26-فبراير-2022

قصة طالب تونسي عالق في أوكرانيا عن رحلة الهروب من "دينبرو" نحو "لفيف" قرب الحدود البولونية (صورة توضيحية/ أ ف ب)

 

الرحيل من "دينبرو" ثالث أكبر المدن الأوكرانية بعد الاجتياح الروسي يصبح الحلم الأكبر لأم تونسية مكلومة تعلق قلبها بابنها الطالب "عزيز" العالق في المدينة.

السبت 26 فيفري/شباط 2022، الساعة الخامسة صباحًا بالتوقيت المحلي، يتجول عزيز في شوارع دينبرو المقفرة لا سيارات، ولا مارّة، ولا حركة. بل نامت المدينة في صقيع البلقان. درجات الحرارة أربعة تحت الصفر والشجر قد تساقط عنه الورق على جنبيْ الطريق والجميع يلتزم البيوت في صمت مطبق وقد خفتت الأضواء واسترسل حزن الحرب في التغريد. نقل عزيز بعدسة جواله قوافل سيارات المنظمات الدولية رابضة أمام الكنيس اليهودي بالمدينة وقد احتمى المراقبون الدوليون بها لعلّها المكان الوحيد المحصن من الهجوم الروسي.

 خرج "عزيز" صباحًا وقد هرب النوم عن جفنه لأيام منذ بداية القصف الروسي على أوكرانيا، وأعيته الحيلة للوصول إلى حلّ للخروج من التراب الأوكراني.. ليلتان قضاهما رفقة الآلاف من سكان المدينة في أنفاق المترو تحت الأرض خوفًا من قصف محتمل

 خرج "عزيز" صباحًا وقد هرب النوم عن جفنه لأيام منذ بداية القصف الروسي على المدن الأوكرانية. لم ينم الليل وقد أعيته الحيلة للوصول إلى حلّ للخروج من التراب الأوكراني نحو بولندا أو رومانيا. ليلتان قضاهما عزيز رفقة الآلاف من سكان المدينة في أنفاق المترو تحت الأرض خوفًا من قصف روسي محتمل.

 غادر "عزيز" دينبرو وانطلق في رحلة البحث عن حل لمغادرة أوكرانيا إثر القصف الروسي

وقد علمنا أن شبكة أنفاق المترو في مدينة دينبرو هي الوسيلة الرئيسية للتنقل وتمتد على مسافة 7.6 كلم وتضم 6 محطات رئيسية وهو ما مكن السكان من الاحتماء بها، في الليلة الأولى من زمن القصف خاصة.

اقرأ/ي أيضًا: تونسيون بأوكرانيا يوجهون نداءات إلى السلطات التونسية لإجلائهم

فاجأت الحرب الجميع، أهل المدينة وزوارها، ومن بينهم الطلبة التونسيون المقيمون فيها، فقضى الجميع ليلتهم الأولى وقوفًا داخل أنفاق المترو. وقد أسرّ الطالب "عزيز" لأمه عن عناء الليلة التي قضوها هناك وقد التحفوا البرد والصقيع وعند اندلاج الصباح، غادروا المحطة نحو بيوت الأوكرانيين الذين استضافوهم لحين بحثهم عن حل الخروج من المدينة.

استفاقت منية اللطيفة، أم تونسية تقطن بالساحل التونسي، على أصداء الحرب الروسية الأوكرانية صباح الخميس 24 فيفري/شباط 2022، فاهتزّ فؤادها من هول الخوف على ابنها "عزيز" الذي ظل عالقًا في المدينة.

قضى الجميع ليلتهم الأولى وقوفًا داخل أنفاق المترو. وقد أسرّ الطالب "عزيز" لأمه عن عناء الليلة التي قضوها هناك وقد التحفوا البرد والصقيع. وعند اندلاج الصباح، غادروا المحطة نحو بيوت الأوكرانيين الذين استضافوهم لحين بحثهم عن حل

وبتواصل "الترا تونس" مع منية، والدة "عزيز"، أكدت أن ابنها في مأمن من القصف في الوقت الراهن، لكن آثار القصف على مناطق عسكرية في خاركوف، المدينة المجاورة، كان لها الأثر السيء على دينبرو.

منية اللطيّفة والدة عزيز تؤكد أن ابنها عزيز تمكن أخيرًا من مغادرة "دينبرو"

حاولنا الاتصال بالطالب التونسي "عزيز" في الساعات الأولى من صباح السبت 26 فيفري/شباط 2022، لكن الهاتف استمرّ في الرنين دون ردّ. كان القلق ينتابنا في كل لحظة لغياب معلومات محيّنة حول أماكن تواجده.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الخارجية يجتمع بمنظمات دولية وسفراء لتأمين إجلاء التونسيين من أوكرانيا

وظهر السبت، تمكنا من التواصل معه، وأعلمنا أنه تمكن من استقلال القطار في رحلة من دينبرو نحو مدينة لفيف في الغرب الأوكراني على مسافة 70 كلم من الحدود البولونية، بعد عناء شديد وازدحام كبير، رفقة مجموعة من الطلبة التونسيين، وما لبث أن انقطع الاتصال مجددًا لانعدام شبكة الاتصالات.

رحلة البحث عن الحافلات من أجل عبور الطريق البرية التي يبلغ طولها 1000 كلم بين دينبرو وبولندا استمرت ليومين دون جدوى. وقد حاول عزيز رفقة مجموعة من الطلبة كراء إحداها للمضي في الطريق رغم المخاطر المحدقة والقصف المتواصل في مناطق عديدة من أوكرانيا.

رحلة البحث عن الحافلات من أجل عبور الطريق البرية التي يبلغ طولها 1000 كلم بين دينبرو وبولندا استمرت ليومين دون جدوى، وتواصلت رحلة البحث من أجل المضي في الطريق رغم المخاطر المحدقة والقصف المتواصل

وفي اتصال سابق مع عزيز، أكد لنا أنه لم ييأس من العثور على حافلة تقلّهم نحو الحدود، لكن بعد أن تم الاتفاق مع سائق إحدى الحافلات بسعر يناهز 6000 دولار أمريكي عدل صاحب الحافلة عن الالتزام بالرحلة واكتشف عزيز بعد ذلك أن هناك من اتفق معهم بسعر خيالي أعلى، ففي زمن الحرب صارت وسائل الربح كلها متاحة وأبرزت تجارًا من نوع آخر.

الحرب المفاجئة كان لها الأثر المباشر على الطلبة التونسيين المقيمين في المدن الأوكرانية ومن بينها مدينة دينبرو التي تعتبر ثالث أكبر مدن أوكرانيا وأجملها، ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني شخص وهي عاصمة الإقليم الذي يحمل اسمها وكانت المدينة إبان فترة انضمام أوكرانيا للاتحاد السوفييتي واحدة من أهم المدن السوفييتية في صناعات الفضاء والأسلحة.

اقرأ/ي أيضًا: حزب العمال يدين الحرب في أوكرانيا ويستنكر "التخلي" عن التونسيين هناك

باتصالنا مجددًا بالطالب التونسي عزيز بن صالح وجدنا رقمه خارج الخدم. في الوقت نفسه أكدت أمه ظهر السبت أنها تلقت تطمينات من أحد رفاقه بأنه في القطار لمغادرة المدينة نهائيًا نحو الحدود، لكنها لم تتمكن من مدنا بمعطيات دقيقة حول زمن الرحلة والظروف التي تحفّها.

"عزيز" ليس إلا واحدًا من قرابة 1500 تونسي متواجد في التراب الأوكراني

وخلال تصفح بعض التعاليق على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظنا أن التواصل بين أفراد الجالية التونسية المتواجدين في أوكرانيا كان حثيثًا، خاصة في المجموعات الخاصة بهم على فيسبوك، للبحث عن الحلول الكفيلة بالخروج من المدن الذين علقوا فيها، كما لاحظنا تفاعلًا شديدًا من أفراد عائلاتهم الذين بدا واضحًا القلق الشديد من تعليقاتهم لاسيّما أمام انسداد الأفق أمام البعض منهم.

رئيس جمعية "دار تونس بأوكرانيا": الإشكال حدث عند البحث عن طريق آمن نحو المدن الحدودية. وقد حاولنا إيجاد حلّ بالتنسيق مع وزارة الخارجية في تونس، واتفقنا على أن يصير إجلاء التونسيين انطلاقًا من إحدى مدن الغرب الأوكراني

وقد أكد رئيس جمعية "دار تونس بأوكرانيا" سفيان المطوسي، في تصريح صحفي، أن "عددًا من الطلبة والتونسيين المقيمين بمناطق عدة بأوكرانيا استحال تنقلهم إلى المناطق الحدودية بين أوكرانيا وبولونيا"، وفقه.

وأضاف المطوسي: "الإشكال حدث عند البحث عن طريق آمن نحو المدن الحدودية لمدن تبعد عنها 900 كلم، وقد حاولنا إيجاد حلّ بالتنسيق مع خلية الأزمة التي تكونت في وزارة الخارجية في تونس، واتفقنا على أن يصير إجلاء التونسيين انطلاقًا من إحدى مدن الغرب الأوكراني".

ووفق آخر تحيين للمعطيات الرسمية، تم تسجيل أكثر من 314 تونسيًا مقيمًا في أوكرانيا في قائمة الراغبين في العودة إلى تونس من جملة 1500 تونسي، كما غادر نحو 40 تونسيًا التراب الأوكراني في الساعات الأخيرة، وفق تصريح إذاعي، السبت، لمحمد الطرابلسي مدير الديبلوماسية العامة والإعلام بوزارة الخارجية التونسية.


 

اقرأ/ي أيضًا:

الإنسان والحرب في أوكرانيا.. تراجيديا بلا نهاية

اجتياح أوكرانيا يرفع أسعار القمح والنفط ومواد أخرى.. أي تداعيات على تونس؟