25-مارس-2019

صورة أرشيفية

 

تحتضن تونس نهاية شهر مارس/ آذار الجاري، القمة العربية في دورتها الثلاثين، وهي القمة الثالثة التي تجتمع في تونس بعد قمتي 1979 و2004 وهي القمة الأولى في تونس الثورة. ومنذ اقتراب وتأكد موعدها، تم تداول أخبار عديدة في استباق لما قد تتضمنه، من ذلك القول إن "قمة بلد الثورة" قد تكون القمة التي تعيد الاعتراف بالنظام السوري المعادي لثورة بلده.

برنامج قمة تونس صار يطرح تساؤلات عديدة مؤخرًا، خاصة إثر تصريحات ترامب حول الجولان السوري وتصاعد الأزمة المالية الفلسطينية وتواصل توتر الأوضاع في عدة دول عربية. كلها تحديات أمام قمة تونس التي لن تلتئم إلا لسويعات قليلة وفي ظل توتر عربي مما قد يوحي بقمة شكلية، شبيهة بسابقاتها ودون تطلعات الشعوب العربية.

قمة في ظل صراعات وحروب وتصعيد "لأعداء وهميين"!

في محاولة لتشخيص الراهن العربي الذي تنعقد خلاله قمة تونس 2019، يتحدث هشام جعيّط، المؤرخ والمفكر التونسي: "الوضع العربي الآن في أسوأ حالة، انقسامات، صراعات داخلية، فقدان الوضع الوحدوي، وتدخلات أجنبية".

ويوضح: "منذ سنوات بدأ الربيع العربي في تونس، وامتد إلى دول عربية أخرى بسرعة فائقة وهو ما يعني أن الشعوب العربية كانت مستعدة لنفس القفزة نحو الديمقراطية والحريات وأيضًا كان ذلك دليلًا على حاجتها الملحة للكرامة ولتخطي مرحلة الاستبداد. ما حصل فيما بعد أن الربيع العربي فشل في معظم الدول ما عدا تونس، لأن هذه الدول لم تكن مستعدة للتغيير وكان لها ماض ساعد على ذلك، إضافة إلى التدخلات الخارجية".

هشام جعيّط: "الوضع العربي الآن في أسوأ حالة، انقسامات، صراعات داخلية، فقدان الوضع الوحدوي، وتدخلات أجنبية"

"ما يفسر أيضًا جزءًا مما يحدث في العالم العربي حاليًا ما حصل من صعود "للدولة الأمة" و"أنانيتها" في مقابل خفوت ما يعرف بالشعور القومي العربي المشترك و"الأمة العربية الواحدة" والذي انكسر مع السنوات شيئًا فشيئاً"، يضيف جعيّط، خلال ندوة حوارية حول القمة العربية، من تنظيم مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، وقد انعقدت مساء السبت 23 مارس/ آذار الجاري.

ويواصل تشخيص الوضع الراهن في العالم العربي، متحدثًا عن الصراعات في المنطقة خاصة التي تقودها السعودية: "في السعودية هناك تحول جذري في بنية الحكم من بنية تقليدية إلى بنية تشبه دولًا عربية أخرى أي نوع من الحداثة السياسية القائمة على دكتاتورية، وهذا تطور تاريخي يصعب نسفه وله استتباعاته".

في ذات السياق، يقول رفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسي السابق وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة: "تأتي هذه القمة في وضع هو الأسوأ منذ نشأة الجامعة العربية، في ظل صراعات وحروب أهلية تهز الكثير من الدول العربية، وهذه الدول عرضة لتدخلات خارجية متنوعة، كما يتجه النظام السياسي العربي نحو تهميش القضية الكبرى ـ القضية الفلسطينية ـ وحتى التآمر عليها".

ويضيف عبد السلام: "ما يزيد الأمور سوءًا تشويه بعض الدول العربية لحقائق التاريخ والجغرافيا منذ صارت تعتبر أن العدو المركزي هو إيران وتركيا والإسلام السياسي وليس إسرائيل، إضافة إلى مصادرتها مطالب التغيير والديمقراطية في بلدانها منذ 2011".

تعرض المفكر التونسي هشام جعيّط أيضًا لدول الجوار العربي، التي قال عنها إن "تدخل إيران في الشأن الداخلي العربي مثلًا قبل بداية الثمانينيات كان بسيطًا وأن ما بعد تلك الفترة عرف تحولًا في الوضع التركي أيضًأ فقد كانت تركيا سابقًا "دولة أمة" معادية للعالم العربي ولها علاقات متميزة بإسرائيل لكن الأوضاع في دول الجوار العربي هذه تغيرت وانعكس ذلك على علاقتها بالعالم العربي وحجم تدخلها".

هاني مبارك: ما نشهده حاليًا هو تصعيد لأعداء وهميين من دول الجوار لكن العدو الحقيقي يبقى هو العدو الصهيوني الإمبريالي

من جانبه، ركز الأستاذ الجامعي والأكاديمي الفلسطيني هاني مبارك، خلال حديثه عن الوضع العربي الذي تنعقد فيه قمة تونس، في ذات الندوة الحوارية، على ما أسماه "تلاعبًا حاصلًا بمفهوم الأمن القومي العربي". ويوضح: "عملت الولايات المتحدة منذ سنوات على استعمال إيران لترهيب دول الخليج وخلق عدو رئيسي لهذا الجزء من العالم العربي غير العدو الإسرائيلي واستفادت الولايات المتحدة من ذلك عبر بيع السلاح المكثف لدول الخليج وغير ذلك. إن ما نشهده حاليًا هو تصعيد لأعداء وهميين لكن العدو الحقيقي يبقى هو العدو الصهيوني الإمبريالي". 

ويسترسل مبارك: "كل محاولات خلق أعداء وهميين خلال السنوات العشرين الأخيرة لم تفد العرب في شيء. لابد أن تركز قمة تونس على خطر واحد وهو الخطر الصهيوني. ونحن الفلسطينيون، من جانب آخر، معنيون بنجاح الديمقراطية التونسية لضرب مزاعم إسرائيل أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة". 

اقرأ/ي أيضًا: في علاقة الشيخين بالشاهد.. توافقات هشة في كل الاتجاهات

هل تعود القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العربية عبر قمة تونس؟

طالما كان حضور القضية الفلسطينية في القمم العربية بارزًا، حتى وإن لم يكن على أرض الواقع مؤثرًا، إذ اهتمت القمم العربية بقضية فلسطين منذ أولى دوراتها أي حتى قبل بروز الكيان الصهيوني. وأغلب القمم العربية تضمنت ضمن مخرجاتها بنودًا تخص القضية الفلسطينية، لكن القمم الأخيرة عرفت تدرجًا نحو تهميش القضية الأم. 

يرى هشام جعيّط أن "القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية في العالم العربي منذ فترة، كما أن السياسة الإسرائيلية صارت اليوم مدعومة بشكل أكبر من "أمريكا ترامب" وهو ما لم يكن مطروحًا سابقًا بهذا الشكل". 

هشام جعيّط: "القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية في العالم العربي منذ فترة، كما أن السياسة الإسرائيلية صارت اليوم مدعومة بشكل أكبر من "أمريكا ترامب"

يسانده في ما ذهب إليه، عبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعات التونسية، الذي يدقق: "القضية المركزية الآن أمام مخاطر عدة، بعضها داخلي من انقسام فلسطيني وخلافات أساسًا بين فتح وحماس، إضافة إلى تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة تحت الاحتلال، وبعض المخاطر خارجية كصفقة القرن التي تجري محاولات تجسيدها وفق مراحل مختلفة، وفود التطبيع السرية والمعلنة، وانشغال الدول العربية بعديد المشاكل الداخلية".

يعتقد الحناشي، خلال حديثه في ذات الندوة الحوارية، أن "القمة العربية لابد أن تدفع في هذه الظروف في اتجاه إيقاف مهزلة التنازع الفلسطيني الفلسطيني، وتدفع نحو استراتيجية لوضع آليات لتفعيل المشروع الوطني الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والحرص على تحويل القرارات الدولية عن القضية الفلسطينية إلى واقع ملموس". 

اقرأ/ي أيضًا: سنة 2019.. ماذا تخبئ لتونس؟

هل هناك ما يمكن انتظاره من قمة تونس؟

لا تقل الملفات الساخنة والمعطلة في العالم العربي والتي تستحق النقاش والتسريع بالدفع نحو الحل لكن القمم العربية تميزت منذ فترة بالطابع الشكلي. في سياق متصل، يرى هشام جعيّط أن "وجود الجامعة العربية مهم وإن كانت ضعيفة من حيث القرارات". ويضيف: "لا أرى إمكانية إقامة دولة عربية موحدة لا من قريب ولا من بعيد، ولا اتفاقات عميقة، لكن الحوار يبقى ضروريًا وأساسيًا ولا أرى إطارًا له غير اجتماع القمة. نرحب باحتضان تونس لها ونرجو أن يحصل فيها شيء من إضاءة السبيل".

"القمم العربية صارت منذ سنوات فاشلة، وذات طابع بروتوكولي وقراراتها لا تبلغ تطلعات الشارع العربي، إضافة إلى غياب إرادة ورؤية عربية مشتركة"، يعلق من جانبه رفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسي السابق، مستدركًا "لكن مهما كانت تحفظاتنا فإن الجامعة العربية تبقى مظلة جامعة للجميع". 

أحمد الهرقام: "قمة تونس لن تحسم لا في شأن سوريا ولا ليبيا ولا اليمن، ونرجو أن تكون قمة الأمل دون آمال مبالغ فيها" 

ويقترح عبد السلام أن "تطرح قمة تونس إعادة تحديد البديهيات، للمساهمة في حل الحروب المستفحلة في عدة دول وإدانة كل مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني التي باتت تنخرط فيها دول عربية، وإقامة علاقات بناءة مع الجوار العربي، والتعاون في مقاومة الجماعات الإرهابية باعتبارها تهدد الأمن العام دون أن يكون ذلك مطية لضرب قضايا الشعوب، إضافة إلى البناء على نتائج قمة بيروت الاقتصادية الأخيرة ومنها مقترح مصرف عربي مشترك يساعد في إعادة بناء وتعمير الدول التي تعرضت لإشكالات وحروب".

في المقابل، كان للدبلوماسي التونسي السابق والمدير السابق للعلاقات العربية الأوروبية بجامعة الدول العربية أحمد الهرقام، نظرة تشاؤمية عبر عنها بالقول إن "قمة تونس لن تحسم لا في شأن سوريا ولا ليبيا ولا اليمن، وأفضل ما يمكن قوله أن نرجو أن تكون قمة الأمل دون آمال مبالغ فيها".  

 

اقرأ/ي أيضًا:

"كيف سننتخب؟": في نزاهة المسار الانتخابي (4/1)

"كيف سننتخب؟": استطلاعات الرأي.. مرآة "الرأي العام" أو آلية لصناعته؟ (4/2)