10-مايو-2018

نسبة الإقبال على التصويت كانت في حدود 36% (صورة تقريبية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مساء الأربعاء 9 ماي/ أيار 2018، عن النتائج الأولية لأول انتخابات بلدية تعيشها تونس بعد الثورة. تحصّلت القائمات المستقلة مجتمعة على أعلى نسب التصويت (32.9 في المائة)، وإن كان يصعب إدراجها في جسم واحد لاختلاف توجهاتها خاصة بعد إعلان عديد الأحزاب دعمها لقائمات بعينها واعتبارها امتدادًا لها.

في الأثناء، تعود حركة النهضة لتصدر بقية الأحزاب (29.68 في المائة)، تليها حركة نداء تونس (22.18 في المائة) فيما قدرت نسبة المشاركة في الاقتراع بـ 35.6 في المائة، حسب آخر تقديرات هيئة الانتخابات، وهي النسبة التي اعتبرها الكثيرون مخيبة للآمال. والأرقام التي قدمتها هيئة الانتخابات قد تفرض عدة تغيّرات على المشهد السياسي مستقبلًا.

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات البلدية: الهيئة تعلن النتائج الأولية.. أبرز الأرقام

القائمات المستقلة.. خيار ثالث؟

في هذا السياق، يقول رئيس جمعية كلنا تونس معز عطية لـ"الترا تونس" إن أهم رقم وقع تسجيله في الانتخابات البلدية، وفق تقديره، هو نسبة العزوف التي بلغت 65 في المائة تقريبًا من المسجلين في سجل الناخبين، مبينًا أن هناك حوالي 3 ملايين شخص غير مسجّلين. ويعتبر عطية أن هناك قطيعة بين الحاكم والمحكوم وخيبات أمل لدى المواطن الذي يرى أن توجهه لصناديق الاقتراع لن يغيّر واقعه ولن يحسن الخدمات والتنمية خاصة بالنسبة للشباب الذي لا يرى في الانتخابات أي جدوى رغم الجهود التي قام بها المجتمع المدني في هذا السياق.

معز عطية (رئيس كلنا تونس) لـ"الترا تونس": القائمات المستقلة ستتحمل مسؤولية كبيرة كي لا تصيب التونسيين بخيبة أمل جديدة

ويشير محدثنا إلى أن صعود القائمات المستقلة يدل على أن الناخبين يرون فيها بديلًا أو خيارًا ثالثًا، موضحًا أنه يعدّ مؤشرًا على تغيرات في المشهد السياسي. ولافتًا إلى أن هذه القائمات المستقلة ستتحمل مسؤولية كبيرة كي لا تصيب التونسيين بخيبة أمل جديدة.

وفي ما يتعلق بنسب تمثيلية المرأة في المجالس البلدية (47 في المائة) والشباب دون 35 عامًا (37 في المائة)، يوضح معز عطية أن هذه الأرقام هي نتائج مرحلة نضالية للمجتمع المدني رغم الصد الذي مارسته الأحزاب السياسية والعراقيل التي تمّ وضعها أمام وضع التناصف الأفقي والعمودي، مؤكدًا أن هذه النتيجة مهمة جدًا وتعكس صورة تونس الحقيقية.

بعد "التصويت المفيد".. تصويت عقابي

في المقابل، يوضح منسق عام منظمة 23/10 لدعم مسار الانتقال الديمقراطي سامي بن سلامة، في تصريح لـ"الترا تونس" أن الانتخابات المحلية لها خصوصياتها ولا يمكن مقارنتها بتجارب في دول تعيش ديمقراطية مستقرة، خلافًا لما يذهب إليه الكثيرون. ويضيف بن سلامة أن النسبة التي تمّ تسجيلها في أول انتخابات بلدية تعكس قلقًا وتوجسًا وعزوفًا، مبرزًا أن هناك نوعًا من السلبية ولكن أيضًا توجد مقاطعة والتي تمثل فعلًا إيجابيًا، وفقه. مشيرًا في سياق متصل إلى أنه بعد "التصويت المفيد" في انتخابات 2014 برز في الانتخابات البلدية تصويت جديد في تونس وهو "التصويت العقابي".

ويوضح محدثنا أن التصويت العقابي يتجلّى من خلال المقاطعة وفي خسارة الحزبين الكبيرين (النهضة ونداء تونس) لجزء كبير من قواعدهما، إذ خسر نداء تونس 900 ألف صوت فيما تراجعت النهضة بـ430 ألف صوت وذلك مقارنة بأرقام انتخابات 2014.  ويبرز أن نسبة المشاركة المسجلة أعطت نتائج تحاول هيئة الانتخابات توظيفها من خلال الإعلان عن ترتيب الأحزاب الفائزة في الاستحقاق البلدي إذ أظهرت القائمات المستقلة كطرف فائز في حين أن هذا الأمر خاطئ ومغالطة، حسب تعبيره.

سامي بن سلامة لـ"الترا تونس": القائمات المستقلة لا تعدّ قوة واحدة يمكن تصنيفها مع الأحزاب

ويشدد بن سلامة على أنه ليس من مشمولات هيئة الانتخابات أن تجمع القائمات المستقلة في كتلة واحدة وليس من حقها الدخول في مجال التحليل السياسي، مضيفًا أنه كان بإمكان الهيئة أن تعلن عن النسبة التي تحصلت عليها القائمات المستقلة دون أن تظهرها في مظهر الطرف الفائز. ويؤكد في هذا السياق أن حركة النهضة، وفق قراءته، هي الفائز الأول في حين أن نداء تونس هو من خسر هذا الرهان الانتخابي، على حدّ قوله، موضحًا أن القائمات المستقلة لا تعدّ قوة واحدة يمكن تصنيفها مع الأحزاب.

ويشير عضو هيئة الانتخابات سابقًا إلى أن التصويت للقائمات المستقلة يندرج ضمن التصويت العقابي مبينًا أن هناك وضعية غير مريحة نتيجة للسياسات التي يتم اتباعها منذ 2011 وطريقة إدارة الدولة وتسييرها تجاه الأحزاب الحاكمة ولكن كذلك تجاه أحزاب المعارضة التي كان لها نصيب من التصويت العقابي.

اقرأ/ي أيضًا: النتائج الأولية لتوزيع المقاعد في بلدية تونس

ويلفت في هذا الصدد إلى أن حزب التيار الديمقراطي وعلى عكس ما يتمّ تداوله لم يحقق انتصارًا ولكنه تفادى الهزيمة كبقية الأحزاب المعارضة ومنها الاتحاد المدني والجبهة الشعبية وحزب حراك تونس الإرادة الذي سيندثر، وفق تصريحاته. ويبيّن أن التصويت للقائمات المستقلة لم يكن حبًا في الاستقلالية بل لأن الناخب لم يجد طريقة أخرى لتفادي التصويت لأحزاب الحكم والمعارضة باعتبار أن الأوراق البيضاء تعدّ ملغاة ولا يقع التصريح بها مثلما كان الأمر عليه في انتخابات 2011.  ويرجح بن سلامة أن لا يكون الناخبون مطلعين على القائمات المستقلة ولا يعرفون أعضاءها، مؤكدًا أنه لن يكون لهذه القائمات أي قيمة على المستوى السياسي الوطني باعتبار أنها لا تمثل كتلة واحدة وبالتالي لن يكون لها أي تأثير على الحياة السياسية.

سامي بن سلامة لـ"الترا تونس": حزب التيار الديمقراطي وعلى عكس ما يتمّ تداوله لم يحقق انتصارًا ولكنه تفادى الهزيمة كبقية الأحزاب المعارضة

من جهة أخرى، يشدد بن سلامة على أن تواجد الشباب في المجالس البلدية مهم، ويوضح محدثنا أنه من المهم أن ينخرط الشباب في العمل السياسي ليتمّ تكوين "ٌقيادات المستقبل" وتدريبهم على السياسة والمناورة، مضيفًا أنه في المقابل لا يوجد أي دور لهؤلاء الشباب داخل الأحزاب التي رشحتهم للانتخابات البلدية.

ويردف حديثه مبينًا أن النظام الانتخابي والنظام السياسي الحاليين لا يسمحان للمواطن باختيار أغلبية حيث تحصل مختلف الأطراف على نسبة تتراوح بين 30 و35 في المائة وبالتالي يحتاج التفويض الشعبي إلى دور ثان مبرزًا أن هذا الأمر يتم بصفة غير مباشرة بين الأطراف المنتخبة ولا يعبّر ضرورة عن توجهات الناخبين. مشددًا على أن تنسيقيات الأحزاب هي التي ستحكم المجالس البلدية لا الأعضاء المنتخبون، تمامًا كما يحصل منذ فترة داخل البرلمان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الانتخابات البلدية.. ماذا وراء ضعف إقبال الأمنيين والعسكريين على الاقتراع؟

سيدي بوزيد.. الانتخابات البلدية لم تمرّ من هنا؟