باتت إدارة وفرة الإنتاج الفلاحي في تونس من أوكد المسائل المطروحة على السلط المعنية تحديدًا وزارتيْ التجارة والفلاحة لدراستها بهدف إيجاد حلول خاصة خلال المواسم التي تشهد وفرة إنتاج تدفع الفلاحين أحيانًا إلى إتلاف الفائض عند العجز على ترويجه أو عندما يرفض كبار التجار قبول إنتاجهم.
ومشكل وفرة الإنتاج ليس بالجديد إذ وقع سنة 2018 إتلاف قرابة 200 ألف لتر من الحليب يوميَا بسبب الفائض خلال موسم ذروة إنتاج الحليب، والحال نفسه بالنسبة للقوارص عند تسجيل فائض في الإنتاج موسم 2017 بلغ 560 ألف طن (مقابل 380 ألف طن سنة 2016) مما أدى إلى إتلاف كميات هامة نظرًا لعدم توفر مسالك التوزيع، وذات الأمر ينطبق على عديد المنتجات الفلاحية الأخرى التي يقع إتلافها بسبب صعوبة الترويج.
باتت إدارة وفرة الإنتاج الفلاحي من أوكد المسائل المطروحة على وزارتيْ التجارة والفلاحة لدراستها بهدف إيجاد حلول خاصة خلال المواسم التي تشهد وفرة إنتاج تدفع الفلاحين أحيانًا إلى إتلاف الفائض
هذا العام وقع إتلاف أطنان من الغلال لاسيما المشمش والخوخ، وهو ما أثار غرابة المستهلك والحال أنّ أسعار هذه الغلال مرتفعة بشكل كبير لا يقدر على شرائها عديد التونسيين خاصة في ظل تدهور المقدرة الشرائية. وهو ما يطرح عدّة تساؤلات عن الحلول الكفيلة لمراقبة مسالك التوزيع والضغط على الأسعار، وكيفية إنقاذ الفلاح وبائع الخضر وحتى المستهلك من هيمنة الوسطاء والمحتكرين.
اقرأ/ي أيضًا: الفلاح التونسي "في الشتاء مغروق وفي الصيف محروق"
إتلاف أطنان من الغلال منذ بداية 2019
قامت مصالح الإدارة الجهوية للتجارة بتوزر بتاريخ 11 ماي/آيار الماضي بإتلاف 700 كلغ من الخوخ غير الصالح للاستهلاك بعد إعلام وكيل الجمهورية ومعاينتها من طرف مصالح حفظ الصحة التي أكدت بدورها عدم صلوحية هذه الكمية. وكانت تلك الكميات موجهة للتهريب إلى بلد مجاور وفي حالة جيدة، إذ وقعت برمجة إعادة ضخها في السوق غير أن ظروف حفظها وتأمينها بمركز الحرس الحدودي لمدة يومين إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة عرضها للتلف. إذ يلجأ تجار إلى تهريب الغلال على اعتبار أنّ تصديرها يخضع إلى ترخيص مسبق.
وفي 23 من نفس الشهر، اُتلفت أكثر من ستة أطنان من المشمش في سوق الجملة بالقيروان بعد أن عجز أصحابها على تصديرها. وقد أصدرت وزارة التجارة بلاغًا توضيحيًا أشارت فيه إلى أنّ المعدل السعري للمشمش بسوق الجملة بالقيروان بلغ خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 19 ماي/آيار بين 1.5 و1.8 دينار للكلغ، وهو معدل سعري يفوق مستويات الموسم الماضي. فيما بلغت الإتلافات من معروض المشمش خلال الفترة الممتدة بين 14 و23 ماي/آيار الجاري حوالي 2.7 طن مقابل 2 طن الموسم الماضي من إجمالي كمية تم تسويقها عبر سوق الجملة بالقيروان في حدود 200 طن، علمًا وأنّ معدل التلف الطبيعي في أسواق الجملة يتراوح بين 1 و3 في المائة. وأضافت الوزارة في بيانها أن "إيهام الرأي العام" بوجود أزمة في تسويق المشمش وهبوط حاد في الأسعار هو من قبيل "المغالطة والتصريحات غير المسؤولة".
إتلاف كميات من المشمش في القيروان
في المقابل، نفى رئيس الاتحاد التّونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار في تصريحات إعلامية ما قاله كاتب الدّولة للتجارة بخصوص فساد كميّات المشمش المتلفة في ولاية القيروان، مشيرًا إلى أنّ الكميّة المُنتجة هذا العام تفوق بكثير طاقة استيعاب السوق وحاجيات الصناعات التّحويليّة. وأكد أنّ إجراءات تعطيل التّصدير التي أقرتها وزارة التجارة ساهمت كذلك في عمليّة إتلاف كميّات من المشمش.
وفي 14 جوان/يونيو 2019، أفاد الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنه تم إتلاف أطنان من الخوخ في سوق الجملة ببئر القصعة مؤكدًا أن أسعار الخوخ انخفضت إلى مستوى 300 مليم للكلغ ورغم ذلك الفلاح لم يجد من يشتري منتوجه بسبب الوفرة. واعتبر أن إتلاف المنتوج سببه القرار ''الإجرامي'' الذي اتخذه وزير التجارة عمر الباهي بغلق أبواب التصدير أمام الغلال التونسية. وأضاف اتحاد الفلاحة أنّ وزارة التجارة تمنع الفلاح من إخراج منتوجه من سوق الجملة إذا لم يتم بيعه وتفرض عليه إلقاءه في المزابل، وفق قوله.
كمال أولاد حمد (فلاح من سيدي بوزيد): أزمة وفرة الإنتاج وعدم القدرة على ترويجه هي أزمة تشمل عديد المنتجات على غرار البطاطا والبصل والطماطم والخوخ والتفاح والمستفيد الوحيد هم المحتكرون والوسطاء
كمال أولاد حمد، أحد فلاحي سيدي بوزيد، أفاد "ألترا تونس" أنّ أزمة وفرة الإنتاج وعدم القدرة على ترويجه هي أزمة تشمل عديد المنتوجات على غرار البطاطا والبصل والطماطم والخوخ والتفاح، مضيفًا أنه رغم تشكيات الفلاحين إلاّ أنّ الدولة عجزت عن إيجاد حلول تنقذ الفلاح من الخسائر والمستهلك من ارتفاع الأسعار.
وأكد محدثنا أن المستفيد الوحيد هم المحتكرون والوسطاء الذين يتحكمون في السوق، مضيفًا أنّ الفلاح غالبًا ما يبيع الإنتاج بأقل من كلفته وهو مضطر ليعوض جزءًا من خسارته، وذلك مقابل وجود تعقيدات كبيرة للترخيص لتصدير بعض المنتجات، وفق قوله.
وفرة المنتجات الفلاحية خاصة بين انخفاض أسعارها عند الإنتاج مقابل ارتفاعها في السوق للمستهلك تدفع إلى التساؤل عن دور الجهات المختصة في مراقبة مسالك التوزيع وتجنيب الفلاح الخسارة عند البيع والحفاظ على أسعار مقبولة عند الاستهلاك، وعن سبب عدم تأسيس نقاط بيع من المنتج إلى المستهلك في أغلب المناطق.
اقرأ/ي أيضًا: التوريد العشوائي.. آفة تفاقم العجز التجاري
نقاط البيع من المنتج إلى المستهلك.. الحل المطلوب
في فيفري/شباط 2017، استبشر عدد من الفلاحين بقرار وزارة الفلاحة فتح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بمنطقة الوردية بتونس العاصمة للحدّ من ارتفاع الأسعار. كما أعلنت الوزارة أنّها تعتزم فتح نقطتيْ بيع أخرى في أريانة وبمنوبة، على أن يتم تعميم هذه الفكرة على جهات البلاد وذلك لتزويد المواطنين بمنتوجات بأسعار مقبولة.
واعتبر وزير الفلاحة سمير بالطيب أن تسجيل فوائض هامة في الإنتاج في مستوى بعض المنتوجات الفلاحية يتطلب تغيير الخارطة الفلاحية، لتكون مرتكزة على التحويل والتصدير وهو ما يستدعي إحداث وحدات للتحويل بمناطق الإنتاج. وأوضح وقتها أن وزارته تعكف على تنفيذ برنامج إصلاح هيكلي يهدف إلى إحداث إدارة عامة للنهوض بالصادرات الفلاحية وديوان خاص بالغابات ومندوبية عامة للصيد البحري.
إتلاف الدلاع
لكن رغم مرور أكثر من سنة على تلك الوعود إلاّ أنّه لم يقع إلى الآن تعميم نقاط البيع المباشرة من المنتج إلى المستهلك في بقية المناطق كما وعد بذلك الوزير، بل وتمّ مؤخرًا رفض فتح نقطة بيع في طبربة من المنتج إلى المستهلك دون تقديم أي أسباب، وفق ما أفادنا به عضو المجلس البلدي بالمنطقة.
من جهته، أشار عبد الكريم غالي أحد الفلاحين بمنطقة منوبة لـ"ألترا تونس" إلى أنّ نقاط البيع من المنتج إلى المستهلك هي أفضل حلّ للقضاء على المحتكرين أولًا وللحفاظ على أسعار منخفضة ثانيًا.
وقال إن الفلاح عوض أن يلجأ إلى بيع منتوجه بأقل من تكلفته سيبيعه وفق أسعار محددة غالبًا لن تزيد عن 600 أو 700 مليم لتصل إلى المستهلك في حدود دينار واحد لعدة منتجات، و"لكن للأسف لم يقع تعميم الأمر على كلّ المناطق دون معرفة أسباب ذلك" وفق قوله.
عبد الكريم غالي (فلاح من منوبة): نقاط البيع من المنتج إلى المستهلك هي أفضل حلّ للقضاء على المحتكرين وللحفاظ على أسعار منخفضة
وأضاف الفلاح في حديثه معنا أن تقييد التصدير بترخيص مسبق يهدف فعلًا إلى عملية التصدير حتى لا تتأثر السوق الداخلية، ولكنه أكد أن منح هذه التراخيص لأشخاص دون غيرهم هو الذي أثر على عدد من الفلاحين والتجار، وفق قوله.
وفيما يتعلق بالترخيص المسبق لتصدير الغلال، كانت قد أوضحت وزارة التجارة أن هذا الإجراء يهدف إلى ضبط ورصد انسياب السلع والمنتجات في الداخل والخارج. وقد وضعت الوزارة وفق قولها "منظومة إجراءات مرنة" لتلبية طلبات المصدرين خلال 24 ساعة من ذلك منح الإدارات الجهوية للتجارة بمواقع الإنتاج تفويض منح تراخيص تصدير الغلال بشكل مباشر. وأشارت الوزارة، في بلاغ في ماي/آيار الماضي، إلى أنّها منحت تراخيص لتصدير 6316 طنًا من الغلال مقابل 4507 أطنان خلال نفس الفترة من العام الماضي "ما يؤشر على مرونة الإجراءات وفاعلية التسهيلات وزيادة هامة في تصدير الغلال".
اقرأ/ي أيضًا:
مسابقات زيت الزيتون... نوافذ للزيت التونسي لاقتحام أسواق جديدة