابها الخاص ضاربة عرض الحائط بقوانين المؤسسات والجمعيات.

مصطفى بن جعفر: الخطأ في قضية نبيل القروي هو معالجة تجاوزات بتجاوزات من دولة تُعتبر دولة قانون

وقام هذا الشخص بتجاوزات في القطاع السمعي البصري لكنها قوبلت بالصمت إن لم نقل بالتواطؤ، ثم بعد ذلك عندما أصبح هذا المرشح منتصبًا لحسابه اكتشف الجميع وخاصة الساسة أنه أصبح يشكل خطرًا. وقع غض الطرف عن تجاوزاته في وقت ما رغم وجود الترسانة القانونية لردعه ثم بعد ذلك حاول البعض تدارك الأمر، و هكذا في مقابل تجاوزاته وقعت تجاوزات أخرى من بينها محاولة سن قانون على عجل، وتجاوز آخر من قبل رئيس الجمهورية رحمه الله بعدم ختم القانون رغم المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.

وقد سبق لي تجاه هذه التطورات أن عبرت عن رفضي لكل تجاوز للدستور، فما عشناه في المدة الأخيرة يشكل سابقة خطيرة في مجال الحريات، وهنا المطلوب من الدوائر القضائية أن تفسر للرأي العام كيف وقع أو لم يقع احترام الإجراءات في قضية توقيف هذه الشخصية التي لا يمكن اعتبارها، رغم كل ذلك، ملاكًا أو ضحية سياسية.

  • هل تعتبر إيقاف المرشح نبيل القروي تصفية لحسابات سياسية؟

لو كان المرشح بريئًا من كل الشبهات لقلنا ذلك، ولكن هناك قضايا وتجاوزات ضده، والخطأ هو معالجة تجاوزات بتجاوزات وهذا غير مقبول من قبل دولة تُعتبر دولة قانون.

مراسل "ألترا تونس" مع رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر

  • هناك من يتحدث عن استعمال أجهزة الدولة في السباق الرئاسي؟

عندما لا نرى القانون يطبق بصرامة وبنفس السرعة على كل المواطنين الذين يقومون بأي تجاوز كان، الشك يجد طريقه في هذه الحالات وهذا عنصر من العناصر التي تدفع المواطن لأن يفقده ثقته في الدولة.

مصطفى بن جعفر: عندما لا نرى القانون يطبق بصرامة وبنفس السرعة على كل المواطنين يحوم الشك حول استعمال أجهزة الدولة

  • كيف ترى المشهد السياسي بعد الانتخابات المقبلة؟

بالطبع سيكون لهذه التجاوزات وغيرها انعكاس مباشر على نتائج الانتخابات، أن تكون في سدة الحكم بمشروعية الانتخابات هذا لا يكفي، فأنت في حاجة إلى مشروعية الأداء السياسي التي كانت مفقودة على مدى الخمس سنوات الماضية.

المشكلة التي يجب أن نجد لها حلًا في السنوات القادمة هي تسهيل عملية الاختيار بالنسبة للمواطن، توجد لخبطة تامة في المشهد السياسي اليوم لا يمكن أن تميز بين اليساري واليميني والوسطي والمحافظ والحداثي والليبرالي، فيوجد تقسيم آخر بين من يؤمنون بالثورة وأهدافها وتجدهم في الوسط واليسار واليمين، ويوجد أيضًا التمييز على أساس الموقف من الإسلام السياسي وهذا التقسيم يثير إشكالية خصوصية. وعمومًا في غياب تركيز الصراع السياسي على البرامج، هذه اللخبطة تجعل المواطن في حيرة بما يؤدي إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات.

مصطفى بن جعفر: الشعبوية ظاهرة ظرفية وهي نتيجة مباشرة للفراغ السياسي وعدم وجود تكافئ الفرص وغياب قانون للأحزاب

  • ما رأيك في ترشح شخصيات شعبوية للانتخابات الرئاسية؟

ظاهرة الشعبوية ليست خاصة بتونس، وهي موجودة في إيطاليا وأوروبا الشرقية وأيضًا في الولايات المتحدة. وأعتقد أنها ظاهرة ظرفية لأن اغتنام للأزمات وتوظيفها من أجل كسب معارك وفضاءات ومناصرين، وهي نتيجة مباشرة للفراغ السياسي وعدم وجود تكافئ الفرص وغياب قانون الأحزاب مع غياب نظام داخلي للبرلمان يمنع السياحة بين الكتل. ويوجد أيضًا شعور سائد في تونس بالضبابية التي تولد الحيرة، عدا عن صعوبة الناخب في الاختيار وهذا ما مهّد لظهور الشعبويين.

اقرأ/ي أيضًا: نجيب الشابي: النهضة محاصرة والرئاسة قد تؤول إلى شخصية شعبوية بلا تاريخ (حوار)

  • ماهي تفاصيل المبادرة التي قدمتها من أجل تقديم مرشح توافقي؟

ما تعيشه تونس اليوم هو تغييب للمشاكل الحقيقية للمواطن التونسي وإظهار المشاكل الجانبية وهو ما عمق أزمة المواطنين والكادحين. وبنظرة بسيطة للمشهد السياسي، يمكن أن نلاحظ غياب الممثل الحقيقي لهذه الطبقات أي الممثل عن الطيف الديمقراطي الاجتماعي.

مصطفى بن جعفر: لم أكن في البداية متحمسًا للترشح للرئاسة ولكن كنت دائمًا أدافع عن مبدأ المترشح التوافقي الذي يلعب دور الحكم بين كل الأطراف ويكون على نفس المسافة من الجميع

وأمام هذه اللخبطة في المشهد السياسي، لم أكن في البداية متحمسًا للترشح للرئاسة ولكن كنت دائمًا أدافع عن مبدأ المترشح التوافقي الذي يلعب دور الحكم بين كل الأطراف ويكون على نفس المسافة من الجميع. وهذا المرشح التوافقي يجب أن يحظى قبل الترشح لقرطاج بحزام يمكنه سياسي يمكنه من تكريس مشروعه عندما يصل إلى قرطاج. ولكن أستطيع القول الآن أنني لم أجد المساندة المنتظرة.

وهذه المبادرة التي قدمتها ربما فشلت اليوم، ولكن أنا مقتنع أنها ستعطي أكلها في قادم السنوات عندما يتوفر النضج السياسي الكامل لدى القيادات السياسية.

  • هل تدعم ترشح إلياس الفخفاح في الانتخابات الرئاسية؟

بعد الفشل في تجميع العائلة الوسطية حول مرشح توافقي، قرر حزب التكتل ترشيح إلياس الفخفاخ وهو مرشح من عائلتي الفكرية. هو شخصية محترمة لها خصال معروفة وكفاءة ممتازة في المجال الاقتصادي ومناضل له تجربة في السلطة سواء في وزارة السياحة أو وزارة المالية.

  • أين هو التكتل في الساحة السياسية اليوم؟

عاش حزب التكتل مرحلة صعبة سنة 2014 وتعافى منها لأنه قام بتقييم جدي وواضح بعد أخذ الوقت اللازم، ونظمنا مؤتمرًا في 2017 وسلمنا المشعل إلى قيادة جديدة تضم نسبة كبيرة من المرأة و الشباب. هي انطلاقة جديدة للحزب، وأرجو أن تكون انتخابات 2019 محطة ليسترجع التكتل أنفاسه والمكانة التي يستحق.

مصطفى بن جعفر: أرجو أن تكون انتخابات 2019 محطة ليسترجع حزب التكتل الديمقراطي أنفاسه والمكانة التي يستحقها

  • متى يمكن القول إن تونس فشلت في انتخابات 2019؟

عندما يصعد أشخاص إلى السلطة بدون رؤية ولا برنامج ولا إيمان بالديمقراطية ولا علاقة بالدستور وعدم الوفاء للشهداء الذين استشهدوا من أجل الحرية والكرامة. في هذه الحالة ستكون مأساة بالنسبة لتونس ولكن حتى لو أعطى الصندوق هذه النتيجة فيجب علينا كديمقراطيين أن نحترمها ونواصل النضال من أجل تصحيح المسار.

  • من من بين المرشحين للرئاسة يمثل أفكارك؟

كل من يمثل العائلة الديمقراطية الاجتماعية مع التأكيد في هذه اللخبطة السياسية أن تصنيف الأحزاب لا يخضع لمقاييس واضحة. هناك من يسمي نفسه ديمقراطي ولكنه لا يعترف بالدستور وليست له أي تجربة في ممارسة الديمقراطية. وهذه اللخبطة يدفع نحوها كثيرون من أجل إنتاج "نداء تونس" آخر الذي يعتبر كارثة حيث كان خليطًا بين متناقضات اجتمعت حول مصالح ثم تشتتت بعد الانتخابات.

مصطفى بن جعفر: أدعو دائمًا إلى تجميع كل القوى التي تؤمن بالثورة وبالخيارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية

  • ما الذي يجب فعله بصفة عاجلة بعد الانتخابات؟

إذا أحسن الشعب الاختيار وانتخب ديمقراطيين، هناك خطوات لا تحتاج أموالًا ولا قروضًا ولا تداينًا، تحتاج فقط إرادة سياسية وهي أولًا إرساء المحكمة الدستورية التي أعتبرها العمود الفقري للمنظومة الديمقراطية. ولابد أيضًا من مراجعة القانون الانتخابي في نقاش هادئ وليس في جو مليء بالاتهامات والاتهامات المضادة من أجل الحصول على أغلبية مستقرة ومريحة قادرة على تطبيق الإصلاحات المتأكدة. وأعتقد أن كل المجالات وخصوصًا الإدارة والتربية والصحة والخدمات تحتاج إلى إصلاح.

  • ماذا يمكن أن يقدم بن جعفر للساحة السياسية في المستقبل؟

سلمنا المشعل في ظروف طيبة إلى فريق جديد بالنسبة لحزب التكتل، وأنا اليوم متابع للمشهد السياسي وسأواصل النضال من خلال الأطر السانحة ومن بينها الكتابة. وأدعو دائمًا إلى تجميع كل القوى التي تؤمن بالثورة وبالخيارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بسام معطر (عتيد): سنراقب "فيسبوك" خلال الانتخابات واتحاد الشغل يناور (حوار)

عادل المعيزي: مثّلنا الدولة التي تعرّي نفسها في هيئة الحقيقة والكرامة (حوار)