28-مارس-2019

قمم لا تسوى أكثر من حبر بياناتها الختامية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

مقال رأي

 

تستقبل تونس للمرة الثالثة في تاريخها القمة السنوية لقادة دول الجامعة العربية في مناسبة اللاحدث التي إن كانت لها حسنة فهي استذكار شاعرنا العظيم مظفر النواب وقصيدته الشهيرة "قمم قمم معزى على غنم". قمم لا تسوى أكثر من حبر بياناتها الختامية، وباتت، منذ عقود حقيقة، مثالًا عن الجعجعة العربية حتى يُضرب بها المثل في الضحك على الذقون.

تنتظم قمة تونس في سياقات مشابهة للقمم السابقة ولن يضيف اعتراف دونالد ترامب بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان المحتل إلا إضافة مزيد من عبارات الإدانة والاستنكار، ولا تُنتظر مخرجات تستجيب لتطلعات الشارع العربي بخطة عمل جدية أو خطوات حازمة بالخصوص تجاه استمرار الإهانة الأمريكية في الملف الفلسطيني. لا نتحدث اليوم عن تواطئ عربي بل مشاركة حيوية في المخططات الصهيوأمريكية خاصة مع السعي لتمرير ما تسمى "صفقة القرن" عبر محور الشر العربي الذي يقوده الوكيلين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.

 القمم العربية لا تسوى أكثر من حبر بياناتها الختامية، وبات، منذ عقود  مثالًا عن الجعجعة العربية حتى يُضرب بها المثل في الضحك على الذقون

لا حاجة حقيقة لاستعراض ما بات يظهر عيانًا دون حرج، ربما يمثل رفض الوفد السعودي في الاجتماع الأخير للبرلمان العربي مجرد التوصية الشكلية والصورية بعدم التطبيع مع الكيان الصهيوني هو المعطى الذي يلخص الكثير. لا طمع بالنهاية بأي جديد من هيكل جامد وميت هو في حقيقته نادي رؤساء النظام الرسمي العربي عدوّ الإنسان العربي وحقوقه الشرعية. يقود حلف عربي بقيادة الرياض وأبو ظبي حربًا مدمّرة ضد اليمن، أ ينتظر اليمنيون مثلًا إنصافًا من قتلتهم؟

بيد أن ما يجب التوكيد عليه أن أزمة الجامعة العربية لم تكن منذ بدايتها متعلقة بمحدودية القدرة على تحقيق الأهداف أو معضلة آليات، بل هي أزمة إيمان بمضامين الميثاق المؤسس أي حول مدى تبني مبادئ التعاون العربي والسعي للوحدة الجامعة وغيرها من العناوين المؤسسة للجامعة نفسها. لا غرو في القول إن أعداء الحق العربي، تحرير الإنسان والأرض، هم داخل الخيمة العربية ذاتها. خيمة منقسمة اليوك بين عواصم وكيلة للصهاينة وتحديدًا أبو ظبي والرياض والمنامة والقاهرة، وأخرى وكيلة للمشروع الإيراني وتحديدًا بغداد وبيروت إضافة لدمشق الواقعة تحت الاحتلال الروسي الإيراني المزدوج. العواصم التاريخية للأمة العربية بالنهاية هي عواصم وكيلة لقوى معادية لمصالح الأمة، الصورة هكذا اختصارًا.

اقرأ/ي أيضًا: هشام جعيّط وآخرون يتحدثون.. ماذا ننتظر من قمة تونس؟

وإن ادعاء الديبلوماسية التونسية أن استضافة القمة هو إنجاز ديبلوماسي لا يعدو أن يكون إلا بحثًا عن تحصيل إنجازات وهمية بنهاية عهدة الرئيس الباجي قايد السبسي. تنعقد هذه القمم البروتوكولية حسب الترتيب الأبجدي وكان من المفترض أن تستضيف هذه الدورة البحرين لكنها اعتذرت فتقدمت تونس، والأهم أن دولًا عربية اعتذرت خلال السنوات الأخيرة على استضافة هذه القمم على أراضيها. المغرب، التي تتميز بديبلوماسية نشطة، رفضت مثلًا استضافة قمة 2016 فـ"القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي"، كما أكدت وقتها الخارجية المغربية. يُذكر أن الملك محمد السادس يرفض بدوره منذ عقود حضور القمم العربية، ما الحاجة بالنهاية لحضور بورتوكولي؟

والخشية هي أن تتحول قمة تونس إلى وصمة عار على الديبلوماسية التونسية في صورة دفع عواصم النظام الرسمي العربي لاقتلاع تنازلات من بوابة جامعة الدول العربية خاصة في علاقة بالقضية الفلسطينية. هذه العواصم الوكيلة ليست بحاجة لأجهزة الجامعة لتمرير "صفقة القرن" التي يُعد لها عبر قنوات مباشرة مع الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، ولكن تظل بحاجة دائمًا لواجهة الجامعة العربية لتخفيف الضغط عنها.

 إن ادعاء الديبلوماسية التونسية أن استضافة القمة هو إنجاز ديبلوماسي لكنه لا يعدو أن يكون إلا بحثًا عن تحصيل إنجازات وهمية بنهاية عهدة الرئيس قايد السبسي

لا يمكن لتونس أن تحقق في الأثناء، أي اختراق والدفع نحو إعلان ختامي يتجاوز ما انتهت إليه القمم السابقة، لا يمكن على فرض رغبتها في هكذا دفع على اعتبار أن الديبلوماسية التونسية منذ 2015 اتجهت بشكل واضح نحو التماثل مع ديبلوماسية النظام الرسمي. التدريب العسكري الميداني مع الجيش السعودي في إطار استعدادات الحرب على اليمن، ورفض التمديد للجنة التحقيق الأممية حول جرائم الحرب في اليمن التي يقودها للمفارقة الحقوقي التونسي كمال الجندوبي، والموقف البارد في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وغيرها هي مؤشرات واضحة على ارتهان تونس للمحور السعودي الإماراتي إلى حد ما على الأقل، وإن حافظت على الحياد المطلوب في ملف الأزمة الخليجية.

اقرأ/ي أيضًا: خيبة تورط تونس مع مملكة آل سعود

غير أن استضافة القمة في تونس، التي لا تزال تمثل النموذج الأمثل للانتقال الديمقراطي بعد الثورة العربية، هي مناسبة ليعرف قادة النظام الرسمي نبض الشارع العربي بفضل منسوب الحريات المعمّد بدماء الشهداء. هبة المجتمع المدني التونسي والاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة رفضًا لزيارة ولي العهد السعودي السفاح محمد بن سلمان إلى تونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عكست حينها صوت الشارع العربي الواقع اليوم بين احتلال وقمع ووصاية. وستكون مكونات المجتمع المدني التونسي مع موعد متجدد يوم عقد القمة في وقفة احتجاجية في قلب العاصمة من أجل التشهير بالجرائم والاعتداءات على حقوق الانسان في كافة الأقطار العربية.

 استضافة القمة العربية في تونس التي لا تزال تمثل النموذج الأمثل للانتقال الديمقراطي بعد الثورة العربية هي مناسبة ليعرف قادة النظام الرسمي نبض الشارع العربي 

لكن ماذا نأمل من القمة واقعًا في نهاية المطاف؟ طمع أول وهو الدفع نحو إذابة الجليد بين قطر ومجموعة الحصار وإن لا توجد بعد مؤشرات تقارب والحصار يدخل قريبًا عامه الثالث، وطمع ثان في المستوى الخطابي لا أكثر وهو أن تكون كلمة الباجي قايد السبسي وفية لتونس الثورة وديمقراطيتها الناشئة بحمله لرسالة حازمة وصادقة باسم الشارع العربي دفاعًا عن حقوقه وقضاياه وكرامته. لا يُنتظر حقيقة التزامًا في هذا الجانب من السبسي خشية إحراج جل القادة الحاضرين الجاثمين على شعوبهم قهرًا والمتآمرين على قضاياهم، ولكن، وهو ابن الديبلوماسية، يعي ضرورة تقديم كلمة، قد تكون الأخيرة في مسيرته، متجاوزة للبرودة المعهودة. أما عدا ذلك، قمة تونس هي رقم آخر ينضاف لقائمة قمم "معزى على غنم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل أتاكم حديث "رؤساء الهولوغرام"؟

ما فعلته بي ثورات الربيع العربي؟