22-يناير-2020

يشكو المستهلك من ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء (صورة توضيحية/Getty)

 

بيّنت إضافة معاليم على الذبائح بالمسلخ البلدي بسوسة مؤخرًا مدى هشاشة قطاع اللحوم الحمراء (الأغنام والأبقار) الذي يواجه أزمة مستمرّة منذ سنوات دفعت الفلاحين للتخلي عن قطعانهم، مع ارتفاع أسعار اللحوم في ظل ضعف القدرة الشرائية للمستهلك.

رئيس الغرفة النقابية للقصابين بسوسة لـ"ألترا تونس": نحن لا نرى مردودية لصندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع الفلاحي على عموم القصابين

إذ شنّ مؤخرًا القصابون ببلدية سوسة إضرابًا عن العمل، عبر الامتناع على الذبح بالمسلخ البلدي، احتجاجًا على المعاليم الإضافية للاستخلاص الموظّفة على الذبائح الواردة على المسلخ لتصل إلى نحو 220 مليمًا على الكيلوغرام الواحد.

وفتح هذا الإضراب صندوق مشاكل قطاع اللحوم الحمراء بالخصوص عدم نجاعة الإصلاحات الهيكلية في قطاع الإنتاج الحيواني مع معضلة ارتفاع أسعار الدواب، وارتفاع الأداءات الجبائية ومشكل السوق الموازية للأغنام والأبقار.

وخلال مواكبة "ألترا تونس" لهذا الإضراب، حاولنا أن نتبيّن جملة هذه المشاكل في هذا القطاع الحيوي مع رئيس الغرفة النقابية الجهوية للقصابين المنضوية تحت الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ومتدخلين آخرين.

اقرأ/ي أيضًا: توزيع مادة "السداري".. الصندوق الأسود للفساد في قطاع تربية الماشية

كيف بدأت قصة الإضراب؟

وجهت بلدية سوسة مراسلة بتاريخ 15 جانفي/كانون الثاني 2020 للهيكل النقابي للقصابين للإعلام بتركيز منظومة إعلاميّة بالمسلخ البلدي بسوسة تنسجم مع المعاليم الواجبة داخل المسلخ وتتطابق مع النصوص القانونية النافذة. وقالت إنها تندرج في إطار إعادة تهيئة المسلخ حتى يتلاءم مع المواصفات الوطنيّة وتطبيق أحكام الأمر 805 لسنة 2016 لاستخلاص المعلوم على اللحوم الراجع للدولة الذي أحدث بمقتضى قانون المالية لسنة 1997 والمقدّر بخمسين مليمًا.

 كما راسلت مصالح المالية بسوسة البلديّة طالبة منها استخلاص المعلوم على اللحوم الراجعة للدولة عند تركيز منظومة إعلاميّة بالمسلخ البلدي بسوسة لفائدة صندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع الفلاحي والصيد البحري.

هذه المراسلة كانت كفيلة بشن القصابين لإضراب والامتناع عن الذبح في المسلخ البلدي واتهام بلدية سوسة بإضافة معاليم لا تنفذ في باقي ولايات الجمهورية، وهو ما يتسبب في خسائر دون عائدات تذكر في ظل وضع اقتصاديّ صعب واهتراء القدرة الشرائية للمواطن الذي بات عاجزًا عن شراء اللحوم الحمراء باعتبار تحميل التكاليف على عاتقه في نهاية المطاف. كما نفذ القصابون، أيضًا، وقفات احتجاجية أمام مقر البلدية مطالبين سلط الإشراف الجهوية التدخّل لرفع هذه المعاليم.

معاليم إضافية تُطبق في ولاية سوسة فقط؟

في حديثه لـ"ألترا تونس"، يؤكد رئيس الغرفة النقابية للقصابين بسوسة محمد حسن يوسف أن هذا التصعيد هو نتيجة تجاهل السلط موضحًا: "نحن لا نرى أثرًا ومردودية لصندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع الفلاحي على عموم القصابين".

يشكو قطاع اللحوم الحمراء بالخصوص من عدة مشاكل في ظل عدم نجاعة الإصلاحات الهيكلية في قطاع الإنتاج الحيواني وارتفاع الأداءات الجبائية ومشكل السوق الموازية للأغنام والأبقار

وأضاف أن هذه المعاليم فُرضت سابقًا ضمن منظومة متكاملة لتأهيل القطاع لإنشاء ورشات في كل ولاية لتجميع الدواب وتغذيتها تحت رعاية الفلاحين في شكل مجامع ثم بيعها للقصابين لخلق التوازن في توزيع اللحوم الحمراء وتحقيق الاكتفاء الذاتي دون الالتجاء للتوريد مع التحكم في ارتفاع الأسعار، مبينًا أن هذه الأهداف لم تتحقق. وأكد أن جزءًا من الفلاحين انتفع من عائلات الصندوق دون استفادة القصابين.

وقال إن القصابين قرروا بعد الثورة الامتناع عن اقتطاع معاليم الصندوق لعدم رجوعه بالنفع عليهم "ولكن فوجئنا اليوم بتفعيل هذا الاقتطاع على مستوى محلي فقط" وفق تأكيده.

ويبيّن هذا المشكل تخبطًا في قطاع الإنتاج الحيواني لغياب سياسة واضحة بين مختلف الأطراف المتداخلة، وزارتي التجارة والفلاحة ومصالح المالية والهياكل المهنية، مع سوء التصرّف في منظومة الدعم للإنتاج الحيواني، وهو ما أثّر على ارتفاع الأسعار رغم تدخّل الدولة في عديد المناسبات لتعديلها.

المستهلك هو من يتحمّل الضريبة

الحبيب مصباح، أحد القصابين، أكد، في حديثه معنا، أن أسعار اللحوم في ارتفاع مطّرد مبينًا أن سعر الكيلوغرام الواحد من صنف "الهبرة" يصل في الساحل إلى 28 دينارًا، فيما قد يصل في تونس الكبرى إلى 32 دينارًا، فيما يرتاوج ثمن صنف "المخلّط" بين 18 و22 دينارًا. وأشار إلى وجود أسواق تبيع صنفًا يُسمّى "الشيبانيّة"، وهي النعاج كبيرة السن والأكباش الطاعنة، بسعر يتراوح بين 15 و16 دينارًا للكيلوغرام الواحد.

الحبيب مصباح (قصّاب): سعر الكيلوغرام الواحد من صنف "الهبرة" يصل في الساحل إلى 28 دينارًا فيما قد يصل في تونس الكبرى إلى 32 دينارًا

اقرأ/ي أيضًا: تراجع عدد الأبقار في تونس.. استفحال أزمة قطاع الحليب ودعوات للنجدة

واعتبر محدثنا أن اللحوم الحمراء المورّدة خلقت توازنًا في السوق رغم ظاهرة تهريب الأبقار نحو الجزائر، مشيرًا إلى أن توزيع اللحوم المثلجة نحو النزل والمستشفيات والسجون والمطاعم خلق توازنًا بما يغطي الاستهلاك المتزايد للحوم.

وأضاف أن جميع التكاليف الإضافية على الفلاح أو التاجر أو القصاب تؤدي إلى الزيادة في السعر، ما يعني أن المواطن المستهلك هو من سيتحمّل وزرها في نهاية المطاف وفق قوله.

وأمام عدم تلبية الإنتاج الوطني من اللحوم الحمراء للاحتياجات المحلية، اتجهت الدولة إلى التوريد في سياسة قد تستمر إلى غاية عام 2028 حسب ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى. وكانت قد تراجعت رؤوس الماشية والأغنام في السنوات الأخيرة بالتوازي مع انخفاض الاستثمار في هذا القطاع.

سياسة التوريد لا تحافظ على مصالح الفلاح؟

لمزيد البحث حول هذا الموضوع، تواصل "ألترا تونس" مع الطاهر بن عامر، فلاح بجهة الساحل، الذي أرجع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء إلى الاختلال بين الكلفة والمردودية مؤكدًا أن ارتفاع تكاليف تربية المواشي من أعلاف وأدوية ويد عاملة وصحّة حيوانية أضرّت بالعناية اللازمة بالمواشي والأبقار ما أدى لانخفاض إنتاجها من اللحوم والحليب.

وبيّن أن الفلاح أمام هذه الوضعية بات يضطر إلى بيع قطيعه، مؤكدًا عدم قدرة صغار الفلاحين الذين يمثلون 85 في المائة من الصمود في هذه الحالة.

الطاهر بن عمار (فلاح): التوريد لم يستجب لطلبات السوق بل للمتغولين من التجار في قطاع اللحوم الحمراء

ودعا محدثنا إلى إعادة النظر في نظام المنح حتى يتمتع الفلاح بها، موضحًا أن الدولة رصدت منحة بقيمة 300 دينارًا للعجل عند الذبح في المسلخ البلدي عند الاستظهار بشهادة الذبح بعد المعاينة من ديوان تربية الماشية غير أن أغلب الفلاحين لا يتمتعون بها وفق تأكيده نظرًا لشراء التجار والقصابين للعجول. وأشار، في ذات الإطار، لعدم وجود شركات تعاونية للفلاحين يمكن أن تنظم الدورة الإنتاجية.

واعتبر أن سياسة التوريد المنتهجة لم تحافظ على مصالح الفلاح بل أضرّته مؤكدًا أن التوريد لم يستجب لطلبات السوق بل للمتغولين من التجار في قطاع اللحوم، وفق قوله.

قطاع مهمل

تغيب، خلاصة، منظومة متكاملة لقطاع اللحوم الحمراء في ظل عدم الاهتمام اللازم من الحكومة بهذا القطاع، وعدم التنسيق بين الهياكل المعنية، بالتوازي مع البطء في تأهيل المسالخ وأسواق الدواب، عدا عن غياب التنظم الواضح للمربين في صلب هياكل مهنية.

إذ بيّنت إضافة معاليم بالمسلخ البلدي بسوسة مدى أزمة قطاع اللحوم الحمراء الذي يحتاج إلى اهتمام جدّي في ظل استفادة لوبيات التهريب والتهرّب الضريبي من هذا اللاتنظم، وفي ظلّ تضرر المستهلك الذي بات مرتهنًا لقوانين السوق الموازية متحملًا أعباء الأداءات المختلفة وعدم مردودية منظومة الدعم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من "الشتيوي" إلى "البركة".. فلاح عصامي يقود معركة حماية البذور التونسية

سرقة محاصيل الزيتون.. تحدي سنوي يؤرق الفلاحين في تونس