22-أكتوبر-2020

إحدى المدرسات لـ"الترا تونس": مدرستها تحوّلت إلى بؤرة كورونا والإدارة لا تبالي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

تصدر الصفحة الرسمية لوزارة التربية على موقع التواصل فيسبوك يوميًا آخر أرقام الإصابات بالفيروس في الوسط المدرسي لكن عديد النقابيين من أهل التربية فندوا هذه الأرقام، مؤكدين في أكثر من منبر أن عدد المتوفين وصل إلى ثلاث حالات وأن عدد الإصابات المؤكدة بالفيروس ضمن التلاميذ والمربين قد تكون ضعف ماهو معلن عنه وأنّ نسق تطور عدد حالات الاشتباه في الإصابة في تصاعد يومي. يُبين ذلك أن الوسط المدرسي قد أضحى وسطًا موبوءًا وخاصة في المدن الكبرى والضواحي الفقيرة، وسط صمت وزاري وحكومي.

نفذت العديد من النقابات التربوية القاعدية عدّة وقفات احتجاجية في أكثر من مدينة وقرية تونسية في الفترة الأخيرة، كما أمضت على عرائض تطالب فيها وزارة التربية بالتحرك السريع والعاجل لتوفير مستلزمات الحماية وآليات الوقاية الصحية من فيروس كورونا كما انتقد المربون بمختلف أطيافهم وتمثيلياتهم في المجتمع المدني "البروتوكول الصحي المدرسي"، معتبرين إياه أجوفًا ولا يقي المدرسة من تفشي الفيروس. كما تمت الإشارة بكل وضوح إلى أن عدد السيدات المصابات بكورونا في الوسط المدرسي هو الغالب حسب المؤشرات الرسمية وتلك المتداولة من قبل الجمعيات والمنظمات المدنية. 

سيّدات التربية، من أستاذات ومعلمات، وفي ظل تطور الوضع الصحي في تونس نحو الأسوأ، قد واجهن فيروس كورونا منفردات وبشجاعة المحاربين 

ويُذكر أن سيّدات التربية، من أستاذات ومعلمات، وفي ظل تطور الوضع الصحي في تونس نحو الأسوأ، قد واجهن فيروس كورونا منفردات وبشجاعة المحاربين بعد أن تعالت كتاباتهن ونداءاتهن عبر المنابر النقابية وشبكات التواصل الاجتماعي.

ولعل التدوينة التي لاقت انتشارًا بالوسط التربوي والثقافي هي تلك التي حبّرتها أستاذة المدارس الابتدائية والكاتبة والشاعرة زهور العربي والتي جاءت تحت عنوان "وحدي في مواجهة كورونا" وأوضحت خلالها أنها "تصارع وعائلتها منذ أيام  فيروسًا خبيثًا من أجل البقاء دون أدنى التفاتة من وزارة التربية التي تضع المربي في مواجهة الوباء، وحينما يتمكن منه فيروس كورونا تتركه يواجه مصيره وحده ماديًا ومعنويًا، فلا الإدارة تعبّره ولا الوزارة تسأل عن أحواله بل تنتظر أن يعود إلى العمل أكثر نشاطًا أو أن تنشر نعيه غير مأسوف عليه".

اقرأ/ي أيضًا: مدارس سوسة تحت وطأة كورونا

زهور العربي (معلمة بمدرسة نهج مرسيليا): مديري نقل لي العدوى وأنكر ذلك 

"ألترا تونس" اتصل ببعض سيدات التربية والتعليم في تونس ممن أصبن بكورونا وهن في أوج المعاناة والحرب مع الفيروس وكانت المصافحة الأولى مع الأستاذة والكاتبة زهور العربي، صاحبة التدوينة التي تحدثت من خلالها عن إحساسها بالأسى والغبن جرّاء تنكر وزارتي التربية والشؤون الثقافية لها وعدم السؤال عنها وهي في قمة المعاناة والخطر.

أوضحت العربي لـ"الترا تونس" أنها تشتغل أستاذة مدارس ابتدائية بمدرسة نهج مرسيليا بالعاصمة تونس وأنها قد التقطت فيروس كورونا من فضاء المدرسة وتحديدًا من مدير المدرسة الذي تبدو عليه علامات المرض منذ مدة لكنه كابر وادعى أنه بخير والأمر لا يتعدى النزلة جراء الحساسية.

وتضيف المعلمة زهور العربي أن "المدير لا يعترف بكمامة الفم والأنف وكان يمرّ في كل حين إلى منزله الإداري من أمام الرواق الذي تدرّس به ولا ينفك عن محادثتها والاستخفاف بحرصها على تطبيق إجراءات التنظيف والتعقيم حيث يرى في ذلك تهويلاً من لدنها"، وفق قولها، مشيرة إلى أنها تنفق من مالها الخاص على تعقيم القسم وطاولات التلاميذ.

كما أشارت العربي إلى أن مدرستها تحولت إلى "بؤرة كورونا" والإدارة لا تبالي، مبينة أن مدرسة نهج مرسيليا بالعاصمة تواصل التدريس بشكل عادي دون أن تخضع لعمليات تعقيم دورية كما لم تعرف خطة تقص للوقوف على مدى تفشي العدوى بين التلاميذ والمدرّسين، وفقها، وأشارت في هذا الصدد إلى أن "وزارة التربية لا تقدم إحصاءات دقيقة ولا تخبر المواطنين بالأرقام الصحيحة حول تفشي المرض بالمدارس سواء بين التلاميذ أو في صفوف المربين بمختلف أسلاكهم".

المعلمة والكاتبة زهير العربي لـ"الترا تونس": "وزارة التربية لا تقدم إحصاءات دقيقة ولا تخبر المواطنين بالأرقام الصحيحة حول تفشي المرض بالمدارس"

أمّا ما أصاب الأستاذة العربي بالإحباط والحزن فهو خاصة الإهمال المعنوي الذي تعرضت له فباستثناء صديقاتها وزملائها المقربين الذين يسألون عنها يوميًا فإن وزارة التربية لم تحرّك ساكنًا ولم تكلف نفسها عناء السؤال عنها والرفع من معنوياتها وهي ترى في ذلك قسوة رمزية وجحودًا وهي التي أفنت عمرها مدرسة للأجيال بمختلف جهات البلاد، وتضيف أن مشاعرها تجاه مهنتها قد تغيّرت وأن مفهومي المدرسة والوطن قد تغيرا لديها، وهي تعتقد جازمة أن القيم المدرسية قد تغيرت في تونس إلى الأبد.  

وذكرت الأستاذة العربي لـ"ألترا تونس" "أنها قضت أيامًا قاسية داخل عائلتها بعد أن نقلت العدوى لزوجها وأبنائها وهي إلى حد هذه اللحظة لا تزال في الحجر الصحي وتخضع للعلاج، مشيرة في هذا الخصوص أن الأدوية المخفضة للحرارة والمزيلة للألم مفقودة من الصيدليات وهي تسعى لتوفيرها عن طريق أصدقاء ابنتها الطالبة الجامعية".

كما تحدثت الأستاذة زهور العربي عن تنكّر وزارة الثقافة لها وهي الكاتبة والشاعرة صاحبة الإصدارات العديدة والمديرة لصالون أدبي بدار الثقافة باب سويقة، مشيرة أنها "تشعر بمرارة تجاه هذا الإهمال المعنوي" إذ تقول "لقد حاربت كورونا بمفردي، في عزلة فردية وسط هواجس فسيحة كادت تحوّلني إلى نوّارة في السماء تبقى شاهدة على جحود وطني".

الأستاذة زهور العربي

اقرأ/ي أيضًا: حينما يكشف فيروس "كورونا" هنات المنظومة التربوية في تونس

سماح العرفاوي (أستاذة مادة انجليزية): "نحن مجرّد أرقام في وزارة التربية.." 

اتصل "الترا تونس" بمدرّسة تونسية أخرى لا تزال في الحجر الصحي القاسي  تواجه كورونا بمفردها "وسط تنكر وزارة التربية ونسيانها لمنظوريها"، كما حدثتنا، وهي سماح العرفاوي، أستاذة مادة الإنجليزية بالمعاهد الثانوية التونسية، التي أوضحت منذ البداية أنها انتظرت العودة المدرسية لهذه السنة بإحساس مغاير ومشاعر مختلفة عن السنوات الأربع عشر التي قضتها في التدريس، مضيفة أن مردّ هذا الإحساس المختلف هو تزامن العودة مع انتشار الموجة الثانية للجائحة في تونس بأكثر حدة وأكثر شراسة.

وأشارت الأستاذة العرفاوي إلى أن العودة المدرسية لهذه السنة ورغم التحذيرات المسبقة من قبل المربين والمختصين إلا أنها تمت في موعدها تحت شعارات براقة وحديث منمق عن البروتوكول الصحي المدرسي "الذي ثبت أنه لم يطبق بالكامل على أرض الواقع وذلك لغياب تدابير تسبق التطبيق منها نشر الوعي وتوفير الموارد البشرية المختصة والمستلزمات المادية وهو ما لم توفره وزارة التربية فبقي البروتوكول الصحي المدرسي في المهب فحصلت الكارثة وبدأت كورونا في حصد أرواح المربين والانتشار بكثافة في المؤسسات التعليمية وسط صمت وزاري مطبق".

سماح العرفاوي (أستاذة مادة انجليزية) لـ"ألترا تونس": تمت العودة المدرسية في موعدها تحت شعارات براقة وحديث منمق عن البروتوكول الصحي المدرسي الذي ثبت أنه لم يطبق بالكامل على أرض الواقع 

وتروي مدرّسة الإنجليزية رحلتها مع "كورونا" "في ليلة الثلاثاء من الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أصبت بحمّى مفاجئة دون سابق إنذار رغم تدابيري الوقائية. قضيت ليلتي بين الشك واليقين دون أن أكحل عيني بخيط نوم وحيد، لكني في الصباح اتصلت بالطبيب فطمأنني بعد أن وصف بعض الأدوية"، مؤكدا أن "الأمر لا يتعدى النزلة جراء تغير الطقس".

وتضيف أنها عادت للعمل واختلطت بزملائها وتلامذتها لكنها بعد يومين شعرت مجددًا بآلام في مفاصلها بعد أن فقدت حاستي الشم والذوق، وما أن اتصلت بالطبيب مجددًا حتى طالبها بالتحليل لتكتشف بعد انتظار أيام طويلة وبيروقراطية رهيبة بين إدارات الإسعاف الطبي ومختبر التحاليل والإدارة الجهوية للصحة أنها مصابة بكورونا". 

وأكدت الأستاذة العرفاوي أنّ هذا المرض معانته النفسية تتطلب الكثير من العناية وهو ما لا يتوفر في تونس وحتى الأقارب لا يستطيعون القيام بذلك خوفًا من العدوى، فسؤال الزملاء والأصحاب والتلاميذ ودعوات الأم هي ما يرفع المعنويات أما وزارة التربية " فنحن بالنسبة لها مجرد أرقام على لوحات منجمية"، وفق العرفاوي، "فهي لم توفر خلايا متابعة وإنصات وصيانة نفسية للمرضى من منظوريها.. إن الجسد التربوي التونسي في خطر جراء فيروس كورونا وأشياء أخرى مثل اهتراء البنية التحتية وغياب أدوات العمل وعدم التفكير في تقننة المدرسة..".    

وأكدت الأستاذ العرفاوي، خلال حديثها لـ"الترا تونس" أن "البروتوكول الصحي المدرسي مرتبط بوزارات أخرى كوزارة الصحة حيث لم تتحرك إدارتها للطب المدرسي في اتجاه المؤسسات التربوية بل غابت تمامًا من المشهد فبقيت بيوت التمريض موصدة في وجه التلاميذ كما لم توفر وزارة النقل عبر شركاتها خططًا استثنائية خاصة بالنقل التلمذي حيث التلميذ يتنقل إلى المدرسة في حافلات مكتظة ونقل عمومي مزدحم".

وأشارت العرفاوي أنها وطيلة الأسابيع الأولى من العودة المدرسية وفي ظل  عدم توفر مستلزمات التعقيم كانت تحمل معها إلى القسم حقيبة خاصة بها كل مستلزمات التطهير والتعقيم حرصًا منها على توفير فضاء خال من كورونا خاصة وأنها تعلم أن بعض التلاميذ يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والربو وفقر الدم الحاد، وهي تحمل وزارة التربية كل ما يحصل من تفشي حاد للفيروس داخل المؤسسات التعليمية، وفق تقديرها.

الأستاذة سماح العرفاوي

 

أمل (أستاذة تاريخ وجغرافيا بمدرسة إعدادية): "سأقاضي وزارة التربية إن حصل مكروه لوالدتي.." 

اتصل "الترا تونس" بالأستاذة أمل (وهو اسم مستعار) وهي تدرس مادة التاريخ والجغرافيا بإحدى المدارس الإعدادية بالضاحية الغربية بالعاصمة تونس، لتؤكد أنها في الحجر الصحي منذ 10 أيام وحالتها لم تتحسن بعد، وأضافت أنها التقطت الفيروس من المدرسة ولا تدري من المتسبب بالضبط خاصة وأن المكان الذي تشتغل به "لا يعترف بالبروتوكول الصحي حيث يأتي الأولياء مع أبنائهم دون كمامات ولا أحد ينبههم إلى المخالفة كما تغيب جميع مستلزمات التعقيم والتطهير والتنظيف..".

وأشارت أنها نقلت العدوى إلى والدتها التي تعيش معها في نفس المنزل وقد تم نقلها لمنزل شقيقها لتقضي فترة حجرها لوحدها بعيدًا عن الاختلاط "وهي ستقاضي وزارة التربية إن حصل أي مكروه لأمها"، كما حدثت "ألترا تونس".

وأكدت أمل أنها الآن تواجه "كورونا" بمفردها وسط هواجس الخوف وغياب القرارات المدروسة المتعلقة بهجمة كوفيد 19 بل وتترقب موتها بعد أن علمت أن كل أسرّة الإنعاش بكل جهات البلاد لا تعرف لها شغورًا منذ اشتداد الموجة الثانية، وتضيف أن الخوف يستبد بها عندما لا يجيب الرقم الأخضر الذي وضعته وزارة الصحة على ذمة المصابين.

أمل (أستاذة تاريخ وجغرافيا بمدرسة إعدادية) لـ"الترا تونس": البروتوكول الصحي المدرسي يتطلب مراجعات تتعلق بغياب فرق التقصي داخل المدارس وضرورة وجود طبيب أو ممرض من وزارة الصحة داخل كل مدرسة

وترى الأستاذة أن البروتوكول الصحي المدرسي يتطلب مراجعات عديدة تتعلق بغياب فرق التقصي داخل المدارس وضرورة وجود طبيب أو ممرض من وزارة الصحة داخل كل مدرسة فلا يكفي التعويل على المجتمع المدني المحيط بالمدرسة أو البلديات التي تعاني بدورها قلة ذات اليد". 

المدرّسات اللاتي اتصل بهن "الترا تونس" هن عينة من عديد الحالات اللاتي تواجهن فيروس كورونا بمفردهن وسط إهمال معنوي من قبل وزارة التربية التي تعتبر المشغّل الأول في الوظيفة العمومية (القطاع العام) ووسط صمت الدولة التونسية التي باتت تتخبط مع المجهول في ظل غياب استراتيجية واضحة لإدارة أزمة كورونا خاصة في موجتها الثانية.              

 

اقرأ/ي أيضًا:

العودة المدرسية في تونس.. طلب العلم تحت رصاص العدو

فيديو: العودة المدرسية في ظلال أزمة كورونا