13-سبتمبر-2019

مدير الديوان الرئاسي السابق والرئيس الحالي لمركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

في المناكفات السياسيّة والمعارك الانتخابيّة ليس من تأمّل كمن تألّم، وليس من عانى كمن عاين، ولكن ماذا عمّن خبر التجربتين، وخاض الملحمتين، ملحمة النظر والتفكير وملحمة المواجهة والتدبير، هذا شأن عدنان منصر السياسيّ والأكاديميّ التونسيّ الذي ترأس خلال رئاسيّات 2014 حملة الرئيس السابق المنصف المرزوقي الانتخابيّة وقد كان مدير ديوانه الرئاسي، ثم أعرض عن العمل الحزبيّ، وعاد إلى برجه المعرفيّ باحثًا في الشأن السياسيّ والإقليميّ، وهو أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، ليترأس مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي.

تجارب متراكمة أكسبت الرجل دراية ميدانيّة ونظريّة تبدو واسعة ثريّة عميقة، دراية من شأنها أن تساهم في إضاءة بعض المسائل الراهنة والإجابة عن أسئلة ملحّة صلتها وثيقة بالانتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها المزمع إجراؤها يوم 15 سبتمبر/ أيلول 2019، ليأتي في هذا السياق حوار "ألترا تونس" مع عدنان منصر.


  •    ترأسْت في انتخابات 2014 حملة المرزوقي الرئاسيّة، ما الذي علق بذهنك من خلال تلك التجربة؟

شيئان أساسيان. أولًا اللحظة التي تحولت فيها الحملة من رسمية إلى شعبية، كانت لحظة مثيرة سحرية، فقد أقبل الأنصار من كل الجهات، وأظهروا حماسًا وصدقًا وتلقائيّة في مساندة المرزوقي دعاية وإنفاقًا. وبالرغم من إعادة هيكلة الحملة الانتخابيّة مرتين نظرًا إلى تفوق تلك الحالة على إمكانياتنا، تغذّر علينا الإشراف على جميع الأنشطة فتركنا المساندين أحرارًا يدعمون الدكتور المرزوقي بالطرائق التي يرونها، واكتفينا بالتوجيه حرصًا على تجنّب الأخطاء والخروقات.

عدنان منصر: الصورة التي رسخت في ذاكرتي في انتخابات 2014 تعمّد المنافس خرق القانون بتوخّي أساليب التشويه والتزوير، وقد تورّط في هذا رؤساء أحزاب ورجال أعمال وإعلاميون مازالوا فاعلين إلى اليوم

اقرأ/ي أيضًا: عبد الحميد الجلاصي: قد أترشح لرئاسة حركة النهضة ومورو الأجدر بقصر قرطاج (حوار)

أما الصورة الثانية التي رسخت في ذاكرتي فقد تمثّلت في تعمّد المنافس خرق القانون بتوخّي أساليب التشويه والتزوير، وقد تورّط في هذا المسلك رؤساء أحزاب ورجال أعمال وإعلاميون مازالوا فاعلين إلى اليوم، فكانت المعركة معهم قاسية جدًا، وأستطيع التأكيد أنهم لم ينتصروا بالصندوق فقط.

  • كيف تقيّم المناخ العامّ الذي تجري فيه رئاسيّات 2019؟

هو بكل المقاييس مختلف عن مناخ 2014، فقد دخل المترشحون للرئاسية هذه المرة في سباق أشدّ تعقيدًا، إذ لم تعد قضايا الهوية هي ما يشغل الناس بالدرجة الأولى، بل القضايا الاقتصادية والاجتماعية. هذا ليس سيئًا، بل هو الأفضل للجميع، لكن المشكل هو أن القضايا التي يتوجب على المرشحين مواجهتها هي قضايا من صميم العمل الحكومي بمنطوق الدستور، فأفضى ذلك إلى تباين بين انتظارات الناخبين وما تسمح به صلاحيّات رئيس الجمهوريّة.

عدنان منصر: من سيستفيد من تعدد الترشحات وتفرق العائلات؟ مبدئيًا أولئك القادمون من خارج المنظومة الحزبية التقليدية

من جهة أخرى، بالرغم من أن نظام الحكم برلماني، فإن الانتخابات الرئاسية تتم قبل التشريعية بسبب وفاة الباجي قائد السبسي، وهذا ما يجعل الرئاسيات مؤثّرة تأثيرًا كبيرًا في نتيجة التشريعيات، وهذا كالمشي على الرأس.

حالة التشتت الحزبي وتقدم 26 مترشحًا، موضوع آخر، حيث تتقدم كل العائلات السياسية متفرقة، وأحيانًا بست أو سبع مترشحين. من سيستفيد من تعدد الترشحات وتفرق العائلات؟ مبدئيًا أولئك القادمون من خارج المنظومة الحزبية التقليدية. طيب، هؤلاء، كيف سيحكمون في نظام برلماني؟ هذا موضوع معقد.

  •    ما رأيك في اعتماد المناظرات التلفزيّة بين المترشّحين للرئاسة؟ ومن تراه أكثر استفادة من هذا الأسلوب التنافسيّ؟

شكليًا، المناظرات كانت فكرة جيدة، حيث رسخت الانطباع بممارسة ديمقراطية شفافة، عن طريق فرض المساواة بين المترشحين بغض النظر عن حظوظهم.

فعليًا ومضمونيًا، كانت تشبه مجرد امتحان شفوي للمترشحين بحضور الجمهور. المناظرة تعني شيئًا آخر: نقاش معمق في نقاط أساسية بين المترشحين، تجعل الناخب يحسم اختياره بناء على معطيات موضوعية، لعلّ كثرة المترشحين هي التي دفعت المنظمين إلى ذاك المنحى، في كلّ الأحوال يمكن اعتباره أفضل من لاشيء.

من خلال ما لاحظت من تفاعل، أعتقد أن الذين كانت لهم تجربة في الدولة، أو عدد منهم على الأقل، كان أداؤهم مرضيًا، ولكن هل يكفي ذلك لتحديد توجهات الناخبين؟ لا أعتقد.

  •  مثّلت الكفاءة الخَطابيّة لدى المترشّحين موضوع مدح وذمّ، هل تساهم هذه المهارة في دعم الفصيح وخذلان المتلعثم؟

رئيس الجمهورية، بحسب الدستور، مطلوب منه أن يتدخل عندما تكون هناك أزمات، فهو حامي الدستور، ومطلوب منه محادثة الرؤساء الأجانب وترؤّس مجلس الأمن القومي والاجتماع بقادة الجيوش والتفاعل باستمرار مع رئيس الحكومة ومع المنظمات، فأداؤه في أغلبه يقوم على حسن التواصل، ولا أدري كيف يستطيع رئيس متلعثم أن يقنع أحدًا.

عدنان منصر: رئيسًا فصيحًا يكون دائمًا أفضل من رئيس متلعثم

وفي ثقافتنا، التلعثم دليل عدم اقتناع أو عدم ثقة بالنفس، وهذا غير جيد، من هذا المنطلق فحسب، فإن رئيسًا فصيحًا يكون دائمًا أفضل من رئيس متلعثم. أعتقد أن المناظرات التي تمت قد أظهرت بعض هذه الفوارق بين المترشحين، وفوارق أخرى. وهذا عنصر من عناصر القرار لدى الناخب، ولكنه حتمًا ليس العنصر الأوحد.

  •  تُدير حاليّا مركز دراسات علميّة من اهتماماته العلاقات بين دول المغرب العربيّ، كيف تقرأ البرامج الانتخابيّة المتّصلة بهذا المشغل، وما رأيك خاصّة في الدعوة إلى إنشاء مناطق حدوديّة حرّة؟

أرى أنّ جلّ المترشّحين قد تفطّنوا إلى أهميّة التنصيص على دعم التعاون بين بلدان المغرب العربيّ. ومن المقترحات الجادّة الدعوة إلى إنشاء مناطق حدوديّة حرّة، فهذه المبادرة من شأنها أن تحدّ من التهريب وتضمن نقطتي نموّ سنويًّا في كلّ بلد مغاربيّ كما تساهم في تعزيز سبل التصدّي للإرهاب المتمترس على الحدود، غير أنّ هذا المشروع ظلّ معطّلًا رغم المصادقة عليه.

  • ما الذي يعطّل هذا المشروع حسب رأيك؟

أسباب عديدة أوضحها الخلاف بين الجزائر والمغرب وتباين مصالح بعض الأطراف.

اقرأ/ي أيضًا: سامية عبو: المنصف المرزوقي لا يحتاج إلى دعوة للتنازل لمحمد عبو (حوار)

  •  يدعو بعض المترشّحين للرئاسة إلى تطوير العلاقات الخارجيّة بالتركيز على الدبلوماسيّة الاقتصاديّة، هل تكتسي هذه الدعاية وجاهة واقعيّة وموضوعيّة؟

التركيز على هذا الضرب من الدبلوماسيّة يبرّره عاملان، الأوّل يتّصل بما تعانيه بلادنا من أزمة اقتصاديّة والثاني يرتبط بمحدوديّة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة ممّا يدفع إلى التركيز في البرامج على الأمن الوطنيّ والمسائل الخارجيّة، ومن عناصرها الأساسيّة الدبلوماسيّة الاقتصاديّة.

عدنان منصر: مبادرة إنشاء مناطق حدودية حرة في المغرب العربي من شأنها أن تحدّ من التهريب وتضمن نقطتي نموّ سنويًّا في كلّ بلد مغاربيّ 

هذا المشغل لم يحظ في رأيي خلال السنوات المنقضية بالعناية التي تتناسب مع أهميّته، وقد يرجع الأمر إلى ثلاثة أسباب أوّلها عدم الاستقرار السياسيّ الذي جعل الصراعات والخلافات تعطّل معالجة هذا الضرب من الملفّات، وثانيها الانعكاسات الاقتصاديّة والتنمويّة للتهديدات الإرهابيّة، وثالثها تواصل صراع المحاور في المنطقة العربيّة، ومن واجبنا في هذه النقطة تجنّب الاصطفاف في سبيل المصلحة الوطنيّة ومحافظة على علاقات الصداقة والأخوّة.

عدنان منصر مدير الديوان الرئاسي سابقًا ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي (أحمد الزوابي/ألترا تونس)

  •  حضرت في برامج بعض المترشّحين وخطاباتهم مواقف تدعو إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري وتحمي المرزوقي مسؤوليّة قطعها، هل يساهم ذلك في دعم رصيدهم الانتخابيّ والحطّ من آفاق الرئيس الأسبق؟

هذا الموضوع معقد، والبروباغندا فيه أكثر بكثير من الواقع. يكفي أن نتذكر أن الرئيس الراحل قد جعل إعادة العلاقات مع النظام في سوريا نقطة أساسية في حملته الانتخابية في 2014، وأنه طيلة السنوات الخمس تقريبًا التي قضاها في الرئاسة، لم يتقدم خطوة واحدة في هذا الخصوص.

لكن القول إن هذا الموضوع فقدَ أي تأثير هو أيضًا مغالطة، أعتقد أن هناك واقعًا جديدًا في سوريا، يفرض على الأقل التفكير بهدوء في طريقة التعامل معه، وينبغي أن نصارح أنفسنا الآن بأن أخطاء في التقييم قد وقعت، وعلينا أن نأخذ العبرة من هذه الأخطاء.

  •  مازال الشأن الليبي يؤرّق الجانب التونسيّ، كيف تقرأ برامج المترشّحين في معالجة هذه المسألة؟

الوضع في ليبيا مصدر قلق مستمر للتونسيين منذ سنوات، وهذا غير طبيعي بالمرة. يعني أن الوضع الطبيعي هو الاستقرار والانفتاح الكامل في العلاقة بين البلدين. كل المترشحين تناولوا هذا الموضوع، وكلهم أبدوا استعدادهم لوضع تونس إمكانياتها من أجل التوصل إلى حل في هذا الملف، يرضي الفرقاء في ليبيا ويعيد الاستقرار على حدونا الجنوبية، ويعيد قطار التعاون بين البلدين إلى سكته الخصبة.

عدنان منصر: ينبغي أن نصارح أنفسنا الآن بأن أخطاء في التقييم قد وقعت في الملف السوري وعلينا أن نأخذ العبرة من هذه الأخطاء

لكن المشكل الأساسي يبقى في ضبابية فهم المترشحين للوضع في ليبيا. الوضع هناك معقد جدًا، نتيجة لتداخل الصراع مع الاعتبارات الاقليمية والدولية. أضعنا وقتًا ثمينًا في هذا الخصوص، ولم يًنجز شيء تقريبا خلال السنوات الخمس الماضية. في المقابل، ليس لدى الأشقاء الليبيين أي حرج من مساهمة تونس في حل الأزمة. وهذا في حد ذاته منطلق جيد لأية مبادرة حقيقية في الفترة القادمة.

  •    ذكرتَ سنة 2018 أنّ يوسف الشاهد قد أصبح الرجل الأكثر نفوذًا، هل حافظ على هذه المنزلة؟ وما هي العناصر التي تدعم تفوّقه في انتخابات 2019، وما الذي يمكن أن يعطّل مساره إلى قصر قرطاج؟

في 2018 تمكن يوسف الشاهد من إفشال محاولة رئيس الجمهورية والحزب الفائز في الانتخابات من الإطاحة به، وهذا طبعًا دليل قوة، هل يفيده ذلك في هذه الانتخابات؟ لا أعتقد، الرجل يتقدم للانتخابات بعد حكم ثلاث سنوات كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وما يمكن أن يعد به الآن كمرشح في هذه المواضيع يتناقض مع أدائه طيلة سنوات مسؤوليته الحكومية.

في السياق التونسي بعد الثورة، من يدخل الانتخابات من باب الحكم، يخسر دائمًا. إذا المسألة ليست متعلقة بدرجة أساسية بالأداء الشخصي للمترشح، بقدر ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي لم تستطع أية حكومة إلى حد الآن أن تجد لها الحلول، لهذه الأسباب يبدو الشاهد الأقل حظا من غيره في كوكبة الطليعة.

  •   رشّحت حركة النهضة عبد الفتّاح مورو، فهل تحدّ هذ المبادرة من طموحات المنصف المرزوقي الذي استفاد سابقاً من الخزان الانتخابيّ للإسلاميين؟

هذا أمر حتمي. أعتقد أن ترشيح النهضة لعبد الفتاح المورو كان أكثر الأخبار سوءًا بالنسبة إلى الدكتور المرزوقي، وهذا طبيعي بسبب التداخل الكبير بين قاعدته الانتخابية والقاعدة الانتخابية للنهضة في الرئاسيات. ولكن التعويل على أن الأمور لن تتغير في 2019 عن الوضع في 2014، هو أيضا خطأ جسيم.

عدنان منصر: في السياق التونسي بعد الثورة، من يدخل الانتخابات من باب الحكم، يخسر دائمًا

الأخطاء التي أفرغت حزب الحراك من هويته السياسية، واستيلاء المقربين من الخط الإسلامي، بطرق لا أفضل العودة إليها هنا، جعل النتيجة التي نشاهدها اليوم متوقعة بل طبيعية. كان ذلك نقيضًا للمشروع الذي انطلق فيه غداة 2014 وهو بناء حزب جديد بالاستفادة من أخطاء الماضي، وخاصة أخطاء فترة الترويكا، وبالتموقع في الخط الأصيل لحزب المؤتمر كحزب ديمقراطي علماني منفتح. للأسف، سقط كل ذلك في الماء بارتكاب نفس الأخطاء.

  • ترشّح للرئاسة عدد كبير من ممثلي العائلة الاجتماعيّة الديمقراطيّة التي تُنسب إليها، ما سبب هذا التشتّت، وكيف السبيل إلى التأليف بين فرقاء اللون السياسيّ الواحد؟

فات الأوان بالنسبة إلى هذه الانتخابات، لقد مثّلت الرغبة في التأليف من أهم الأفكار التي لم ننجح في ترسيخها أنا وأصدقائي في حزب الحراك، وكانت بالتالي سببًا أصليًا في انسحابنا من الحزب منذ الانتخابات البلدية. لقد راهنّا على ندخل الانتخابات التشريعية متحدين في حزب أو تحالف ديمقراطي اجتماعي واسع، قلنا آنذاك إن الأمر يتطلب العودة إلى الخط السياسي الأصيل الذي تأسس على أساسه الحزب، والمذكور بوضوح وإسهاب في كل لوائحه، أي أن الأمر يتطلب استعادة مصداقية الانتماء إلى نفس العائلة عبر نقد ذاتي وإصلاح عميق.

لسوء الحظ، لم تكن تلك قناعة الجميع. آمل أن يحصل ذلك بعد هذه الانتخابات، حيث سيكون للجميع متسع من الوقت لاستيعاب الدرس مجددًا، لا يجب أن يتكرر في 2024 نفس مشهد 2019.

عدنان منصر: أعتقد أن ترشيح النهضة لعبد الفتاح المورو كان أكثر الأخبار سوءًا بالنسبة إلى الدكتور المرزوقي، وهذا طبيعي بسبب التداخل الكبير بين قاعدته الانتخابية والقاعدة الانتخابية للنهضة في الرئاسيات

  •  في ظلّ انتشار الجريمة، يراهن العديد من المترشّحين، على المعالجة الأمنيّة الصارمة، هل تلمس في هذا المشروع ما قد يتعارض مع مكسب الحريّة الذي أثمرته ثورة 2011؟ ومن تراه أقدر على التوفيق بين المحافظة على الحريّة وضمان هيبة القانون؟

في 2014 أيضًا، كان هذا الموضوع حاضرًا، وكان يفترض أن مرشح "هيبة الدولة" هو الذي سينجز البرنامج بعد فوزه. ماذا حصل؟ لا شيء. لماذا؟ لأن الموضوع معقد، وهو اقتصادي اجتماعي بدرجة أولى، لا يمكن أن تكافح الجريمة بنجاعة عندما تفشل في توفير مواطن الشغل للشباب وللذين تلفظهم المدارس والجامعات. حتمًا، من تعوزه منهم الهجرة إلى أوروبا، سيجنح إلى الجريمة ليعيش. لذلك قلنا إن التحدي اقتصادي واجتماعي بدرجة أولى. في هذه النقطة بالذات، برامج المترشحين ضبابية جدًا للأسف.

  • تناغمًا مع هيئة الحقيقة والكرامة وعد بعض المترشحين مثل سيف الدين بن مخلوف بدعوة فرنسا إلى الاعتذار وتقديم التعويضات عن الانتهاكات زمن الاستعمار، استنادًا إلى تجربتك السياسيّة والأكاديميّة باعتبارك أستاذاً في التاريخ المعاصر، هل يحمل هذا الوعد الانتخابيّ شروط تحقّقه؟

التجربة تقول إنك في حالة الضعف، لا تستطيع أن تطلب شيئًا، وإذا طلبته فإنك لا تستطيع أن تفرضه، لا شكّ أنّ فرنسا قد احتلت تونس واستغلتها، والثابت أنّ هذه الدولة ما تزال تستفيد من وضعيتها السابقة كمستعمر للبلاد، في المقابل هل هناك مصالح لتونس في التعامل مع فرنسا؟ طبعا هناك مصالح. كل اقتصادنا يقوم على اعتبارات تفضيلية لفرنسا خصوصًا وللاتحاد الأوروبي عمومًا.

كنت أتمنى أن يقول لنا المترشح، عمليًا، كيف سيتخلص من العلاقات غير العادلة وغير المتكافئة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي. هل لديه خطة بتنويع الشركاء، بالدخول في تحالفات اقتصادية جديدة، بتغيير النمط التنموي بطريقة تكفل مصالح أكبر لتونس في تعاملاتها. لم يكن هناك أي شيء في هذا المجال، وبالتالي لا نستطيع الحديث عن برنامج، بل عن مجرد شعارات.

عدنان منصر: أقرب المرشحين للمرور للدور الثاني هم من الوافدين حديثًا على الساحة السياسية وممن لم تكن لهم أية تجربة حزبية

  • من تظنّه من الستّة وعشرين مترشّحًا أقرب إلى الدور الثاني؟

هذه الانتخابات قد تنتج مفاجأة كبيرة: أقرب المرشحين للمرور للدور الثاني هم من الوافدين حديثًا على الساحة السياسية وممن لم تكن لهم أية تجربة حزبية. المتميزون عن غيرهم في عمليات سبر الآراء منذ بضعة أشهر هما اثنان: ممثل للمافيا الاقتصادية والتجارية والإعلامية يقبع حاليًا في السجن على ذمة القضاء، وأستاذ قانون لا يملك حزبًا ولم تكن لديه أية تجربة سياسية.

لكن الأخطر من هذا السيناريو عندما ستتم الانتخابات التشريعية ويتضح المشهد في المجلس، كيف ستكون العلاقة بين الرئاسة والحكومة والبرلمان. دعني أؤكد لك أن الوضع لن يكون سهلًا، وربما اضطرت البلاد لخوض انتخابات سابقة لأوانها بصفة مبكرة جدًا.

  •   شدّك العمل الأكاديميّ، لكنّك لم تُعرض عن الشأن السياسيّ متابعة وقراءة وتقييمًا، هل يمكن أن يثمر هذا التفاعل عودة إلى النشاط الحزبي في إطار جديد أو متجدّد؟

أنا من الذين يعتقدون أن أية تجربة سياسية وحزبية هي تجربة محترمة، بالنظر للجهد الذي بذلناه فيها، طالما لم تخرج هذه التجربة عن المبادئ الكبرى التي يتبناها الشخص، من هذا المنطلق، يصبح فشل التجربة مدعاة للتفكر فيها وأخذ العبرة، أنا الآن في هذه الوضعية تحديدًا.

 في المقابل، لا أريد أن أجزم بأنني لن أنتمي إلى أي تجربة حزبية أخرى في المستقبل المتوسط، ولكنني سأقوم بما يحتمه علي الواجب في أي مسعى توحيدي للعائلة الديمقراطية الاجتماعية، من أي موقع كان، والأفضل أن يكون من المواقع غير المتقدمة.

في السنوات الخمس القادمة، قراري هو أن أركز على نوع آخر من الإضافة، بترسيخ موقع مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي في المشهد، وبالكتابة، وهذه أيضًا سياسة.

مراسل "ألترا تونس" مع عدنان منصر

اقرأ/ي أيضًا:

محسن مرزوق: للجيش دور اقتصادي ممكن وأؤيد إنتاج "الزّطلة" لأغراض طبية (حوار)

مصطفى بن جعفر: نحن في مرحلة البناء الفوضوي وهذا مرشحي للرئاسيات (حوار)