22-أبريل-2019

تنتشر ظاهرة الزواج العرفي السنوات الأخيرة في تونس (Getty)

 

طفا موضوع "الزواج العرفي" أو ما يصطلح عليه قانونًا بالزواج على خلاف الصيغ القانونية على السطح من جديد مع حديث وزير الشؤون الاجتماعية محمّد الطرابلسي في مارس/آذار 2019 عن انتشار لظاهرة "الزواج العرفي" في تونس، مشيرًا إلى أن عدد الحالات تقدّر بحوالي 1200 حالة منها 900 في صفوف الطلبة.

وقد شهدت الجامعة التونسية إبّان الثورة انتشار الظاهرة السلفية وعدد من السلوكيات المنبثقة عنها على غرار "الزواج العرفي" أو ما يغلفّه البعض بلفظ "الزواج الشرعي". وقد خلصت دراسة تعود إلى سنة 2015 أعدّها فريق من طلبة المرحلة الثالثة يدرسون في خمس كلّيات هي كلية الآداب بمنوبة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، كلية الطب بتونس، كلية العلوم بتونس وكلية الشريعة إلى أنّ ظاهرة "الزواج العرفي" انتشرت بنسبة 37 في المائة في صفوف السلفيين بصفة عامة، وبنسبة 83 في المائة في صفوف الطلبة السلفيين وبنسبة 23 في المائة في صفوف الطلبة المتعاطفين معهم.

أكد وزير الشؤون الاجتماعية انتشار ظاهرة "الزواج العرفي" في تونس مشيرًا إلى أن عدد الحالات تقدّر بحوالي 1200 منها 900 في صفوف الطلبة

وإثر الأرقام التي طرحها وزير الشؤون الاجتماعية، يعود الجدل بقوّة حول ظاهرة "الزواج العرفي" وهي ما حاول "ألترا تونس" النبش فيها عبر البحث عن قصص لأناس عايشوها.

جنس حلال..

بعد تقصّ، رست رحلة البحث عن شهادات عن الزواج العرفي في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة حيث تسكن سلمى (اسم مستعار) التي عاشت "التجربة" حينما كانت طالبة بكليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.

سلمى اليوم في حل من زواجها العرفي الذي وضعت له حدًا حينما ساررها زوجها بالسفر إلى سوريا رفقة آخرين. وهي تروي لنا حكايتها مع الزواج العرفي التي انطلقت عام 2012، تكرر سلمى أنّها تجاوزت التجربة ولكن تعابير وجهها توحي بغير ذلك.

وتعود بنا محدّثتنا إلى اعتصام كلية الآداب بمنوبة على خلفية منع منقبات من دخول قاعات الدروس، حينها تعاطفت معهم سلمى وكانت تتردّد على المعتصمين الذين اتخذوا من مكتب العميد مقرًا لهم، واشتعل فتيل النظرات بينها وبين أحد "السلفيين" وكانت بداية علاقة لم تكن تعرف أنّها ستؤدّي بها إلى زواج لن يحضره أهلها ولن يبلغهم نبأه، وفق حديثها.

شهدت كلية الآداب بمنوبة عام 2012 توترًا بين إدارة الكلية والطلبة السلفيين تلاه اعتصام ومواجهات (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

وتقول سلمى، التي كانت تقطع سيل الحديث بتنهيدات تخال أن نفسها سينقطع معها، إن الأمر في البداية لم يتجاوز النظرات والبسمات التي تعقبها طأطأة رأس وغض للبصر من قبل حبيبها "السلفي" إلى أنّ جاءتها إحدى "الأخوات" تطلب رقم هاتفها وكان أوّل اتصال بينهما دعاها فيه إلى ارتداء الحجاب.

اقرأ/ي أيضًا: شركات الزواج في تونس.. خطّابة العصر لزواج مسكوت عنه

تشير إلى أنّ الفكرة لم تخطر على بالها يومًا، وأنّ تعاطفها مع المنقّبات وليد الدفاع عن حرّية اللباس، الأمر الذي أدخلها في حيرة عميقة انتهت بارتدائها الحجاب، وإعلانها لعلاقتها مع حبيبها السلفي الذي تقدم لخطبتها لكنّ أهلها رفضوا ذلك، وفق روايتها.

وحينما جوبهت رغبتهما في إطار رسمي و"شرعي" لعلاقتهما بالرفض، لاحت لهما فكرة "الزواج العرفي"، لا سيّما وأنّ بعض المحيطين بهم وجدوا فيه حلًا وملاذًا. في البداية رفضت ولكنّها أغفلت صوت عقلها وانصاعت لعاطفتها وكان أن اجتمع بعض "الإخوة" و"الأخوات" في منزل يجتمع فيه "الإخوة" متى اقتضى الأمر، وتلوا الفاتحة وحاكوا طقوس عقد القران وانتهى الأمر بترديد كليهما لعبارة "زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله" بشهادة "أخوين" ليصبحا زوجين، طبقًا لحديثها.

تزوّجت سلمى (اسم مستعار) من زميلها الطالب في كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة ثم تفارقا حينما قرر السفر إلى سوريا

وتخبرنا سلمى التي كانت تحاول أن تسيطر على ارتباكها لكنّها عبثًا تحاول، أنها كانت تتخبّط بين المبادئ والقيم التي تربّت عليها وبين حبّها، وكانت تحاذر أن ينكشف أمرها لأهلها ولكنّها كانت في المقابل سعيدة بهذا الإطار "الحلال" الذي اتخذته علاقتها بحبيبها "السّلفي".

ويبدو أنه من حسن حظّ سلمى أنّها كانت الابنة الوحيدة لأهلها، وهو الأمر الذي جعلها ترفض طلب "زوجها" مرافقته إياها لسوريا عبر ليبيا، ومنذ ذلك الحين اندلعت شرارة الخلاف بينهما حتّى أنّها طلبت منه عقد قرانهما مدنيًا قبل سفره وما كان منه إلا أن نعتها بـ"الكافرة المرتدّة" وكان البين بينهما بعد أشهر من الزواج "العرفي" كما روت لنا.

وسلمى اليوم لا تعلم عمن اتخذته حبيبًا سوى أنّه سافر في أواخر سنة 2013 إلى سوريا حيث قاتل إلى جانب "داعش"، وهي اليوم تحاول أن تمحي آثار التجربة وكانت البداية بنزع الحجاب الذي ارتدته بدافع الحب، وفق تعبيرها.

ديمومة للحب..

لئن ارتبطت ظاهرة "الزواج العرفي" في فترة ما بأوساط السلفيين، فإنّه وبالبحث في الأمر تبيّن لنا أن هذا الزواج موجود في أوساط لا علاقة لها بالسلفية ولأسباب مختلفة من بينها عدم قدرة الزوجة على الإنجاب.

وفي إحدى المدن الداخلية، قادنا البحث إلى قصّة عن "الزواج العرفي" لم نكن لنصدّق أنّها حقيقية لولا أنّنا تمكّنا بعد عدّة محاولات، من الحديث مع مختار (اسم مستعار) وهو رجل متزوّج من امرأتين، إحداهما بعقد مدني والأخرى بعقد "عرفي".

وحكاية مختار، تشبه إلى حد كبير الأفلام والمسلسلات، فهو الذي تزوّج في سن الخامسة والعشرين من عمره بابنة عمه التي أحبها منذ الطفولة، ولكن شاءت الأقدار أن تعاني زوجته من مشكلة في الرحم حالت دون أن تصبح أمّا، وبقي الزوجان ينتظران المعجزة طيلة 15 سنة، ما دفع بزوجة مختار إلى أنّ تطلب منه الطلاق والزواج بامرأة أخرى، الأمر الذي رفضه في البداية وفق حديثه.

مختار (اسم مستعار) رجل متزوّج من امرأتين إحداهما بعقد مدني والأخرى بعقد "عرفي" وهما يعيشان في منزل واحد

ويشير مختار إلى أنه اقتنع في الأخير بطلب زوجته أمام إصرارها على أن يتزوج وينجب أطفالًا تتولّى تربيتهم، ولم يقو على مقاومة دموعها وهي تطلب منه ذلك وهي المحرومة من الإنجاب خاصة وأنّ أحد الشيوخ من معارفه لفت انتباهه إلى "الزواج العرفي".

ويخبرنا محدّثنا أنه طلّق زوجته ليتزوّج أخرى اختارتها له، ومن ثم سافر مع طليقته إلى مصر حيث عقد مأذون شرعي قرانهما بحضور شاهدين، وبعلم أهل زوجته ومكّنه هذا الزواج وإن كان على غير الصيغ القانونية من الحفاظ على حبّ حياته، وفق تعبيره.

واليوم يعيش مختار مع زوجتين، تتقاسمان منزلًا من طابقين وتتشاركان في تربية ثلاثة أطفال، ينادونهما "أمي" دون تفرقة بين الاثنتين. ولأنّه مقتنع بأن الزواج على خلاف الصيغ القانونية لن يضمن لابنة عمه أية حقوق، فقد وهب لها قبل طلاقها قطعة أرض والطابق السفلي من المنزل.

زواج مصلحة من أجل المال

بعيدًا عن العاطفة، يلجأ البعض إلى "الزواج العرفي" لأسباب مادية بحتة، ويبدو أن الظروف الاقتصادية الصعبة قد تجعل البعض يرجّحون كفّة خيارات مخالفة للقانون عن قناعة، ومن بين هؤلاء الأشخاص صابرين (اسم مستعار) التي تزوجت عرفيًا من مديرها في العمل.

لم يكن من السهل الحديث مع صابرين التي رفضت في البداية كل محاولاتنا لمعرفة بعض التفاصيل عن تجربتها مع "الزواج العرفي"، مكرّرة على مسمعنا عبارة "مانيش ناقصة وجايع راس"، لتقتنع فيما بعد بالحديث عن قصّتها مع ضمان إخفاء هويّتها.

اقرأ/ي أيضًا: هل تبيح عدم عذرية الزوجة طلب الطلاق لدى المحاكم التونسية؟ (تحليل قانوني)

صابرين فتاة انقطعت عن التعليم في المرحلة الثانوية وذلك إثر وفاته والدها الأمر الذي حتّم عليها البحث عن شغل لمساعدة أمّها وأخواتها الخمس، واضطرت إلى العمل في المطاعم ومعينة في بعض منازل "الأعيان" لسنوات إلى أن أمّن لها زوج أختها عملًا في إحدى الشركات في العاصمة حيث أعجب بها صاحب الشركة ومديرها في العمل، ولم يتوان عن إخبارها بذلك، وفق روايتها.

وتقول محدّثتنا إنّها كانت تكتفي بابتسامات لطيفة تصدّ بها تلميحات مديرها المتزوج ولكنّها في المقابل كانت أسيرة لإغراءات ثرائه الفاحش، الأمر الذي جعلها تمعن في استمالته بغاية أن يتزوجها ولكن مديرها كان واضحًا من البداية وأخبرها أنّ طلاقه من زوجته أمر مستحيل واقترح عليها في المقابل "الزواج العرفي".

والأمر المثير للاستغراب، أنّ طقوس الزواج "العرفي" تمت في منزل صابرين وبحضور ذويها، وكان الجميع موافقًا على هذا الزواج طالما أنّه "حلال" وتم على يد أحدّ الأئمة كما أنّه انتشل العائلة من براثن الفقر وفق حديثها.

صابرين (متزوّجة زواجًا عرفيًا): جميع أفراد عائلتي وافقوا على هذا الزواج طالما أنّه "حلال"وسينتشل العائلة من براثن الفقر والخصاصة

واليوم تحظى صابرين باحترام الجميع في شركة "زوجها" وكل الفروع التابعة لها ويحسب لها الجميع ألف حساب ولكنّهم يعيرونها إذا ما خلوا إلى بعضهم البعض ويتهامزون عليها سرًا وهي تعي ذلك جيّدًا ولا تنزعج البتة وهي التي أصبحت صاحبة أموال وعقارات، وفق تأكيدها.

ولكن صابرين، تحمل داخلها وجًعا حاولت أن تسدّ عليه المنافذ لكيلا يبرز من ثنايا الكلمات ولم تستطع أن تخفيه مطوّلًا، فـ"أن تكون زوجة ظلّ فذلك يعني أنّها لن تكون أمًا وفاء لشرط اتفقت عليه وزوجها منذ البداية"، حسب روايتها.

ولئن حقّقت الاستقرار المادي، وقطعت مع الفقر وتبعاته إلا أنّ الزواج " العرفي" لم يتح لها فرصة أن تكون أمًا، و"باعت" أمومتها مقابل بعض العقارات ورصيد بنكي، هذا ما تستشفه من كلماتها وهي تتحدّث عن الإنجاب وتحاول أن تكبت عبراتها.

القانون صارم!

تختلف دوافع "الزواج العرفي" في تونس وتتفرّق بين الديني والاجتماعي والاقتصادي ولكنّه يظل ظاهرة تستوجب الدراسة خاصة وأن القانون التونسي صارم في هذه المسألة. إذ يجرم الزواج "العرفي" أو ما يصطلح عليه قانونًا بالزواج على خلاف الصيغ القانونية أو الزواج بامرأة ثانية، وهو الأمر الذي يفسّر عزوف بعض المتزوجين "عرفيًا" عن الإدلاء بشهاداتهم.

اقرأ/ي أيضًا: تونس: الجنس متاح لمن استطاع إلى "اللّوكال" سبيلًا..

وينصّ الفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية في فقرته الأولى على أن "تعدّد الزوجات ممنوع"، وأما الفقرة الثانية فجاء فيها أنّ "كلّ من تزوّج وهو في حالة الزوجية وقبل فكّ عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدّة عام وبخطية قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين، ولو أنّ الزواج الجديد لم يبرم طبق أحكام القانون".

كلّ من تزوّج وهو في حالة الزوجية وقبل فكّ عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدّة عام وبخطية قدرها 240 دينارًا

 فيما ورد في الفقرة الثالثة من نفس الفصل أنه "يعاقب بنفس العقوبات كلّ من كان متزوّجًا على خلاف الصيغ الواردة بالقانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرّخ في أوّل أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية، ويبرم عقد زواج ثان ويستمر على معاشرة زوجته الأولى.". و"يعاقب بنفس العقوبات الزوج الذي يتعمّد إبرام عقد زواج مع شخص مستهدف للعقوبات المقرّرة بالفقرتين السابقتين."، و"لا ينطبق الفصل 53 من القانون الجنائي المتعلق بظروف التخفيف على الجرائم المقرّرة بهذا الفصل"، وفق تنصّ عليه الفقرتين الرابعة والخامسة من ذات الفصل.

وينصّ الفصل 31 من قانون الحالة المدنية على أن يبرم عقد الزواج في تونس أمام عدلين أو أمام ضابط الحالة المدنية بمحضر شاهدين من أهل الثقة وهو ما يجعل من هذا الزواج المسمى بـ"العرفي" باطلًا ومجرّمًا في آن واحد. وورد بالفصل 36 من نفس القانون "يعتبر الزواج المبرم خلافًا لأحكام الفصل 31 أعلاه باطلا ويعاقب الزوجان زيادة على ذلك بالسجن مدة ثلاثة أشهر".

ممارسات ما قبل حداثية؟

في حديثه عن هذه الظاهرة، يعتبر الباحث في علم الاجتماع ممدوح عزالدين أنّ الزواج على خلاف الصيغ القانونية يعدّ من بين الممارسات ما قبل الحداثية وتعود بنا إلى فترة ما قبل الاستقلال على اعتبار أنّها تحطّ من قيمة المرأة وتحرمها من حقوقها، لافتًا إلى أنّه رغم ذلك تقدم بعض النساء عليه.

ويضيف عز الدين، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أنّ من بين أسباب "الزواج العرفي" البطالة والفقر والخوف من تأخّر سن الزواج والرغبة في إقامة علاقات جنسية مغلّفة بإطار "شرعي"، مشيرًا إلى أنّ أغلب الفئات التي تجنح إلى هذا النوع من الزواج أغلبها من الشباب الجامعي وهي مفارقة وإشكالية في ذات الآن على اعتبار أنّ هذه الفئة ذات مستويين ثقافي وتعليمي عاليين، وفق تعبيره.

ممدوح عزالدين (باحث في علم الاجتماع): الزواج العُرفي يعدّ من بين الممارسات ما قبل الحداثية وتعود بنا إلى فترة ما قبل الاستقلال

وفي تعليقه على الشهادات التي تحصّلنا عليها والتي تراوحت فيها الأسباب بين الاجتماعية والدينية، يقول محدّثنا إنّ الزواج على خلاف الصيغ القانونية زواج مصلحة بغطاء ديني، حالات منه نتيجة للانفتاح على الثقافة الغربية وتطعيمها بمسحة عربية وبعضها هروب من التكلفة الاقتصادية للزواج وبعضها الآخر ناجم عن حنين إلى عادات قديمة.

ويضيف محدّثنا المختص في علم الاجتماع أنه لا يمكن تغيير مجتمع بالقانون فقط بل بتغيير العقليات، مؤكدًا أن العقليات في بعض المناطق مازالت لم تتغير ومازالت تحتكم إلى العود الثقافي والعبارة لـ"دوبري" وفق قوله موضحًا "بمعنى أنّها تحن إلى القوانين والقواعد اللي تحكمنا سابقًا خاصة الصبغة الشرعية الدينية، وهو ما يجعل بعض المناطق متصالحة مع الزواج العرفي".ا

ويشير ممدوح عز الدين في ختام حديثه إلى أنّ فقدان مؤسسة الزواج لقيمتها الاعتبارية والتكلفة الاقتصادية للزواج هي من بين إقبال الشباب على الزواج على خلاف الصيغ القانونية رغم أنه زواج غير مؤمّن ويفتقر إلى أسس الحماية وفق تأكيده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المواليد خارج إطار الزواج.."إذا وصفونا بأبناء الحرام.. سنقول نحن آدميون"

تونسيات: "لم أتزوج".. ولا أريد "لا ظل رجل ولا ظل حيط"!