24-فبراير-2022

سعيّد: تونس تعمل على إجلاء التونسيين الموجودين في أوكرانيا عن طريق البر عبر بولونيا (فليبو مونتفورتي/أ.ف.ب)

 

منذ انطلاق الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، صباح الخميس 24 فيفري/شباط 2022، وبعيدًا عن عدد القتلى والجرحى والطائرات والمباني المحطمة، يُنتظر أن يكون لهذه العملية العسكرية الواسعة انعكاسات على أسعار عدة مواد أساسية عالميًا منها النفط والقمح والذرة والألومنيوم والذهب وغيرها من المواد والخدمات، كما من المتوقع تسجيل اضطراب في سلاسل التوريد عالمياً، خاصة إذا طالت فترة المواجهات.

تونسيًا، قد يتأثر البلد اقتصاديًا في مجالات محددة خاصة إن طال أمد الحرب. في هذا المقال، محاولة لتوضيح ذلك استنادًا إلى بعض المعطيات والأرقام.


  • ارتفاع أسعار الحبوب

صباح الخميس 24 فيفري/شباط 2022، سجّلت أسعار الحبوب مستويات قياسية في جلسات التداول في السوق الأوروبية. بلغ سعر القمح سعرًا غير مسبوق إطلاقًا مع 344 يورو للطن الواحد لدى مجموعة "يورونكست" التي تدير عددًا من البورصات الأوروبية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية. وارتفعت بذلك بشكل كبير أسعار القمح والذرة التي تشكل أوكرانيا رابع مصدّر لهما عالميًا.

كان متوقعًا أن يؤدي أي صراع عسكري بين الدولتين المنتجتين لنحو 29% من صادرات القمح عالميًا إلى ارتفاع أسعار الحبوب بالنظر إلى التدافع المتوقع بين المستوردين، وهو ارتفاع قد يكون لافتًا أكبر كلما طال أمد الحرب

وكان متوقعًا منذ فترة أن يؤدي أي صراع عسكري بين الدولتين الجارتين المنتجتين لنحو 29% من صادرات القمح عالميًا و19% من إمدادات الذرة، و80% من صادرات زيت دوار الشمس، إلى ارتفاع أسعار الحبوب بالنظر إلى التدافع المتوقع بين المستوردين للحصول على الإمدادات، وهو ارتفاع قد يكون لافتًا ومقلقًا أكبر كلما طال أمد الحرب.

وتونس، دولة مستوردة لحوالي نصف حاجياتها من الحبوب خاصة من أوكرانيا وروسيا. وتعاني تونس، في هذا السياق، مشاكل سابقة للتطورات الأخيرة دوليًا، إذ تعرف موانئ البلاد طول فترة رسوّ بعض البواخر المحملة بالحبوب ومواد أخرى في انتظار تفريغ شحناتها، وذلك لعدم توفر السيولة اللازمة من العملة الصعبة لتفريغ الشحنات وتزويد السوق.

وقد أثر تراجع تونس في الترقيم السيادي، وفق عدد من وكالات التصنيف المالي الدولية، على طريقة تعامل المزودين الذين صاروا يطالبون بخلاص مستحقاتهم قبل تنزيل الشحنات.

لكن مسؤولًا بوزارة الفلاحة التونسية قد صرح لوكالة رويترز، مساء الخميس، أن "تونس أتمت طلبياتها الضرورية حتى الصيف من شراءات القمح قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا ولن تواجه أي نقص حتى موسم جني المحصول في الصيف"، وفقه. وأضاف حامد الدالي، المدير العام للمرصد الوطني الفلاحي، أنه "بهذه الشراءات سيكون مخزون تونس من الحبوب كافيا حتى شهر جوان/يونيو 2022".

اقرأ/ي أيضًا:

من بينها الحليب والزيت والحبوب: أزمات غذائية "قاعدية" تلوح في أفق تونس

بسبب عدم القدرة على الدفع: بقاء 4 بواخر حبوب مستوردة في عرض البحر بميناء صفاقس

  • سعر برميل النفط يتخطى عتبة 105 دولارات 

مع إعلان روسيا، الخميس، بدء عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا تخطت أسعار النفط في الأسواق العالمية حاجز 105 دولارات. ومن المتوقع تواصل ارتفاع أسعار الطاقة بشكل عام في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطاع النفط والغاز في روسيا، وهي منتج رئيسي للنفط الخام وتعتبر ثاني أكبر منتج بعد الولايات المتحدة، وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي إلى أوروبا.

لكن البديل أوروبيًا وأمريكيًا قد يكمن في الدول العربية المنتجة للنفط والغاز أساسًا دول الخليج، وخاصة الجزائر بالنسبة لأوروبا، لتوفير أي نقص في إمدادات النفط والغاز للقارة العجوز. وهنا قد يعكس ذلك استفادة جزئية تونسيًا، كمثال يمر خط الغاز من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس، وسيكون لتونس استفادة مادية من تزايد نشاط هذا الخط.

يمر خط الغاز من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس، وسيكون لتونس استفادة مادية في حال تزايد نشاط هذا الخط تعويضًا للغاز الروسي

لكن فكرة الارتفاع الكبير في أسعار النفط عالميًا خاصة لو لم يتجه كبار المنتجين لزيادة إنتاجهم ستكون كارثية تونسيًا، فالبلد قد حدد فرضية 75 دولار للبرميل في آخر ميزانية/موازنة للسنة الحالية، وكل زيادة في الأسعار تمثل تحديًا حقيقيًا لدولة تعاني صعوبات حادة في توفير تمويل ميزانيتها داخليًا وخارجيًا.

وارتفاع أسعار النفط عالميًا، سيضطر الحكومة التونسية إلى مواصلة تفعيل إجراء التعديل الآلي لأسعار المحروقات، والذي يتم منذ فترة كل ثلاثة أشهر وقد تضطر لمزيد التشديد في ذلك.

فكرة الارتفاع الكبير في أسعار النفط عالميًا خاصة لو لم يتجه كبار المنتجين لزيادة إنتاجهم ستكون كارثية، فتونس قد حددت فرضية 75 دولارًا للبرميل في آخر ميزانية وكل زيادة في الأسعار تمثل تحديًا حقيقيًا

  • ارتفاع كلفة إنتاج المواد الغذائية ومواد وخدمات أخرى

من البديهي أن لأي زيادة في أسعار النفط، أثر مباشر على تكلفة إنتاج عديد المواد عالميًا ومنها المواد الغذائية وهو ما يعني ارتفاعًا في تكلفة توفير هذه المواد محلياً في تونس. كما أن الاضطراب على مستوى سلاسل التوريد عالمياً بالنظر لتزايد الطلب قد يساهم في نقص في بعض المواد الأساسية في السوق التونسية.

  • عمل ضروري على إجلاء التونسيين في أوكرانيا

مع اجتياح روسيا أراض أوكرانية، صباح الخميس 24 فيفري/شباط 2022، تعالت نداءات تونسية مطالبة السلطات بالتدخل لإجلاء التونسيين في أوكرانيا. وقد نشرت جمعية الجالية التونسية بأوكرانيا، صباح ذات اليوم، بلاغًا دعت من خلاله التونسيين في أوكرانيا إلى التواصل مع المسؤولين صلب الجمعية للتنسيق معهم، واضعة على ذمتهم أرقام هواتف للاتصال.

عدد التونسيين في أوكرانيا يقدر بحوالي 1500 شخص ومن مطالبهم منذ سنوات اعتماد سفارة تونسية في كييف

كما دعت جمعية الجالية التونسية بأوكرانيا التونسيين هناك إلى "مسك النفس والتهدئة وأخذ الحذر، مع ضرورة البقاء في البيت وعدم الخروج إلى الشارع إلا لضرورة"، وفق ما جاء في نص البلاغ.

ووجه رئيس الجمعية طارق العلوي، في تصريحات إعلامية متعددة، صباح الخميس، "نداء استغاثة لإجلاء التونسيين بأوكرانيا، وخاصة الطلبة، لاسيما وقد تم غلق المجال الجوي وإلغاء الرحلات التي كانت مبرمجة". وتوازيًا مع ذلك، ضجت مجموعات التونسيين بأوكرانيا على منصات التواصل الاجتماعي موجهين نداءات استغاثة من أجل إجلائهم.

يذكر أن عدد التونسيين في أوكرانيا يقدر بحوالي 1500 شخص، وفق الجمعية المذكورة، وقد سبق أن طالبوا في مناسبات عدة باعتماد سفارة تونسية في كييف لأن التونسيين يضطرون إلى السفر إلى موسكو أو فرصوفيا لتسوية وضعياتهم الإدارية أو إشكاليات أخرى بالنظر لغياب سفارة تونسية في أوكرانيا.

وكان الرد الرسمي، مساء الخميس، حين قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، في كلمة ألقاها خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء، إن تونس تعمل على إجلاء التونسيين الموجودين في أوكرانيا عن طريق البر عبر بولونيا، مضيفًا أن العمل جار حالياً لتحديد المسالك وكيفية عودتهم إلى تونس أو بقائهم في دول مجاورة أخرى حتى تضع الحرب أوزارها.

مسؤولون بالخارجية التونسية: تونس لن تصطف مع أي طرف في الحرب الحالية وإن كانت تحمل "صفة حليف رئيسي خارج الناتو" لكنها ليست عضوًا وبالتالي لا تلزمها التزامات أعضاء الناتو

وكان مسؤولون بالخارجية التونسية قد أكدوا، في تصريحات إعلامية، أن تونس لن تصطف مع أي طرف في الحرب الحالية وأنها وإن كانت تحمل "صفة حليف رئيسي خارج الناتو" لكنها ليست عضوًا وبالتالي لا تلزمها التزامات أعضاء الناتو".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الخارجية تدعو التونسيين في أوكرانيا لمغادرة المناطق التي تشهد توترًا ملحوظًا

تونسيون بأوكرانيا يوجهون نداءات إلى السلطات التونسية لإجلائهم

قيس سعيّد: العمل جار على إجلاء التونسيين بأوكرانيا برًا عبر بولونيا