10-أغسطس-2019

ستشهد الانتخابات تنافسًا محمومًا في الدورة الأولى بين المترشحين الجديين (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

أغلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مساء الجمعة 9 أوت/أغسطس 2019، باب قبول الترشحات للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها (15 سبتمبر/أيلول المقبل) على خلفية وفاة رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي، الذي قلب التوازنات وأعاد ترتيب أوراق المشهد السياسي سواء قبيل وفاته (رفض ختم تنقيح القانون الانتخابي الذي كان سيقصي مترشحين بارزين للانتخابات بالخصوص الرئاسية منها وتحديدًا رجل الأعمال نبيل القروي)، وكذا فور وفاته (تسبيق الانتخابات الرئاسية على التشريعية وما تعنيه من إعادة ترتيب الأحزاب لأولوياتها وتحالفاتها).

وتلقت الهيئة على مدى 8 أيام 97 ترشحًا للانتخابات الرئاسية حوالي ثلاثة أرباعها من الترشحات الصورية غير مستوفية الشروط، ما يعني أن القائمة النهائية للمرشحين ستضمّ، وعلى غرار رئاسيات 2014، ما دون 30 مرشحًا سيتنافسون من أجل الفوز بمنصب رئيس الجمهورية لعهدة بخمس سنوات (2019-2024) في نظام شبه برلماني، مستفردًا بضبط السياسات العامة في 3 مجالات هي الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي، وذلك إضافة لصلاحيات أخرى (أهمها المبادرة التشريعية/طلب تنقيح الدستور/حق ردّ القوانين/حل البرلمان بشروط/تعيين 4 أعضاء في المحكمة الدستورية) عدا عن دوره في ضمان احترام الدستور والحفاظ على الوحدة الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: الرئاسية تسبق التشريعية.. هكذا بُعثرت أوراق الأحزاب في تونس

"أبناء الباجي".. الورثة المتخاصمون

رئيس الحكومة يوسف الشاهد (مترشح عن حزب "تحيا تونس")، ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي (مترشح كمستقل مدعوم من حركة "نداء تونس" و"آفاق تونس")، ومديرة الديوان الرئاسي السابق ووزير السياحة السابقة سلمى اللومي (مترشحة عن "حزب الأمل")، ومدير حملة السبسي في انتخابات 2014 ومستشاره السياسي السابق محسن مرزوق (مترشح عن "حركة مشروع تونس")، ووزير التربية السابق والأمين العام السابق لنداء تونس ناجي جلول (مترشح كمستقل)، ووزير الصحة السابق سعيد العايدي (مترشح عن حزب "بني وطني")، جميعهم، يعرفون أنفسهم، صراحة، كـ"أبناء الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي"، وجميعهم يتنافسون على ميراثه السياسي وجمهوره الانتخابي، وهم يترشحون اليوم للانتخابات الرئاسية.

عدا الزبيدي، بقية المترشحين الستة المذكورين أعلاه كانوا ينتمون لحزب نداء تونس، وكانوا ضمن حملة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في انتخابات 2014، ولكن أخذ كل واحد منهم طريقه فيما بعد وأغلبهم يقود حزبًا "فرعيًا" عن "النداء التاريخي"، ويرى نفسه جديرًا بأن يكون في قصر قرطاج خليفة لمورّثهم الأوحد.

رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بداية، يترشح للانتخابات الرئاسية وهو في موقع صعب، إذ يواجه "تهمة مزدوجة" على مستوى تموقعه أو جدارة التمثيل لعائلته السياسية والأيديولوجية

رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بداية، يترشح للانتخابات الرئاسية وهو في موقع صعب، إذ يواجه "تهمة مزدوجة" على مستوى تموقعه أو جدارة التمثيل لعائلته السياسية والأيديولوجية. فهو يُتهم أولًا أنه "ابن عاق" للرئيس الراحل السبسي وذلك حينما فك ارتباطه عنه وتحالف مع حركة النهضة خلال مفاوضات "قرطاج 2" (حافظ قايد السبسي مثلًا اتهم حاشية الشاهد أنها قادت حملة تشويه وافتراء ضد والده في الفترة الماضية)، وثانيًا ارتباطًا بالأولى، يظهر أنه ظلّ في صورة التابع لحركة النهضة وقد ظلّ فعلًا لآخر وقت، قبيل ترشيحه، ينتظر دعمًا من مجلس شورى النهضة (طلب دعمًا غير علني في الدورة الأولى وفق ما تنقله مصادر مطلعة متعددة). بذلك يجد الشاهد نفسه في موضع دفاع عن صورته وهو الذي يحاول تصدير نفسه كمرشح "الطيف الديمقراطي التقدمي" كما قال، غير أنه يترشح بالنهاية عن حزبه فقط وقد انفضت الأحزاب القريبة من خطه السياسي على رأسها حزبي نداء تونس وآفاق تونس (تدعم الزبيدي كما دعمت السبسي في 2014) وحتى حليفه في الحكومة "مشروع تونس" الذي رشح رئيسه محسن مرزوق.

غير أن الأكثر صعوبة بالنسبة للشاهد، وفي علاقة بحظوظه الانتخابية، أنه يقدم نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية، وهو يحمل عبء رئاسة الحكومة لمدة 3 سنوات بحصيلة اقتصادية دون المأمول (أساسًا بطء النمو وارتفاع نسبة المديونية وتراجع قياسي للدينار) وأخرى اجتماعية سلبية (تحديدًا ارتفاع نسبة التضخم وتراجع قياسي للمقدرة الشرائية)، يظهر الشاهد المسؤول الأول عنها لدى طيف واسع من الرأي العام، وهو ما عكسه تأخره في ترتيب نتائج سبر الأراء المنشورة بل وتلك المنجزة مؤخرًا خلال الفترة الانتخابية وهي غير المنشورة بحكم القانون الانتخابي.

وتوجد اليوم مؤشرات أولية، على الأقل، أن مجموعات التحقت بحزب "تحيا تونس" مع يوسف الشاهد، بدأت تعي أن جوادها قد لا يكسب ورهانها قد لا يفلح، ولذلك بدأت بمغادرة المركب من الآن، ولعل أهمها استقالة المكتب الجهوي لـ"تحيا تونس" بولاية المنستير (وهي "الولاية الرمز" التي تأسس فيها الحزب، كما تأسس سابقًا حزب نداء تونس، وتأخذ رمزيتها بأنها معقل الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة)، كما ينضاف مؤشر آخر وهو دعم القيادي في الحزب ورجل الأعمال الشهير من جهة صفاقس المنصف السلامي لترشح الزبيدي على حساب الشاهد.

وفي هذه الأجواء، توجد خشية، عبرت عنها أحزاب وجمعيات، من توجه رئيس الحكومة لتوظيف منصبه ووسائل الدولة خلال الفترة المقبلة قدر الإمكان لضمان فوزه في الاستحقاق الرئاسي المقبل، على اعتبار أن الخسارة تعني نهاية سياسية مبكّرة للشاهد الذي لطالما كان يفاخر بأنه يمثل الشباب، وكذا لحزبه "تحيا تونس" الذي لطالما تفاخر بأنه وُلد كبيرًا.

لا تزال تُبنى سردية لتقديم الزبيدي للجمهور العريض، وهو الذي كان بعيدًا عن الأضواء طيلة السنوات الأخيرة ولم يظهر في استطلاعات الرأي البتة، وتُبنى السردية انطلاقًا من كونه "الوريث الشرعي للرئيس الراحل"

وقد أخذت مهمة الشاهد في الانتخابات منحى أكثر صعوبة خاصة مع مباغتته بترشح وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي، الذي سرعان ما اكتسب حزام سياسي حزبي في ظرف وجيز (نداء تونس وآفاق تونس مبدئيًا)، بالتوازي مع حملة إلكترونية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج له على اعتبار أنه "طارئ سياسي/انتخابي".

وبُنيت، ولازالت تُبنى، سردية لتقديم الزبيدي للجمهور العريض، وهو الذي كان بعيدًا عن الأضواء طيلة السنوات الأخيرة ولم يظهر في استطلاعات الرأي البتة، وتُبنى السردية انطلاقًا من كونه "الوريث الشرعي للرئيس الراحل" وبأنه أكثر الشخصيات الرسمية المقربة منه (نجل السبسي ورئيس "نداء تونس" حافظ قايد السبسي أكد مثلًا أن والده لو ظل على قيد الحياة كان سيدعم الزبيدي)، وكذا على اعتبار أنه "مرشّح جهة الساحل" (الجهة التي يعود منها الزعيم الراحل بورقيبة والمخلوع بن علي وتشكل مع تونس العاصمة جناحي النخبة السياسية التقليدية في تونس)، وكذا من كونه قادم من وزارة ارتبط اسمها بالجيش الوطني، المؤسسة الأكثر موثوقية لدى التونسيين والمرتبطة بمعاني الوطنية والصرامة وهو ما قد يرفع أسهمه لدى جمهور الناخبين.

اقرأ/ي أيضًا: الكوميديا الانتخابية.. الانتخابات الرئاسية تحت قصف السخرية

يظهر بذلك كمرشح "التوافق الممكن" خاصة وأنه محايد حزبيًا، ومسيرته تجنح نحو تبديد مخاوف أغلب الأحزاب والتيارات السياسية (وزير قبل الثورة مع بن علي/وزير بعد الثورة في عدة حكومات تحديدًا حكومة السبسي 2011 وحكومة الترويكا 2012 والآن حكومة الشاهد). وهو يلقى دعمًا من شخصيات من عائلات سياسية مختلفة منها العائلة الإسلامية في شخص القيادي في حركة النهضة والمستشار السابق لرئيسها لطفي زيتون، بل وصف راشد الغنوشي مؤخرًا الزبيدي بأنه "صديق للنهضة".

لكن هذا الصعود المفاجئ للزبيدي يُنظر إليه من قطاع آخر من النخبة السياسية بريبة، خشية أن يكون مرشح مدفوع من جهات متنفذة، بعضها مجهول، سواء في الداخل (من مراكز النفوذ غير الداعمة تحديدًا لرئيس الحكومة) أو الخارج (يشير البعض للإشادة المريبة بخصاله في وسائل إعلام سعودية وإماراتية كمؤشر)، ووصف رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر عملية صعود الزبيدي بأنها "مدبّرة من ماكينات قويّة" (يُؤخذ هذا التصريح بالعلم أن بن جعفر كان اسمًا مطروحًا داخل حركة النهضة لدعمه تخييرًا مع الزبيدي والشاهد). وعمومًا الريبة من وزير الدفاع المستقيل، ظهرت للعموم، يوم تقديم ترشحه على خلفية الجدل الذي رافق تصرف العناصر المحيطة به (وتحديدًا المستشارة في الاتصال رانيا البراق التي تُداول بشأنها معطيات خطيرة حول ارتباطاتها لا يُعرف على وجه الجزم مدى صحتها).

ولكن بحجم الحملة الفايسبوكية الممولة للترويج للزبيدي، انتشرت حملة أخرى أيضًا ضده من صفحات ومواقع غير مهنية محسوبة على رئيس الحكومة، ولم يتردد وزير الدفاع، يوم تقديم ترشحه، في الحديث عن تعرضه لـ"حملة شرسة تُستعمل فيها إمكانات الدولة" فيما ظهر وضوحًا إشارة لرئيس الحكومة (أعلن الزبيدي أيضًا تقديم استقالته من وزارة الدفاع إلى رئيس الجمهورية دون ذكر رئيس الحكومة وهو مؤشر على توتر العلاقة بينهما).

 الصعود المفاجئ للزبيدي يُنظر إليه من قطاع آخر من النخبة السياسية بريبة، خشية أن يكون مرشحاً مدفوعًا من جهات متنفذة، بعضها مجهول، سواء من الداخل أو في الخارج

الزبيدي يواجه، خلال الفترة القادمة، تحديات لضمان موقع متقدم على الأقل في الدورة الأولى يؤهله للدورة الثانية، أهمها أنه لازال شخصية مجهولة لدى قطاع من الناخبين خاصة غير المتسيسين وهو الذي كان دائمًا بعيدًا عن الأضواء، كما يواجه صعوبة في الحديث وليس حتى الخطابة بشكل بات محل تندر على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل ذلك في ظل رهان قدرته على تقديم عرض مغر وجاذب لجمهور الناخبين انطلاقًا من السردية الناشئة أنه "الوريث الشرعي" للرئيس الراحل خصوصًا، ولمشروع الدولة الوطنية البورقيبية عمومًا. ولكن مع وجود ماكينات حزبية ومالية وإعلامية داعمة له، يملك الزبيدي مقوّمات أولى ليس فقط للرهان الجدي بل الأهم لإمكانية الاستئثار بـ"التصويت المفيد" في الدورة الأولى وذلك على حساب رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

أما بقين المترشحين من "أبناء الباجي"، والحديث عن سلمى اللومي ومحسن مرزوق وسعيد العايدي رؤساء أحزاب "الأمل" و"مشروع تونس" و"بني وطني" على التوالي (منشقة من نداء تونس) ويُضاف إليه الأمين العام السابق للنداء ناجي جلول، لا يملكون أي حظوظ جدية في الرهان على السباق الانتخابي. والملاحظ أن جميعهم قدموا ترشحاتهم في اليوم الأخير ما يرجح أنهم ظلوا ينتظرون تطورات أسبوع الترشحات بحثًا عن تموقع مربح مع أحد المرشحين الجديين، ومن المنتظر أن يستمر هذا البحث طيلة الفترة المقبلة، ولا يُستبعد البتة أن يسحب البعض منهم ترشحاتهم لفائدة مرشح آخر (تحديدًا الشاهد أو الزبيدي) وذلك بدل تحصيل نسبة ضعيفة جدًا في الدور الأول ستكون مكلفة على حظوظهم في الانتخابات التشريعية لاحقًا.

عبد الفتاح مورو.. مرشح جدي أم مرشح مناورة؟

لم يكن خبر ترشيح حركة النهضة لنائب رئيسها ورئيس البرلمان بالنيابة عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية المبكرة حدثًا محليًا فحسب، بل بلغ صداه واسعًا إقليميًا على اعتبار أن تصدير إسلامي لرئاسة الجمهورية يحمل مغامرة/مواجهة محتملة للإسلاميين قد تحمل آثارًا ارتدادية مكلفة (يُسترجع في هذا الإطار لما يُعتبر "خطأ" ترشيح الإخوان المسلمين للفقيد محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية 2012 كأول خطوة في مسار الانقلاب العسكري عام 2013). والنهضة إذ تقدم مورو، فهي تقدم لأول مرة منذ نشأتها في ساحة العمل السياسي مرشحًا منها للانتخابات الرئاسية، بما قد يظهر تجاوزًا لعقدة رأس الدولة.

ولكن هذا الترشيح لم يكن وليد مخطط مسبق، إذ لعب تسبيق الانتخابات الرئاسية على التشريعية بعد وفاة السبسي عنصرًا محددًا في هذا الخيار داخل مجلس الشورى، الذي ظل لأيام في حالة انعقاد قبل الانتهاء بالتصويت بشبه الإجماع على ترشيح شخصية من داخل الحزب، لم يمكن ليكون غير عبد الفتاح مورو على اعتبار أنه الشخصية النهضوية الأكثر مقبولية شعبيًا لدى جمهور الناخبين من غير الإسلاميين.

لم يكن خبر ترشيح النهضة لنائب رئيسها عبد الفتاح مورو حدثًا محليًا فحسب بل كان صداه واسعًا إقليميًا على اعتبار أن تصدير إسلامي لرئاسة الجمهورية يحمل مغامرة/مواجهة محتملة للإسلاميين قد تحمل آثارًا ارتدادية مكلفة

ومورو المحامي الشيخ أصيل تونس العاصمة الذي يرتدي دائمًا اللباس التقليدي، هو قيادي/نموذج لا يوجد مثيله داخل الجسم النهضوي، شخصية خارقة للصفوف ومتجاوزة للاصطفافات التقليدية هو صاحب الدعوة الذي يجذب بخطابة مبهرة، وصاحب الروح الخفيفة المتماهية مع مزاج عام، وهو الذي تغلب تونسيته على إسلاميته إن افترضنا تعارضهما وهو صورة الخطاب الإسلامي المعتدل المتأصل تاريخيًا في تونس. ولكن عدا عن ذلك، فمورو هو "متمرّد تاريخي" على "الجماعة" (انفض عن الحركة زمن المواجهة مع بن علي بداية التسعينيات) ثم عاد رجلًا مهمشًا داخل الحزب (يُستذكر أن مورو ترشح مستقلًا لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 وانهزم وعاد للحركة لاحقًا في منصب شرفي هي نيابة الرئيس بفضل رفيق دربه راشد الغنوشي).

وحول ترشيحه للرئاسيات، أكدت حركة النهضة، سابقًا ومرارًا، أنها ستدعم مرشحًا للانتخابات الرئاسية (قبل حتى تسبيقها على التشريعية) وسيكون إما من داخلها أو خارجها أي مرشح توافقي وكان بحثها دائمًا عن "العصفور النادر" (هكذا وصفه راشد الغنوشي). وكان يُنتظر أنه بعد تأمين موقعها في البرلمان، ستفاوض في مشاورات تكوين الائتلاف الحكومي القادم بورقة الرئاسيات مع حليفها المستقبلي، ولكن تسبيق الرئاسيات خلط الأوراق. لم يظهر العصفور المنتظر، بما يفترضه أن يكون ورقة مربحة أي أنه سيصل لقصر قرطاج في نهاية المطاف، وذلك خاصة مع مباغتة ترشح عبد الكريم الزبيدي بما قلص من حظوظ رئيس الحكومة يوسف الشاهد، عدا أن استطلاعات الرأي تظهر مرشح آخر في المقدمة (نبيل القروي)، والنهضة تعلم أن ورطة/مغامرة غير محسوبة العواقب في الرئاسيات ستضعف حظوظها في التشريعيات ومن ثم تبعدها عن مشهدية "الحاكمين" بنهاية العام الجاري.

وبهذا المعنى، ترشيح مورو، لا يعني رهانًا جديًا، مبدئيًا لدى القيادة الدافعة، على رئاسة الجمهورية على اعتبار أن الوضع الانتقالي المحلي والوضع المضطرب الإقليمي غير مساعد بعد، ولكنه يهدف إلى: ضمان موقع فاعل في السباق الرئاسي في ظل "غموض الرؤية" بتأمين موقع مبدئيًا في الدورة الثانية يحسن شروط التفاوض، وتصدير عنوان النهضة في فترة انتخابية على اعتبار أن ثلاثة أسابيع فقط تفصل الرئاسيات عن التشريعيات، والمساهمة في رأب التصدع الداخلي الذي أخلفه الصراع حول القائمات التشريعية تذكيرًا بأن ترشيح مورو جاء بشبه إجماع أعضاء مجلس الشورى.

مورو شخصية خارقة للصفوف ومتجاوزة للاصطفافات التقليدية هو صاحب الدعوة الذي يجذب بخطابة مبهرة، وصاحب الروح الخفيفة المتماهية مع مزاج عام، وهو الذي تغلب تونسيته على إسلاميته إن افترضنا تعارضهما 

ولكن، وهذا الواجب الإشارة إليه، أن مورو قد ينفلت من عقد من أطلقه، أي في مهمته المفترضة بأداء دور "غير بطولي" في فيلم الانتخابات، وذلك في صورة إن نجح في بناء ديناميكية من خارج الجمهور الإسلامي، وهو تذكيرًا المرشح الأكثر مقبولية لدى غير الإسلاميين، أي بما يجعله مراهنًا جديًا على الانتصار في الدورة الثانية خاصة إن تواجه مع رجل الأعمال نبيل القروي.

يُذكر أنه حركة النهضة تصدّر قياديين آخرين للرئاسيات، ممن شقوا عصا الطاعة، أولهما رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي الذي يترشح مستقلًا، وهو لا يملك أي حظوظ ولا يحظى بدعم من جهات مؤثرة بما فيها داخل حركة النهضة، وثاني المترشحين هو عضو مجلس الشورى الشاب حاتم بولبيار، الذي قاد حملة إعلامية ضد رئيس الحركة راشد الغنوشي على خلفية أزمة قائمات التشريعيات، وهو ترشح مناكفة لا أكثر.

شعبويون أو "ضد السيستام".. القروي وسعيّد وموسي

الشعبوية والصعود من خارج الأحزاب التقليدية أو المرشحون الذين يقدمون أنفسهم بأنهم ضد المنظومة/ضد السيستام، هي جميعها مظاهر تعرفها الديمقراطيات العريقة في السنوات الأخيرة، ولكن تعرفها أيضًا الديمقراطية التونسية الناشئة، طبعًا مع كل الاحترازات حول جدل المفاهيمي حول "الشعبوية" و"المنظومة" في السياق التونسي وحول عدم إرساء الديمقراطية الناشئة لتقاليد في ظل مشهد انتقالي غير ثابت على المستوى الفاعلين الحزبيين.

ويأتي الحديث بداية عن رجل الأعمال نبيل القروي الذي أنشأ مؤخرًا حزبًا بعنوان "قلب تونس"، وهو مراهن جدّي في السباق الرئاسي كاد أن يظل خارجه لو ختم الرئيس الراحل السبسي تنقيح القانون الانتخابي قبيل وفاته، وهو تنقيح قدمته حكومة يوسف الشاهد من أجل قطع الطريق على القروي الذي تصدر طيلة الأشهر الماضية نوايا التصويت. ورجل الأعمال، الذي كان العقل الاتصالي لحملة السبسي في انتخابات 2014، تعود شعبيته، المنتشرة تحديدًا في صفوف الفئات الأقل تعليمًا، لعاملين أساسين: أولًا إشرافه على شبكة مدنية خيرية واسعة في دواخل تونس وأريافها باسم "جمعية خليل تونس" منذ نحو 3 سنوات تقدم المساعدات للفئات الفقيرة، وثانيًا تصدير مشروعه عبر قناة "نسمة" التي يديرها ذات نسبة المشاهدة المرتفعة (مثلًا في بداية 2019 وحسب "سيغما كونساي" تصدرت القناة نسب المشاهدة بأكثر من 3 مليون مشاهد وتحتل المرتبة الأولى بالخصوص لدى فئة كبار السن) وهو ما يعود أساسًا لدبلجتها للمسلسلات التركية باللهجة التونسية وتوفيرها برامج بث حي طيلة الفترة الصباحية وذلك على خلاف باقي القنوات التونسية (وللمفارقة أن القناة في وضعية غير قانونية إذ طالبت هيئة الاتصال السمعي البصري بغلقها ونفذت الحكومة القرار قبيل رمضان 2019 قبل عودتها للبث).

تُرى فرضية صعود نبيل القروي لقصر قرطاج كتحد تواجهه الديمقراطية التونسية أمام رجل أعمال شعبوي محل متابعة قضائية من أجل تبييض أموال خاصة في ظل الخشية أيضًا من ارتباطاته الإقليمية 

أصبح بذلك القروي الذي يصفه البعض بـ"برلسكوني تونس" رقمًا صعبًا في المشهد السياسي، وهو يقود حملة إعلامية منذ زهاء سنة ضد حكومة يوسف الشاهد، ولكن يواجه رجل الأعمال اتهامًا بتبييض الأموال والتهرب الضريبي، وهو حاليًا يخضع لتدابير قضائية احترازية (منع من السفر وتجميد ممتلكاته)، في قضية كشفها تحقيق استقصائي لكن ظلت الشكاية مركونة طيلة 3 سنوات ولم يتم تحريكها قضائيًا إلا مؤخرًا، وقد انتشرت تسريبات له قبل سنوات تتضمن سبًا للجلالة وشتائم، ولكن لم تؤثر، كل هذه المعطيات، على حظوظه انطلاقًا من أن جمهوره الانتخابي من غير المتسيّسين من الأقل تعليمًا والمنتشرين أساسًا في الأرياف، فلا يُرى القروي إلا "نصيرًا للفقراء" وهو الذي يعدهم أنه "سيقطع معهم تذكرة الفقر".

اقرأ/ي أيضًا: عن الجوع والجشع والجهل: الانتخابات ومخاطر "الثّلاث جيمات"

القروي القادم من نداء تونس، وهو كان من الشخصيات المقربة من الرئيس الراحل السبسي، جمع حوله وجوه لعل أبرزها أسامة الخليفي (قيادي شاب في نداء تونس يعتبر ذراعه اليمنى)، وسميرة الشواشي (قيادية متجوّلة بين الأحزاب آخرها حزب الاتحاد الوطني الحر) وآخرها رئيس كتلة نداء تونس في البرلمان سفيان طوبال، كما استطاع القروي جلب وجوه لافتة منها من تصدر قائمات حزبه في التشريعية والحديث خصوصًا عن الحقوقي والمعارض زمن بن علي زهير مخلوف، والقياديين السابقين في حزب الحراك للرئيس السابق المنصف المرزوقي، عياض اللومي والصادق جبنون. ويضم رجال أعمال أيضًا منهم القيادي السابق في نداء تونس رضا شرف الدين والمدير العام السابق للشركة النفطية "بتروفاك" عماد درويش.

و"قلب تونس" بذلك لا يتضمن، أصالة، قيادات صف أول من أحزاب بما في ذلك نداء تونس، ومن النخبة السياسية البارزة طيلة السنوات الأخيرة عمومًا، فهو يضم لفيفًا من "المهمّشين" من أحزابهم، ومن الوصوليين أصحاب المصالح خاصة رجال أعمال باحثين على غطاء سياسي، ولا يعرف عن جلهم أي مشوار لافت في العمل السياسي من موقع متقّدم في الزمن القريب، ولم يتجمعوا في يافطة واحدة إلا قبيل أسابيع فقط في حزب "اشتراه" القروي (تم تغيير حزب قديم يدعى "السلم الاجتماعي التونسي" إلى "قلب تونس" في جوان/يونيو 2019 وتعيين القروي رئيسًا له).

نبيل القروي، الذي وصف المخلوع بن علي بـ"الأب الحنون" قبيل الثورة والذي استفادت قناته من امتيازات من النظام السابق وفق ما كشفته هيئة الحقيقة والكرامة، والذي كان قياديًا في حزب نداء تونس وأشرف اتصاليًا على حملته الانتخابية عام 2014، يقدم نفسه اليوم للجمهور العريض بأنه مرشح من خارج المنظومة السياسية، وبأنه أقرب المرشحين للشعب وهو الحريص على نشر صور وفيديوهات جولاته في الأسواق والأرياف. بذلك تُرى فرضية صعوده لقصر قرطاج كتحدي تواجهه الديمقراطية التونسية أمام رجل أعمال شعبوي محل متابعة قضائية من أجل تبييض أموال، خاصة في ظل الخشية أيضًا من ارتباطاته الإقليمية تذكيرًا بأن قائمة المساهمين في قناته تضم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس ورئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني.

مرشح آخر بارز في استطلاعات الرأي من خارج النخبة التقليدية هو أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، الذي يقدم خطابًا ثوريًا صارمًا مبناه القطيعة وإعادة التأسيس

مرشح آخر بارز في استطلاعات الرأي من خارج النخبة السياسية الحالية هو أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، الذي يقدم خطابًا ثوريًا صارمًا (انظر حول مسألة الشعبوية في حالة سعيّد) مبناه القطيعة وإعادة التأسيس (على مستوى تنظيم السلطة مثلًا، يطرح تشكيل لجان محلية منتخبة منها يصعد برلمان ومنه رئاسة الدولة). ولكن سعيّد، الذي قدم ترشحه بأكثر من 30 ألف تزكية شعبية، ارتبطت شعبيته في نوايا التصويت بغياب مرشح بارز/معلن من حركة النهضة، ما يعني أنه سيكون من أبرز الخاسرين من تقديم الحزب الإسلامي لمرشحه على اعتبار أن خزان سعيّد من المحافظين أساسًا وهو الذي يقدم خطابًا محافظًا مجتمعيًا بشكل واضح (يُعارض تحديدًا المساواة في الميراث).

وعلى النقيض منه، قدمت رئيس الحزب الدستوري الحر عبير موسي ترشحها، وهي عنوان النظام القديم زمن بن علي، إذ تقدم طرحًا يقوم على تبييض نظام الاستبداد والتشنيع بالثورة التي تعتبرها "مؤامرة" ووصم الإسلاميين بـ"الإخوانجية" وأنهم "إرهابيين" ورفض كل منظومة ما بعد الثورة كما تقول، وهي تمثل بذلك عنوانًا سياسيًا واضحًا لدى الجمهور العام للناخبين، ما جعل حزبها رقمًا معتبرًا في نوايا التصويت للتشريعيات مستفيدة من موجة حنين للنظام القديم، هو حنين في حقيقته إلى وضع اجتماعي كان "أكثر رأفة"، هكذا يُرى، بالنسبة للفئات المتوسطة والفقيرة وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة. موسي، التي تقدم خطابًا فاشيًا والتي لا تفوّت فرصة لشتم الثورة، تترشح للرئاسيات، وهي تنافس مرشحي "أبناء الباجي"، وتحديدًا الشاهد والزبيدي، في الجمهور الانتخابي وذلك إلى حد بعيد، وقد أعلنت رفضها الانسحاب من السباق الرئاسي لفائدة الزبيدي، وهي تعلم أن انسحابها من السباق الرئاسي سيؤثر على ديناميكية حملة حزبها في التشريعيات آملة في تأمين كتلة برلمانية وازنة خلال الخمس سنوات المقبلة.

من الديمقراطيون الاجتماعيون إلى أقصى اليسار.. سنّة التشتّت

العائلة الديمقراطية الاجتماعية التي توضع ضمن يسار الوسط في الطيف السياسي التقليدي، لعبت دورًا محوريًا في قيادة المرحلة الانتقالية عبر حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية (المنصف المرزوقي رئيسًا للجمهورية بين 2011 و2014)، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (مصطفى بن جعفر رئيسًا للمجلس الوطني التأسيسي خلال ذات المدة)، غير أن هذه العائلة السياسية تلقت ضربة موجعة في انتخابات 2014 على ضوء تشتت أحزابها وتصارع قيادتها، لتمنى بهزيمة قاسية، وتظل على هامش المشهد السياسي في خماسية 2014-2019.

وهي تدخل غمار انتخابات 2019، رئاسيات وتشريعيات، بذات التشرذم، وهي يمثلها اليوم أساسًا حزب التيار الديمقراطي (الذي حقق نتيجة لافتة بحلوله ثالثًا في بلديات 2018)، وحزب الحراك (حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي)، وحزب التكتل الديمقراطي. وقد قدم كل فصيل منها مرشحًا للانتخابات الرئاسية هم على التوالي محمد عبو، والمنصف المرزوقي وإلياس الفخفاخ.

ترشح عبو يهدف في جوهره احتطاب لحزب التيار استعدادًا لرهانه الأبرز في التشريعيات وهو الذي يأمل للانتقال من عدد 3 نواب فقط في البرلمان الحالي إلى تكوين كتلة وازنة (بين 15 و25 نائبًا) في البرلمان المقبل

وعبّو مؤسس التيار الديمقراطي والذي عاد لأمانته العامة في مؤتمر الحزب قبيل الانتخابات، لا يملك حظوظًا جديّة على الرهان في السباق الانتخابي رغم أنه بلغ أحيانًا مجموعة خماسي الترتيب في نوايا التصويت المنجزة خلال العام الجاري، وقد صعد الحزب، فيما مضى، انطلاقًا من محورية ملف مكافحة الفساد في خطابه، ولعرضه خطاب يعكس "معارضة عقلانية" بعيدًا عن الشعبوية، لدى أنصاره، حاسمًا في مسائل الحقوق والحريات (أعلن الحزب دعمه للمساواة في الميراث وهو ما كلفه سخطًا لدى جمهور المحافظين) ليكون خطابًا جاذبًا بالخصوص لدى فئات الشباب المتعلم وفي المناطق الحضرية خصوصًا. وترشح عبو، في جوهره، بمثابة احتطاب لإنشاء ديناميكية استعدادًا للرهان الأولوي للحزب في التشريعيات، وهو الذي يأمل للانتقال من عدد 3 نواب فقط في البرلمان الحالي إلى تكوين كتلة وازنة (بين 15 و25 نائبًا) في البرلمان المقبل، وفق التقديرات الأولية، خاصة وهو الحزب الذي يرى نفسه اليوم الأكثر قدرة على تمثيل العائلة الديمقراطية الاجتماعية.

وعلى ذات الضفة، يترشح الرئيس السابق المنصف المرزوقي عن حزب "الحراك" رغم أن حظوظه تكاد تكون منعدمة للمرور للدورة الثانية، إذ هو من أبرز الخاسرين من تقديم النهضة لمرشح صريح منها، إذ كان يعوّل الرئيس السابق، وعلى غرار 2014، على ما يصفهم بـ"شعب النهضة". يتقدم المرزوقي بذلك لسباق 2019 في غياب أي رافعة حزبية على اعتبار أن حزبه ضعيف الانتشار وقد شهد استقالات متتالية لقياداته على مدى السنوات الماضية. ويقول مراقبون إن المرزوقي غادر قصر قرطاج من الباب الكبير في 2014 ولكن مهدّد اليوم أن يغادره من الباب الصغير في 2019 بنسب تصويت ضعيفة، وهو الذي ظل طيلة السنوات الخمس الماضية على هامش العملية السياسية وفشل في بناء حزبي ديمقراطي اجتماعي جامع.

اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك وانتخابات 2019: هل حان وقت دق ناقوس الخطر؟

وحزب التكتل، الذي كان في مفاوضات للاندماج مع حزب التيار الديمقراطي قبل أشهر، عاد مؤسسه وزعيمه التاريخي ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر للأضواء خلال الأسابيع الأخيرة، وذلك مع طرح اسمه للنقاش داخل هياكل حركة النهضة لترشيحه كشخصية من خارجها، وهو قد ألمح في تصريحاته الصحفية الأخيرة أن ترشحه للانتخابات الرئاسية موقوف على تقديمه كمرشح توافقي أو على الأقل مدعوم. ولكن صرفت النهضة عنه، فعدا عن خيارها في تقديم شخصية من قيادتها، يفتقد بن جعفر لحاضنة قوية من حزبه (غير ممثل في البرلمان) وهو محدود الشعبية (حصل على 0.67 في المائة من نسبة الأصوات)، ولذلك لم يكن ورقة مربحة للنهضة في كل الأحوال.

غير أن حزب التكتل فاجئ بتقديم رئيسه وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ لترشحه في آخر أيام تقديم الترشحات، بتزكيات برلمانية، وهو ترشح قد لا يهدف إلا لمحاولة لنفض الغبار عن الحزب وإخراجه من حالة الخمول ليظهر مجددًا على الأقل ضمن خيارات الناخبين، في الفترة المقابلة، في سباق الانتخابات التشريعية التي تقدم فيها الحزب بقائمات باسمه، وهو الذي يحاول تجاوز خيبة 2014 حينما لم يفز بمقعد واحد. وإجمالًا، إن كانت هذه العائلة السياسية، الديمقراطية الاجتماعية أو يسار الوسط، ممثلة بمرشح في الدورة الثانية في انتخابات 2014، لا يُنتظر أن تكون حاضرة في انتخابات 2019، في ظل استمرار تشتت أحزابها وصراع زعمائها.

 يترشح الرئيس السابق المنصف المرزوقي عن حزب "الحراك" رغم أن حظوظه تكاد تكون منعدمة للمرور للدورة الثانية، إذ هو من أبرز الخاسرين من تقديم النهضة لمرشح صريح منها

على الجانب الآخر، حديثًا عن أقصى اليسار، يدخل سباق رئاسيات 2019 أكثر تشتتًا وأشدّ صراعًا بين مكوناته، وذلك على وقع انشطار الجبهة الشعبية (ائتلاف يساري قومي) إلى ائتلاف يقوده حزب العمال (ماركسية لينينية) مع التيار الشعبي وحزب البعث (قومية عربية)، وحزب بنفس الاسم يقوده حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد "الوطد" (ماركسية لينينية) ورابطة اليسار العمالي (ماركسية تروتسكية) وحزب الطليعة العربي الديمقراطي (قومية عربية)، وبدأ الانشطار بداية العام الجاري حول تحديد مرشح الحزب للرئاسيات، وهو خلاف يخفي في عمقه تباين التقديرات تحديدًا بين رأسي الجبهة حزب العمال و"الوطد" الذي وصفه "العمال" بأنه "خط انتهازي يميني واحتياطي عند الشق الليبرالي"، وهو صراع استعاد الاتهامات التقليدية تاريخيًا بين الفصيلين اليساريين في الجامعة التونسية. وبالنهاية، رشح الائتلاف للرئاسيات الناطق الرسمي باسمه حمة الهمامي (حل في المرتبة الثالثة في انتخابات 2014 بنسبة 7.8 في المائة)، فيما رشح حزب الجبهة القيادي في "الوطد" منجي الرحوي الذي طالب سابقًا بتنظيم انتخابات تمهيدية مع حمة، ويظخر ترشحهما معًا كتحدي علني لكل منهما للآخر (قدم الرحوي أول ملف ترشح في الانتخابات، فيما حرص الهمامي على جمع أكثر من 30 ألف تزكية شعبية أي أكثر من 3 أضعاف من المطلوب).

وضمن ذات العائلة السياسية، القيادي السابق في "الوطد" وفي اتحاد الشغل الذي يتزعم اليوم حركة "تونس إلى الإمام"، عبيد البريكي (كان وزيرًا للوظيفة العمومية في أول حكومة للشاهد عام 2016 قبل إقالته)، تقدم بدوره بملف ترشحه ولكن باسم حزبه فقط وليس باسم الائتلاف الانتخابي الذي ينضوي ضمنه الحزب في التشريعيات باسم "الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي" (يضم أيضًا الحزب الجمهوري وحزب المسار وائتلاف "قادرون").

والجبهة الشعبية التي حققت نتائج لافتة في 2014 (مرتبة ثالثة في الرئاسيات ومرتبة رابعة في التشريعيات) من المنتظر أن تكون الخاسر الأكبر في انتخابات 2019 على ضوء انشطارها، ولا ينتظر أن يحقق حمة الهمامي أو منجي الرحوي نتيجة مشرفة في الدورة الأولى، كما من المنتظر ألا تتجدد كتلة 2014 (15 نائبًا) على اعتبار أنه تم تحصيل هذه النتيجة بفضل ائتلاف واسع لأحزاب ومستقلين، وهو الائتلاف المنقسم اليوم إلى شقين متصارعين يقود كل منهما حملة سياسية وإعلامية ضد آخر.

المرشحون الآخرون.. مراهنون دون حظوظ

بقية قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية تضم شخصيات حزبية ومستقلة لا تملك حظوظًا جديًة في السباق الانتخابي، غير أن بعضها قد يحقق نتائج لافتة لعل أهمها رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب "البديل" مهدي جمعة، وقد حقق الحزب نتيجة مهمة في الانتخابات البلدية الجزئية في دائرة باردو (جويلية/يوليو 2019) بحلوله في المرتبة الثانية بـ4 مقاعد في أول مشاركة انتخابية له. ويعوّل جمعة على حصيلته كرئيس حكومة التكنوقراط عام 2014 التي يصفها بـ"الجيدة" وعلى الترويج لحزبه كـ"بنك للكفاءات الوطنية" كما يقول.

بقية قائمة المترشحين للانتخابات تضم شخصيات حزبية ومستقلة لا تملك حظوظًا جديًة في السباق الانتخابي، غير أن بعضها قد يحقق نتائج لافتة لعل أهمها رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة

كما قدمت حركة الشعب (قومية عربية) الكاتب الصحفي الصافي سعيد، الذي رشحته أيضًا في انتخابات 2014 وحصد نسبة 0.8 في المائة فقط من نسبة الأصوات. واللافت أن رجل الأعمال الهارب في فرنسا على ضوء قضية تحقيقية جارية في الفساد المالي، ورئيس الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، والذي كان ضمن الائتلاف الحكومي بعد انتخابات 2014، فاجئ الجميع بترشحه للانتخابات الرئاسية عبر توكيل لمحاميه. وهو الذي ترشح أيضًا على رأس قائمة تشريعية في دائرة "فرنسا 1" بحثًا عن الحصانة البرلمانية في ظل القضايا التي تلاحقه سواء في إطار عمله كرجل أعمال أو حتى من النادي الإفريقي الذي يتهمه بالاختلاس زمن رئاسته له.

وتضم قائمات المترشحين دون حظوظ أيضًا وزير العدل السابق عمر منصور الذي يقود ائتلاف باسم "تحرك"، ورئيس تيار المحبة صاحب قناة "المستقلة" محمد الهاشمي الحامدي (حل رابعًا في رئاسيات 2014)، وكذا رئيس الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، والمحامي سيف الدين مخلوف الذي يقود "ائتلاف الكرامة" (شعبوي إسلامي). وتشهد الانتخابات أيضًا ترشح مثلي جنسي وهو منير بعتور رئيس الحزب الليبرالي وجمعية "شمس" (المدافعة عن الأقليات الجنسية)، وذلك في سابقة عربية أثارت بالخصوص اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية طيلة الأسابيع الماضية.

طقطقات سريعة

- ستشهد الانتخابات تنافسًا محمومًا في الدورة الأولى بين المترشحين الجديين ومن المنتظر أن يشتد التنافس، مبدئيًا، في الصدارة بين خماسي مورو-الزبيدي-الشاهد-القروي- سعيّد، إذ من المنتظر، قياسًا بالنتائج السابقة لسبر الأراء وللاصطفافات داخل النخبة السياسية والتوجه العام، أن تكون النتائج بينهم في الدورة الأولى متقاربة بنقاط ضئيلة، وهو ما يصعب تحديد المرشحين الاثنين الذين سيمرّان للدورة الثانية (على خلاف انتخابات 2014). وهذا الجو التنافسي وتقارب الحظوظ سيجعل الحملة الانتخابية حامية بين المتنافسين (قد تسهم هذه الأجواء في دفع نسبة الاقتراع)، وذلك في ظل رهان احترام قواعد القانون الانتخابي (تحديدًا ما يتعلق بالمال الفاسد) والالتزام بمبادئ المنافسة الشريفة (خشية من تشكيك متنافسين منهزمين إثر الدورة الأولى في شفافية النتيجة النهائية في صورة تعدد التجاوزات الانتخابية وتقارب النتائج بين المرشحين).

- من المنتظر أن تشهد الانتخابات الرئاسية تنظيم مناظرة جماعية بين المترشحين (وفق مجموعات تضم بين 4 و5 مرشحين مبدئيًا) ستؤمنها وسائل إعلام عمومية وخاصة، وذلك في أول مناظرة من هذا النوع عربيًا (انتخابات مصر 2012 شهدت مناظرة ثنائية في الدور الأول بين مرشحين اثنين فقط). ولا يُنتظر أن تمثل هذه المناظرة عاملًا محددًا في حسم خيار جمهور الناخبين على غرار الديمقراطيات العريقة على اعتبار أنها تقليد جديد في ديمقراطية ناشئة، ولكنها ستساهم في مساعدة قطاع واسع من الناخبين، تحديدًا من المتردّدين، إما في خيار تأييد مرشح أو في إبعاده من حساباتهم.

 ستشهد الانتخابات تنافسًا محمومًا في الدورة الأولى بين المترشحين الجديين ومن المنتظر أن يشتد التنافس، مبدئيًا، في الصدارة بين خماسي مورو-الزبيدي-الشاهد-القروي- سعيّد

- تشهد هذه الانتخابات تسجيل نحو 1.5 مليون ناخب جديد (لم يصوتوا في انتخابات 2014 وكذلك في بلديات 2018 نسبة 70 في المائة منهم من فئة الشباب) ليبلغ عدد الجملي للناخبين المسجلين 7.2 مليون ناخب، وبذلك تتوجه أنظار المرشحين نحو هذه الكتلة الجديدة من الناخبين، وتحديدًا من فئة الشباب (وهو ما يفسّر ربما تصاعد الحملات الدعائية والتشويهية للمرشحين على موقع "فيسبوك" في الفترة الأخيرة بشكل لافت).

- لا غرو أن نتائج الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى (15 سبتمبر/أيلول) ستؤثر على خيارات الناخبين في الانتخابات التشريعية (6 أكتوبر/تشرين الثاني) وتحديدًا في اتجاه التصويت لأحزاب المرشحين الاثنين للدورة الثانية على حساب المنهزمين (يُستبعد أن تؤثر باتجاه التصويت للأحزاب الأخرى لتحقيق التوازن بين السلطة التشريعية ورئيس الجمهورية المرتقب لدى أغلب الناخبين)، ثم ستؤثر نتائج الانتخابات التشريعية، وفي ذات الاتجاه، على خيارات الناخبين في الدورة الثانية للرئاسيات (ستكون في نهاية أكتوبر/تشرين الثاني مبدئيًا). ثلاثية دورة أولى رئاسية، انتخابات تشريعية، دورة ثانية رئاسية ستسهم نتائج كل منها أيضًا في رسم التحالفات الحزبية المستقبلية وتحديد الأغلبية البرلمانية، وهي مهمة لن تكون يسيرة، في ظل توقع نشأة برلمان أكثر تفتتًا وفسيفسائية من برلمان 2014 في ظل عدم وجود حزب كبير جامع يمثل "العائلة الديمقراطية التقدمية" عبر "التصويت المفيد" (مثل نداء تونس في 2014)، وفي ظل غياب حزب كبير جامع للعائلة الديمقراطية الاجتماعية (التيار الديمقراطي/الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي/ ائتلاف "تونس أخرى"/التكتل الديمقراطي) وكذا غياب قائمة جامعة للقوى اليسارية والقومية (انشطار الجبهة الشعبية)، وخاصة مع استمرار اعتماد نظام التمثيل النسبي بأكبر البقايا دون عتبة دنيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ملف خاص: كيف سننتخب؟

تونس عضوًا غير قار في مجلس الأمن.. المهام والتحديات