04-مارس-2021

تلاميذ في أحد أرياف تونس (صورة توضيحية/فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"فصل بين التلاميذ حسب الجنس، معلمون بلباس أفغاني، منع تعليق الصور داخل القسم وتحريمها" وغير ذلك من المعلومات انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي تونسيًا، خلال الأيام الأخيرة، في علاقة بمدارس ابتدائية بمعتمدية شربان من ولاية المهدية.

لم يُعط الأمر أهمية ولم يحظ بمتابعة إلا بعد بيان لافت صدر عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمهدية، يوم 1 مارس/ آذار 2021، حمل عنوان "لا للتطرف الداعشي في مدارسنا"، وأكد أن وفدًا من الرابطة انتقل لزيارة مدرستي المزاهدة والشواشين من معتمدية شربان واستمع لشهادات مواطنين وتلاميذ بالجهة أيضًا وتبيّن له تعمّد بعض المدرسين "ضرب أسس الدولة المدنية في انتهاك متعمد للدستور والقوانين التونسية". 

أكدت رابطة حقوق الإنسان فرع المهدية عددًا من الممارسات في مدرستين بشربان من قبيل التدريس بـ"لباس أفغاني"، الصلاة داخل القسم أثناء ساعات التدريس، عدم التقيّد بمناهج وزارة التربية، منع تعليق الصور التعليمية وتحريم مشاهدتها"

وأوضحت الرابطة فرع المهدية، في بيانها، أن وفدها نقل ممارسات في المدرستين من قبيل الفصل في الصفوف بين التلاميذ الذكور والإناث، التدريس بـ"لباس طائفي أفغاني"، كما أطلقت عليه، الصلاة داخل القسم أثناء ساعات التدريس، عدم احترام والتقيّد بالمناهج العلمية والتعليمية لوزارة التربية، منع تعليق الصور التعليمية المعتمدة بيداغوجيًا في التدريس وتحريم مشاهدتها".

واعتبرت الرابطة أن في هذه الممارسات "سعيًا لدمغجة عقول التلاميذ من خلال حشوها بأفكار متطرفة غريبة عن ثقافتنا، وأنها تعكس استخفافًا من المشرفين على تلك المدارس بهذه التجاوزات وتراخيهم في إعلام سلطة الإشراف".

المهدية في 01/03/2021 بيان لا للتطرف الداعشي في مدارسنا على إثر تلقي فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان...

Posted by ‎الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع المهدية - الصفحة الرسمية‎ on Monday, March 1, 2021

وعبّر فرع الرابطة بالمهدية، في ذات البيان، عن رفضه المطلق لما أسماها "محاولات توظيف المدرسة العمومية واختراقها لنشر الأفكار الداعشية المتطرفة"، محمّلاً وزارة التربية ومندوبية حماية الطفولة وكافة السلط الجهوية والمركزية المعنية، المسؤولية المطلقة في حماية المصلحة الفضلى لأطفالنا وضمان حق أبنائنا وبناتنا التلاميذ في التربية والتعليم وفق المناهج العلمية والمدنية المتطورة.

وزارة التربية: تكليف متفقدين إداريين وماليين للتحري بخصوص ما تم تداوله حول وضعية بعض المؤسسات التربوية في المهدية

وطالبت المنظمة الحقوقية السلطة بفتح تحقيق إداري وجدي في كل تلك الانتهاكات الخطيرة لحقوق الأطفال وللدستور والقوانين التونسية. ودعت المواطنات والمواطنين وجميع مكونات المجتمع المدني الحريصة على الديمقراطية والدولة المدنية، إلى اليقظة والعمل على تحصين المجتمع من سموم الفكر الرجعي والظلامي، وفق تقديرها.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم الديني الموازي في تونس.. لماذا الإقبال عليه؟ وماهي مخاطره؟

إثر هذا البيان، تصاعد الجدل في المجتمع التونسي إضافة إلى مطالبة وزارة التربية بالتحقيق في الأمر. وقد علقت الأخيرة، مساء الأربعاء 3 مارس/ آذار الجاري، في بيان، أنها بادرت بتكليف متفقدين إداريين وماليين للتحري بخصوص ما تم تداوله حول وضعية بعض المؤسسات التربوية الراجعة بالنظر إلى المندوبية الجهوية للتربية بالمهدية، وخاصة فيما يتعلق بلباس المعلمين، الذي وصفته بـ"غير المألوف".

وأضافت الوزارة، في ذات البيان، أنه سيتم إثر ذلك تحميل المسؤوليات لكل من يثبت ارتكابه لأية تجاوزات مهما كانت طبيعتها أو درجتها.

كما دعت الوزارة المندوبية الجهوية للتربية بالمهدية إلى المتابعة الدقيقة للموضوع في مختلف جوانبه، وخاصة البيداغوجية منها بالتنسيق مع الهياكل المختصة، مذكرة كافة مكونات الأسرة التربوية بضرورة الالتزام بما ورد بمذكرة سلوك وأخلاقيات العون العمومي استنادًا إلى الأمر عدد 4030 المؤرخ في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2014.

المندوب الجهوي للتربية بالمهدية ينفي وجود فصل بين الإناث والذكور لتلاميذ المدرستين كما يؤكد التزام المعلمين بمناهج وزارة التربية

وأكدت وزارة التربية أنها وجهت مكتوبًا في الغرض إلى كل الهياكل تحت إشرافها لحث كافة الأعوان على ضرورة تجنب السلوكيات التي من شأنها المساس بمقومات المنظومة التربوية بما في ذلك اللباس غير المألوف.

اقرأ/ي أيضًا: تحفيظ القرآن بالمدارس الحكومية في تونس.. المعركة!

في المقابل، صرح المندوب الجهوي للتربية بالمهدية المنجي منصر، الخميس 4 مارس/ آذار 2021، لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن "جميع التقارير المتعلقة بالمدرستين المذكورتين سابقًا أثبتت عدم وجود فصل بين الإناث والذكور لتلاميذ المدرستين". 

وأضاف أنه حضر تحية العلم في إحدى المدرستين ولم يلاحظ فصلاً بين الجنسين بل تباعدًا جسديًا بسبب إجراءات الوقاية من انتشار فيروس كورونا ومن ذلك إفراد كل تلميذ بطاولة للدرس، وشدد أنه هناك التزام ببرنامج التعليم المقرر من الوزارة كما نفى آداء الصلاة داخل القسم.

أما عن لباس المعلمين الذين انتشرت صورهما في مواقع التواصل الاجتماعي وهو اللباس الذي وصف بالأفغاني، أكد  المندوب الجهوي للتربية بالمهدية أن المعلمين سيوقعان التزامًا يتعهدان من خلاله بارتداء "لباس مدني"، وفق توصيفه، موضحًا أنهما التزما بذلك شفويًا وغيرا اللباس الذي ظهرا به في الصور على منصات التواصل.

وأوضح أن المعلمين المعنيين تتراوح سنوات مباشرتهم لمهنة التعليم بين 8 و28 سنة ومن بينهم معلم حاز على الجائزة الوطنية في الإبداع البيداغوجي في مادة الفرنسية سنة 2020، وخضعا خلال سنوات العمل إلى متابعة بيداغوجية وكل التقارير تؤكد كفاءتهم وعدم خروجهم عن المناهج التعليمية.

 

صور للمعلمين في مدرستي شربان (المصدر: إذاعة المنستير ومنصات التواصل)

 

ولا يعتبر هذا الجدل جديدًا في المجتمع التونسي وإن خفت التطرق له خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالسنوات الأولى التي تلت الثورة، إذ على عكس ما كان متوقعًا إثر  صدور دستور الجمهورية الثانية في مستهل 2014 والذي حدد علاقة الدين بالدولة، تواصل الجدل حول مدنية الدولة والتهديدات التي قد تواجهها على مستويات عدة ومنها التعليم.

على عكس ما كان متوقعًا إثر  صدور دستور 2014 والذي حدد علاقة الدين بالدولة، تواصل الجدل في مناسبات عدة حول مدنية الدولة والتهديدات التي قد تواجهها على مستويات عدة ومنها التعليم

نذكر كأمثلة الجدل الذي عرفته تونس في سنة 2016 إبان إعلان وزارة الشؤون الدينية توقيعها اتفاقًا مع وزارة التربية لاستغلال المدارس والمعاهد لتعليم القرآن للتلاميذ أثناء العطل، إضافة إلى أنشطة أخرى، أو النقاش الواسع سنة 2019 حول التعليم الديني الموازي، إن صح التعبير، وذلك إبان كشف ما صار يعرف بـ"المدرسة القرآنية في الرقاب" والتي كشفت الغطاء عن تعليم ديني يمارس خارج الأطر القانونية وفي غياب تشريعات تنظّم تأسيس مدارس تعنى بالشأن الديني في تونس.

هذه المدرسة كانت أنشأت كجمعية تربوية هدفها الأساسي تنظيم دورات لحفظ القرآن، تبيّن أنه وقع فيها استغلال أطفال استغلالًا اقتصاديًّا وتعريضهم لسوء المعاملة وغير ذلك والقضية تحوّلت منذ ذلك الحين إلى نظر القضاء الذي أصدر عددًا من الأحكام.

يُذكر أنه بخصوص مسألة علاقة الدين بالدولة، فقد توصّل الإسلاميون والعلمانيون في تونس سنة 2014 إلى صيغة توافقية في الدستور تضمّنها الفصل السادس منه، الذي على أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحريّة المعتقد والضّمير وممارسة الشّعائر الدينيّة، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. وتلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها". كما حافظ دستور 2014 على الفصل الأول من دستور 1959 الذي ينص على أن تونس دولة "الإسلام دينها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

التعليم في خطر: ثقافة "الموازي المدرسي" تهدد المدرسة التونسية

من الكابتن ماجد إلى "الأيباد": كيف أصبح الطفل وحيدًا؟